الأربعاء، 25 أبريل 2001

دعوة الحق للإنسان فى كل زمان ومكان - رؤية لحوار الأديان

  • من خطبة الجمعة: 14 يوليو 2000م الموافق 12 ربيع ثاني 1421 للهجرة
عباد الله: تدبروا آيات الله فيكم، وآيات الله حولكم، حتى تسلموا لله، وتكونوا عباداً لله، تكسبوا حياتكم وتكسبوا كرتكم وتحققوا ما خلقتم من أجله، وهذا دين القيمة، دين الفطرة، دين الله
إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران 3: 19)
ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه (آل عمران 3: 85)
إنا نتحدث دائماً عن الإسلام كدين الفطرة، كقانون الحياة وهذه هي الدعوة التي جاء بها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه منذ أربعة عشر قرناً
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين(الأنبياء 21: 107)
" بعثت إلى الناس عامة "(حديث شريف)1
دعوة الإنسان في أي مكان وفي أي زمان، في أي ثقافة، وفي أي حضارة ولأي جنس، دعوة تخاطب الإنسان بما فيه من سر الله وفطرة الله وصبغة الله التي صبغه عليها، دعوة تدعو الإنسان أن يتدبر وأن يتفكر وأن يبصر ما في نفسه
وفي أنفسكم أفلا تبصرون(الذاريات 51: 21)
سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد(فصلت 41: 53)
هذه الدعوة فوق أي شكل أو صورة وقد ضربت لنا الآيات مثلاً لهذه الدعوة
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله (آل عمران 3: 64)
دعوة إلى التوحيد، دعوة إلى إكبار الحق، الله أكبر، الله أكبر (من) أن يكون في صورة أو أن يكون في فهم محدد أو أن يكون في إنسان أو أن يكون في هدف مادي. " لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله " (تشير إلى أنه) لا أحد يستطيع أن يدعي أن الله في جانبه، وأن قانون الله هو ما يفهمه هو، أو هو قانونه الذي يفرضه، "كلمة سواء بيننا وبينكم"، هذه "الكلمة" هي ما تصل إليه الفطرة السليمة. تعالوا نتفكر ونتأمل، ما هو هدفنا، ما هو أملنا، ما هو مقصودنا وكيف تكون حياتنا وسيلة لنصل إلى هذا الهدف
ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"(العنكبوت 29: 46)
الأحسن هو ما نصل إليه بفطرتنا، وبصبغتنا التي صبغنا الله بها، هذه الدعوة التي توجه للناس أجمعين وهذا هو الأساس الذي نبني عليه. إن لم يكن هذا الأساس جيداً وسليماً وقوياً ومتيناً فالبنيان الذي يبنى عليه سوف يكون هزيلا، ضعيفاً لا يستطيع أن يقف أمام أي شئ
وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا(الفرقان 25: 23 )
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده
(النور 24: 39)
وهذا هو أول ركن من أركان الإسلام: أشهد أن لا إله إلا اله وأن محمد رسول الله، هذا هو الأساس المتين الذي نبني عليه ونؤسس عليه. ولكن الناس في مختلف العصور وإلى الآن لا يريدوا أن يبدءوا من هذا الأساس إنما يدخلون مباشرة في اختلافات وخلافات، في أفكار رددوها وفي مفاهيم فسروها وفي أقوال صنعوها بل إن المنتمين لما يسمونه دين يختلفون بينهم وبين بعض دون أن يبدءوا البدء السليم.
إن من طبيعة البشر أن تختلف وهذا الخلاف وارد دائماً على هذه الأرض لو شاء ربك لجعلكم أمة واحدة
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض(البقرة 2: 251)
لا مانع أن نختلف في أمور وضعية، وفي أحوال دنيوية، ولكن يجب علينا أن نتواصل بالأساسيات التي نجتمع عليها، وقد نختلف بعد ذلك، ولكن التواصل يجب أن يستمر لأن من خلال هذا التواصل يفهم الإنسان أكثر، ويدرك هذه الأساسيات أكثر، وتكون هناك حركة دائمة في البشرية لأناس ينتقلون من هنا إلى هناك ومن هناك إلى هنا، الدعوة الحقية تساعد أناساً في أماكن مختلفة أن تجد ضالتها، وتجد هدفها، وهذا هو الأساس من التواصل ومن الدعوة.
إن الدعوة ليست هدفها أن تحول الناس جميعاً إلى صورة واحدة، أو إلى فهم واحد، وإنما أن تتيح للبشرية، وللبشر في كل مكان، وفي كل زمان، أن يجدوا الحقيقة، ويجدوا الفطرة، ويجدوا الأساس الذي إن ارتضوه لهم، ساروا إليه. وما كانت الديانات السماوية إلا دعوة لبيان هذا الأساس، ليظل دائماً موجودا على هذه الأرض. وكانت الرسالة المحمدية هي كمال هذه الدعوات والديانات، لأنها أكملت الأساس لكل من يرغب في أن يفهم ويدرك قانون الحياة، وأوضحت أن البشرية لن تخلو ممن يجلو الحقيقة، ويرفع عنها الغبار في كل عصر فقال الرسول صلوات الله وسلامه عليه:
"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل "2
و"إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "3
ليذكر الناس بأن يرجعوا إلى الأصول، وألا يحجبوا الأصل بالفرع، فالأصل يجب أن يظل دائماً بارزاً ظاهراً جلياً واضحاً لأنه أساس الدعوة.
هكذا يعلمنا ديننا، ويوضح لنا ذلك، ولكننا غفلنا عن ذلك، وأخذنا من الدين قشوره، وتركنا جوهره، واختلفنا حول القشور، وتركنا الأصول. إنا في حاجة إلى تذكير دائم بأن نرسخ الأصول في قلوبنا، وفي وجداننا، وفي عقولنا، وأن نبني على هذه الأصول، وأن نبدأ منها طريقنا، وأن نبدأ منها سلوكنا، وأن نبدأ منها مفهومنا، حتى نكون عباداً لله حقا،ً وحتى نكون مسلمين حقاً. لذلك نذكر أنفسنا بذلك دائما،ً لعلنا نتذكر، ولعلنا نُذكر، ولعلنا نكون أداة خير وسلام ورحمة
عباد الله: نذكر أنفسنا دائما،ً فالذكرى تنفع المؤمنين، والإنسان في حاجة إلى أن يُذكّر، يُذكّر بمعنى الحياة فيه، وبفطرة الحياة فيه، وبصبغة الحياة فيه، وبنور الله فيه، وبسر الله فيه ، يُذكّر بأن عليه أن يشهد حقاً أن لا إله إلا الله، وأن يشهد صدقاً أن محمداً رسول الله، شهادة أساسها السلوك، وأساسها الفهم المستقيم، وليست مجرد كلمات تلوكها الألسن، وإنما واقع يعيشه يدعو إليه، ويُذكر به، ويدعو الناس جميعاً له، دعوة خالصة لوجه الله،
لا إكراه في الدين (البقرة 2: 256)
" فذكر إن نفعت الذكرى 0سيذكر من يخشى . ويتجنبها الأشقى (الأعلى 87: 9-11)
إنما عليه أن يؤدي دوره، ورسالته على هذه الأرض، في أن يوضح ما وصل إليه وهو يرجو أن يكون بذلك أداة خير، ويكون على استعداد دائم أن يرجع إلى الحق أنا وجده، فلا يستمسك برأي ثبت له خطئه، وإنما يرجع إلى الحق دائما،ً ويصحح مفهومه دائما،ً ويصحح دعوته دائما،ً ويستغفر الله دائماً، ولا يجعله إدراكه أنه ربما يخطئ يتراجع عن أن يُقدم، فقد شرع الله له أن يستغفر، وأمره أن يجتهد، وأن يحاول، وأن يرجع إلى الله دائما،ً وأن يتوب إليه، وأن يستغفره في كل لحظة وحين
" إن لم تذنبوا وتستغفروا لأتى الله بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم" (حديث شريف)4
والذنب هنا ليس ذنب الجوارح، إنما هو ذنب قد يكون في المفهوم، أو قد يكون في دعوة، أو قد يكون في اتجاه، وقد يكون أيضاً ذنبا من ذنوب الجوارح، وإنما الذنب على إطلاقه يمكن أن يكون محله القلب، ويمكن أن يكون محله العقل، ويمكن أن يكون محله الذات، وقد علمنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ذلك
" إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ، أأغيان أغيار يا رسول الله بل هي أغيان أنوار " (حديث شريف)5
فالاستغفار هنا هو التطهر الدائم، وما التطهر، وما الصلاة، وما كل العبادات، إلا استغفار في حقيقة الأمر، والأحاديث تدل على ذلك، وحديث أن كل صلاة هي كفارة لما بينها وبين الصلاة السابقة، وأن صوم رمضان هو كفارة واستغفار عن ما حدث من الإنسان من رمضان إلى رمضان، والحج استغفار عن كل شئ لو قامه الإنسان حقاً، إنه تعليم لنا أن الإنسان خطاء، والخطأ كما قلنا محله مختلف ومستواه مختلف
( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) (مقولة صوفية)
والعبادات هي استغفار في معناها الأساسي لأن الاستغفار هو الذي يغسل القلوب والعقول والذوات، ونحن نحتاج إلى الاستغفار دائماً في كل حياتنا، لأننا بذواتنا وبالشيطان منا يجري مجرى الدم في حاجة أن نطهر كل ما يتركه الشيطان فينا، في حاجة مستمرة إلى تطهر دائم وإلى استغفار دائم حتى لا تتراكم الذنوب علينا فتصبح جبلاً لا نستطيع أن نرفعه
" إن للقلوب صدأ كصدأ الحديد وجلاؤها الاستغفار " (حديث شريف)6
لا نريد أن نصل إلى مرحلة يصدأ قلبنا فلا يمكن أن نجليه لأنه تآكل من الصدى، ولا أن نصل إلى مرحلة يتآكل فيها عقلنا حتى نصل إلى مرحلة لا نستطيع أن نفكر ، لا نريد أن نصل إلى مرحلة تصدأ كل جوارحنا فلا نستطيع أن نقوّمها أو نوجهها التوجيه السليم. نحن في حاجة دائمة إلى فيض من السماء، وإلى نور الله، ورحمة الله، ومغفرة الله حتى نغسل قلوبنا وعقولنا وذواتنا. نستغفر الله ونرجع إلى الله ونتوب إلى الله نسأله ألا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وأن يعفو عنا ويرحمنا، إن لم يأخذ بيدنا ويرحمنا لنكونن من الضالين
  1. أخرجه البخاري وأحمد
  2. أخرجه ابن النجار، وقال بعض العلماء أنه لا أصل لهذا الحديث، وقال آخرون إنه حديث مرفوع، وأخرج أبو نعيم حديثا رفعه بلفظ "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد". وقد يدل على معناه الحديث الذي أخرجه كل من الترمذي وأبي داود " العلماء ورثة الأنبياء
  3. أخرجه أبو داود والحاكم
  4. أخرجه أبو داود والحاكم
  5. الحديث كما أخرجه مسلم هو "إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة". الجزء الثاني هو ما قيل عن رؤية للإمام أبي الحسن الشاذلي حيث رأى الرسول صلى الله عليه وسلم.
  6. أخرجه الطبراني