- خطبة الجمعة 20 صفر 1428هـ الموافق 9 مارس 2007
للسيد علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ.
عباد الله: تدبروا آيات الله لكم، تدبروا رسائله بينكم، تدبروا أحوالكم ما صرتم إليه وما أصبحتم عليه، أين أنتم من المثالية؟ أين أنتم من القدوة؟ أين أنتم مما أراد الله لكم؟ فلتكن منكم أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أين أنتم من هذه الأمة؟
حين يقرأ البعض:
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ.
عباد الله: تدبروا آيات الله لكم، تدبروا رسائله بينكم، تدبروا أحوالكم ما صرتم إليه وما أصبحتم عليه، أين أنتم من المثالية؟ أين أنتم من القدوة؟ أين أنتم مما أراد الله لكم؟ فلتكن منكم أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، أين أنتم من هذه الأمة؟
حين يقرأ البعض:
"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" [آل عمران 110]
يظنون أنهم خير أمة، ولكن علينا أن نقيس الواقع وأن ننظر إليه صادقين، وأن نفهم الآيات من خلال الواقع الذي نعيشه وليس من خلال الوهم أو الظن، فالقضية ليست كلام وليست شعارات وليست أسماء، وإنما هي أفعالٌ ونتائجٌ وأهدافٌ تُحقق، ورسائلٌ تبلغ، وأعمالٌ صالحةٌ تُؤدى.
ما هي مواصفات الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله؟ ما هو الهدف الذي نريد أن نحققه؟ ما هي الوسائل التي يجب أن نتخذها؟ علينا أن نفكر في هذا انطلاقا من واقعنا ومن حالنا، كيف ننهض من هذه الكبوة؟ كيف نعبر هذه الأزمة؟ كيف نتغير إلى الأفضل والأحسن والأقوم؟ لا يكون ذلك إلا بإتباع المنهج الذي نهضت به الأمم جميعها، والذي طبق في صدر الإسلام، وهو الذي أعطى دفعةً لظهور الحضارة الإسلامية، إتباع المنهج وإتباع المقصد، أما الشكل والكلمة فقد تتغير، فقد بدأ الإسلام بدعوةِ وبشهادة أن لا إله إلا الله، بدأ بدعوةٍ تحث الناس على أن يتفكروا ويتدبروا، لا يقلدوا ولا يستمروا في أمرٍ لا يعقلونه، هذه الدعوة نساها البعض، واعتقدوا أنها أصبحت لا محل لها بعد أن حمل الجميع اسماً مسلماً، هذه الدعوة لا تزال قائمة وستبقى قائمة، دعوةٌ إلى تفكرٍ فيما يقوم به الإنسان، وأن يكون هناك نقدٌ ذاتي لكل ما نفعله، ولكل ما نقوم به.
كان هناك تفاعلٌ بين الكلمة التي تُلقى وبين من يستمعون لها، فكانت شهادة لا إله إلا الله تعني تغييراً جذرياً في سلوك الإنسان ومعاملاته وأحواله وكلماته وعلاقاته كلها، وشهادة لا إله إلا الله اليوم يلوكها الناس ولا معنى لها، ولا تُغيِّر من أحوالهم ولا من سلوكهم ولا من معاملاتهم، قد أصبحت كلمةً تلوكها الألسن دون أن يكون لها واقعاً في حياتهم. فحين نستمع إلى قول: لا يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، والصلاح بأن ننظر إلى كيف حدث هذا الصلاح كمنهج وليس كشكل، فإذا كان صلاح أول هذه الأمة بشهادة أن لا إله إلا الله، فليس ذلك بأن نردد شهادة لا إله إلا الله، ولكن أن تـتـفاعل معنا كما تفاعلت مع أول هذه الأمة، ولتـتـفاعل يجب أن يكون هناك وعي وأن يكون هناك رفض للحال الظاهر الذي صرنا إليه، وإلى الوضع الذي أصبحنا عليه، وإلى الدين كما هو قائمٌ اليوم.
صلحت هذه الأمة يوم فكرت بعقولها، وأقامت دولتها على أساسٍ من الصلاح والإصلاح من فهمٍ للواقع ومتغيراته، من فهمٍ للعلاقات المختلفة بين البشر وبين الجماعات وبين الديانات.
ما هي مواصفات الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله؟ ما هو الهدف الذي نريد أن نحققه؟ ما هي الوسائل التي يجب أن نتخذها؟ علينا أن نفكر في هذا انطلاقا من واقعنا ومن حالنا، كيف ننهض من هذه الكبوة؟ كيف نعبر هذه الأزمة؟ كيف نتغير إلى الأفضل والأحسن والأقوم؟ لا يكون ذلك إلا بإتباع المنهج الذي نهضت به الأمم جميعها، والذي طبق في صدر الإسلام، وهو الذي أعطى دفعةً لظهور الحضارة الإسلامية، إتباع المنهج وإتباع المقصد، أما الشكل والكلمة فقد تتغير، فقد بدأ الإسلام بدعوةِ وبشهادة أن لا إله إلا الله، بدأ بدعوةٍ تحث الناس على أن يتفكروا ويتدبروا، لا يقلدوا ولا يستمروا في أمرٍ لا يعقلونه، هذه الدعوة نساها البعض، واعتقدوا أنها أصبحت لا محل لها بعد أن حمل الجميع اسماً مسلماً، هذه الدعوة لا تزال قائمة وستبقى قائمة، دعوةٌ إلى تفكرٍ فيما يقوم به الإنسان، وأن يكون هناك نقدٌ ذاتي لكل ما نفعله، ولكل ما نقوم به.
كان هناك تفاعلٌ بين الكلمة التي تُلقى وبين من يستمعون لها، فكانت شهادة لا إله إلا الله تعني تغييراً جذرياً في سلوك الإنسان ومعاملاته وأحواله وكلماته وعلاقاته كلها، وشهادة لا إله إلا الله اليوم يلوكها الناس ولا معنى لها، ولا تُغيِّر من أحوالهم ولا من سلوكهم ولا من معاملاتهم، قد أصبحت كلمةً تلوكها الألسن دون أن يكون لها واقعاً في حياتهم. فحين نستمع إلى قول: لا يصلح حال هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، والصلاح بأن ننظر إلى كيف حدث هذا الصلاح كمنهج وليس كشكل، فإذا كان صلاح أول هذه الأمة بشهادة أن لا إله إلا الله، فليس ذلك بأن نردد شهادة لا إله إلا الله، ولكن أن تـتـفاعل معنا كما تفاعلت مع أول هذه الأمة، ولتـتـفاعل يجب أن يكون هناك وعي وأن يكون هناك رفض للحال الظاهر الذي صرنا إليه، وإلى الوضع الذي أصبحنا عليه، وإلى الدين كما هو قائمٌ اليوم.
صلحت هذه الأمة يوم فكرت بعقولها، وأقامت دولتها على أساسٍ من الصلاح والإصلاح من فهمٍ للواقع ومتغيراته، من فهمٍ للعلاقات المختلفة بين البشر وبين الجماعات وبين الديانات.
"أنتم أدرى بشؤون دنياكم"
ولنا في سيرة رسول الله صلوات الله وسلامه، أسوة وقدوة و هو يستشير أصحابه في أمور دنياهم، ويختلفوا معه، ويقبل رأيهم، لأنه وجد فيه الأفضل من ناحية الدنيا، ما كان هذا إلا ليضرب لنا مثلاً : أن علينا أن نفكر في أمور دنيانا، ونبحث عن الأفضل لحياتنا ولسلوكنا، وقد سار الصحابة من بعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه على هذا النهج، فإذا كان الأمر يختص بدنياهم فكروا فيه، وإن كان هناك نصٌ في قضيةٍ ما، ووجدوا أن هذه القضية أصبحت لا محل لها، لم يتمسكوا بأن يوجدوا ما أصبح لا محل له، وإنما تفاعلوا مع الواقع، مثل قضية سهم المؤلفة قلوبهم والتي أصبح لا محل لها بعد أن قويت دولة الإسلام، وأشياءٌ كثيرةٌ أخرى يعرفها من يدرسون تاريخ هذه الأمة.
إن أمور دنيانا تنبع من مصلحتنا ومصلحة مجتمعنا ومصلحة أفراده، علينا أن نبحث عما هو أفضل وأحسن وأقوم ـ دون أن نبدأ بحثنا باختلافات فقهية في قضايا كثيرة ـ علينا أن نبدأ من واقعنا فنجد ما ينفعنا وما ينفع مجتمعنا، ولن يكون هذا أبداً متعارضاً مع مبادئ شريعتنا، علينا أن نولي أمورنا من يُصلح أحوالنا ومن يخلص في عمله، باختيارٍ حرٍ مباشرٍ، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء الحرية لكل فردٍ في مجتمعنا أن يعبر عن رأيه، وأن يعرض رأيه، حتى يستطيع الناس أن يميزوا بين الخبيث والطيب، لا يكون هذا ـ لا يكون صلاحنا ـ إلا بأنَّ من يتكلمون في الدين عليهم أن يكبروا الإنسان، وأن يقدروا الإنسان، وأن يحترموا الإنسان، وبدلاً أن يُدخلوا الإنسان في متاهاتٍ لا معنى لها ولا طائل من ورائها، عليهم أن يحترموا أيَّ رأيٍ قائمٍ على حجةٍ وعلى منهجٍ حتى وإن كانوا ضده، فلا يجعلوا هناك مسلماتٍ مطلقة في أمور الإنسان الحياتية، فهناك فارقٌ بين أن يكون الإنسان على علمٍ بأن هذه القضية طُرحت في قديم ـ أو أن هناك آية جاءت بمعنىً فهمه الناس بصورة معينة، وبين أن يصدق وأن يؤمن بتفسير الناس لهذه الآية. هناك فرقٌ بين الآية وتفسيرها، هناك فرقٌ بين الأمر وتفسيره، إذا كانت الآية تحتمل عدة تفسيراتٍ معقولةٍ فلابد أن نقبل الاختلاف فيها، وهذا يجعلنا نتحرك ابتداءً في أمور دنيانا لما نرى أنه الأصوب والأحسن والأقوم.
على الدعاة أن يركزوا على هذا وأن يحترموا الاختلاف، وأن يحثوا الناس على العمل الصالح، وعلى العلم النافع. إن الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هي أمةٌ منتجة، هي أمةٌ مبدعة، هي أمةٌ مثالية يُضرب بها المثل والقدوة في النظام، وفي العلم، وفي المعرفة، وفي الأخلاق، وفي حسن المعاملة، وفي التكافل وفي التضامن، في المعيشة الطيبة، في المحبة والألفة، أين هذه الأمة في مجتمعاتنا التي يظن البعض أنهم بمجرد أنهم قالوا أنهم مسلمين، أنهم خير أمةٍ أخرجت للناس؟ أين هذه الأمة وهي تتقاتل وتتصارع ويقتل بعضهم بعضا، والكل يتمسح بالدين، وبإيمانه بالدين، وبإيمانه بمذهبه، وبإيمانه بإمامه وبنبيه؟، أين هو الدين في هذا الذي يحدث؟ علينا أن نقر بأن هناك شئٌ خطأ في مجتمعاتنا، وفي دعاتنا، وفي علمائنا، وفي فقهائنا، وفي حكامنا، وفي كل قضايانا التي نطرحها، وفي وسائلنا وأدواتنا، ولا خلاص لنا إلا بأن نغير كل ذلك بصورةٍ أفضلٍ وأحسنٍ وأقوم.
عباد الله: إن البداية أن نتعرف على أخطائنا، وأن نُعمل عقولنا، وأن نرفض واقعنا، حتى نبحث عن الحقيقة والأفضل الذي يجب أن نتبعه.
عباد الله: لا يكفي أن الجوامع مملوءة بالمصلين، وأن الكعبة والحرم مملوءٌ بالطائفيين، وأن هناك كثيراً من المزكيين، وأن هناك كثيراً من الصائمين، وأن هناك كثيراً من الذين يشهدون بألسنتهم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. كل ذلك لا قيمة له إذا لم يكن هناك الإنسان القادر على أن يقبل ويرفض، وأن يسأل ويطلب، وأن يفكر ويتفكر، وأن يشعر ويذكر، وأن يخشى الله حقاً في عمله وفي سلوكه وفي معاملته، بحثاً عن الأفضل والأحسن والأقوم لمجتمعه ولإخوانه في هذه الأمة.
عباد الله: نسأل الله أن يجعل منا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة، وأن يوفقنا لما فيه خيرنا ولما فيه خير أمتنا، ولما فيه صلاحنا، ولما فيه صلاح أمتنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاة وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن ما نراه حولنا وما نراه في مجتمعاتنا، من ظنٍ أن الدين قائمٌ هو وهمٌ كبير، فالدين بمعناه الحقيقي الذي يدعو الإنسان أن يُفَعِّل ما أعطاه الله من نِعَم، والذي يرفض الظلم، ويرفض الجهل، ويرفض الانقياد والتقليد، ويبحث دائماً عن الأفضل والأحسن والأقوم، هذا المجتمع غير موجود، نحن نعيش مجتمعاً مقلداً، مكرراً، قابلاً الظلم، قابلاً الجهل، يكرر الأفعال، ويكرر الأقوال، ويجتر المفاهيم، دون وعيٍ ودون فهمٍ، ودون تغييرٍ، ودون بحثٍ، ودون تطويرٍ، ودون علمٍ، ودون معرفةٍ. وإذا كانت هناك بعض الأقوال التي تحث على العلم والمعرفة، فإن الأقوال والأفعال الأكثر تُحبط كل ذلك بوأد العقول وبوأد الأفكار، وبعدم قبول أفكارٍ جديدة تفتح للإنسان آفاقاً جديدة في معاني دينه، وفي معاني سلوكه، وفي معاني كسبه في الله.
وإذا كان الأساس في أمور الدنيا هو رأي الناس: "أنتم أدرى بشئون دنياكم"، إلا أن البعض يحاول أن يقلب الآية، فيجعل من تفسيره للدين أو لآياتٍ معينةٍ أو لأحاديث معينة، سلطة دنيوية، لم يعطها ولم يُفَعِّلها ولم يستخدمها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. فكل أمرٍ دنيوي كان يرجع لأصحابه، وما أكثر هذه المعاملات اليوم التي نحتاج فيها لأن نبحث عن الأفضل والأحسن والأقوم، ولا نحاول أن نُسقط عليها ظلالاً دينية بأشكالٍ قد تكون لها تماثلٌ بعيد. لذلك فصلاحنا هو بصلاح أول أمتنا، وهو ألا نقلد، وأن نفكر ونتدبر، وأن نرفض واقعنا وقد أدى بنا إلى ما نحن عليه، وأن نضع أهدافاً كباراً عظاماً نريد أن نحققها، كأمةٍ عليها أن تقبل التحدي، وأن تغير نفسها إلى الأفضل والأحسن والأقوم.
عباد الله: علينا أن نتحرك إلى الأمام، تحركنا لما هو أفضل وأحسن هو الدين، الدين ليس فقط في نصوص، وإنما الدين في الصدق وفي العمل وفي الكفاح وفي الحركة لتحقيق أهدافٍ عظيمةٍ نَصلح بها، ونكون أداة صلاحٍ وفلاحٍ لغيرنا ولمجتمعاتٍ غيرنا بيننا .
عباد الله: علينا أن نفكر جميعاً، وأن يكون كل فردٍ منا باحثاً عن الأفضل والأحسن والأقوم، وأن يجعل تفكيره دائماً وانشغاله الدائم في كيف يكون أداة خيرٍ وصلاحٍ وفلاح، ليكن هذا هو الأساس الذي نبني عليه، شعائرنا وعباداتنا هي لمساعدتنا أن نكون كذلك، وألا نيأس، وأن نطلب دائماً قوة ورحمةً من الله، أملنا في الله كبير أن يجئ يومٌ على هذه الأمة تكون مثلاً صالحاً لأممٍ أخرى، تعرف أن كسبها الروحي هو في أصلاحها لحالها على هذه الأرض، وإلا ما جئنا إلى هذه الأرض، جئنا لهذه الأرض لنحاول من خلال وجودنا عليها أن نُعمرها وأن نُحسِّنها، وأن نتكافل معاً وأن نتعاون معاً، نتعاون على البر والتقوى، نتعاون على ما هو أحسن وأقوم وأفضل.
عباد الله: نسأل الله أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم ألف بين قلوبنا اللهم احي قلوبنا
اللهم ألف بين أرواحنا اللهم طهر أرواحنا
اللهم زكي نفوسنا اللهم أثلج صدورنا
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
ربنا فارحمنا، وأغفر لنا، وأعف عنا.
إن أمور دنيانا تنبع من مصلحتنا ومصلحة مجتمعنا ومصلحة أفراده، علينا أن نبحث عما هو أفضل وأحسن وأقوم ـ دون أن نبدأ بحثنا باختلافات فقهية في قضايا كثيرة ـ علينا أن نبدأ من واقعنا فنجد ما ينفعنا وما ينفع مجتمعنا، ولن يكون هذا أبداً متعارضاً مع مبادئ شريعتنا، علينا أن نولي أمورنا من يُصلح أحوالنا ومن يخلص في عمله، باختيارٍ حرٍ مباشرٍ، ولا يكون ذلك إلا بإعطاء الحرية لكل فردٍ في مجتمعنا أن يعبر عن رأيه، وأن يعرض رأيه، حتى يستطيع الناس أن يميزوا بين الخبيث والطيب، لا يكون هذا ـ لا يكون صلاحنا ـ إلا بأنَّ من يتكلمون في الدين عليهم أن يكبروا الإنسان، وأن يقدروا الإنسان، وأن يحترموا الإنسان، وبدلاً أن يُدخلوا الإنسان في متاهاتٍ لا معنى لها ولا طائل من ورائها، عليهم أن يحترموا أيَّ رأيٍ قائمٍ على حجةٍ وعلى منهجٍ حتى وإن كانوا ضده، فلا يجعلوا هناك مسلماتٍ مطلقة في أمور الإنسان الحياتية، فهناك فارقٌ بين أن يكون الإنسان على علمٍ بأن هذه القضية طُرحت في قديم ـ أو أن هناك آية جاءت بمعنىً فهمه الناس بصورة معينة، وبين أن يصدق وأن يؤمن بتفسير الناس لهذه الآية. هناك فرقٌ بين الآية وتفسيرها، هناك فرقٌ بين الأمر وتفسيره، إذا كانت الآية تحتمل عدة تفسيراتٍ معقولةٍ فلابد أن نقبل الاختلاف فيها، وهذا يجعلنا نتحرك ابتداءً في أمور دنيانا لما نرى أنه الأصوب والأحسن والأقوم.
على الدعاة أن يركزوا على هذا وأن يحترموا الاختلاف، وأن يحثوا الناس على العمل الصالح، وعلى العلم النافع. إن الأمة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر هي أمةٌ منتجة، هي أمةٌ مبدعة، هي أمةٌ مثالية يُضرب بها المثل والقدوة في النظام، وفي العلم، وفي المعرفة، وفي الأخلاق، وفي حسن المعاملة، وفي التكافل وفي التضامن، في المعيشة الطيبة، في المحبة والألفة، أين هذه الأمة في مجتمعاتنا التي يظن البعض أنهم بمجرد أنهم قالوا أنهم مسلمين، أنهم خير أمةٍ أخرجت للناس؟ أين هذه الأمة وهي تتقاتل وتتصارع ويقتل بعضهم بعضا، والكل يتمسح بالدين، وبإيمانه بالدين، وبإيمانه بمذهبه، وبإيمانه بإمامه وبنبيه؟، أين هو الدين في هذا الذي يحدث؟ علينا أن نقر بأن هناك شئٌ خطأ في مجتمعاتنا، وفي دعاتنا، وفي علمائنا، وفي فقهائنا، وفي حكامنا، وفي كل قضايانا التي نطرحها، وفي وسائلنا وأدواتنا، ولا خلاص لنا إلا بأن نغير كل ذلك بصورةٍ أفضلٍ وأحسنٍ وأقوم.
عباد الله: إن البداية أن نتعرف على أخطائنا، وأن نُعمل عقولنا، وأن نرفض واقعنا، حتى نبحث عن الحقيقة والأفضل الذي يجب أن نتبعه.
عباد الله: لا يكفي أن الجوامع مملوءة بالمصلين، وأن الكعبة والحرم مملوءٌ بالطائفيين، وأن هناك كثيراً من المزكيين، وأن هناك كثيراً من الصائمين، وأن هناك كثيراً من الذين يشهدون بألسنتهم أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. كل ذلك لا قيمة له إذا لم يكن هناك الإنسان القادر على أن يقبل ويرفض، وأن يسأل ويطلب، وأن يفكر ويتفكر، وأن يشعر ويذكر، وأن يخشى الله حقاً في عمله وفي سلوكه وفي معاملته، بحثاً عن الأفضل والأحسن والأقوم لمجتمعه ولإخوانه في هذه الأمة.
عباد الله: نسأل الله أن يجعل منا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة، وأن يوفقنا لما فيه خيرنا ولما فيه خير أمتنا، ولما فيه صلاحنا، ولما فيه صلاح أمتنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاة وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن ما نراه حولنا وما نراه في مجتمعاتنا، من ظنٍ أن الدين قائمٌ هو وهمٌ كبير، فالدين بمعناه الحقيقي الذي يدعو الإنسان أن يُفَعِّل ما أعطاه الله من نِعَم، والذي يرفض الظلم، ويرفض الجهل، ويرفض الانقياد والتقليد، ويبحث دائماً عن الأفضل والأحسن والأقوم، هذا المجتمع غير موجود، نحن نعيش مجتمعاً مقلداً، مكرراً، قابلاً الظلم، قابلاً الجهل، يكرر الأفعال، ويكرر الأقوال، ويجتر المفاهيم، دون وعيٍ ودون فهمٍ، ودون تغييرٍ، ودون بحثٍ، ودون تطويرٍ، ودون علمٍ، ودون معرفةٍ. وإذا كانت هناك بعض الأقوال التي تحث على العلم والمعرفة، فإن الأقوال والأفعال الأكثر تُحبط كل ذلك بوأد العقول وبوأد الأفكار، وبعدم قبول أفكارٍ جديدة تفتح للإنسان آفاقاً جديدة في معاني دينه، وفي معاني سلوكه، وفي معاني كسبه في الله.
وإذا كان الأساس في أمور الدنيا هو رأي الناس: "أنتم أدرى بشئون دنياكم"، إلا أن البعض يحاول أن يقلب الآية، فيجعل من تفسيره للدين أو لآياتٍ معينةٍ أو لأحاديث معينة، سلطة دنيوية، لم يعطها ولم يُفَعِّلها ولم يستخدمها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه. فكل أمرٍ دنيوي كان يرجع لأصحابه، وما أكثر هذه المعاملات اليوم التي نحتاج فيها لأن نبحث عن الأفضل والأحسن والأقوم، ولا نحاول أن نُسقط عليها ظلالاً دينية بأشكالٍ قد تكون لها تماثلٌ بعيد. لذلك فصلاحنا هو بصلاح أول أمتنا، وهو ألا نقلد، وأن نفكر ونتدبر، وأن نرفض واقعنا وقد أدى بنا إلى ما نحن عليه، وأن نضع أهدافاً كباراً عظاماً نريد أن نحققها، كأمةٍ عليها أن تقبل التحدي، وأن تغير نفسها إلى الأفضل والأحسن والأقوم.
عباد الله: علينا أن نتحرك إلى الأمام، تحركنا لما هو أفضل وأحسن هو الدين، الدين ليس فقط في نصوص، وإنما الدين في الصدق وفي العمل وفي الكفاح وفي الحركة لتحقيق أهدافٍ عظيمةٍ نَصلح بها، ونكون أداة صلاحٍ وفلاحٍ لغيرنا ولمجتمعاتٍ غيرنا بيننا .
عباد الله: علينا أن نفكر جميعاً، وأن يكون كل فردٍ منا باحثاً عن الأفضل والأحسن والأقوم، وأن يجعل تفكيره دائماً وانشغاله الدائم في كيف يكون أداة خيرٍ وصلاحٍ وفلاح، ليكن هذا هو الأساس الذي نبني عليه، شعائرنا وعباداتنا هي لمساعدتنا أن نكون كذلك، وألا نيأس، وأن نطلب دائماً قوة ورحمةً من الله، أملنا في الله كبير أن يجئ يومٌ على هذه الأمة تكون مثلاً صالحاً لأممٍ أخرى، تعرف أن كسبها الروحي هو في أصلاحها لحالها على هذه الأرض، وإلا ما جئنا إلى هذه الأرض، جئنا لهذه الأرض لنحاول من خلال وجودنا عليها أن نُعمرها وأن نُحسِّنها، وأن نتكافل معاً وأن نتعاون معاً، نتعاون على البر والتقوى، نتعاون على ما هو أحسن وأقوم وأفضل.
عباد الله: نسأل الله أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم ألف بين قلوبنا اللهم احي قلوبنا
اللهم ألف بين أرواحنا اللهم طهر أرواحنا
اللهم زكي نفوسنا اللهم أثلج صدورنا
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
ربنا فارحمنا، وأغفر لنا، وأعف عنا.
" رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ " [آل عمران 8]