الأربعاء، 9 أبريل 2014

دين الحق، جاء ليتفاعل مع كل إنسان وكل مجتمع، والتفاعل مع الآيات، يُنتِج كل يومٍ فهماً جديداً وتطبيقاً جديداً والرسول (ص) حين فسر وأمر، فإنه تفاعل مع الواقع الذي يعيشه




حديث الجمعة
 4 جمادى الثاني 1435هـ الموافق 4 أبريل 2014م
السيد/ علي رافع

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والحمد دائماَ لله، والشكر دائماَ لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: تدبروا آيات الله، وتفاعلوا مع أحداث الحياة، واعلموا أن الدين لواقع، واقع الحياة. وقد أرسل الله آياته، مُحَمَّلةً بمعانٍ ومقاصدٍ فيها سر الحياة، موجهةً إلى الإنسان، إلى قلب الإنسان وجوهره، "لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ"[الواقعة 79]، إلا الخاشعون، إلا المتفكرون المتدبرون، إلا الذاكرون، الذين يُكبِرون الله عن كل شكلٍ، وعن كل صورةٍ، وعن كل فهمٍ، "...سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ"[المؤمنون 91]، وعما يرسمون ويجسدون.
جاءت الآيات للإنسان، ليقرأها، وليتفاعل معها. إنها موجهةٌ لكل فردٍ، لكل إنسانٍ على هذه الأرض، ليأخذ منها بقدر ما هو له أهل. إن الآيات ليست نصوصاً جامدة، وليست حروفاً أو كلمات ترسم أشكالاً وصورا في الواقع، إنها معانٍ متفاعلة، تدخل القلوب فتحييها، وتدخل العقول فتنيرها، تطهر الأرواح، وتزكي النفوس.
إنها قوىً روحيةٌ معنوية مُحَمَّلةٌ في هذه النصوص، إنها ليست أشكالاً ولا صوراً، إنها روحٌ ونور، تسري في النفوس، وتضيئ الطريق لكل طالبٍ ولكل سالكٍ، فتجعل الإنسان يطرق السماء، يطرق العُلِيّ، يطرق معراج السماء، أن يعلو طبقاً فوق طبق، "وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ، النَّجْمُ الثَّاقِبُ"[الطارق 3:1]، يتحول الإنسان، من وجوده الأرضي إلى نجمٍ ثاقب، ينطلق في سماء العلا.
إن كان في ظنٍ من ذلك، "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ"[الطارق 7:5]، فلينظر إلى ما كان عليه، وأصبح اليوم عليه. فإن كان في شكٍ مما سيصير إليه، فلينظر إلى ما كان هو عليه، وما أصبح عليه، سوف يعلم أنه سيصير شيئاً وخلقاً آخر، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"[الإنفطار 8:6].
إن كل إنسانٍ له صفاته، وله مُكوِّنات خَلقِه، بل أن لكل إنسانٍ علاجه إذا مرض، وله طريقةٌ لتعليمه إذا أراد أن يتعلم، وله ملكاته وقدراته المُمَيَّزة إذا أراد أن يعمل وأن يُنتِج. إن كل إنسانٍ هو عالمٌ بذاته وبصفاته وبأفكاره، باستعداده الروحيّ والمعنويّ والفكريّ والجسديّ والقلبيّ. إن لكل إنسانٍ بصمته، ولكل إنسانٍ نظرته، ولكل إنسانٍ مُكوِّنه، ولكل إنسانٍ ما يُصلِحه، ولكل إنسانٍ ما يُفسِده، ولكل إنسانٍ ما يُقرِّبه، ولكل إنسانٍ ما يُبعِده.
والقرآن، وآياته تخاطب كل الناس بكل مكوناتهم، وبكل صفاتهم، وبكل أهليتهم، كلٌّ يأخذ منه بِقدَر، وهذا مقصودٌ من الحكيم العزيز، "الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى"[الأعلى 3،2]. بل أن الذين أدركوا ذلك، وعلموا أن التفاعل مع الآيات، يُنتِج كل يومٍ فهماً جديداً وتطبيقاً جديداً، وعلموا أن الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ حين فسر وأمر، فإنه تفاعل مع الواقع الذي يعيشه.
وقد أدرك المقربون منه ذلك، وعلموا أنه من الصعب على الناس أن يدركوا ذلك، وأنهم سوف يمسكون بأي تفسيرٍ نبويّ بحرفيةٍ شديدةٍ، مع أنها كانت متفاعلة مع الواقع الذي يعيشه الرسول ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ.
لذلك، لم يركزوا على حرفية النصوص التي يرددها الصحابة في ذلك الوقت، لأنهم علموا أن نصها جاء نِتاجاً لواقعٍ وليس في المطلق، وأن البعض الذين لا يستطيعون أن يدركوا ذلك، سوف يحولون الدين إلى أشكالٍ وحروف، وإلى نصوصٍ جوفاء، لا يعلمون كيف خرجت هذه النصوص من تفاعلٍ مع واقعٍ يريدها ويحكمها. أدركوا أن في آيات القرآن معانٍ ومقاصد، يمكن فهمها مع كل واقعٍ، وركزوا على ذلك، حتى لا يصبح الناس ولا تصبح أمة المسلمين، مثل آخرين، "...يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ..."[البقرة 79].
خشوا أن البعض سوف يكتب أحاديث عن الرسول ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ ثم يتمسكو بنصوصها، دون أن يعلموا مقاصدها. وهذا، ما حدث بعد ذلك في عصورٍ لاحقة، يوم تحول الدين إلى نصوصٍ جامدة، يتلقنونها ويدونونها، ولم يسلم الأمر من ادعاء بعض النصوص لأغراضٍ معينة.
فاختلطت الأمور، مما دعا البعض أن يُنَقُّوا هذه النصوص، ويوجدوا آلياتٍ لفحصها وتحقيقها، إلا أنهم لم يصلوا إلى آليةٍ يمكنهم بها أن يفرقوا بين النص الذي جاء في إطارٍ معين، وبين النص المطلق الذي لا وجود له في واقع الأمر، وجعلوا كل النصوص مطلقة، مما أدى في بعض الأحيان، إلى أن يقدموا ديناً أصبح غريباً لمن يتأمل ويتفكر، ويركز في حياته على المعاني، وعلى ما يفيد البشر جميعاً، وعلى ما يجذب الإنسان في كل مكان، فأصبحوا قوةً مُنفِّرة، وليست قوةً جاذبة، بظن دينٍ، وبظن إيمانٍ، وبظن حفظٍ لسلفٍ، ولأثرٍ، ولسنةٍ ما أدركوها، وما قَدَّروها، وما عرفوها.
عباد الله: لقد أصبح حالنا اليوم ـ نتيجةً لتراكماتٍ كثيرة ـ فيه تختلط الأمور، وأصبح الناس في حيرةٍ من أمرهم، يتخبطون، لا يعرفون لهم طريقاً، ولا يعرفون لهم ديناً، ولا يعرفون لهم مخرجاً مما صاروا إليه وأصبحوا عليه.
ومخرجهم أن يرجعوا إلى أصولهم، وأن يقرأوا كتاب الله بين أيديهم، وأن يتعمقوا في فهمهم، وفي قراءتهم، وأن يتواصوا بالحق والصبر بينهم، وأن يطلقوا لإمكاناتهم العنان، فلا يقيدون تفكيراً ولا تأملاً فيه خيرٌ للمجتمع، وفيه إصلاحٌ للفهم، وفيه حفظٌ للنفس، وحفظٌ للمال، وحفظٌ للدين، وحفظٌ للنسل، وحفظٌ لكل قيمةٍ ولكل أمرٍ يُنتِج صلاحاً وإصلاحاً.
يعلمون أن صلاح البشر غايتهم، وأن توفيرهم لحياةٍ كريمة لأفراد مجتمعهم رسالتهم، وأن توعية الإنسان ليفكر بعقله طريقهم الذي يغير المجتمع إلى الأفضل، يجعله أكثر رقياً، وأكثر فهماً، وأكثر ديناً، وأكثرمحبةً، وأكثر تكاتفاً، وأكثر عملاً، وأكثر علماً، وأكثر معرفةً، وأكثر إنتاجاً، وأكثر تغييراً إلى الأفضل والأحسن والأقوم.
عباد الله: نسأل الله: أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
__________________________

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن دين الحق، جاء ليتفاعل مع كل إنسان، وليتفاعل مع كل مجتمع، جاء بآياته المُحَمَّلة بالنور والحياة، ليسري بهذا النور في الناس، "...وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..."[الأنعام 122]، وجعلنا لك دعوةً تُحيِي بها الناس، "...اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..."[الأنفال 24].
وبشر الناس جميعاً، أن من آمن بالله، وإيمانه بالله يعني أن يؤمن بوجوده على هذه الأرض، وأن هناك ما لا يستطيع أن يحيط به، وأن وراء هذا الكون قوةً خالقة، قوةً خلقت هذا الوجود، وأودعت في الإنسان سر الحياة، بأن جعلته قادراً على التغيير، وعلى فهم ما يحيط به، وهذه هي الأمانة، "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"[الأحزاب 72].
أما بعد أن حمل الأمانة، فقد تغير حاله، وأصبح أهلاً لأن يكون نجماً ثاقباً، وأن يصبح نوراً سارياً، فالذي يؤمن بالله، هو الذي يؤمن بقانون الله الذي تجلى به على الكون. فالذين آمنوا قالوا "...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 191]، قِنا ألا نستخدم ما أودعت فينا، لنتفاعل مع هذا الكون ونبذل أقصى ما عندنا.
هؤلاء الذين آمنوا بالله، سوف يكون ما يؤمنون به بعد ذلك، هو إيمانهم بامتداد حياتهم، "...مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ..."[المائدة 69]. لأنهم يؤمنون بأن الله ما خلقهم باطلاً، ما خلقهم لتكون لهم حياةٌ أرضية ثم يتركون، ثم يغادرون، فيصبح وجودهم على هذه الأرض لا قيمة له، باطلاً، إنهم لا يؤمنون بذلك، إنما يؤمنون بأن وجودهم له حكمة، وله رسالة، فيكون إيمانهم باليوم الآخر، هو نتيجةٌ طبيعية لإيمانهم بالله وخلقه وقانونه، فيدركون بأن وجودهم هكذا، يحتم عليهم أن يُفعِّلوا كل طاقاتهم، ليخدموا على هذه الأرض وليغيروا على هذه الأرض.
فهذا تدريبهم، الذي به يحققون وجودهم، ويحيون أرواحهم، فيعملون عملاً صالحاً، فبشر الله كل الناس، بأن "...مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ..."[المائدة 69]، إن هذا هو الأساس المتين، الذي تبنى عليه الحياة، والذي جاءت بعد ذلك كل العبادات لتساعد الإنسان على أن يقيم هذا البنيان، فيصبح بنياناً قوياً حياً دائماً، متغيراً من صورةٍ إلى صورة، من حالٍ إلى حال، منتقلاً من دارٍ إلى دار، ومن عالمٍ إلى عالم، في معراجٍ لا ينتهي، في معراجٍ لا نهائي.
هذا هو الدين القيم، الذي علينا أن نركز على أن نفهمه جميعاً، ونعلم أننا جميعاً بوجودنا الأرضي، معرضون لأن تزل أقدامنا، فمنا من هو "...ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ..."[الكهف 35]، ومنا من هو مقتصد، ومنا من هو سباق للخير، كلٌّ اصطفى الله.
لذلك، فتح الله لنا باب التوبة، وباب المغفرة، وعلمنا أن نستغفر. والاستغفار الحق، هو أن نرجع إلى معنى الحق فينا، وألا نصر على ما نرى أننا قد زللنا فيه، فنتجه إلى الله بالدعاء أن يساعدنا، وأن يرفع عنا هذا الظلم الموجود في أنفسنا، وهذا الظلام الموجود في قلوبنا. فإن لم يُعِنَّا الله، لنكونن من الضالين. نتعلم أن ملجأنا دائماً إلى الله، وأن دعاءنا دائماً لله، وأن طلبنا دائماً لله، وأن مقصودنا دائماً هو وجه الله.
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، إن لم ترفع عنا غضبك ومقتك لنكونن من الضالين، وإن لم ترحمنا برحمتك لنكونن من الخاسرين، نطمع في رحمتك، ونطمع في جودك وكرمك ونعمتك، ونطمع في كل اسمٍ سميت به نفسك.
اللهم ونحن نطمع أن نكون أهلاً لرحماتك، ونفحاتك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها، ولا ذنباً إلا غفرته، ولا طاغيةً إلا كسرته، ولا ظلماً إلا رفعته.
اللهم فاصلح أحوالنا حكاماً ومحكومين، رواداً ومرودين.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ"[آل عمران 193].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق