حمداً لله،
وشكرا لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد
لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد
الله: تدبروا آيات
الله، واذكروا الله كثيراً، واعملوا عملاً صالحاً لعلكم تفلحون. إن الله قد وهب
الإنسان عقلاً وقلباً وجوارح، ليتأمل، وليذكر، وليعمل. التأمل والذكر والعمل،
ثلاثيةٌ متلازمة، مرتبطةٌ ومتناغمة، تؤدي كل جزئيةٍ فيها ومنها، إلى الجزئية
الأخرى.
فالتأمل
يؤدي إلى ذكر، والذكر يؤدي إلى عمل، والعمل يؤدي إلى تأمل، والتأمل يؤدي إلى عمل،
والعمل يؤدي إلى ذكر، والذكر يؤدي إلى تأمل. ارتباطٌ وثيقٌ، بين العمل والذكر
والتأمل. ونجد في بعض الآيات، أن التأمل والذكر، قد جُمِعا معاً في معنى الإيمان "..الَّذِين
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ..."[البقرة
25]. فالإيمان
أساسه العقل والقلب.
والعقل،
هو أن تدرك أن هناك ما لا يمكن أن تدركه، وأن هناك ما لا يمكن أن تحيط به، وأن
هناك غيباً أكبر منك. وهذا، ما نراه ونذكره دائماً، فيما رواه القرآن عن إبراهيم ــ
عليه السلام ــ وهو يبحث عن ربه، فيصل إلى الغيب، أنه أكبر من أي مظهرٍ تجلى به
على الكون.
والقلب،
هو التجرد، قلب الإنسان، جوهر الإنسان، ما في داخل الإنسان من فطرةٍ ومن سرٍ إلهيّ.
تشعر هذه الفطرة بالحياة وامتدادها، تؤمن باليوم الآخر.
"...رَبِّ
أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى..."[البقرة
260]، أتشك يا
إبراهيم في امتداد حياتك؟ "...قَالَ بَلَى
وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي..."[البقرة
260]، فقلبي يشعر بامتداد الحياة، وأني لا أغادرها إلى فراغ،
لا أغادر هذه الأرض إلى فراغ، هذا ما يقوله قلبي، وإني أريد أن أطمئن إلى ما يقوله
لي. هنا، الإشارة إلى القلب، إلى إدراكه وإحساسه بمعنى الحياة الممتدة.
فالإيمان،
يجمع بين العقل والقلب، أو محله العقل والقلب. ونجد التعبير القرآني أيضاً "...مَنْ
آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا..."[المائدة
69].
فالدين، يعلمنا كيف نُفعِّل ما أعطانا الله، وما وهبنا إياه من عقلٍ وقلبٍ وجوارح،
بهم جميعاً نغير ما بأنفسنا، ونغير ما حولنا، "...إِنَّ
اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا
بِأَنْفُسِهِمْ..."[الرعد 11].
ولكنا
نرى الذين يحاولون أن يغيروا ما حولهم، دون أن يغيروا ما بأنفسهم. وكيف تغير ما
حولك، وأنت غير صادقٍ مع ما في نفسك؟ إن الصدق مع العقل والقلب، يحتم عليك خشية
الله، وألا تعتقد أنك تملك الحقيقة، بل أنك يمكنك أن تكون أكثر ميلاً ـ إن كنت
صادقاً وخاشياً ـ إلى اتهام نفسك بالسوء، "وَمَا
أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ..."[يوسف
53].
حين
ننظر حولنا، نرى نماذج وَثَقت في نفسها، إلى درجةٍ استباحت بها أرواح الناس حولها،
واعتقدت أن مفهومها هو مفهوم الحق المطلق، ورأت غيرها أنه الباطل المطلق. فمع هذه
الرؤية، كان من الطبيعيّ، أن يتخلص الحق المطلق من الباطل المطلق، أن يتخلص الإيمان
من الكفر، والصالح من الطالح.
وهكذا،
نرى درساً لنا، ورسالةً من الله، أن الإنسان يوم يفقد خشية الله، واتهام نفسه، حين
يكون كذلك، فإنه لا يرى إلا نفسه، ويرى الآخرين لا يستحقون الحياة، ولا قيمة لهم،
ولا وجود لهم، فيعثو في الأرض فساداً، وقتلاً، وعنفاً، وتخريباً، ظاناً أنه على
الدين يسير، وأنه للدين يحمل، وأنه عن الدين يدافع.
كيف
يكون إنسانٌ على هذه الدرجة من الثقة، ولا يخشى الله، ولا يجول بخاطره، وماذا لو
كان على خطأ، وفعل كل ذلك؟ إن ذلك يعلمنا، أن على كل إنسانٍ أن يراجع نفسه مرةً
ومرةً ومرة، خاصةً إذا كان فعله يتعدى حدود ذاته إلى الآخرين، "...مَن
قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ
النَّاسَ جَمِيعًا..."[المائدة 32].
فكيف
يحكم بقتل الآخرين، دون وعيٍ، ودون فهمٍ، ودون يقين؟ لا يكون ذلك إلا بأن لا يُعمِل
الإنسان عقله، ولا يُعمِل الإنسان قلبه، فيَعمَل دون عقلٍ ودون قلب، فيفقد الطريق،
ويفقد الخشية، ويفقد معنى الإيمان الحقيقيّ الذي أساسه العقل والقلب، أساسه التأمل
والذكر، أساسه الفكر والخشية، أساسه التواضع وعدم التسليم للنفس وللظن، الظن الذي
يأخذ شكل اليقين وما هو بيقين.
عباد
الله: على كل إنسانٍ،
أن يقرأ رسالة الحياة له فيما يحدث حوله، فلا يعتقد أنه الحق المطلق، أياً كان
فهمه، وأياً كان اعتقاده، عليه أن يراقب نفسه، وعليه أن يراعي الحدود التي تفصل
بينه وبين الآخرين، فيحترم هذه الحدود ولا يتعداها ولا يتخطاها.
عباد
الله: علينا، أن ندرب
أنفسنا على احترام الآخرين، مهما كانت رؤاهم ومهما كانت أفكارهم، وألا نعتدي فـ"...إِنَّ
اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"[المائدة
87].
نريد
أن نكون من "..الَّذِين آمَنُواْ
وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ...". فعمل الصالحات، هو أساس الحياة، هو الذي يُحيي الإنسان
حياةً حقة، ولا يكون ذلك إلا بالإيمان الحقيقيّ، بإعمال العقل، وإعمال القلب.
نسأل
الله: أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمداً
لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
_________________________
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد
الله: ما أردنا أن
نقوله اليوم: أن العقل والقلب والجوارح، هم ثلاثيةٌ متلازمة، تؤدي كل جزئيةٍ فيها إلى الأخرى. بحسن التأمل، نذكر
ذكراً خالصاً ونعمل عملاً صالحاً. وبالعمل الصالح، نذكر ذكراً نافعاً، ونتدبر تدبيراً
يؤدي إلى الخير وإلى الصلاح والفلاح.
إذا
فسدت أي جزئيةٍ، فسدت المنظومة كلها. فإذا لم يسبق العمل ذكرٌ وفكر، فسد العمل.
وإذا لم يسبق الفكر عملٌ وذكر، فسد الفكر. وإذا لم يسبق الذكر فكرٌ وعملٌ صالحٌ،
يفسد الذكر. وبالتناغم والتكامل بين الفكر والذكر والعمل، يحيا الإنسان.
ونحن
نرى أمثلةً حيةً أمامنا، يوم ينسى الإنسان هذه المنظومة، فينطلق في عملٍ دون أن
يفكر جيداً، وأن يذكر الله خالصاً، فنجد عمله عملاً طالحاً، فيه تدميرٌ للحياة،
وتخريبٌ لها. ولو أنه تأمل قليلاً، وذكر قليلاً، لتردد ألف مرة في أن يفعل ما
يفعله، أو أن يقوم فيما يقوم به.
عباد
الله: نسأل الله: أن
يجعلنا من الذين يقرأون رسائله لنا، ومن "الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..."[الزمر
18]،
ومن الذين يتأملون، ويذكرون، ويعملون عملاً صالحاً، ومن الذين يرجون لقاء ربهم،
ويجتمعون على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
فحمدا لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
اللهم
وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم
ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا
منجى منك إلا إليك.
اللهم
فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم
ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم
اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم
لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا
فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم
لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا
فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم
ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق