الاثنين، 17 يوليو 2017

كيف يكون السّعي ذكراً لله، وكسباً في الله، وعبوديّةً لله؟

حديث الجمعة 
21 رمضان 1438هـ الموافق 16 يونيو 2017م
السيد/ علي رافع

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ به من الشيطان الرجيم، نعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، نسأله هدايةً وتوفيقاً في أعمالنا، وسكينةً وسلاماً في ذكرنا، وإخلاصاً ورجاءً في دعائنا.
نتجه إليه في كلّ أحوالنا سائلينه قوّةً وعزماً، لنستطيع التغلّب على مصاعب الحياة حولنا، وعلى أن نكون عباداً له خالصين في الغيب وفي الشّهادة. عبوديّتنا مع الغيب أن نعدّ أنفسنا بذكره وطلبه، لنكون أهلاً لرحماته ونفحاته. وعبوديّتنا في الشّهادة أن نتعلّم أسباب الحياة وقوانينها، لنكون أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة لأنفسنا ولإخواننا في البشريّة ،في كلّ مناحي الحياة.
ندرك أنّ سعينا على هذه الأرض في اتّجاهاتٍ مختلفة، "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى، وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى"[الليل 4:1]، فكيف يكون السّعي ذكراً لله، وكسباً في الله، وعبوديّةً لله؟ "فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى"[الليل 7:5]، وهذا يشمل كلّ عملٍ، وكلّ فعلٍ، وكل معاملةٍ على هذه الأرض ـ معنى العطاء، ومعنى مراقبة الله في العطاء.
لو تذكّر الإنسان ذلك في كلّ معاملةٍ وفي كلّ عملٍ، تذكّر أن يكون باذلاً كلّ جهده، معطياً كلّ ما يستطيع؛ لأنّه يرى أنّ ذلك واجبه، أن يعطي بإخلاصٍ، وأن يكون متعاملاً مع الله، وهذا معنى: "...وَاتَّقَى".
"..مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى"، هو يدرك تماماً أنّ كل ما يفعله على هذه الأرض له صلةٌ بحياته الرّوحيّة وبحياته الأخرويّة، هو يصدّق ذلك، يصدّق أنّ التّعامل مع الله، وأنّ العطاء له من الله، وهذا معنى: "..صَدَّقَ بِالْحُسْنَى"، صدّق بالحياة، صدّق ببقاء الحياة، صدّق باستمرار حياته وباستمرار وجوده، فهو لا ينظر إلى كسبٍ عاجلٍ وإلى دنيا زائلة، إنّما هو يتعامل مع الله.
"فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى"، وطريق الله هو اليسرى، طريق الكسب في الله هو اليسرى، تيسير هذا الطّريق للإنسان هو اليسرى، تمكين الإنسان من أن يكون كذلك هو اليسرى.
ولنتعلّم كيف يكون حال الإنسان إذا كان في الصّورة المضادّة، تحدّثنا الآيات: "وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى"[الليل 10:8]، بخل عكس العطاء، واستغنى عكس التّقوى، من لا يرى أنّه يتعامل مع الله فقد استغنى، وأمّا من امتنع عن العطاء وانتظر الجزاء قبل أن يُعطِي فقد بخل.
وإذا نظرنا في الحياة، وجدنا هذين النّموذجين من إنسانٍ يُعطِي متعاملاً مع الله، ومن إنسانٍ يبخل متعاملاً مع النّاس، والآيات توضّح لنا النّموذجين لنختار أيّهما نحب أن نكون فيه.
قد يتساءل إنسانٌ، وهل يحبّ إنسانٌ أن يكون فيمن "...بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى"؟ نقول نعم، هناك من سيختار هذا الطّريق؛ لأنّنا نجد فعلاً من اختار هذا الطّريق، وهو لا يفكّر إن كان قد بخل واستغنى أو لم يفعل ذلك، إنّ حاله هو كذلك وإنّ فعله هو ذلك، إنّه لن ينتظر حتّى يقرأ هذه الآيات فيختار منها هذا أو ذاك؛ لأنّه لن يقرأها أصلاً. لذلك، فالآيات تصف أحوال النّاس لمن يقرؤها، فيتعلّم من قراءتها.
لينظر الإنسان إلى داخله، وليسأل نفسه: هل أنا في هذا الحال، أو في ذاك الحال؟ فالإنسان الذي يطلب المعرفة لا يعني أنّه في كمال، وإنّما هو في جهادٍ واجتهاد، وهذه الآيات تكشف له الطّريق، تكشف له اليسرى، وتكشف له العسرى.
والعسرى هنا ـ لو تأمّلنا ـ لا تعني عسراً في الحياة الدّنيا، وإنّما تعني طريق فقد الحياة، سوف يكون ميسّراً له أن يفقد حياته، كيف يكون ذلك؛ بأنّه يتّجه دائماً إلى ما يُخسِره حياته، تكون هكذا اختياراته، ويكون هكذا حاله، يختار دائماً ما يُخسِره في علاقته بالله.
هكذا نتأمّل في آيات الله لنحوّلها إلى سلوكٍ في حياتنا، تتحوّل هذه الآيات إلى نورٍ يهدينا الطّريق القويم والصّراط المستقيم، تعيننا أن نراجع أنفسنا، وأن نعكس البصر إلى داخلنا، لنرى ما نحن عليه، ولنسأل أنفسنا: من نحن، وما هو حالنا، وما هي صفاتنا؟
آياتٌ كثيرة تتحدّث عن الإنسان في عمائه، وتتحدّث عن الإنسان في يقظته، "إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ"[العاديات 8:6]. وتتحدّث أيضاً عن عطاء الله للإنسان الذي حمّله أمانة الحياة، وجعله خليفته على الأرض، "...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..."[البقرة 30]، "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا"[الأحزاب 72]، "...كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" قبل أن يحمل الأمانة، وبعد أن حمل الأمانة أصبحت عنده المكنة التي تجعله عادلاً منيراً.
إنّ الأمانة عطاءٌ دائم، "يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا..."[البقرة 269]، فما هو موجودٌ في فطرة الإنسان هو بذرة هذه الأمانة التي تنمو في الإنسان بتعرّضه لنفحات الله، والتي تموت في الإنسان ببعده عن ذكر الله، "...وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"[الكهف 28].
هكذا نتعلّم دائماً، لنتّجه إلى الله دائماً، ولنتعامل مع الله دائماً، ولنسأل الله في كلّ حالٍ من أحوالنا، وأن نقصد وجهه في كلّ عملٍ من أعمالنا، وأن نتعامل معه في كلّ معاملةٍ من معاملاتنا، راجين أن نكون من الذين أعطوا واتّقوا وصدّقوا بالحسنى، وأن نكون من الذين يُسِّروا لليسرى، لنكسب حياتنا، ولنكون أحياءً عند ربّنا نُرزق.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
نحمد الله كثيراً، ونسبّحه بكرةً وأصيلا، نسأله أن نكون من المتأمّلين، المتفكّرين، المتدبّرين، الذّاكرين، الرّاكعين، السّاجدين، الحامدين، الشّاكرين، المعطين، المتّقين، الميسَّرين لليسرى، المكبرين لأمانة الحياة فيهم، المعرّضين أنفسهم لنفحات الله ورحماته، المتواضعين، المفتقرين.
نريد ونسأل الله: أن نكون في كلّ صفةٍ تقرّبنا من رحمته، وتقرّبنا من نعمته، وتقرّبنا من عطائه، وتقرّبنا من مغفرته، أن نكون أهلاً لنفحاته ورحماته، أن نكون عباداً في الغيب وفي الشّهادة، أن نكون مدركين لمعنى العطاء ولمعنى التّقوى ولمعنى اليسرى، وأن نكون مستعيذين بالله أن نكون في بخلٍ أو استغناء أو ممن يهوون العسرى ويطلبون العسرى، دون وعيٍ ودون فهم، نستعيذ بالله من ذلك.
عباد الله: إنّ كلّ آيةٍ من آيات الله فيها نورٌ، وفيها قوّةٌ، وفيها إرشادٌ، وفيها توجيهٌ ـ علينا أن نعرّض أنفسنا لهذه المعاني بتطهير قلوبنا من كلّ كراهيةٍ أو حقدٍ أو ظلامٍ، أن نجلي قلوبنا بذكر الله، وأن يرتبط معنى الذّكر بمعنى جلاء قلوبنا.
فإذا استغفرنا الله اتّجهنا إلى قلوبنا لتُجلَى باستغفار الله، وإذا صلينا وسلمنا على رسول الله اتّجهنا إلى قلوبنا ليساعدنا رسول الله على جلائها وليعطينا قوّةً لنجليها، وإذا سبّحنا لا إله إلّا الله اتّجهنا لقلوبنا حتّى لا نشهد إلّا الله، ولا نطلب إلّا الله، ولا نطمع إلّا في الله، ولا نسجد لغير الله، ولا نحبّ إلّا في الله، ولا نكره إلّا في الله.
نريد أن يكون ترتيلنا للقرآن فيه جلاءٌ لقلوبنا، وفيه إرشادٌ لعقولنا، وفيه تطهيرٌ لأرواحنا، وفيه تزكيةٌ لنفوسنا، وأن يكون ذكرنا بأيّ معنى ولأيّ معنى، هو جلاءٌ لقلوبنا.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنباً إلّا غفرته، ولا همّاً إلّا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنباً إلّا غفرته.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق