الخميس، 5 أكتوبر 2000

رسالة من الله فى حياتى اليومية

  •  المؤلف: مها دياب
اكان للطريق علامات واضحة بلا شك على حياتي كلها التي كانت نفسي (الأنا) تلعب فيها الدور الرئيسي في تدميري فكنت أنزل معها أسفل سافلين ولا أجد من يأخذ بيدي لأكون في أعلى عليّين.
كانت الأنا (الذات البشرية) تتملك جميع مشاعري وتصرفاتي .. وقبل دخولي الطريق الذي يرفع ويبجل الروح إلى أقصى درجة كنت أتخبط وكأنني في حجرة لها أربعة جدران وليس لها باب واحد وأظل أتخبط في هذا الحائط إلى ذاك حتى أصبح هشيما.. كنت إذا دخلت مع زوجي، على سبيل المثال، في نقاش أشعر أنني في حرب لا هوادة فيها حتى يكون الانتصار لي.. وكان ابني أكبر مصدر إزعاج لي وكنت ناقمة أن الله أعطاني ابنا جميل الهيئة ولكنه مشاكس الطباع.

فماذا تعلمت من إرشادات الطريق؟

تعلمت أولا ألا أتبع هوى نفسي وأن أنظر إلى أعلى وأتعشم في وجه الله أن يرفع عني ما يمر بي من تجارب صعبة لأن ما يحدث من زوجي وأولادي وغيرهم إنما هو انعكاس وتجسيد لثورة بداخلي وإنما هي أعمالي ترد إلىّ.
تعلمت أن الهدف من أي مشكلة تمر بي في حياتي اليومية إنما هو الرجوع إلى الله لأفهم ما تحمله هذه المشكلة من رسالة من الله إليّ، أطهر بها نفسي وبذلك أصبح كل ما يقابلني في حياني اليومية يتبلور في نقطة هامة وهي أنها رسالة من الله يمكن أن تحقق لي مكسبا في الله.
تعلمت من الطريق أن القلب إن لم يمتلئ بحب الله ويفيض على الآخرين فإنه قلب غير طاهر ومشرك.
تعلمت كيف أن يد الله ترعاني برحمته وأن رحمته غلبت عذابه وكنت أظن أن ذكائي وشخصي هما سر نجاحي.
تعلمت من الطريق أن أدعو الله دائما أن يمن عليّ برحمته والتي بدونها يمكن أن أدمر نفسي تدميرا.
تعلمت أن أطلب من الله أن يعينني على المتابعة لأنني أشعر بتقصير كبير من جانبي في اتباع إرشادات الطريق وتعاليمه والتي حتى وإن لم اتبع إلا جزءا صغيرا منها أجد نفسي تتسع للدنيا كلها وتملؤها محبة غامرة.

ولكن كيف كانت تجاربي اليومية رسالة من الله؟

كان لي زميل في العمل وعلى الرغم من أنه يكبرني في السن إلا أنني رئيسته إداريا وقد كان التعامل معه مزعجا للغاية بسبب ذلك.. وقد أهانني ذات مرة إهانة بالغة أمام جميع العاملين ولم استطع الرد عليه لهول ما رأيت من مشاعره تجاهي.. تألمت كثيرا وبكيت كثيرا لأنه أهان ذاتي أو "الأنا" إهانة بالغة ووجدتني أقول "حسبي الله ونعم الوكيل" ليس بنية التواكل على الله في أن يمحى ذنوبه وذنوبي ولكن بنية الانتقام وظل الإحساس بالانتقام بداخلي لا يراه أحد إلا الله .. وفوجئت ذات يوم بأن هذا الزميل قد أصيب في حادث فقد على أثره إصبعين في يده .. نزل هذا الخبر كالصاعقة عليّ ولازمني شعور بالذنب بأن لي يد في هذه الحادثة الأليمة إلى أن تحدثت مع أخت لي في الطريق مرت بتجربة مشابهة وعرضتها على المعلم والذي جاءت تعاليمه الجميلة كالبلسم الشافي لروحي المعذبة .. ووجدتني أتذكر تعاليم معلمي بالتوجه إلى الله في السراء و الضراء وأن المحبة الحقيقية هي أن أغفر للناس ولنفسي كما يغفر الله لنا وأن أتوجه إلى الله بالدعاء السليم والدعاء الأفضل دائما.. كيف أغشت "الأنا" عيني عن الحقيقة؟ وهل كانت تجاربي اليومية مجرد صدفة أم أن هناك تدبير إلهي من ورائها؟
تعلمت من الطريق أن كل شيء في الحياة إنما هو تدبير إلهي محكم وقد حدث لي موقف مشابه مع زميل آخر ووجدتني هذه المرة أقول "حسبي الله ونعم الوكيل" ليس بهدف الانتقام ولكن بهدف أن يهديه الله ويصلح حاله وسعدت أن رحمة الله غلبت عذابه وأنه أعطاني الفرصة للدعاء الأفضل وكذلك معرفة المحبة الحقيقية..
المحبة الحقيقية: هي أن تكون محبة الآخرين من خلال محبة نفسي فإن أنا أحببت نفسي رفعت من شأنها وهذبتها وبالتالي سأحب لأختي أو لأخي ما أحبه لنفسي وقد علمني الطريق كيف أتذوق هذه المشاعر الإيجابية تجاه الآخرين..

فهل أنا الآن نفس الإنسان أم أنا إنسان آخر؟

فجأة وجدت زوجي يعاملني بمحبة غامرة إلا أنني اكتشفت أنه كان فعلا يعاملني هكذا دائما إلا أن "الأنا" كانت قد أغشت بصري فلم أستطع أن أشعر بهذه المحبة.. والآن وقد بدأت أتعلم في الطريق كيف أتعامل مع "الأنا" فبدأت أشعر بالتغيير الذي حدث فعلا بداخلي وهللت فرحا لأنني بدأت أخطو خطوات نحو طريق الهداية والأفضل والأحسن، "من صلح نصلح له من صلح من أزواجه وذريته وعشيرته الأقربين".
وهاأنا أشعر بأنني إنسان آخر.. أشعر بالحمد وبالشكر لله وبرحمة الله .. وعرفت أن تعاليم وإرشادات الطريق تحيى الميت فعلا .. أتذكر كلام المعلم بأن كل موقف ولو بسيط جدا يمر بنا خلال الأحداث اليومية لا يكون عبثا بل إنه رسالة من الله من المفروض أن أقرأها لكي أكسب منها في كياني الروحي .. وهذا لن يحدث إلا إذا كان بداخلي صفاء .. وهذا الصفاء لن يكون إلا بالتعرض الحقيقي وبقلب منيب لنفحات الله وللنفحات المباركة في الطريق.

الطريق صفاء للروح

وجدتني أتلهف الصلاة والذكر والأوراد إذا صادفتني أي مشكلة لعل وعسى أحظى بصفاء روحي أستطيع من خلاله قراءة رسالة الله لي .. ولعل وعسى أرقى روحيا في الله .. فحقا كما يقول معلمي ومرشدي هناك دائما رسالة من الله في حياتي اليومية تهدف إلى الأخذ بيدي لأخطو نحو الله