الأحد، 8 سبتمبر 2019

الاستقامة لا تكون أبدًا في أن تفعل شيئًا لا ترى فيه الأفضل


حديث الجمعة 
25 شوال 1440هـ الموافق 28 يونيو 2019م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، نسأله رحمةً ومغفرةً وتوفيقًا، في كلِّ معاملاتنا، وفي كلِّ أعمالنا، وفي كلِّ عباداتنا، مدركين أنَّ الله أودع فينا سرَّه، خلقنا لنكون قيامًا له إرادته، وله مسئوليَّته.
فكلُّ إنسانٍ هو مسئولٌ، وكلُّ إنسانٍ هو راعٍ، هو راعٍ مسئولٌ عن رعيَّته، وأوَّل رعيَّته هي وجوده، وذاته، وأعماله، ومعاملاته، وكلُّ تفاعلٍ له على هذه الأرض. وهذا ما نُسمِّيه تكليف الإنسان، "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ..."[البقرة 286]، وأمَر الإنسان أن يُميِّز بين ما يريد وما لا يريد، بين ما يُحبُّ وبين ما لا يُحبّ، بل أنَّ في قصص القرآن ما يُعلِّمنا ذلك.
فموسى ـ عليه السَّلام ـ في مصاحبته للخضر ـ عليه السَّلام ـ وقد عَرَف عنه أنَّه "... عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا"[الكهف 65]، إلَّا أنَّ الآيات وهي تُحدِّثنا عن موسى، وعن تساؤله، وعن عدم رضائه عن بعض أفعال الخضر، بل كلِّها ـ فإنَّه بذلك كان يُعبِّر عن استقامة الإنسان في وجوده الأرضيّ، وفي تَعقُّله وتَفكُّره لما يحدث حوله.
وهذا الأسلوب والسُّلوك، هو السُّلوك الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يسلكه على هذه الأرض، مع وجود غيبٍ لا يدركه، وشهادةٍ يستطيع أن يدرك منها شيئًا، "... وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ..."[البقرة 255].
فآيات الكتاب حمَّالةٌ لأوجهٍ كثيرة في الفهم، وقد يجد الإنسان نفسه لا يستريح لتفسيرٍ من التَّفسيرات التي يقول بها من يَدَّعون العلم، وهنا لا حلَّ لهذا الحال إلَّا بأن يتِّبع قلبه، وأن يتفكَّر فيما يقوله الآخرون، فالمسئوليَّة مسئوليَّته، والاختيار اختياره، فلا يخشى في ذلك أن يكون قد انحرف؛ لأنَّه لم يستمع لكلام إنسانٍ مثله، له فهمه، وله قدرته التي يُفسِّر بها.
وكذلك، بالنِّسبة لأحاديث كثيرة، قد يكون بعضها قد ذُكِر فيما يُقال عنه أنَّه من الصِّحاح، ولكنَّ الإنسان ربَّما لا يفهم حديثًا مَّا، فهل هو مطالبٌ بأن يفعل كلَّ شيء يسمعه؟ أم أنَّه لا يفعل إلَّا ما يعتقده هو، لا يفعل مثل الآخرين ويحكم حكمًا مطلقًا على حديثٍ مَّا، وإنَّما على الأقلِّ، هو طالما لا يستطيع أن يُنفِّذ ما سمعه، فهذا لا يعني أنَّه لم يُطع رسول الله، بل أنَّه في واقع الأمر أطاعه، "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا".
ومن هنا، سوف نجد أنَّ الدِّين مرتبطٌ بما يعتقده الإنسان، وبما يرى فيه الإنسان أنَّه الأفضل والأحسن والأقوم، وهذا واقعٌ نستطيع أن نلمسه وأن ندركه. وفي نفس الوقت، فإنَّ الإنسان مطالبٌ بأن يكون أكثر سعةً، وأكثر علمًا، وأكثر معرفةً، وأكثر تأمُّلًا ـ حتَّى تكون رؤيته أكثر صدقًا، وأكثر استقامةً. فلا يعني أنَّ ما تراه اليوم هو الحقُّ المطلق، إنَّما هو الحقُّ الذي ترى، وربَّما تتغيَّر لترى الحقَّ بصورةٍ أعمق.
فعلى الإنسان، أن يقوم في محاولةٍ دائمة للتَّعمُّق والتَّفكُّر والتَّدبُّر، وفي نفس الوقت، فيما يحتاج منه إلى اختيارٍ في وقته الرَّاهن، أن يُعمِل قلبه بما يرى فيه أنَّه الخير والصَّواب. وهذه هي الاستقامة في الطَّريق، وفي سلوك طريق الله.
الإنسان قائمٌ بين لحظةٍ راهنة، وبين مستقبلٍ قادم. لحظته الرَّاهنة، يتفاعل مع الأحداث بقدراته التي كسبها في ماضٍ. وحياته المستقبلة، يرجو أن يكون فيها أحسن ممَّا هو عليه اليوم، وسيتعامل معها بما كسبه في حاضر.
ولذلك، كان التَّوجيه الإلهيّ للإنسان، أن يسعى في طريق الله، وأن يسير في الأرض فينظر كيف بدأ الخلق، وأن يذكر الله قيامًا وقعودًا وعلى جنبه، وأن يدعو الله دائمًا، وأن يقيم صلةً بالله، وأن يجاهد نفسه في الله، وأن يتوجَّه إلى قبلةٍ أوجدها الله له، وأن يتكافل مع إخوانه في الحياة، وأن يعطي ممَّا أعطاه الله. وأن يُكبِر الله عن أيِّ صورةٍ وعن أيِّ شكل، بشهادة أنَّ لا إله إلَّا الله. وأن يتعلَّم أنَّ شهادة أنَّ محمَّدًا رسول الله، هي في شهادته للحاضر بما هو أفضل، فكلُّ ما هو أفضل وأحسن وأقوم بالنِّسبة له، هو شهادةٌ لمعنى من يقوم في الأفضل والأحسن والأقوم، هو في اتِّباعه للمنهج الذي جاء به رسل الله، وجاء به محمَّدٌ رسول الله، فأكمله، ووضَّحه، وأظهره.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون سالكين دائما في طريق الله، وأن نتعامل بما نرى أنَّه الأفضل والأحسن والأقوم، وفي نفس الوقت، نطلب ما هو أفضل ممَّا نعرفه وأحسن ممَّا ندركه، بذكرنا، وتأمُّلنا، وتدبُّرنا، وطلبنا الدَّائم للعلم والمعرفة.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نوضِّحه اليوم: هو في كيفيَّة التَّعامل مع أحداث الحياة ومع خلق الله، بما يرى الإنسان أنَّه الأفضل والأحسن والأقوم، ومع وجود توجيهاتٍ إلهيَّة يفسِّرها النَّاس بصورٍ مختلفة، فلا يجب علينا أن نتعامل بظنِّ أنَّ أمرًا هو أمرٌ مقدَّس مع أنَّنا لا نستحسنه.
والتَّوجيه الإلهيّ ـ دائمًا ـ علَّمنا في القصص القرآنيّ، أنَّ الإنسان عليه أن يُعمِل ما أعطاه الله من قدرةٍ على التَّمييز بين الحقِّ والباطل، وبين الخير والشَّرِّ، ولو كان هناك شيءٌ لا يدركه، فربَّما هناك باطلٌ وراءه حقّ، أو حقٌّ وراءه باطل، فهذا لا يعنيه، هو في اختياره، عليه أن يتعامل بما يراه هو. وإذا كُشِف له أمرٌ لم يكن يدركه، فإنَّه يرجع إلى الحقِّ.
ولكن الاستقامة لا تكون أبدًا في أن تفعل شيئًا أنت غير مقدِّرٍ له، أو لا ترى فيه الأفضل الذي يجب أن تقوم به. هذا المبدأ، هو معنى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، هذا المبدأ، هو: [استفت قلبك وإن أفتوك، وإن أفتوك، وإن أفتوك](1)، هذا المبدأ، هو ما وُجِّه إليه الإنسان من أن يُعمِل طاقاته بالذِّكر وبالعلم، "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ ..."[آل عمران 191]، و"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ..."[العنكبوت 20].
هكذا نتعلَّم كيف نكون صادقين مع أنفسنا، ومع عقولنا، ومع قلوبنا ـ حتَّى نكون في طريق الحقِّ والحياة.
عباد الله: نسأل الله: أن يُحقِّق لنا ذلك، وأن يوفِّقنا لذلك.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوكَّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقَّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همًّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنَّا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.  
________________________
(1)             حديث شريف جاء نصه :استفت قلبك واستفت نفسك وان افتاك الناس وافتوك قالها الرسول ثلاث مرات اخرجه احمد والدرامي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق