الاثنين، 24 مايو 2004

المغفرة قانون حقى ..

  • (من خطبة الجمعة22 سبتمبر 2000م 24الموافق جمادى الآخرة 1421هـ )
      المغفرة قانون حقي..

 والاستغفار  الدائم سلوك أساسي
عباد الله..
إن دين الفطرة قد فتح لنا باب المغفرة.. وقانون الاستغفار. إنه القانون الذي من خلاله نعمل ونتحرك، فإن لم يكن هناك استغفار ما تجرأنا أن نتكلم أو أن نفعل شيئا أو نتحرك حركةً، ولكننا تعلمنا أن نعمل وأن نجتهد وأن نجاهد، إن أخطأنا فلنا أجر، وإن أصبنا فلنا أجران، وربما تعلمنا من خطأنا أكثر مما تعلمنا من صوابنا، فنرجع إلى الله ونتوب إلى الله ونستغفر الله..
وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ (آل عمران 3: 135)
قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (الزمر 39: 53)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (النساء 4: 48)
والمغفرة على ما نتعلمها، هي مقام كبير، اختص الله نفسه بها. فالمغفرة ليست كما نفهم بين إنسان وإنسان يوم يتغاضى عن فعل لمن أساء إليه، فنحن لا نسئ إلى الله.. فالله أكبر.. والله غنى عن العالمين.. وإنما نسئ إلى أنفسنا
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ  (النحل 16: 118)
من هنا ندرك أن المغفرة هي جزء من القانون الكلى الذي احكم الله في هذا الكون. المغفرة هي أن تُعطىَ فرصة لتصحيح ما أسأت فيه.. ومن أسأت إليه.. هذا بقانون:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة 99: 7و 8)،
  اتبع السيئة الحسنة تمحها[1]
فالإنسان يوم يذكر الله، فهو يأخذ قوة روحية تغسل ما فيه من ظلام. والحديث الشريف يتحدث عن الصلاة بأن الإنسان يغتسل بها خمس مرات في اليوم فلا تُبقي ظلاما في نفسه[2]، لو أنه أقام الصلاة حقاً..
فـ "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم  يزدد من الله إلا بعدا"[3]
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (العنكبوت 29: 45)
فحين يهيئ الله للإنسان عملاً صالحاً فهو بذلك يغفر له. حين يهيئ الله للإنسان أن يرد الحقوق إلى أصحابها- إذا كان قد أخذها عدواناً وظلماً- فإنه يكون بذلك قد غفر له. ومن هنا ندرك أن المغفرة هي في أن يكون الإنسان قائما في عمل صالح، يغسل به جميع ظلماته، ويتطهر به من سيئات أعماله..
عباد الله..إن علينا أن ندرك أن كل ما أنعم الله به علينا من نعمةٍ ومن قدرةٍ ومن طاقة.. علينا أن نستخدم كل هذه الطاقات، وكل هذه النعم، وكل هذه الإمكانات.. متسلحين وطامعين بأن نكون في استغفار دائم لله.. فإننا بهذا الاستغفار نأخذ قوة تعيننا أن نصحح طريقنا، وأن نصوِّب وجهتنا، وأن نقوِّم سلوكنا، وأن تكون كل معاملاتنا مع الله، نحتسب عند الله، ونتعامل مع الله، إذا أخطأنا استغفرنا، ورجعنا، وحمدنا الله أن كشف لنا خطأنا. وإن ظننا أننا قد أصبنا، حمدنا الله، واستغفرنا الله أيضا، طالبين أن لا نغتر، وأن يكشف لنا إذا كان ظلامنا هو الذي هيأ لنا ذلك، فنحن دائما في استغفار وحمد، وحمد واستغفار.. نراقب أنفسنا، نراقب حركاتنا وسكناتنا وأفعالنا، طامعين في رحمة الله، وفي توفيق الله، أن نكون في الصراط القويم.. في الصراط المستقيم.. هكذا نتعلم في ديننا ونحن ندعو في كل فاتحة، في كل صلاة:
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (الفاتحة: 6، 7)
كان حديثنا اليوم هو تذكير بمعنى الاستغفار. فنحن في حاجة دائمة لأن نتذكر ونتذاكر " فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (الذاريات 51: 55). الاستغفار قانون حقي.. اختص الله نفسه به، وأوجده ملازما لعمل الإنسان على هذه الأرض. بدون هذا القانون نهلك جميعا، وبهذا القانون يكون أملنا في الله كبير وطمعنا في الله أكبر، فقد فتح لنا باب الرحمة من خلال المغفرة، ومن خلال الاستغفار الذي علمنا أن به نأخذ قوة كبيرة، تساعدنا على تطهير نفوسنا وقلوبنا وأرواحنا وعقولنا. الاستغفار قوة روحية، نتعرض لها يوم نشعر بافتقارنا إلى الله، وبحاجتنا إليه، وبلجوئنا إليه، وبالتوسل بجاه رسوله لديه، يوم نطمع في رحمته.. نطمع أن يستغفر لنا رسوله الكريم..
وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا  (النساء 4: 64)
 هكذا يعلمنا سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.. معنى الاستغفار..
" إنه ليغان على قلبي وإني  لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ، أأغيان أغيار يا رسول الله بل هي أغيان أنوار "[4]
فالطريق في الله هو عروج من حال إلى حال.. وما نراه اليوم طاعة قد نراه غدا معصية..
"رب معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت عزا واستكبارا"[5]
"حسنات الأبرار سيئات المقربين"[
 وكما قال الشيخ لمريده: إني أشكو من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر الاختيار والتدبير .فقال المريد:وكيف يكون ذلك؟ قال: أخشى أن تشغلني حلاوتهما عن ذكر الله[7]
هكذا نتعلم أننا في حاجة دائمة لأن نستغفر الله، وأن نلجأ إلى الله، وأن نستعين بالرحمة المهداة، وأن نتوجه لقبلة الحياة التي هي مصدر الرحمة، ومصدر النور، ومصدر كل طاقة روحية على هذه الأرض.. قبلتنا ووجهتنا وبيتنا وسفينتنا وملاذنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه..
  1. حديث شريف أخرجه الترمذي
  2. نص الحديث الشريف كما ورد في مسند أحمد: إن مثل هذه الصلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات فما يبقي ذلك من الدنس
  3. حديث شريف أخرجة الطبرانى الجامع الصغير للسيوطى جـ2 صـ181 بنص: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم  يزدد من الله الابعدآ"
  4. الحديث الشريف كما أخرجه مسلم هو "إنه ليغان على قلبي وإني  لأستغفر الله في اليوم مائة مرة". الجزء الثاني هو ما قيل عن رؤية للإمام أبي الحسن الشاذلي حيث رأى الرسول e .
  5. مقولة صوفية
  6. مقولة صوفية
  7. كان ذلك الحوار بين السيد أبي الحسن الشاذلي وشيخه السيد ابن مشيش