الجمعة، 1 نوفمبر 2013

ونحن نمر بأحداثٍ قد تجذبنا إلى خارجنا علينا ألا ننسى أن نتجه لداخلنا


       الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ..."[الأعراف 43].
عباد الله: إننا وإن كنا نمر في حياتنا، وفي أحداث مجتمعنا، بمتغيراتٍ كثيرة، إلا أننا علينا ألا ننسى طريقنا وجهادنا مع أنفسنا، ومفهومنا في ديننا، وفيما يجب أن نكون عليه في سلوكنا الفرديّ، وفي سلوكنا الجماعيّ.
فنحن كأفراد، علينا أن نلتزم بما نُذاكر به أنفسنا دائماً، في كيفية قيامنا بعباداتنا، وفي كيفية تعاملنا مع مجتمعنا، وفي كيفية تعاملنا مع الله في كل ذلك.
في عباداتنا، علينا ألا ننسى أننا نحاول ونجتهد، أن تكون عباداتنا سبباً في تغيير سلوكنا، وفي تقوية معنوياتنا وضمائرنا وقلوبنا، في تزكية نفوسنا، وفي تطهير أرواحنا، وأن نتعامل مع عباداتنا بما نتذاكر به، وبما نفهمه فيما بُلِّغنا به، من أن كل العبادات، إنما هي لتهذيب سلوكنا، ولتهيئتنا لأن نكون أهلاً لاستقبال نفحات الله ورحماته. وهذا، هو مفهومنا.

فحديث رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ لنا: [من لم تنهه صلاته فلا صلاة له](1)، " ... إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ..." ]العنكبوت 45 فلا يغتر إنسانٌ أنه محافظٌ على صلواته، [من نوقش الحساب فقد هلك](2)، إنما عليه أن يطمع في رحمة الله، وفي توفيق الله، وفي أن تكون صلاته صلاةً حقة، تغير فيه شيئاً، تجعله أكثر رقياً، وأكثر تَرفُّعاً، وأكثر إحساساً بمعية الله وبنور الله، في كل ما يمر به.
ففي ديننا، ما يعلمنا ذلك. ففي الحج، حديث رسول الله ــ صلوات الله عليه وسلم ــ [من حج فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه](3). يفسر الكثيرون ذلك بصورةٍ حرفية، في تأدية الشعائر بشكليةٍ مُتقَنة. مع أن المعنى أعمق من ذلك، لأن عدم الفسوق، لا يعني فقط مجرد شكل في التعامل أو في أداء الشعائر، وإنما في مفهوم ما يقوم به من هذه الشعائر، وفي ماهيتها بالنسبة له، وفي إدراكه لها، وفي تأمله فيها، وفيما ينتج عن كل ذلك من تغييرٍ في وجدانه، وفي معاملاته، وفي سلوكه، وفي تفكيره، وفي رؤيته للحياة.
وهذا ليس تعجيزاً، في أن يقوم الإنسان بالعبادة بصدق، ولكن في أن يفهم، أنه عليه أن يطمع أكثر في رحمة الله. فلكي يقوم في هذا الحال، هو يحتاج إلى عونٍ وإلى قوةٍ من الله، وأنه وإن كان قد أدى أي عبادةٍ، وهو عنده قدرٌ أدنى مِن طلب الله، ومقصود وجهه، ومِن أن يتولاه برحمته، وأن يوفقه لما يُصلِح حاله، فقد خطى خطوةً في الطريق.
وأن الأمل في الله كبير، وألا يزيده ذلك، إلا طمعاً في رحمة الله. ورسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ يعلمنا ذلك، [ها أنا رسول الله بينكم، ولا أدري ما يفعل بي غداً](4)، [لا يدخل الجنة أحدكم بعمله، حتى أنت يا رسول الله، حتى أنا ، ما لم يتغمدني الله برحمته](5).
فالعبادة، ليست قضية ميكانيكية، تؤديها بحركاتٍ وأشكالٍ، فيؤدي ذلك إلى تغييرٍ أو إلى مغفرةٍ، وإنما هي عمليةٌ معنويةٌ وروحية أيضاً، ولتؤتي أثرها، تحتاج إلى مداومة وإلى تراكم معنوي ومعرفي وسلوكي، وإلى وعيٍ دائمٍ في تأديتها، وفي القيام بها، واستحضار معانيها.
فبعض العبادات، لا يمكنك أن تؤديها بشكلها باستمرارٍ، مثل الحج، وإنما تستطيع أن تستحضر معاني الحج دائماً، في وجدانك وفي عقلك وفي قلبك. وهذا أيضاً، يفسر لنا، أن القضية ليست مجرد شكلٍ نقوم به، وإنما هو استحضار المعاني، استحضار المعاني الدائم لعباداتنا، ولكل ما أُمِرنا به في ديننا.
لذلك، كانت خشية الله، "...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..."[فاطر 28]، [أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه](6)، لأن: أن تكسب وجودك في الله، ليست قضية هينة، إنما هي جهادٌ ومجاهدة، وأن تحافظ دائماً، على أن تطلب رحمة الله، وأن تكون أهلاً لنفحات الله.
فواجبٌ علينا، ونحن نمر بأحداثٍ قد تجذبنا إلى خارجنا، إلا أن علينا، ألا ننسى أن نتجه لداخلنا، وأن نظل قائمين في ممارساتنا: لجهاد نفوسنا، لتحرير عقولنا، لتطهير قلوبنا، لتزكية نفوسنا، لتطهير أرواحنا ـ بالدعاء المستمر، والأمل في الله، والمجاهدة المستمرة التي لا تنقطع.
وأن يكون ما يحدث خارجنا، هو سببٌ في تقوية عزائما، وفي تطهير قلوبنا، بأن يساعدنا ذلك ألا نجد لنا ملجأ إلا الله، وألا نجد لنا مقصداً إلا الله، وألا نجد لنا من ندعوه إلا الله، وألا نجد لنا من نسأله إلا الله، ومن نرجوه إلا الله، ومن نطلبه إلا الله ـ فنشهد حقاً، أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
______________________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن علينا، أن نحافظ على جهادنا مع أنفسنا، وعلى سلوكنا في طريقنا، وعلى مداومة الدعاء في كل ما نقوم به من عبادات، لنسأل الله أن يجعلنا أكثر قدرةً أن نعمل عملاً صالحاً، نطهر به وجودنا، ونطهر به قلوبنا وأرواحنا، ننير به عقولنا، ونحيي به أفئدتنا.
مقبلين في طريقنا غير مدبرين، سالكين غير متخاذلين، مجتمعين على ذكر الله وعلى مقصود وجه الله غير متفرقين، "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ..."[آل عمران 103]،  متواضعين غير مغترين، مستعينين بالله دائماً على شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا، محتسبين الله في كل أعمالنا، مدركين شاهدين أن لا إله إلا الله، وقائمين وسالكين في شهادة أن محمداً رسول الله. نريد أن نكون كذلك.
متوجهين دائماً إلى رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ في كل أحوالنا، لنكون به مقتدين، مخاطبينه كما خاطبه العارفون:
أنتم فروضي ونفلي         أنتم حديثي وشغلي
يا قبلتي في صلاتي         إذا وقفت أصلي
جمالكم نصب عيني                إليه وجهت كلي (7)
نستحضر هذه المعاني في صلاتنا، ونحن نتوجه إلى قبلتنا، مدركين أن قبلتنا هي معنىً حي، معنى لرسالة الله الدائمة على هذه الأرض، أوجدها لتستمر، أوجدها لتجيب كل سائلٍ، وكل طالبٍ، وكل متجهٍ إليها، لتساعده في حياته، وفي مفهومه في دينه، وفي تَعبُّده ومعاملاته ـ ليكون حقاً عبداً لله، سالكاً طريق الله، قاصداً وجه الله، عارجاً في معراج الله.
نرجو أن نكون كذلك، نرجو أن نكون من عباد الله الصالحين، الذين يقصدون وجه الله دائماً، والذين يرجون رحمته، ويطمعون في مغفرته، ويسألونه عطاءاً بلا حدود، "...عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ"[هود 108]، يُحيِي قلوبهم، ويحرر عقولهم، وينير عيونهم، ويضيئ الطريق أمامهم، حتى يسلكوا حياتهم، ويخرجوا رابحين فائزين.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا. 
_______________________________ 

(1)             أخرجه الطبراني الجامع الصغير للسيوطي بنص:"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً " .

(2)             "من نوقش الحساب فقد عذب" حديث شريف أخرجه البخاري ومسلم.

(3)             أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(من حج لله فلم يرفث ،ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه).

(4)            حديث شريف ، نصه (قال صلى الله عليه وسلم :"هذا أنا رسول الله , والله ما أدرى ما يصنع بي" ) ، وفى رواية أخرى " قال صلى الله عليه وسلم :ما أدرى وأنا رسول الله ما يفعل بى ولا بكم" .(أخرجه احمد ابن حنبل- مسند احمد بن حنبل).

(5)             "لا يُدخل أحدكم الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة وفضل" حديث شريف رواه أحمد بهذا اللفظ، ورواه البخاري ومسلم هكذا "سددوا وقاربوا وابشروا فإنه لن يُدخل الجنة أحدكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمه ".

(6)             "إني أتقاكم لله وأخشاكم له" حديث شريف أخرجه مسلم في صحيحه كما ورد في موطأ مالك ومسند أحمد بصيغ مختلفة.

(7)             من أشعار ابن الفارض.

 

 خطبة الجمعة 28 ذو الحجة  1434هـ الموافق 1 نوفمبر 2013م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق