الجمعة، 19 يوليو 2013

أساس التغيير هو التغيير السلمي الذي يصاحبه هدوءٌ وسلامٌ داخلي

الجمعة 19يوليو 2013م الموافق 10 رمضان 1434هـ


     حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
"....الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ..."[الأعراف 43].
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
عباد الله: يا من ترجون لقاء الله، ويا من تجتمعون على ذكر الله، حديث الحق موجهٌ إليكم، يرشدكم ويعلمكم، ويجعلكم قادرين أن تغيروا ما بأنفسكم: 
"...إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ..."[الرعد 11].
هذه القدرة على التغيير لا تأتي إلا بالتعلم المستمر. والتعلم لا يأتي إلا بالتفكر والتدبر. والتفكر والتدبر لا يأتي إلا بقراءة الواقع، والاستماع إلى نبض الحياة.
علينا، أن نقرأ آيات الله، قراءةً متدبرة متعمقة: 

"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 190،191]، هذه هي القراءة. "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ..."[فصلت 53].
هذه القراءة يتبعها دعاء. فالذين ذكروا وتفكروا، أَتبَعوا ذكرهم وتفكرهم ـ "...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"
" رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ"[آل عمران 194].
أدركوا أن كل ما يتوصَّلون إليه، إن لم تتبعه رحمة الله، وأن يكونوا معرضين أنفسهم لنفحاته، فقد يخرجون عن الطريق القويم، ويغترون بما وصلوا إليه، ولا يكملون قراءتهم، لا يكملون ذكرهم، ولا يكملون تفكرهم، ولا يكملون دعاءهم: 
[من ظن أنه قد علم فقد جهل](1) 
ومن ظن أنه قد وصل إلى الكمال فقد بدأ في الانحدار. الإنسان في حاجةٍ دائمة، لمداومة الذكر والتفكر والدعاء.
لذلك فنحن حين ننظر في مجتمعاتنا، نجد هذه الآفة، آفة الكبر، وآفة ظن العلم، وآفة ظن الكمال، فكل الذين يُخَرِّبون ويهدمون ويتصارعون، كلهم يظن أنه يتكلم باسم الله، وأنه يجاهد في سبيل الله، أنه يجاهد لنصرة الإسلام، وقد ظن أنه قد قرأ الإسلام وتعلم معانيه، وأنه هو الذي أصبح قادراً على تنفيذه ونصرته.
لذلك، فعلى كل إنسانٍ، أن يراجع نفسه في مفهومه عن الدين، وفي مفهومه عما يجب أن يفعله، وأن ينظر في المقام الأول لما فيه صالح مجتمعه، وأن يكون دافعه في حركته، أن يكون مُصلِحاً، وأن يحترم الآخر، وألا يلجأ إلى عنفٍ. هناك قيمٌ أساسية يجب أن يرجع إليها الإنسان في حركته على هذه الأرض. وهذه القيم، تُمثِّل قوة الإنسان في التغيير.
فنحن نرى في تاريخ البشرية أمثلةً كثيرة. نرى كيف غير غاندي في الهند، حالتها، وقاوم بسلميةٍ تامة، أقوى إمبراطورية في عصره. بل أننا نرى في بلدنا، أن المحاولات الكثيرة التي انتهجها البعض، في التغيير بالقوة وبالسلاح وبالقتل والاغتيال، لم تستطع أن تغير نظاماً ـ وغير النظامَ مظاهراتٌ في أساسها سلمية، فيها تجمعٌ بأعدادٍ كبيرة، لا تملك سلاحاً ولا مدفعاً، وإنما فقط، قالت كلمة حق.
لذلك فإن أي محاولاتٍ للعنف وللتغيير بالقوة في المجتمع، فهي محدودة الأثر، ولا يمكنها أن تغير تغييراً جذرياً. على كل إنسانٍ، أن يحترم إرادة الآخرين. فإذا وجد أغلبيةً كاسحة، عليه أن يقبل برأيها، وإن لم يقبل، فعليه أن يعارض بسلميةٍ، برأيٍ، لا بعنفٍ، ولا بقتلٍ، ولا اغتيال.
وهكذا الأمر في الإنسان نفسه، إذا أراد أن يغير نفسه، وأن يغير ما بنفسه، فعليه أن يفعل ذلك أيضاً بسلامٍ، بدعاءٍ، برجاءٍ، بعملٍ صالحٍ، بذكرٍ خالصٍ، بتدبرٍ وتفكرٍ وتأمل، في حاله، وفي قيامه، وفي سلوكه، وفي معاملاته، وفي رغباته. لا يغضب على نفسه، ولا ييأس من رحمة الله فيه، فيظل يشكو ويشكو ويشكو بعنفٍ، وبيأسٍ، وبغضبٍ داخليّ على حاله وقيامه. وإنما عليه أن يتجه إلى الله طالباً العون، بهدوءٍ، وبسلامٍ، وبطمعٍ في رحمة الله.
عباد الله: علينا أن نقرأ كتاب الله بعمقٍ، حتى نجد الرسائل المُوجَّهة لنا، وأن نقرأه بقلوبٍ طاهرة، وبعقولٍ متفتحة، ونرى مثلاً في الآيات التي ضُرِبت لنا، في عباد الله الصالحين، فيما يقومون به، وفيما يؤدونه، في سلوكهم وفي معاملاتهم.
نسأل الله: أن يوفقنا لذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
________________________

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو أن علينا، أن نغير ما بنا، حتى يغير الله ما حولنا. وحتى إذا كنا نحن أدواتٍ للتغيير فيما حولنا، فعلينا أن نتبع أسلوباً علمه الله لنا، وهو أن نذكر ونتفكر وندعو، حتى إذا عملنا بعد ذلك، يكون عملنا عملاً صالحاً، وعملاً مثمراً، وعملاً منتجاً.
وأن نعلم أن أساس التغيير، هو التغيير السلمي، التغيير الذي يصاحبه هدوءٌ وسلامٌ داخلي، يُمَكِّن الإنسان من أن يرى رؤيةً صحيحةً، وأن يتبع منهجاً مستقيماً، وأن العنف يوتر الإنسان، ولا يجعله قادراً أن يرى أمامه، فلا يستطيع أن يغير ما بنفسه، ولا يستطيع أن يكون أداةً في تغيير ما حوله إلى الأفضل.
لذلك، فواجبٌ علينا أن نواصل الذكر والتفكر والدعاء، حتى نكون أهلاً للتغيير، لأن نتغير، ولأن يغير الله بنا. وهذا ما نرجوه لكل فردٍ من أفراد مجتمعنا، أن يرجع إلى الحقيقة، وأن يرجع إلى الفضيلة، وأن يرجع إلى كتاب الله حقاً، وأن يتعلم كيف يكون أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة، لنفسه، ولمجتمعه.
نرجو ذلك، حتى يتغير حال مجتمعنا، وحال بلدنا، فنكون مثلاً صالحاً لمجتمعاتٍ غيرنا. لو أننا نجحنا في ذلك، واستقمنا على ذلك. وهذا أمل كل مجتمع، أن يكون بداية خيرٍ لمجتمعاتٍ أخرى، وأن يكون دعوة سلامٍ وإصلاحٍ وخيرٍ، للبشرية كلها.
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم ولي أمورنا خيارنا، ولا تولي أمورنا شرارنا.
اللهم اصلح أحوالنا، حكاماً ومحكومين، رواداً ومرودين.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها، ولا ظلما إلا رفعته، ولا ظالمين إلا قهرتهم.
اللهم فاجعلنا لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
_______________________

(1)             من كتاب إحياء علوم الدين قال ابن المبارك: "لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قدس علم فقد جهل".

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق