حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، نسأله رحمةً، ومغفرةً، وعطاءً غير مجذوذ:
"...مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"[الكهف 17].
"...مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"[الكهف 17].
علمنا ديننا، أن الإنسان، هو المُخَاطَب في هذا الكون من الأعلى
"...فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ..."[البقرة 37].
كَرَّم الله الإنسان وعلمه،
"خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ"[الرحمن 3،4]، "..خَلَقَ فَسَوَّى"[الأعلى 2]، "...أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"[طه 50].
فكان الإنسان بوجوده على هذه الأرض، عالَماً قائماً بذاته، وأصبح مسئولاً:
"...كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته..."(1). ولا ينفع الإنسان أن يقول: أن من سبقوا قالوا كذا وكذا،
"...كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته..."(1). ولا ينفع الإنسان أن يقول: أن من سبقوا قالوا كذا وكذا،
"إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ..."[البقرة 166]
يوم يتبرأ الشيطان من الذين اتبعوه، فيقول:
يوم يتبرأ الشيطان من الذين اتبعوه، فيقول:
"...مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم..."[إبراهيم 22].
بهذا التوجيه الإلهيّ كشف الله لنا عن سر وجودنا، وعما يجب أن نكون عليه، من تقديرٍ لما أعطانا الله من نعمٍ كثيرة. فأصبح واجبٌ علينا، أن نُعمِل ما أعطانا الله من نعمٍ وإمكاناتٍ وقدرات. نُعمل عقولنا وقلوبنا، نُقَدِّر الأمور تقديراً صحيحاً، بمعاييرنا وبمقاييسنا،
"لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..."[البقرة 286].
لذلك، كان ديننا هو منهجٌ، هو أسلوب حياة. وكانت كل دعوةٍ وكل توجيهٍ، من الرسل والأنبياء، ومن عباد الله الصالحين والأولياء، هو توجيهٌ للإنسان، أن يتبع منهج الحياة، الذي يبدأ من نفسه، والذي يبدأ من أن يعكس الإنسان البصر إلى داخله، لأن الله أوجد في النفوس، الفجور والتقوى،
"فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"[الشمس 10:8].
يعكس الإنسان البصر إلى داخله، باحثاً عن التقوى فيه، باحثاً عما يُحيِيه، باحثاً عما يُرضِي عقله وقلبه وضميره، باحثاً عما يجعله أداة خيرٍ لمن حوله. وعلى الإنسان أن يراجع نفسه دائماً، وأن يحاسب نفسه دائماً، [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا](2).
هذا التقويم المستمر، هو المنهج الذي علمنا إياه ديننا، وفتح لنا باب المغفرة، حتى نرجع إليه، وحتى لا نيأس من رحمة الله، وحتى يكون أملنا في الله كبير. وشجعنا ديننا، أن نجتهد، وأن نحاول، وأن نَعمَل، "من اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن اجتهد فأصاب فله أجران"(3).
حثنا على أن نَعمَل، وأن نحاول، وأن نصحح، وأن نقيس الأمور قياساً صحيحاً، بمعايير أرضنا، وننظر إلى النتيجة. فإن أخطأنا، رجعنا إلى الله، واستغفرنا الله، وصححنا ما أخطأنا فيه. وإن أصبنا بمعاييرنا ومقاييسنا، حمدنا الله، وظللنا في مراقبتنا، غير مُغترِّين، وغير متكبرين، وإنما نبحث دائماً، عن الأفضل والأحسن والأقوم.
لا نجري وراء صورةٍ، أياً كان شكلها، وأياً كانت المسميات وراءها، فلا نغتر بشكل دين، أو باسم الدين، ونسير في طريق كله وعراتٌ وعثراتٌ، بظن دينٍ، فإن
"...الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا..."[يونس 36].
لا نقول أننا من أجل الدين، سوف نهدم ونُخَرِّب حتى نبني بناءً آخر، ونحن لا نعرف كيف نبني، وكيف سنبني. إنما علينا، أن نبني من الآن، وأن نصحح من الآن، وأن نعمل ما فيه خير الناس من الآن.
فالدين، هو خير الناس، وصلاح الناس، وأن نُعمِل عقولنا، من أجل ما فيه خير مجتمعنا، إن الدين ليس هباءً، وليس صورةً خيالية، وليس رسماً يرسمه إنسان، أو يتصوره إنسان،
"..إِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ"[الذاريات 6]،
واقع الحياة. الدين، قائمٌ في كل حال.
فالدين، قانون الحياة، لا ينتظر من يُقَوِّمه أو يُطَبِّقه، فهو مُطَبَّقٌ بقانون الله الساري في الوجود. وعلى الإنسان، أن يتعامل بما يُصلِح حال الناس، وما يُغَيِّر حال الناس إلى الأفضل والأحسن والأقوم. بما هو أحسن، كما يتفق الناس عليه، وكما تتفق الأمة عليه.
عباد الله: علينا أن ندرك، أن ديننا أكبر من أي شكل، وأكبر من أي صورة، إنه دين الحياة، قانون الحياة، والإنسان هو المُخَاطَب به، ثم هو الذي يُفَعِّل ما فيه ـ ما هو أحسن وأفضل وأقوم.
نسأل الله: أن يجعلنا متفهمين ديننا، تفهماً صحيحاً وعميقاً، مدركين، أن كل إنسانٍ مسئول، وأن كل إنسانٍ مُخَاطَب، وعليه أن يقرأ رسائل الله له، دون أن يتبع إنساناً آخر، دون وعيٍ ودون فهم.
نسأل الله: أن يوفقنا لما فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
__________________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن الإنسان، هو المُخَاطَب في كل الأديان، وفي كل الرسالات السماوية، ومن كل الحكماء والأولياء وعباد الله الصالحين. والإنسان مسئولٌ، وعليه أن يفكر ويتأمل ويتدبر، ولا يزيده ولا يُغَيِّره عما يعتقده، مقولةٌ هنا أو هناك، وإنما عليه، أن يُرجِع كل ما يسمعه إلى قلبه، وإلى ما أودع الله فيه.
فإذا تابع من تابع، فإنه يتابعه لأنه اعتقد واقتنع بما قاله، وهو مسئولٌ عن هذا. ولكن، إذا كان لا يقتنع بمقولةٍ، ثم يسير فيها بظن أن هذا دين، لأن السلف قد قالوا ذلك، أو إنساناً آخر قال ذلك، فيتبعه دون وعيٍ ودون فهم، فهذا، لا يعفيه من مسئوليته، وما ينتج عن متابعته هذه من نتائج، قد يكون فيها ضررٌ للناس، هذا الضرر، يكون هو مصدره، ويتحمل ما ينتج عنه.
وعلى الإنسان، أن يُقَدِّر هذا بحق، لأنه إذا اعتقد في شيءٍ بصدق، ثم نتج ضررٌ بعد ذلك، وأدركه، فإن باب المغفرة مفتوحٌ له، لأنه هو المسئول، قَدَّر ما فعله، ثم تراجع عنه، ورجع إلى الله واستغفر، فله أجر.
أما الذي يسير دون وعيٍ ودون فهم، فهو لا يستطيع أن يُقَدِّر، لأن مهما نتج من أضرار، فهو لن يُقَدِّرها، لأنه في ظنه، أنها الحق، لأنه يتبع كلام إنسانٍ آخر، قال له: أن ما يفعله، الحق. فهو لا ينظر، ولا يراجع نفسه ولا عمله ولا نتائج عمله. فهذا، لا يستطيع المراجعة، ولا يستطيع الاستغفار، لأنه لا يملك زمام نفسه، ولا أمر نفسه، ففقد بذلك إنسانيته، وخلافته، وآدميته.
ونحن، لا نريد أن نكون كذلك. نريد، أن نكون في معنى الإنسان العبد لله الحق، الذي يقرأ، والذي يسمع، والذي يُبصِر، والذي يتفَهَّم، والذي يُقلِّب الأمور في كل اتجاه، وبناءً على ما يقتنع به وما يعتقد فيه، يعمل، ويتكلم، ويسعى، ويُغيِّر، ويُصلِح. هذا، هو الإنسان الذي كَرَّمه الله، وخَلَّفه على هذه الأرض.
نسأل الله: أن نكون في معنى هذا الإنسان.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ"[آل عمران 193].
_______________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق