حديث الجمعة
6 شعبان 1440هـ الموافق 12 أبريل 2019م
السيد/علي رافع
حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً
وسلامًا عليك يا رسول الله.
عباد الله: إنَّا نعيش ونتذكَّر في هذا
الشَّهر، معنى القبلة والتَّوجُّه إليها، "قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ
فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ..."[البقرة 144].
والقبلة، هي تعبيرٌ عن تجلِّي
الله بقدرته وعظمته في آلائه، وفي ظاهر الحياة التي نشهدها، فنحن، ونحن نشهد آلاء
الله، وآياته، وقدرته، في ظاهر حياتنا، نشهد الله حقًّا وغيبًا، نشهده متعاليًا عن
أيِّ صورةٍ، وعن أيِّ شكل.
وما تَجلِّيه علينا في ظاهر
حياتنا، إلَّا لنستقبله دائمًا في وجودنا، ونتَّجه إليه في كلِّ أعمالنا، مدركين
أنَّ تعاملنا مع ظاهر الحياة لنا، هو تعبيرٌ عن عدم قدرتنا على التَّعامل مع غيب
الحياة لنا، فكان الظَّاهر لنا، هو قبلة الله، وهو بيت الله.
وما كان بيت الله الذي وُضِع
ببكَّة، إلَّا تعبيرًا عن هذا المعنى، لنتعلَّمه، ونتذكَّره في كلِّ صلواتنا، وفي
حجِّنا، وفي أن نُعمِّم ذلك، ليكون بيت الله وقبلة الله في ذاكرتنا، في كلِّ
أعمالنا، وفي كلِّ معاملاتنا.
لذلك، فإنَّا نُكبِر معنى بيت
الله، عن أيِّ صورةٍ أو شكل، "... فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ
اللّهِ ..."[البقرة 115]، وإن كان هذا المعنى مُدرَكًا لنا، إلَّا أنَّنا نظلُّ متَّجهين في صلاتنا
وفي حجِّنا إلى "... أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ
مُبَارَكًا ..."[آل عمران 96]؛ لأنَّه تعبيرٌ دائمٌ عن هذا المعنى في منسكٍ
مشهود.
لذلك، نذاكر دائمًا، بأنَّ المناسك
في ظاهرها، هي كلماتٌ مكتوبةٌ في كتاب، الكلمات بحروفها تحمل المعاني في أعماقها،
والمعاني ليست في هذه الحروف، وإنَّما هي في عمق هذه الحروف، فيما تحمله هذه الحروف
من طاقةٍ ومن معنى.
وهذا مفهومٌ دائمٌ لنا في كلِّ
مناسكنا، في شكلها وفي أركانها، أنَّها تعبيرٌ عن معنىً أكبر، فإذا كنَّا قد
أدركنا معنىً من هذه المعاني التي تحملها هذه المناسك، إلَّا أنَّ هناك من المعاني
الكثير، وعلينا أن نظلَّ محافظين على ما يحمل هذه المعاني، وفي نفس الوقت، علينا
أن نحاول دائمًا أن نتعلَّم من هذه الصُّور والأشكال، ما ينفعنا في حياتنا وفي سلوكنا،
بصورةٍ أعمق، وبصورةٍ أكبر من الشَّكل ومن الحرف.
لو نظرنا إلى المفهوم وراء كلِّ
ذلك، سوف نجده في مفهوم الغيب والشَّهادة ـ كما نذكِّر أنفسنا به دائمًا ـ وكما
يتجلَّى لنا في الشَّهادتين، شهادة أنَّ لا إله إلَّا الله، وشهادة أنَّ محمَّدًا
رسول الله.
فشهادة أنَّ لا إله إلَّا الله،
هي تعبيرٌ عن الغيب، فالإله هو القادر على كلِّ شيء، الذي خلق كلَّ شيء، والذي هو
وراء كلِّ شيء، ودون كلِّ شيء، وظاهر فوق كلِّ شيء، وباطن في كلِّ شيء، ليس له
صورة، وليس له شكل، فوق كلِّ شكل، ودون كلِّ شكل، هو الله، هو الغيب، هو الحقُّ، "...
هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ"[البقرة 163]، "قُلِ ادْعُواْ
اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى
..."[الإسراء 110]، "... فَادْعُوهُ بِهَا ..."[الأعراف 180].
والأسماء الحسنى، كلُّها غيب،
فهو رحمنٌ ورحمته فوق كلِّ شيء، ولا تستطيع أن تتصوَّرها، أو أن تُقدِّرها، وهو الجبَّار
فوق كلِّ شيء، لا تستطيع أن تصف هذا المعنى بأيِّ شيء، وهو الغفور، ومغفرته فوق كلِّ
شيء، ولا تستطيع أن تصف مغفرته، وما كان لفظ الجلالة "الله" إلَّا تعبيرًا
عن ذلك، فلا إله إلَّا الله.
فمع معرفتك بأنَّ وراء هذا
الكون إله، وفي الكون إله، إلَّا أنَّك لا تستطيع أن تتصوَّره، فهو الله الذي "...
لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ
لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ
عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ..."[البقرة 255]، "قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ
كُفُوًا أَحَدٌ"[الإخلاص 4:1].
حين يدرك الإنسان ذلك، يصبح في
حيرةٍ، كما قال إبراهيم - عليه السَّلام – "... لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي
رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ"[الأنعام 77]؛ لأنَّه أدرك الغيب، والإدراك
هنا، لا يعني الإحاطة، ولكن إدراك معنى الغيب، إدراك أنَّك لا تعلم، إدراك أنَّك
لا تعرف، فماذا تفعل؟ ليس أمامك إلَّا أن تتَّجه إلى الله بالدُّعاء.
وكيف تتَّجه إلى الله بالدُّعاء؟
هذا السُّؤال الذي يسأله البشر جميعًا منذ بدء الخليقة. منذ بدء الخليقة وهم
يبحثون، ويجتهدون، ويخطئون فيقدِّمون القرابين في محاولةٍ منهم للتَّعبير عن عدم
فهمهم، فيتصوَّرون صورًا وأشكالًا، وهكذا حال الإنسان في دوام إلى اليوم، في أيِّ
قضيةٍ، وفي أيِّ عملٍ يريد أن يُقدِّمه أو أن يعمله، تَعَلُّمُه يكون بالتَّجربة،
وبالمحاولة، وبالمشاهدة، وبالتَّفكُّر، وبالتَّدبُّر، وبالتَّأمُّل.
وكانت استجابة الله لحيرة خَلْقه،
بأن أرسل إليهم الرُّسل، "... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً"[الإسراء 15]، وكانت شهادة أنَّ محمَّدًا رسول الله، هي تعبيرٌ عن ذلك، "سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ
..."[ فصلت 53]، وكانت رسل الله من آياته التي أرسلها للنَّاس، ليتعلَّموا كيف يكون
سلوكهم، وكيف يسيرون طريقهم.
فكان معنى شهادة أنَّ محمَّدًا
رسول الله، هو تعبيرٌ عن كلِّ ما يرسله الله للإنسان، وكانت الرُّسل هي التعبير
الأقرب للنَّاس ليتعلَّموا، "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ ..."[التوبة 128]، فكانت الرُّسل منكم، "قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ ..."[الكهف 110].
وعلَّمتنا الرُّسل أن ننظر
ونتأمَّل في ظاهر الحياة، وأن نتدبَّر فيما هو أحسن وأفضل لنا، وما هو أيسر لحياتنا.
[فما خُيِّر رسول الله بين أمرين إلَّا واختار أيسرهما](1)، وعلَّمنا أنَّ [الدِّين
المعاملة](2)، وأنَّ [أقربكم مني منازل
يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، الموطَّؤون أكنافًا، الذين يألفون ويُؤلفون](3)، و[لن يؤمن أحدكم حتَّى يحبَّ
لأخيه ما يحبُّ لنفسه](4)، أحاديث كثيرة تُعلِّمنا معنى
التَّكافل والتَّراحم، ما هو موجودٌ في فطرتنا من أنَّه الأحسن والأقوم.
وجاءت الآيات لترشدنا لذلك أيضًا،
وتحثُّنا على أن نسمع كلمات رسول الله في الآفاق وفي أنفسنا، في الآفاق في آيات
الله، وفي أنفسنا في فطرتنا، وفي رسل الله الذين جاءوا من بيننا، فساعدونا أن ننظر
إلى أنفسنا، وأن ننظر إلى الآفاق حولنا.
بل علَّمونا أن نحترم عقولنا،
وأن نحترم رأي بعضنا البعض، وأنَّ العقول حين تجتمع وتبحث أمرًا، فإنَّها تخرج
بنتيجةٍ أفضل، فجاء الأمر الإلهيّ "... وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ..."[آل عمران 159]، "... أَمْرُهُمْ
شُورَى بَيْنَهُمْ ..."[الشورى 38].
وكان رسول الله - صلوات الله
وسلامه عليه - بالذَّات المُحمَّديَّة، يشاور أصحابه، ويأخذ برأيهم، وإذا جرَّب
أمرًا في حياته الدُّنيويَّة فوجده لم يؤتِ بالنَّتيجة المطلوبة، رجع عنه، فعلَّمنا
كيف نُجرِّب، وكيف نرجع عن الخطأ في حياتنا الأرضيَّة.
بل وعلَّمنا أنَّ قيمة العبادة،
ليست في شكلٍ أو صورة، [فكم من مصلٍّ لم يزدد بصلاته من الله إلَّا بعدا](5)، وآيات القرآن كذلك، "فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ"[الماعون 5،4]، ساهون عن معنى الصَّلاة، وعن
مفهوم الصَّلاة، ظنُّوا أنَّها ركوعٌ وسجودٌ بأجسادهم، ونسوا أنَّها تُؤدِّي بهم
إلى الأفضل وإلى الأكرم.
[من لم تنهه صلاته، فلا صلاة له](6)، "فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ،
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ"[الماعون 7:4]، لم تؤدِّ بهم صلاتهم أن
يتراحموا ويتكافلوا.
كلُّ هذه الآيات، وكلُّ هذه
الأحاديث، إنَّما تُحدِّثنا عن ألَّا نتخيَّل صورة، بل "... إِنَّ
الدِّينَ لَوَاقِعٌ"[الذاريات 6]، فيما نشهد أنَّه الأفضل والأحسن والأقوم، حتَّى
ولو أخطأنا في تقديرنا، فإنَّا نرجع عن خطئنا، فتَعلَّمنا معنى الذَّنب والمغفرة، [إن
لم تذنبوا وتستغفروا لأتى بقومٍ آخرين يذنبون ويستغفرون فيغفر الله لهم](7).
والذَّنب هنا، أكبر من خطأٍ في
منسكٍ في تأديته أو عدم تأديته، أو في أيِّ شيءٍ آخر أُمِرنا به، إنَّه أشمل من
ذلك، إنَّه خطأ الإنسان في تقدير أيِّ أمر، فقد تخطئ في أمرٍ له علاقةٌ بمجتمعك أو
بإخوانك، وتدرك ذلك، فتُصحِّح ما فعلت، وتحاول أن تُصلِح ما أفسدت، وهذا هو معنى
المغفرة، محاولة إصلاح ما أفسدت.
حتَّى ولو كان في أمرٍ يخصُّك، [إتبع
السَّيِّئة بالحسنة تمحها](8)، فإذا تعلَّمت من سيِّئتك، واتَّخذت
الخطوات التي تُصحِّحها، "... فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ..."[الفرقان 70] ـ قانونٌ؛ لأنَّ الإنسان يوم
يستفيد من تجربته، فقد اكتسب خبرةً ومعرفةً، ومرَّ بتجربةٍ تفيده في حياته، وهذا
هو معنى الحسنة في مفهومها الأشمل.
نريد أن نقول: أنَّ الدِّين،
جاء ليُعلِّمنا كيف نرى الله في واقعنا، وكيف نتَّجه إلى الله في قبلتنا، وكيف
نطلب طاقةً تساعدنا في واقعنا وحاضرنا، وفي أرضنا، وعلى أرضنا ـ كلُّ هذه المعاني
مرتبطةٌ بالقبلة، وبالبيت، وفي معنى: "أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ"،
تعبيرًا عن هذه المعاني كلِّها.
عباد الله: نسأل الله: أن نتعلَّم من آيات
الله لنا، وأن نتَّجه حقًّا إلى قبلتنا، وأن تكون حياتنا كلُّها حول قبلتنا،
مدركين أنَّ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً
وسلامًا عليك يا رسول الله.
_______________________
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام
على رسول الله.
عباد الله: إنَّ المعاني التي تناولناها
اليوم، نتناولها دائمًا، إنَّما نحاول أن نربط بين كلِّ هذه المعاني في إطارٍ واحد،
وهو ما نرى أنَّه الإطار الذي يجمع كلَّ شيء، وهو الغيب والشَّهادة، شهادة أنَّ لا
إله إلَّا الله، وشهادة أنَّ محمَّدًا رسول الله.
الغيب الذي لا نستطيع أن نحيط
به، والشَّهادة التي نستطيع أن نحيط بجزءٍ منها، "... لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ
مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء ..."[البقرة 255]، هذا الجزء الذي نستطيع أن
نحيط به، قد يُغيِّرنا تغييرًا كبيرًا إلى الأفضل، وقد يُغيِّرنا تغييرًا كبيرًا
إلى الأسوأ.
وهذا ما نراه في خلق الله،
فهناك من يرتفعون إلى أعلى عِليِّين، وهناك من يرتدُّون إلى "... أَسْفَلَ
سَافِلِينَ"[التين 5]، هناك الذين يخشون ربَّهم، ويذكرونه في كلِّ وقتٍ وحين، وهناك الغافلون
الذين غفلوا عن ذكر الله، وظلموا، وأظلموا، "... وَلَا تُطِعْ مَنْ
أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"[الكهف 28].
نحن نقرأ واقعنا، ونعلم أنَّ
قانون الحياة أكبر من أن نحيط به، وأنَّ الجزء الذي رأيناه، وقرأنا عنه في تاريخ
البشريَّة، هو يتكرَّر في كلِّ عصرٍ، وفي كلِّ بيئةٍ، وفي كلِّ مجتمع، وأنَّ عباد
الله الشاكرين قِلَّة، "... وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ"[سبأ 13].
وأنَّ الكثرة لا تلتفت إلى ذلك،
وإنَّما تهتمُّ أكثر بعاجل أمرهم وحياتهم، دون أيَّ حسابٍ لتأثير ما يفعلون على
غيرهم، وعلى مجتمعهم، فلا مانع من أن تهتمَّ بحياتك الدُّنيا، ولكن لا يكون ذلك
على حساب الآخرين، "... إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ"[البقرة 190]، وكثيرٌ مِنَ النَّاس مَنْ
يعتدون، ومَنْ يظلمون.
قد يتغيَّر حال الأرض ويُبَدَّل،
فنحن ما عرفناه من تاريخٍ لأرضنا، هو قصيرٌ، قصيرٌ جدًّا في عمر هذا الكون، بل وفي
عمر هذه الأرض أيضًا، التي لا نعرف إلى أيِّ مدىً سيمتدُّ، فإذا كنَّا نُقدِّر
تقديرًا، بَدْأها من زمنٍ بعيدٍ أيضًا، إلَّا إنَّنا لا نستطيع أن نُقدِّر عمرها
ككائنٍ يُولد ويموت، ولا نعرف كيف وُلِدت، ولا كيف تموت، فلكلِّ كائنٍ قوانينه،
قوانين حياته، وقوانين موته.
وإن كنَّا نقرأ في آيات الله: "...
كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا
فَاعِلِينَ"[الأنبياء 104]، إلَّا أنَّنا لا نعرف كيف بدأ الخَلْق، وكيف سيعيد
بداية الخَلْق، فنحن، ونحن نتكلَّم، نتكلَّم بجزءٍ صغيرٍ جدًّا، أراد الله لنا أن
نحيط به، "لاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء".
وهذا ما نستطيعه، وهذا ما
نستطيع أن نعيش به، وأن نتكلَّم به، وأن نُذاكِر به، بل أنَّنا يجب أن نُذاكِر به،
فالأمر الإلهيّ أن نُذكِّر بما عرفنا، "فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ
الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى"[الأعلى 11:9].
لا نشغل بالنا بأنَّ الكثيرين
في غفلة، ولكن علينا أن نُذكِّر بما نرى أنَّه الحقُّ، ودون أن نُجبِر أحدًا على
أن يتَّبع ما نراه، فقد نُغيِّره غدًا، فـ "... اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ..."[الأنعام 124]، والمفاهيم تتغيَّر، والعلم
يتغيَّر، وكلُّ شيءٍ يتغيَّر.
لذلك، فإنَّنا نعيش في عالمٍ مُتغيِّرٍ
دائمًا، وعلينا أن نتفاعل مع هذا التَّغيُّر، بحيث نحاول دائمًا أن نَصْدُق مع ما
داخلنا، وأن نتَّجه إلى ربِّنا، وأن نذكره دائمًا في كلِّ وقتٍ وحين، وأن ندعوه أن
يساعدنا، وأن يُمدَّنا بقوَّةٍ من عنده، وبعلمٍ من علمه، حتَّى نكون عبادًا له
خالصين، إليه متَّجهين، وإلى قبلته متوجِّهين، دائمًا معه متعاملين، وعنده محتسبين.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً
وسلامًا عليك يا رسول الله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك،
تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوكَّل
عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ منك إلَّا إليك.
اللهم فكن لنا في الصَّغير
والكبير من شأننا.
اللهم اكشف الغمَّة عنَّا، وعن
بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا،
وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك
قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا
وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة
ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همًّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلَّا
قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف
عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا
أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
_______________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق