إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
جاءت الديانات، وجاء الرسل، يعلمون الإنسان، كيف يتواصل مع فطرته، لا أن يعطوه أوهاماً أو خرافاتٍ، يتصورها ويعيش من أجلها، مبتعداً عما يعقله، وعما يدركه في واقعه.
(السيد على رافع)
في المدونة السابقة تكلمنا عن المعرفة بالله التي تكمن في صميم وجودنا، والتي كانت لسيرة سيدنا إبراهيم تجسيدا حيا لكيف تذكر ربه، ذلك أنه رفض أن يعطي صفة الإطلاق لكل ما هو موقوت فان، وما كان لإبراهيم (عليه السلام) أن يصل إلى هذه المعرفة لو لم يتساءل ويرفض ما قّدر بعقله وقلبه أنه زيف وخداع.
وهنا فإن أسوة سيدنا إبراهيم تشير إلى منهج علينا أن نراجعه مرة أخرى، لأننا سنجد القصة تتكرر في حياة الأنبياء نكتشف أنهم جميعا عليهم السلام مروا بالمراحل الآتية :
1. إعادة النظر في القديم المتوارث ورفض ما يتنافي مع الفطرة والعقل ورؤية القلب.
2. تحضير الإنسان لاستقبال المدد الرباني بالدعاء "لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين".
3. الإيمان اليقيني بالله وإليه يتوجه الإنسان بكله "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين".
4. الإيمان يوجب على الإنسان أن يحب لأخية ما يحبه لنفسه فيكون التواصي بالحق والصبر، وليس بالفرض والقهر "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء".
5. الصبر على الجحود والمقاومة الجاهلة " وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ" " إِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ"
إن هذه المنهجية توصلنا إلى وجود الله يقينا، ولذا فعندما نقول "الله موجود"، هذا يعني أنك في حضرته سبحانه، ولهذا قال لنا الرسول "أعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك". عليك أن تعي أن كل فعل أو إرادة فهي بالله، وبتوفيقه.
نؤكد أن المعرفة بالله يقينية وليست ظنية، لأنها تنبع من رؤية قلبية، حينما يلتقي الإنسان مع ربه لقاء مباشرا في صميم وجوده متذكرا العهد الذي أخذه على نفسه. وتنبثق في نفس الوقت طاقة رحمة ومحبة في قلب من حصل هذه المعرفة وأدركها فلا يملك إلا أن يتواصى بها، ويحملها إلى من حوله، وعندما لا تصل رسالته، فإنه لا يملك إلا أن يقول "لاحول ولا قوة إلا بالله"، فينبئة العزيز الخبير" وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖفَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ" (يس: 10-11)
ينبع من هذا اليقين بالضرورة استقامة في الفعل، فلن تبرر الغاية الوسيلة بأي حال، ولن تبيح الضرورات المحظورات لتزين للناس أهواءهم.
إذا كان القرآن قد جعل لنا في إبراهيم "أسوة"، فإنه يؤكد لنا أن وحي الله تواجد قبل إبراهيم، وبعد إبراهيم، وأنه أوحى لكل الأنبياء والرسل ممن نعرف وممن لا نعرف، كما تشير إليه الآيات التالية:
إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (النساء: 163 -164)
وإذا تأملنا في كلمة "أوحينا"، لوجدنا فيها تنبيها إلى علاقة يقيمها الغيب مع عباد الله، فهي رحمته سبحانه وتعالي، والإنسان يستقبل هذا الوحي، ويفتح قلبه له.
"أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح": لم نعلم أن نوح ولا إبراهيم ولا إسماعيل ولا إسحاق ولا يعقوب قد نزل اليهم كتاب، ولكن الوحي إذن علاقة تثبيت ودعم وإلهام، لكل الأنبياء. وعندما نتحدث عن الرسول نعلم أن الوحي تمثل في جبريل عليه السلام. ولكن التذكرة التي يضعها لنا القرآن في هذا الآية، تذهب إلى أنه أوحي إلى الرسول "كما" أوحى الله إلى نوح والأنبياء من بعده، موضحا أن الوحي لم يقتصر على جبريل الروح الأمين، ولكنه كان قائما مع الرسول كما كان مع نوح والنبيين، الذين نعلم أنهم لم يكلمهم الله، ولم نعلم أنه أرسل إليهم الروح الأمين. أي أن هذه الآيات تشي إلى أن الرسول لم يكن لينطق عن الهوى، إنما قوله وحى. وعلى الرغم أن أقوال الرسول لم تصل الينا بصورة دقيقة، ولكن بالنسبة لمن في عصره كان عليهم أن يدركوا أنه يتحدث بوحي من الله، وعلينا أن ندرك ذلك أيضا.
إذا تأملنا قصص الأنبياء جميعا، أدركنا أن رحمة الله وهدايته قد جاءت لكل منهم عن طريق مختلف عن الآخر. إذ كلم الله موسى تكليما، وآتي داوود زابورا، وآتي يوسف حكما وعلما:" فلما بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين (يوسف12: 22). ويلفت نظرنا في قصة سيدنا موسى أن الكلام كان مباشرا، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(طه:14) وكلم الله موسى تكليما.
الدعم الإلهي المستمر
إذا كانت الرسل أسوة لنا، فماذا نفعل اليوم؟ هل نوقف عقولنا اعتمادا على ماجاء به الأسبقون كما يطلب منا الآن في كل الملل والنحل؟ أم يظل واجبنا أن نتفكر ونرفض وندعو ونسعى ونبحث لنتعلم؟
أسوة الرسل التي أمرنا بإتباعها تحتم علينا ألا نسير مغمضي العيون، إنما علينا أن نسعى ونجتهد، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، مدركين أن الله قد كتب على نفسه الرحمة، وأنه سيدعمنا ويلهمنا ويوحي إلينا.
حقا نحن نعلم أنه لن تجيء رسالات على غرار الماضي، ولكن هدي الله ودعمه لطالبي الهداية لن يتوقف، لن يترك الله عباده يتخبطون دون هدى، سيظل القانون فاعلا، ذلك أنه كلما اختلطت الأمور وساد الظلام، ودعا الإنسان لنفسه أن ينير الله طريقه، فإن الله سيستجيب، يفتح عليه من خلال تنزيله العظيم، فيصبح القرآن كريما في عطائه لقلب الإنسان الذي يسأل الله أن يهديه. ولكن تواصل الإنسان مع ربه ليس له صورة واحدة، بل الصورة كثيرة ومتعددة، وهكذا يؤكد القرآن أيضا:
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" ( فصلت :30)
"إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأحقاف: 13)
"و أَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا" (الجن: 16)
" ينَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ" (النحل: 2)
نحن نصدق رسولنا الكريم عندما قال "ما أعطيته فلأمتى"، وعندما خاطبة القرآن "إنك رحمة للعالمين". نحن إذن نقتات من هذه الرحمة، ولكن الأمر لا يقتصر علينا نحن بوصفنا مسلمون، إنه أمر عام لكل البشر، فإذا كانت معرفة الله مدمجة في القلب الإنساني، فإن اكتشافها يتطلب من الإنسان أن يكون طالبا، ليتواصل مع ربه، كيفما يشاء الله، وبأي طريقة يصطفي بها عباده.
ولعلنا نخبر تواصلنا معه في أمور بسيطة مثل صلاة الاستخارة، التي نسأل الله فيها أن يبين لنا طريقنا، ويساعدنا في اختياراتنا.
ولا بد أن هؤلاء الذين تتنزل عليهم الملائكة هم من شعروا مثلما شعر إبراهيم "وجهت وجهي إلى الذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين"، هذا هو حال من يقولون "ربنا الله"، ولهذا وفي نفس الوقت فإنهم يسيرون على الصراط المستقيم. هؤلاء تتنزل عليهم الملائكة تملأ قلوبهم بالإطمئنان والبشر.
لنتذكر أن الإنسان لا بد أن يكون طالبا وعلى استقامة خلقية حتي يستجيب الله له، ويهدي قلبه للإيمان. ولكن هل هناك من يكتب الله لهم الضلال؟ كيف نقول أن الله "يهدي ويضل"؟ هذا هو موضوع المدونة التالية.
جاءت الديانات، وجاء الرسل، يعلمون الإنسان، كيف يتواصل مع فطرته، لا أن يعطوه أوهاماً أو خرافاتٍ، يتصورها ويعيش من أجلها، مبتعداً عما يعقله، وعما يدركه في واقعه.
(السيد على رافع)
في المدونة السابقة تكلمنا عن المعرفة بالله التي تكمن في صميم وجودنا، والتي كانت لسيرة سيدنا إبراهيم تجسيدا حيا لكيف تذكر ربه، ذلك أنه رفض أن يعطي صفة الإطلاق لكل ما هو موقوت فان، وما كان لإبراهيم (عليه السلام) أن يصل إلى هذه المعرفة لو لم يتساءل ويرفض ما قّدر بعقله وقلبه أنه زيف وخداع.
وهنا فإن أسوة سيدنا إبراهيم تشير إلى منهج علينا أن نراجعه مرة أخرى، لأننا سنجد القصة تتكرر في حياة الأنبياء نكتشف أنهم جميعا عليهم السلام مروا بالمراحل الآتية :
1. إعادة النظر في القديم المتوارث ورفض ما يتنافي مع الفطرة والعقل ورؤية القلب.
2. تحضير الإنسان لاستقبال المدد الرباني بالدعاء "لئن لم يهدني ربي لأكونن من الضالين".
3. الإيمان اليقيني بالله وإليه يتوجه الإنسان بكله "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين".
4. الإيمان يوجب على الإنسان أن يحب لأخية ما يحبه لنفسه فيكون التواصي بالحق والصبر، وليس بالفرض والقهر "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء".
5. الصبر على الجحود والمقاومة الجاهلة " وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ" " إِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ"
إن هذه المنهجية توصلنا إلى وجود الله يقينا، ولذا فعندما نقول "الله موجود"، هذا يعني أنك في حضرته سبحانه، ولهذا قال لنا الرسول "أعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك". عليك أن تعي أن كل فعل أو إرادة فهي بالله، وبتوفيقه.
نؤكد أن المعرفة بالله يقينية وليست ظنية، لأنها تنبع من رؤية قلبية، حينما يلتقي الإنسان مع ربه لقاء مباشرا في صميم وجوده متذكرا العهد الذي أخذه على نفسه. وتنبثق في نفس الوقت طاقة رحمة ومحبة في قلب من حصل هذه المعرفة وأدركها فلا يملك إلا أن يتواصى بها، ويحملها إلى من حوله، وعندما لا تصل رسالته، فإنه لا يملك إلا أن يقول "لاحول ولا قوة إلا بالله"، فينبئة العزيز الخبير" وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖفَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ" (يس: 10-11)
ينبع من هذا اليقين بالضرورة استقامة في الفعل، فلن تبرر الغاية الوسيلة بأي حال، ولن تبيح الضرورات المحظورات لتزين للناس أهواءهم.
إذا كان القرآن قد جعل لنا في إبراهيم "أسوة"، فإنه يؤكد لنا أن وحي الله تواجد قبل إبراهيم، وبعد إبراهيم، وأنه أوحى لكل الأنبياء والرسل ممن نعرف وممن لا نعرف، كما تشير إليه الآيات التالية:
إنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا، وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (النساء: 163 -164)
وإذا تأملنا في كلمة "أوحينا"، لوجدنا فيها تنبيها إلى علاقة يقيمها الغيب مع عباد الله، فهي رحمته سبحانه وتعالي، والإنسان يستقبل هذا الوحي، ويفتح قلبه له.
"أوحينا اليك كما أوحينا إلى نوح": لم نعلم أن نوح ولا إبراهيم ولا إسماعيل ولا إسحاق ولا يعقوب قد نزل اليهم كتاب، ولكن الوحي إذن علاقة تثبيت ودعم وإلهام، لكل الأنبياء. وعندما نتحدث عن الرسول نعلم أن الوحي تمثل في جبريل عليه السلام. ولكن التذكرة التي يضعها لنا القرآن في هذا الآية، تذهب إلى أنه أوحي إلى الرسول "كما" أوحى الله إلى نوح والأنبياء من بعده، موضحا أن الوحي لم يقتصر على جبريل الروح الأمين، ولكنه كان قائما مع الرسول كما كان مع نوح والنبيين، الذين نعلم أنهم لم يكلمهم الله، ولم نعلم أنه أرسل إليهم الروح الأمين. أي أن هذه الآيات تشي إلى أن الرسول لم يكن لينطق عن الهوى، إنما قوله وحى. وعلى الرغم أن أقوال الرسول لم تصل الينا بصورة دقيقة، ولكن بالنسبة لمن في عصره كان عليهم أن يدركوا أنه يتحدث بوحي من الله، وعلينا أن ندرك ذلك أيضا.
إذا تأملنا قصص الأنبياء جميعا، أدركنا أن رحمة الله وهدايته قد جاءت لكل منهم عن طريق مختلف عن الآخر. إذ كلم الله موسى تكليما، وآتي داوود زابورا، وآتي يوسف حكما وعلما:" فلما بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين (يوسف12: 22). ويلفت نظرنا في قصة سيدنا موسى أن الكلام كان مباشرا، إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي(طه:14) وكلم الله موسى تكليما.
الدعم الإلهي المستمر
إذا كانت الرسل أسوة لنا، فماذا نفعل اليوم؟ هل نوقف عقولنا اعتمادا على ماجاء به الأسبقون كما يطلب منا الآن في كل الملل والنحل؟ أم يظل واجبنا أن نتفكر ونرفض وندعو ونسعى ونبحث لنتعلم؟
أسوة الرسل التي أمرنا بإتباعها تحتم علينا ألا نسير مغمضي العيون، إنما علينا أن نسعى ونجتهد، ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، مدركين أن الله قد كتب على نفسه الرحمة، وأنه سيدعمنا ويلهمنا ويوحي إلينا.
حقا نحن نعلم أنه لن تجيء رسالات على غرار الماضي، ولكن هدي الله ودعمه لطالبي الهداية لن يتوقف، لن يترك الله عباده يتخبطون دون هدى، سيظل القانون فاعلا، ذلك أنه كلما اختلطت الأمور وساد الظلام، ودعا الإنسان لنفسه أن ينير الله طريقه، فإن الله سيستجيب، يفتح عليه من خلال تنزيله العظيم، فيصبح القرآن كريما في عطائه لقلب الإنسان الذي يسأل الله أن يهديه. ولكن تواصل الإنسان مع ربه ليس له صورة واحدة، بل الصورة كثيرة ومتعددة، وهكذا يؤكد القرآن أيضا:
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" ( فصلت :30)
"إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الأحقاف: 13)
"و أَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا" (الجن: 16)
" ينَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ" (النحل: 2)
نحن نصدق رسولنا الكريم عندما قال "ما أعطيته فلأمتى"، وعندما خاطبة القرآن "إنك رحمة للعالمين". نحن إذن نقتات من هذه الرحمة، ولكن الأمر لا يقتصر علينا نحن بوصفنا مسلمون، إنه أمر عام لكل البشر، فإذا كانت معرفة الله مدمجة في القلب الإنساني، فإن اكتشافها يتطلب من الإنسان أن يكون طالبا، ليتواصل مع ربه، كيفما يشاء الله، وبأي طريقة يصطفي بها عباده.
ولعلنا نخبر تواصلنا معه في أمور بسيطة مثل صلاة الاستخارة، التي نسأل الله فيها أن يبين لنا طريقنا، ويساعدنا في اختياراتنا.
ولا بد أن هؤلاء الذين تتنزل عليهم الملائكة هم من شعروا مثلما شعر إبراهيم "وجهت وجهي إلى الذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين"، هذا هو حال من يقولون "ربنا الله"، ولهذا وفي نفس الوقت فإنهم يسيرون على الصراط المستقيم. هؤلاء تتنزل عليهم الملائكة تملأ قلوبهم بالإطمئنان والبشر.
لنتذكر أن الإنسان لا بد أن يكون طالبا وعلى استقامة خلقية حتي يستجيب الله له، ويهدي قلبه للإيمان. ولكن هل هناك من يكتب الله لهم الضلال؟ كيف نقول أن الله "يهدي ويضل"؟ هذا هو موضوع المدونة التالية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق