الاثنين، 30 يوليو 2018

الهدف هو أن يرسخ في قلوبنا وعقولنا أنّ الله أقرب إلينا من حبل الوريد وأنه معنا أينما كنّا


حديث الجمعة 
23 رمضان 1439هــ الموافق 8 يونيو 2018م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
"... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ..."[الأعراف 43].
عباد الله: [إنّ في أيّام دهركم لنفحات فتعرّضوا لها](1)، نفحات الله قائمةٌ ودائمة، تَعرُّض الإنسان لها، هي قضيّة الإنسان ـ كيف يتعرّض لهذه النّفحات.
كلّ الأديان كشفت عن كيف يتعرّض الإنسان لنفحات الله، جاءت لنا بعباداتٍ تعبّر عن إقامة هذه الصّلة، وعن كيفيّة التّعرّض لنفحات الله، كلّ العبادات، هي تعرُّضٌ لنفحات الله، كلّ المعاملات، هي تعرُّضٌ لنفحات الله.
بل أنّ الآيات التي تكلّمت عن زمانٍ أو مكانٍ، يكون الإنسان فيه أكثر عرضةً لنفحات الله، ما هي إلّا تحفيزٌ للإنسان أن يقوم صادقًا في عبادته، وأن يكون متّجهًا لربّه خالصًا له في قيامه، وأن يكون متأمّلًا في معنى المكان وفي معنى الزّمان.
فالحجّ على سبيل المثال، هو تعبيرٌ عن تحفيز الإنسان بوجوده في مكان، تحفيز عقله ليتأمّل، وتحفيز قلبه ليذكر، وتحفيز جسده ليتحرّك لهذا المكان، وليتعبّد في هذا المكان، ليعطيه ذلك قوّةً تساعده على أن يكون أكثر توجّهًا، وأكثر تفرّغًا، وأكثر فراغًا، يستقبل نفحات الله بدون حائلٍ من نفسه، وبدون حائلٍ من ظلامها، وبدون حائلٍ من غفلتها.
وليلة القدر، هي مثالٌ ـ أيضًا ـ على التّحفيز بالزّمان، فهي وإن كانت موجودةٌ في كلّ زمان، إلّا أنّ انتظارك لها في زمنٍ محدّد، أو في فترةٍ زمنيّةٍ محدّدة، هو تحفيزٌ للإنسان أن يكون أكثر ذكرًا، وأكثر توجّهًا، وأكثر إعدادًا لنفسه، ليستقبل فيوضات الله ورحماته، ولأكثر تأمّلًا في معناها. وإذا أدرك أكثر، لكان معناها كزمنٍ مستمرّ لا يتوقّف، يكون حافزًا له لأن يذكر الله أكثر، ولأن يتّجه إلى الله أكبر، ولأن يعدّ نفسه لتقبّل نفحات الله في كلّ وقتٍ وحين.  
إنّ ظاهر مفهوم أيّ آيةٍ، يكون له وقعٌ في حياة الإنسان، ولكن إذا أسرف الإنسان في تجسيده لظاهر الآية، وتصوّر أشياءً لا وجود لها، بظنّ إيمانٍ، فإنّ ذلك يُخرِجه عن أن يتقبّل ما فيها من معنىً باطنيّ، وهذا أمرٌ، يصلح لمساعدة الإنسان على أن يستقيم في فهمه لظاهر الآيات وباطنها. فظاهرها، يجعله يتذكّرها دائمًا في حياته الأرضيّة الزمنيّة، ويكون تذكّره لها، سببًا في أن يتأمّل في معناها وفي مغزاها.
فإذا تصوّر النّاس ليلة القدر، في ليلةٍ معيّنة فرديّة من العشر الأواخر من رمضان، فقد يكون ذلك تحفيزًا لهم لأن يكونوا أكثر قربًا من معنى الحقّ فيهم، وليتذكّروا أيضًا معنى ليلة القدر كليلة الوصل، وليلة الاتّصال، وليلة القرب، وليلة العفو، وليلة الرّحمة، وليلة النّور الذي هو قائمٌ، دائمٌ، متاحٌ، للإنسان في حياته على هذه الأرض، فلا يسرفوا في تجسيدها، ولا في شكلها، ولا في وقتها، ولا في علاماتها، ولا في كلّ هذه الأشياء التي يتقوّلون بها. 
إنّنا نتأمّل دائمًا، في معنى ربط هذه الليلة بشهر الصّوم، والذي نتحدّث عن معناه كثيرًا، في معنى أن يعيش الإنسان بروحه، في ألّا يتثاقل الإنسان إلى أرض ذاته، وأن يكون بقيامه وصومه أهلًا لأن يقوم في ليلة القدر.
إنّنا نذاكر بهذه المعاني دائمًا، حتّى  يرسخ في قلوبنا وفي عقولنا، أنّ الله أقرب إلينا من حبل الوريد، ومعنا أينما كنّا، ندعوه فيستجيب لنا، نطلب مغفرته فيغفر لنا، نطلب رحمته فيرحمنا، نطلب نوره فينير قلوبنا، نطلب علمه فيعلّم عقولنا، نطلب منه قوّةً تعيننا على أنفسنا فيمدّنا بقوّةٍ من قوّته.
عباد الله: "هذا الدّين القيّم أوغل فيه برفق، فإن المنبتّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى"(2)، إنّ المتسرّعين في فهم الآيات، والمجسّدين للمعاني، الذين لا يتعمّقون، ولا يتأمّلون، ولا يتدبّرون ـ هؤلاء، مثل هذا المنبت،ّ الذي لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، الذين لا يفقهون، ولا يبصرون، ولا يسمعون.
نريد أن نكون من الذين يسمعون، ويبصرون، ويفقهون، ويتعلّمون، ويتدبّرون، ويذكرون، ويعبدون، ويعملون عمَلًا صالحًا، به إلى الحقّ يتقرّبون، وحول ذكره يجتمعون، ولوجهه يقصدون.
عباد الله: نسأل الله: أن يجعلنا كذلك، وأن يجعل منّا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمةٍ لأنفسنا، ولمجتمعنا، ولأرضنا.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن نجعل من فهمنا الظّاهريّ لآيات الله، سببًا لنتعمّق في دلالة هذه الآيات، وألّا نقف عند ظاهر الكلمات بفهمٍ قديم، أو بفهمٍ سطحيّ، وإنّما نغوص في أعماقها.
وأنّ أيّ آياتٍ تتحدّث عن المكان أو الزمان، هي لتحفيز الإنسان ليتأمّل في دلالة المكان وفي دلالة الزّمان، وهذا ما يجعل الإنسان أكثر صدقًا، وقدرةً على أن يقوم في معنىً من معاني هذه الآيات. فإذا كان في مكانٍ، كان قيامه في هذا المكان، يحمل له الكثير من المعاني التي تقرّبه من معنى الحقّ فيه أكثر. وإذا قام في زمانٍ، حفّزه هذا الزّمان أن يكون أكثر ذكرًا، وأكثر تأمّلًا لما في هذا الزّمان من معنى.
وهذه قضيّةٌ، يمكن للإنسان أن يفهمها في كثيرٍ من الأمور الدّينيّة التّعبّديّة، بل في كثيرٍ من المعاملات المادّيّة. فكلّ عبادٍة، وكلّ معاملةٍ ـ لها شقٌّ ظاهريّ، ولها مفهومٌ باطنيّ. الشقّ الظّاهري، يحمل الرّسالة. والشقّ الباطنيّ، هو ما يجب أن تقوم فيه وأنت تؤدّي هذا الفعل الظّاهريّ. هذا الفهم، هو أداةٌ لفهم معانٍ أكثر، ولفهم أوامر في ديننا أكثر، وفهم آيات الله أكثر.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ..."[الزمر 18]، والذين لهم آذانٌ يسمعون بها، وعيونٌ يبصرون بها، وقلوبٌ يذكرون بها، وعقولٌ يتفكّرون بها، وأجسادٌ يعملون بها، أن نكون عبادًا لله صالحين، لوجهه قاصدين، ومعه متعاملين، وعنده محتسبين.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنبًا إلّا غفرته، ولا همًّا إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.
________________________
(1)           "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها". الراوي: أبو هريرة، المحدث: العراقي – إسناده مختلف فيه.
(2)           حديث شريف أخرجه البزار عن جابر في الجامع الصغير للسيوطي ضعيف " إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى"، ويقويه حديث صحيح عن أحمد بن حنبل بلفظ :"إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق " صحيح .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق