حديث الجمعة
9 رمضان 1436هـ الموافق 26 يونيو 2015م
السيد/ علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود
وجهه.
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا حديثاً، متصلاً نتواصى
فيه بالحق والصبر بيننا.
الحمد لله الذي جعلنا نتدبر في آياته، في أوامره، في نواهيه ـ لنقرأ ما فينا من
سرٍ أودعه، ومن أمانةٍ حَمَّلنا إياها، فكان فضله علينا عظيما، وكان عطاؤه لنا جزيلا،
فنحمده ونشكره على ما أفضل به علينا، ونستغفره دائماً إن نسينا أو أخطأنا.
فنحن ندرك أن [ما من كمالٍ وإلا عند الله أكمل
منه](1). لذلك، فنحن نقول دائماً: أن
الحق الذي نؤمن به، أننا لازلنا نخطو في بدايات طريقٍ لا نهائيّ، وأننا نطمع في توفيق
الله ورحمته دائماً وأبدا.
عباد الله: إننا كما تحدثنا عن أن مجاهدة
النفس هي القاسم الأعظم بين كل طرق عباد الله الصالحين، وبين ما جاءت به الرسالات السماوية
ـ فكذلك، فإن حب الله هو ناتج هذه
المجاهدة.
وقد عبر كثير من الصوفية عن ذلك [أدين بدين الحب
أنى توجهت .. ركائبه فالحب ديني وإيماني](2)، [والله ما طلعت شمسٌ ولا
غربت .. إلا وحبك مقرونٌ بأنفاسي. ولا جلست لقومٍ أحدثهم .. إلا كنت أنت حديثي
بين جلاسي. وما شربت ماءاً من عطشٍ .. إلا وكان خيالاً منك في الكاس](3)،
نجد أن نتيجة الجهاد والمجاهدة، أن يشعر الإنسان بعلاقةٍ قويةٍ مع ربه، ومع
رسول ربه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ [يا قبلتي في صلاتي .. إذا وقفت أصلي.
جمالكم نُصب عيني .. إليه وجهت كلي](4). وهكذا نجد كثيراً من أقوال
القوم، يعبرون عن علاقتهم برسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وعلاقتهم بربهم.
إن محبة الله، تجيئ نتيجةً طبيعيةً يوم يجاهد الإنسان نفسه، ويوم يتدبر الإنسان
في خلق الله، ويوم يذكر الإنسان ربه بقلبه في كل لحظةٍ وحين. إنها ليست كلاماً يُقال،
وإنما هي قيامٌ يقوم فيه الإنسان، فيشهد بحق أن لا إله إلا الله، ويشهد بحق أن محمداً
رسول الله. وهذا، ما عبر القوم عنه أيضاً بالفناء في الله، وأنه [لا موجود بحقٍ
إلا الله].
إنا حين نُذكِّر أنفسنا بذلك، فإنا نريد أن نتعلم
أن القضية ليست مجرد كلامٍ، أو منطقٍ، أو أقوالٍ، أو خطبٍ، أو أشعارٍ، وإنما هي إحساسٌ
وقيامٌ يقوم فيه الإنسان، وأنه يجيئ كنتيجةٍ لمجاهدة الإنسان لنفسه في كل أمور الحياة.
فليس مطلوباً منه أن يعتزل الناس، وإن كان الاعتزال قد يكون سبباً في بعض الأحيان.
فنحن نتعلم أن كل حياتنا، وكل معاملاتنا، وكل عملنا يُمَكِّننا ـ إن أردنا بصدق ـ أن
يكون عبادةً لنا في الله ولله.
فعبادة الله، هي أن نسلك طرقه وأن نستخدم أسبابه.
في الدنيا: بالعلم الماديّ، والمعرفة السببية، والمشاهدة والملاحظة، وإعمال العقل بالتجربة.
وفي الأمور المعنوية والروحية: بمراقبة النفس فيما تفعله وفيما تريده وفيما تهدف إليه،
في قراءة آيات الله في الآفاق وفي أنفسنا حتى يتبين لنا الحق، حتى يتبين لنا الطريق
الذي نسلكه لنكسب حياتنا.
"...ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ..."[غافر 60]، هكذا تعلمنا، "...أَقْرَبُ
إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"[ق 16]، "...وَهُوَ مَعَكُمْ
أَيْنَ مَا كُنتُمْ..."[الحديد 4]. فالدعاء، هو سببٌ لأن نكسب
حياتنا، وليكون عوناً لنا في مجاهدتنا لنفسنا الأمارة بالسوء.
ولذلك، فإنا نقول: أن كل العبادات هي دعاءٌ لله. فالصلاة
دعاء، والصوم دعاء، والزكاة دعاء، والحج دعاء. ظاهره عمل، إنما باطنه دعاء. وقد عبر
رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن ذلك بقوله [لا يدخل الجنة أحدكم بعمله،
حتى أنت يا رسول الله، حتى أنا ما لم يتغمدني الله برحمته](5).
فالإنسان الذي يعتقد أن هذا العمل أو هذه العبادة
التي يقوم بها هي الأساس في أن يكسب حياته الروحية والأخروية، فإنه لا يدرك أنها دعاء،
وإنما يتصورها كعملٍ يؤديه، فيسقط في دائرة ظن العمل، وظن أنه قد قام بكل شيء، وينسى
دعاء الله ورحمة الله التي هي أساس كل شيء.
هكذا، نتعلم مما جاء به ديننا، ومما قام فيه من سبقونا
في طريق الحق والحياة، يوم كان طمعهم في محبة ورحمة الله لهم. هكذا، نتعلم أن بداية
الطريق هي في فهم الخطوات التي يجب أن نسير عليها في مجاهدتنا، وأن نعرف أن هذه هي
البدايات.
إنما طمعنا في الله ودعاؤنا لله، هو طريقنا وهو رجاؤنا
لنتغير من حالٍ إلى حالٍ، ولنُعِدَّ أنفسنا لمغادرة هذه الأرض ونحن لله طالبين، ولوجهه
قاصدين، وفي رحمته طامعين، ولرسوله مستقبلين، في شفاعته طامعين، وفي أن يستغفر لنا
سائلين، وإلى الله دائماً مفتقرين، محاولين أن نكون لوجودنا لرحماته مُعَرِّضين، ولنفاحته
مستقبلين. هكذا، نذاكر أنفسنا جميعاً، راجين أن يجمعنا الله دائماً على ذكره، وعلى
طلبه، وعلى مقصود وجهه.
نسأل الله: أن يجعل منا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة لنا،
ولبلدنا، ولأرضنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول
الله.
______________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن
مجاهدة النفس هي بداية الطريق لأن
يشعر الإنسان بحب الله، ولأن يطمع الإنسان في رحمة الله، ولأن يستقبل الإنسان
رحمات الله. وأن هذا الحال لا يستجلبه الإنسان، وإنما هو من فضلٌ الله، ومن عطاء الله،
يوم يُعِدٍّ الإنسان وجوده لاستقبال رحماته ونفحاته.
وهذا ما نلاحظه فيما وصل إليه عباد الله، في سلوكهم
ومجاهداتهم. عبروا عما وصلوا إليه في قصائدهم وأشعارهم، فكانت كلماتهم تمس القلوب،
تمس القلوب الذاكرة، لتعلمهم أن المقصود حقاً هو وجه الله، وأن الحب حقاً هو حب الله،
وأن الرحمة هي استقبال فيوضات رسول الله، وحبه، وحب من يحبه، وأن يطمع الإنسان أن يكون في ركب رسول الله ـ صلوات الله
وسلامه عليه ـ وفي سفينته، وفي شفاعته، [يُحشر المرء مع من أحب](6).
هكذا، نتعلم ديننا ونقرأ آياته بيننا، عَلَّنا نكون
بذلك قوة حبٍّ تقلل من هذا الظلام الموجود حولنا، وأن نكون أداةً لمساعدة الناس جميعاً
ليعرف كل إنسانٍ دينه حقاً، ويعرف أن كل الأديان تدعو الإنسان لأن يكون أداة خيرٍ وسلامٍ،
ولأن يعيش في حبٍ ووئامٍ وتوافقٍ مع كل كائنات الله، مع كل خلق الله، مع كل عباد الله.
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتجه إليك، ونتوكل
عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين،
عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل
باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته،
ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، وتب علينا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا،
يا أرحم الراحمين ارحمنا.
__________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق