حديث الجمعة
4 ذو الحجة 1436هـ الموافق 18 سبتمبر 2015م
السيد/ علي رافع
الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً
لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: إنا نستقبل أياماً مباركة
تحمل رسائل كثيرةً لنا، فكل شعيرةٍ من شعائر الحج تخاطبنا وتعلمنا كيف نستقيم على هذه
الأرض. والطواف حول بيت الله الموضوع رسالةٌ تعلمنا كيف نكون في كل حياتنا، متذكرين
علاقتنا ببيت الله على هذه الأرض، تُذكِّرنا أن نكون في كل أعمالنا ذاكرين علاقتنا
بربنا.
فأنت تطوف في دائرةٍ على مسافةٍ ثابتة بينك وبين
مركز البيت، وأنت في هذه الدائرة التي تمثل حياتك كلها، في كل نقطةٍ على محيط هذه الدائرة
التي تطوف فيها وعليها، هي موقفٌ لك في حياتك، هي حياتك كلها، إنها تعبيرٌ عما نقوله
دائماً، أنك في كل تعاملاتك عليك أن تكون متعاملاً مع الله.
وهي تعبيرٌ عن مقولة الصوفية: [لو غاب عني
رسول الله طرفة عين، ما عددت نفسي من المسلمين](1)، وتعبيرٌ عن كل خطابٍ وشعرٍ وأقوالٍ صوفية تتحدث عن حب الله في كل وقتٍ
وحين، [والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت، إلا وحبك مقرونٌ بأنفاسي](2)، [المقصود وجه الله] أقوالٌ وأقوال، كلها تعبيرٌ عما نتعلمه ونحن نطوف
حول بيت الله الموضوع.
يبدأ حجك بطوافٍ وينتهي بطواف. طوافٌ تتعلم فيه
في قدومك، يُذكِّرك ويعلمك، تدعو فيه أن تتعلم من هذا الطواف أن تُرحَم بهذا الطواف،
أن تكون أهلاً لعطاء الله في هذا الطواف، أن تتعلم معنى الطواف.
والطواف إفاضة، بعد أن تنتهي من مناسك الحج تطوف
ليكون طوافك تدريبٌ لك حقيقيّ، وقد أفاض الله عليك بتَعرُّضك لنفحاته ورحماته في كل
مرحلةٍ من مراحل الحج، وفي كل منسكٍ من مناسك الحج، تريد أن يكون طوافك تثبيتٌ لك في
معنى علاقتك الدائمة بهذا المعنى الروحيّ، وبهذا المركز الحقيّ.
والطواف وداع، تريد أن تكون آخر أعمالك في هذا
الوقت أو في ذلك الوقت الذي قضيته بكل ما فيك من معانٍ روحية، وقبل أن تعود إلى حياتك
المادية الأرضية، أن يكون آخر شيءٍ تفعله هو أن تؤكد ما تعلمته في هذا الطواف.
علينا أن نتعلم أن تكون تأديتنا لأي منسكٍ قائمةً
على التأمل في مدلوله ومعناه، لا يكون مجرد شكلٍ نؤديه، وإنما يكون رسالةً نتعلمها.
وهذا ما نذاكر به أنفسنا دائماً، حتى لا تتحول المناسك عندنا إلى تأديةٍ بالجوارح،
ونظن أننا بذلك قد أدينا هذه المناسك. نريد أن تكون تأديتنا لمناسكنا هي تَعلُّمٌ لما
فيها وقيامٌ لما بها من معانٍ حقية.
إن قراءتك ومشاهدتك لهذه المناسك والتأمل فيها،
حتى وإن لم تمارسها بذاتك، يُكسِبك في الله، ويعلمك في طريق الحياة. وكم من حاجٍ أدى
هذه المناسك بذاته وبجسده ولم يقرأ منها شيئاً، ولم يتعلم منها شيئاً، وقد يكون قد
ذهب وجاء ولم يستفد منها شيئاً. والله أعلم بكل إنسان.
نحن نتكلم هنا عن أمورٍ مجردة، لا نُسقِطها على
أي إنسانٍ أياً كان، إنما نذكر ذلك لأنفسنا حتى نقوم نحن في مناسكنا بهذا الاتجاه،
وبهذا الفهم في التأمل والتدبر والتَعلُّم.
هكذا، نتذاكر دائماً ونتعلم دائماً، مدركين أن
المعاني التي تحملها المناسك كثيرة ومتعددة، وإن ذكرنا منها جزءاً كما فهمناه، فإن
هذا لا يعني أن هذا كل ما يتحمله ويحمله ويتضمنه المنسك بشكله وصورته؛ لأن كل إنسانٍ
عليه أن يتدبر بنفسه وبعقله وبقلبه هذه المناسك، وقد يصل بتفكيره وتأمله وتدبره إلى
معانٍ أخرى تفيده وتساعده في حياته، وما بعد حياته.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفقنا جميعاً
لما فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا، وأن يغفر لنا إن نسينا أو أخطأنا، وأن يرحمنا، وأن
يتقبل منا، وأن يساعدنا، وأن يأخذ بيدنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك
يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو أن نُذكِّر أنفسنا بمعنى الطواف كمنسكٍ من مناسك
الحج، وما يحمله هذا المنسك من معانٍ وإشاراتٍ ودلالات، وكيف نربط بينه وبين سلوكنا
في حياتنا وفي معاملاتنا.
فكل العبادات والمناسك لها علاقةٌ بأعمالنا ومعاملاتنا،
ولا يجب أن نفصل بينهما، بين العبادة والعمل، بل علينا أن نربط بينهما، وأن نعرف كيف
تؤثر عبادتنا في عملنا، وكيف يؤثر عملنا في عبادتنا.
وأن نكون دائماً ذاكرين متدبرين تائبين مستغفرين،
طامعين في رحمة الله، وفي توفيق الله، وفي عطاء الله، وفي نور الله. أن نكون وجودنا
لنفحات الله مُعَرِّضين، ولنفحاته ورحماته مستقبلين. فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا
نجاة إلا برحمة الله، ولا طريق إلا طريق رسول الله، ولا نجاة إلا لمن ركب سفينة الحياة،
ولا نجاة إلا لمن سار في ركب رسول الله.
ورسول الله هنا، هو معنىً أكبر من أي شكلٍ ومن
أي صورة، إنه المعنى الذي تجلى في كل الرسل والأنبياء. وسفينة الحياة، هي قانون الله
الذي جاءت به كل الرسالات والديانات، والذي تعلمه الناس من فطرتهم يوم اتجهوا إليها
خالصين صادقين.
والإنسان الصادق يقرأ رسائل الله في كل دينٍ
وفي كل كتابٍ، وفي كل تبليغٍ، في أحداث الحياة وفي قوانين الحياة الظاهرة له في كل
مكانٍ وفي كل زمان على هذه الأرض.
نتعلم من منسك الطواف أن نحاول أن نكون ذاكرين
الله في كل أعمالنا، وفي كل أوقاتنا، وفي كل معاملاتنا، وفي كل أعمالنا، وفي كل حياتنا.
وأننا لو غفلنا عن ذلك نرجع إليه، نستغفره ونطمع في رحمته، وفي كرمه وجوده، وفي شفاعة
رسوله الذي هو قبلتنا، والذي هو رجاؤنا، والذي هو أملنا، والذي هو شفيعنا، والذي هو
الآخذ بأيدينا ونواصينا إلى رحمة الله، وإلى نور الله.
نطمع أن نكون من "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..."[آل عمران 191]، أن نكون من
"...الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..."[الكهف 28]، ليصبر رسول الله نفسه معنا. نرجو أن نكون كذلك، فإذا
وجدنا أنفسنا لسنا كذلك فلندعو الله ليساعدنا أن نكون من هؤلاء، من عباد الله الصالحين
الصادقين.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا،
وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك،
لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من
حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين،
عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا
الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا
حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا،
يا أرحم الراحمين ارحمنا.
___________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق