الاثنين، 18 مارس 2019

الغفلة تجعل الإنسان يتَّبع هواه، يتَّبع ظنَّه، يتَّبع رؤيته، دون النَّظر إلى الحقائق القائمة.


حديث الجمعة
 24 جمادى الثاني 1440هـ الموافق 1 مارس 2019 م
السيد/علي رافع

حمدًا لله، وشكرا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والحمد دائمًا لله، والشُّكر دائمًا لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: إنَّ الإنسان على هذه الأرض، يغفل في كثيرٍ من الأحيان، عن أن يرى حقيقةً واضحةً أمامه. وما نقصد بالحقيقة هنا، هو أمرٌ قائمٌ في حاضر، وكان قائمًا في ماضٍ، فهو بالنِّسبة لهذا المدى الزَّمنيّ الذي يستطيع أن يعلمه، لا يتغيَّر، فهي حقيقةٌ نسبيَّةٌ أخرى، ولكنَّ النِّسبية هنا، ليست نتيجةً لقدرة الإنسان فقط، ولكن للمدَّة الزَّمنيَّة التي نتحدَّث عنها. فعلى سبيل المثال، سوف نجد أنَّ اختلاف النَّاس على هذه الأرض، هو من تلك الحقائق النِّسبيَّة.
حين ننظر في تاريخنا المكتوب، نجد أنَّ الأرض دائمًا، كانت في اختلافاتٍ بين النَّاس فيها. وحين ننظر إلى التَّاريخ الغير مكتوب، والذي حدَّثتنا عنه الآيات، نجد أنَّ الاختلاف قائمٌ في دوام، "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ..."[المائدة 27].
وكلُّ قصص الأنبياء التي أُخبِرنا عنها في آيات الكتاب الحكيم، أو في الكتب السَّماويَّة الأخرى، تتحدَّث عن اختلاف النَّاس، وإن كانت تُركِّز على ظهور الرِّسالات، واختلاف الأنبياء مع أقوامهم.
إلَّا أنَّنا في تاريخنا الذي نتناقله من قرونٍ عديدة، نجد أنَّ الاختلافات موجودةٌ في البيئة الواحدة، وفي الدِّين الواحد، وفي الثَّقافة الواحدة. والتَّعدُّد هنا والاختلاف، ليس فقط في علاقة الإنسان بربِّه، أو في العبادات التي يقوم بها، أو في المعاملات التي يؤدِّيها، وإنَّما أيضًا في مواضع كثيرة، سواء كان ذلك في أمورٍ اقتصاديَّة، أو اجتماعيَّة، أو سياسيَّة.
فنحن نسمِّي هنا، أنَّ الاختلاف بين البشر، هو حقيقةٌ بالنِّسبة لكلِّ إنسانٍ ينظر فيما هو متاحٌ له من معلوماتٍ، عن سلوك البشر على هذه الأرض. فإذا جاء إنسانٌ ولم ير ذلك، وتصوَّر أنَّه يستطيع أن يُغيِّر كلَّ الناَّس ليفهموا فهمًا واحدًا، وليسلكوا سلوكًا واحدًا، وليعتقدوا عقيدةً واحدة ـ فهذا الإنسان غافلٌ عن هذه الحقيقة، التي يمكن أن يراها كلُّ إنسانٍ على هذه الأرض.
ونحن بذلك، نضرب مثلًا عن معنى الغفلة، ما هو المقصود بالغفلة؟ ما هو المقصود بمعنى: "... أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"[الكهف 28]؟ ويسبق في هذه الآية: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"[الكهف 28].
فإذا أخذنا في اعتبارنا معنى الغفلة ـ كما ضربنا مثلًا لها ـ في ألَّا يرى الإنسان ما هو واضحٌ على هذه الأرض، ما هو حقيقةٌ بالنِّسبة له، قائمة ومُتكرِّرة على مدىً طويل، فإنَّه بذلك يكون غافلًا. هذه الغفلة عمَّا هو واضحٌ، تجعل الإنسان يتَّبع هواه، يتَّبع ظنَّه، يتَّبع رؤيته، دون النَّظر إلى الحقائق القائمة، ويُصِرُّ على رأيه.
وهذا ما نراه في كثيرٍ من الأحيان، مِنَ الذي لا يستفيد من خطئه، فيكرِّره، يعرف أنَّ عمله في اتِّجاهٍ مَّا لم ينجح في سابق، ولكنَّه يُكرِّر خطأه مرَّةً أخرى، بظنِّ أنَّه سوف ينجح، مع أنَّه ثبت له أنَّه لن ينجح.
وهذا سلوكٌ، علينا أن نعتبره، وأن نتجنَّبه، بأن نسمع قول من حولنا، ونشهد ما يحدث لنا، فلا نُكرِّر نفس أخطائنا بظنِّ أنَّنا سوف ننجح هذه المرَّة.
ويمكننا أن نرى ذلك، حين نجد الأحاديث التي تُحدِّثنا عن الذَّنب والمغفرة، [إن لم تذنبوا وتستغفروا لأتى بقومٍ آخرين يذنبون ويستغفرون، فيغفر الله لهم](1)، فهنا الذَّنب والاستغفار هما أمران ضروريَّان. والذَّنب هنا، أن تعمل فتخطئ فتتعلَّم، العمل والخطأ هو الذَّنب، والإفاقة من هذا الذَّنب هو الاستغفار.
فالعمل يكشف لك ما هو مختبئٌ عنك، بأن تقوم بتجربةٍ مَّا، بعملٍ مَّا، لا تعرف أنت سابقًا نتيجة هذا العمل، أو هذه التَّجربة، ولكن حين تكتشفها، تصبح بالنِّسبة لك حقيقة، فإذا أصبحت كذلك، أن تغفل عن هذه الحقيقة سوف يؤدِّي بك إلى طريقٍ مظلم.
والتَّجارب البشريَّة كلُّها تكشف عن حقائق، عليك أن تتعلَّم من تجارب الآخرين، [فالعاقل من اتَّعظ بغيره، والشَّقيّ من اتَّعظ بنفسه](2)، وإن لم تكن تعلم شيئًا مع أنَّه موجود، وجرَّبته، فسوف يصبح معلومًا لك، فالجانب الإنسانيّ والشَّخصيّ في العمل مطلوبٌ، ولكن يجب أن يكون الإنسان متيقِّظًا لنتائج عمله وتجربته. هذا المعنى، هو معنى الشَّهادة في واقع الأمر، معنى ما هو مشهودٌ لك، هو تجلِّي الله في خَلْقِه، وفي كلِّ ما تراه في هذا الكون، إنَّها الحقيقة بالنِّسبة لك.
والقانون الإلهيّ، له علاقةٌ بقيام الإنسان، وسلوكه، وإدراكه، وذكره. لذلك، قد يتساءل إنسانٌ في المعنى، أو في الآية التي ذكرناها، "لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا"، ويقول: ما هو ذنب الإنسان في ذلك، والحقُّ يقول: "أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا"؟ إذًا، هو لم يغفل، ولكنَّ الحقَّ قد أغفله عن ذكره، قد يفهم إنسانٌ ذلك ويتساءل، ونحن نتساءل أيضًا، ونتأمَّل في ذلك.  
وهذه قضيةٌ كثيرًا ما تُثار في آياتٍ كثيرة، كما في قوله: "... مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"[الكهف 17]، لنفهم مثل هذه الآيات، علينا أن نتعلَّم أنَّ القانون الإلهيّ ـ كما نقول دائمًا ـ هو وراء كلِّ شيء، ففي المطلق المجرَّد، لا يفعل أيُّ إنسانٍ عملًا إلَّا بإذن الله، وإلَّا بإرادة الله.
فإذًا، إذا تحدَّثنا بلغة التَّجريد المطلق، "أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا"، " وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"، هنا، الحديث بلسان التَّجريد، ولكن في واقع الأمر، وأنت ترى على هذه الأرض الحقيقة بالنِّسبة لك، فيما هو ظاهرٌ ومشهودٌ لك، تجد إنسانًا غافلًا، تجده غافلًا، فهو بالنِّسبة لك، هو الغافل.
حين يتصوَّر إنسانٌ أنَّه سيغيِّر النَّاس جميعًا بالقوَّة إلى معتقده، ويبدأ في فعل ذلك، فيقتل كلَّ معارضيه، ويحارب كلَّ من يختلف معه، ويَصِم الكلَّ الذين يختلفون معه بالكفر، وأنَّه سوف يحارب حتَّى ينشر كلمة الله في الأرض بالقوَّة والعنف، هو غافلٌ عن حقيقةٍ قائمةٍ على هذه الأرض، كما أشرنا.
فقد حاول كثيرون من قبل أن يفعلوا ذلك، ولم يُغيِّر فريقٌ ـ أيًّا كان ـ الكلَّ إلى معتقده. فأنت تراه أمامك، ترى مثل هؤلاء في مجتمعاتنا، وفي مجتمعات غيرنا، إنَّه سلوكٌ بشريّ، موجودٌ في بعض النَّاس الذين لا يرون الحقائق أمامهم.
"أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا"، أمرٌ تجريديّ، ولكنَّ الواقع المشهود، نرى إنسانًا غافلًا عن ذكر الله، ووجه الله. وذكر الله، ووجه الله، وآلاء الله، ونور الله، وكلمات الله ـ كلُّها تجليَّاتٌ لله على خَلْقِه، فيما هو مشهودٌ لهم، وما تَرسَّخ عندهم من حقائق نسبيَّةٍ، ولكنَّهم يشهدونها كلَّ يوم، في كلِّ مكان، فتصبح بالنِّسبة لهم، هي الحقيقة.
ولماذا نُصرُّ ونُكرِّر أنَّ مع أنَّ هذه حقائق بالنِّسبة لنا، نراها في حياتنا، لماذا نُكرِّر أنها حقائق نسبيَّة؟ لأنَّها مرتبطة بأرضنا، وبزماننا، وبما استطعنا أن نتعلَّمه عن حياتنا، وعن وجودنا، عن هذه الأرض ـ فكلُّ هذا مرتبطٌ أيضًا بكيانٍ نسبيّ، وليس بكيانٍ مطلق، فالأرض والسَّماوات، وكلُّ شيءٍ نراه حولنا، بقدراتنا، هو أمرٌ نسبيّ، "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ"[الأنبياء 104]، "... مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ..."[هود 107].
هناك دوراتٌ لكلِّ شيء، وهناك حياةٌ لكلِّ شيء، ومماتٌ لكلِّ شيء، ولا يعلم هذه الدَّورات إلَّا الله. لذلك، فإنَّ الحديث عن القيامة، والسَّاعة، والفصل حين أُخبِرنا به ـ لنتعلَّم مفهوم الموت والحياة، والتَّواجد في خَلْقٍ آخر، وفي عالمٍ آخر، وفي حالٍ آخر، "فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"[الإنفطار ].
فأنت تخرج من صورتك على هذه الأرض، إلى صورةٍ أخرى بعد انتقالك، كما كنت في صورةٍ قبل وجودك على هذه الأرض، وجئت لها، ونحن في وجودنا لا نعلم ماذا كنَّا، وماذا سنكون، ولا نعلم كيف كان هذا الكون، وكيف سيكون، ووجودنا على هذه الأرض، هو لحظةٌ خاطفة في عمر هذا الكون في البعد الزَّمنيّ، وهو كيانٌ متناهي في الصِّغر في البعد المكانيّ، فالأرض ومن عليها، كلُّهم جميعًا، هم ذرة في هذا الكون المتناهي في الكِبَر.
ولهذا، حين يرى هذه الحقائق الإنسان، يدرك افتقاره إلى الله، ويدرك أنَّه لا وجود له، ولا إرادة له، ولا قدرة له، ولا حول له، ولا قوَّة له، فلا حول ولا قوَّة إلَّا بالله. وفي نفس الوقت، يرى في منظوره الصَّغير، في دائرته الصَّغيرة، في وجوده المشهود، في إمكاناته التي أعطاها الله له، أنَّه قد يستطيع أن يُغيِّر شيئًا، وهذا يفعله الإنسان بطبيعته في محيطه الذي يحيط به، وفي بيئته التي يعيش فيها.
فالإنسان، منذ بداية وجوده المعروف لنا، حاول الكثير حتَّى يستطيع الاستمرار على هذه الأرض، حتَّى يستطيع البقاء على هذه الأرض، فزرع، وحصد، وطوَّر أدواته، وظلَّ هكذا ينتقل من عصرٍ إلى عصر، ومن حالٍ إلى حال، وظلَّ قرونًا عديدة ليُطوِّر شيئًا بسيطًا، ثم وجدنانا في هذا العصر، وفي هذا القرن والقرن الذي قبله، يتغيَّر حال الإنسان بصورةٍ غير مسبوقةٍ عمَّا نعرفه في قديم وجوده، ولا نعرف في المستقبل كيف سيكون حال الإنسان.
كلَّما تأمَّلنا أكثر، كلَّما شعرنا بجهلنا، وبافتقارنا، وبأنَّنا لا نعلم إلَّا القليل، وقليل القليل، "... لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ..."[البقرة 255].
عباد الله: نسأل الله أن نعمل بهذا القليل الذي تعلَّمناه، حتَّى لا نكون من الغافلين.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
_______________________
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أنَّنا في وجودنا على هذه الأرض، نتعلَّم كلَّ يومٍ شيئًا، من تاريخنا، ومن حاضرنا، ومن تجاربنا، ومن تجارب غيرنا، فما أصبحنا نراه بصورةٍ مستمرَّةٍ ومتكرِّرة، يَرسَخ في أذهاننا كحقيقةٍ بالنِّسبة لأرضنا، وبالنِّسبة لوجودنا.
ولكن من النَّاس من لا يفعلون ذلك، ولا يَرسَخ ذلك في أذهانهم، فيكرِّرون أخطاء الآخرين، ويكرِّرون أخطاء الأمم من قبلهم، ولا يرون الواقع الذي حولهم، ويعيشون في أوهامهم، ويتَّبعون أهواءهم، غافلين عن ذكر الله. وذكر الله، هو كلُّ ما يتجلَّى علينا في هذه الأرض من حقائق، كلمات الله، هي كلُّ ما يتجلَّى علينا في هذه الأرض من حقائق. يغفلون عن ذكر الله، وعن كلمات الله، ويتَّبعون أهواءهم.
حين يرى الإنسان هؤلاء، فعليه ألَّا يتَّبعهم، ولا يسير وراءهم. والحقُّ يعلِّمنا ذلك في قوله: "لَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"، فإذا كان الأمر واضحًا بالنِّسبة لك، وترى إنسانًا آخر يفعل عكس الواقع، وعكس الواضح الذي تراه أنت، فعليك ألَّا تتَّبع هذا الإنسان.
وهكذا، تتعدَّد أنواع الغفلة في أمورٍ كثيرة في حياتنا، في تكرارنا لأخطائنا دون أن نتعلَّم منها، وقد نتعلَّم أخيرًا بعد عدة محاولات، فإذا تعلَّمنا، يكون هذا كشفًا لنا، ومغفرةً لنا، وتغييرًا لوجودنا إلى أفضل.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..."[الزمر 18]، ومن الذين يُغيِّرون ما بأنفسهم، ليساعدهم الله أن يغيروا ما بهم، وتغييرهم لأنفسهم، هو في محاولة تذكيرها بقوانين الحياة الفطريَّة، في التَّأمُّل، والتَّفكُّر، والتَّعلُّم من الأخطاء ـ ليرجع الإنسان إلى داخله، وينظر، هل يتعلَّم من أخطائه، هل يتعلَّم من ذنوبه، هل يتعلَّم من نتائج أعماله، هل يتعلَّم من نتائج أعمال النَّاس حوله، هل يتعلَّم من تاريخ الأمم قبله، هل يتعلَّم من المجتمعات حوله.
كلُّ هذا، على الإنسان أن يسأل نفسه، ويحاول أن يُغيِّرها، لأنْ تصبح قادرةً على التَّعلُّم، فإذا تعلَّمت، وتكوَّنت عندها هذه القدرة، يكون هذا تغيير الله له، يجعله عالمًا بعد جهل، ومنيرًا بعد ظلام، وذاكرًا بعد غفلة، يتغيَّر من حالٍ إلى حال، ومن قيامٍ إلى قيام.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوكَّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همًّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
____________________

(1)     "إن لم تذنبوا وتستغفروا لأتى الله بقوم آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم" حديث شريف أخرجه مسلم.

(2)  من كتاب "زاد المعاد" لابن القيم الجوزية: فصل في خطبته صلى الله عليه وسلم بتبوك وصلاته: ذكر البيهقي في "الدلائل"، والحاكم من حديث عقبة بن عامر قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فاسترقد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لما كان منها على ليلة، فلم يستيقظ فيها حتى كانت الشمس قيد رمح قال: ألم أقل لك يا بلال اكلأ لنا الفجر، فقال: يا رسول الله ذهب بي من النوم الذي ذهب بك، فانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك المنزل غير بعيد ثم صلى، ثم ذهب بقية يومه وليلته [ ص: 474 ] فأصبح بتبوك، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أما بعد! فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة إبراهيم، وخير السنن سنة محمد، وأشرف الحديث ذكر الله ، وأحسن القصص هذا القرآن، وخير الأمور عوازمها، وشر الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء ، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدى، وخير الأعمال ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، واليد العليا خير من اليد السفلى، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة يوم القيامة، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبرا، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا ، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذاب، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى، ورأس الحكم مخافة الله عز وجل ، وخير ما وقر في القلوب اليقين، والارتياب من الكفر، والنياحة من عمل الجاهلية، والغلول من جثا جهنم ، والسكر كي من النار، والشعر من إبليس، والخمر جماع الإثم، وشر المأكل مال اليتيم، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من شقي في بطن أمه، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع، والأمر إلى الآخرة، وملاك العمل خواتمه، وشر الروايا روايا الكذب، وكل ما هو آت قريب، وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر، وأكل لحمه من معصية الله، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتأل على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به، ومن يتصبر يضعف الله له، ومن يعص الله يعذبه الله، ثم استغفر ثلاثا).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق