الأربعاء، 29 يناير 2020

الإنسان بدأ طريقه على هذه الأرض مُتسائلًا وسيظلُّ كذلك في كلِّ عصر


حديث الجمعة 
29 جماد الأول 1441هـ الموافق 24 يناير 2020م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ به من الشَّيطان الرَّجيم، نعوذ به من شرور أنفسنا، سائلينه هدايةً، ورحمةً، ومعرفةً، ومغفرةً، كان فضله علينا عظيما، فنحمده ونشكره في كلِّ وقتٍ وحين.
عباد الله: إنَّ قضيَّة الإنسان الدَّائمة، هي أن يتفاعل مع حياته، ومع بيئته، ومع نفسه، ليعرف طريقه.
فالإنسان منذ الأزل وهو يتساءل عن ماهيَّة وجوده، وعن خالقه، وعن كونه، وعمَّا يحدث له، وما يصادفه وما يقابله، وكيف يُلبِّي احتياجاته، وكيف يعيش حياته، وكيف يتعامل مع الآخرين، وكيف يتعامل مع من هو وراء هذا الكون، وكيف يتعامل مع الظَّواهر الطَّبيعيَّة التي يراها والتي يمرُّ بها.
والله حين خلق الإنسان، كما نتعلَّم من آياته بِخَلْق آدم، علَّمه الأسماء كلَّها، وكما نفهم ونشرح ونذاكر دائمًا، بأنَّ هذه الأسماء هي القوانين التي وهبها الله للإنسان في عقله، وفي قدرته أن يُحلِّل، وأن يتعلَّم، وأن يُعلِّم ـ فكان الإنسان بذلك مظهرًا لقدرة الله ولإرادة الله في خلقه، وفي وجوده.
فالإنسان في كلِّ محاولاته، أدرك أو لم يدرك، كان يستخدم هذه الأسماء التي تعلَّمها بفطرته، بل أنَّ الفلاسفة الأقدمين أشاروا إلى ذلك بأنَّ كلَّ إنسانٍ عنده علمٌ قديم، وأنَّ هناك أمورًا يفعلها الإنسان تنمُّ عن هذا العلم القديم.
فهناك بسطاء تعلَّموا كيف يُؤدُّون أفعالًا، كقياس مساحة الأرض دون أن يتعلَّموا علوم الهندسة أو الحساب أو أيَّ شيءٍ من هذا القبيل. إنَّهم بقدرتهم الذَّاتيَّة العقليَّة يستطيعون أن يفعلوا مثل هذه الأفعال. وهناك أمورٌ كثيرة أساسها هذه القدرة الذَّاتيَّة في العقل التي تُمكِّنه من أن يصل إلى نتائج نتيجة أفكاره.
وجاء الفلاسفة في عصرٍ مُتقدِّم ليتكلَّموا عن هذا العقل المحض أو المُجرَّد، ويتكلَّموا عن العلم القبليّ والعلم البعديّ. والعلم القبليّ هو ما أشرنا إليه، الذي هو موجودٌ في عقل الإنسان، في قدرته على أن يُحلِّل الأمور. والأمور البعديَّة هي ما تصل إليه بعد أن تقوم بتجربةٍ، فتتعلَّم من هذه التَّجربة، وتصل إلى نتيجة، فيكون عندك حكمٌ بعديّ، أي أنَّك تعلَّمت شيئًا جديدًا نتيجة تجربتك.
وفي قضيَّة: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ"، هو تعبيرٌ عن العلم البعديّ، أو عن الحكم البعديّ الذي هو نتيجة عملٍ وتجربة، فقد يكون هذا العمل مُجديًا ناجزًا مُقرِّبًا الإنسان من الحقيقة، وقد يكون هذا العمل فاشلًا لم يوصل الإنسان إلى الحقيقة، وهذا يمكن أن نفهمه في معنى: "قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ".
وهذا ما عليه النَّاس جميعًا في أعمالهم، وفي علمهم، وفي تجاربهم، فقد تكون أعمالهم مُؤدِّيةً إلى أن يقتربوا من الحقيقة، وقد تكون أعمالهم مُؤدِّيةً إلى أن يبتعدوا عن الحقيقة.
هكذا كان حال الإنسان في دوام، من قديمٍ وإلى حاضرٍ وإلى قادمٍ، الإنسان هو الإنسان قبل الرِّسالات السَّماويَّة وبعد الرِّسالات السَّماويَّة، قبل الدِّيانات الفطريَّة وبعد الدِّيانات الفطريَّة، قبل الفلسفات الحديثة وبعد الفلسفات الحديثة والقديمة.
النَّاس في مختلف أشكالهم وصورهم، يضيفون إلى العلم البشريّ وإلى التجربة البشريَّة، فتزداد معرفة الإنسان كإنسان، من تجارب السَّابقين، ويضيف هو بوجوده إلى تجارب اللاحقين.
والرِّسالات السَّماويَّة هي تجربةٌ ربانيَّةٌ بشريَّة، هي ربانيَّة لأنَّها جاءت من مصدرٍ من وراء الطَّبيعة، لتضيف إلى الإنسانيَّة، ولتذكِّرها بما فيها من علمٍ قبليّ، فكانت هذه الرِّسالات كاشفةً لما في الإنسان من حقائق، ولما مرَّ به الإنسان من تجارب.
فحدَّثتنا الآيات عن تجارب السَّابقين، وحدَّثتنا الآيات عن الإنسان في أحسن تقويم وفي أسفل سافلين، وحدَّثتنا الآيات عن الاقتراب من الحقيقة، وحدَّثتنا الآيات عن الابتعاد عن الحقيقة، كما حدَّثتنا عن الصِّلة بالغيب وعن الصِّلة بالشَّهادة، فهي تذكيرٌ لِمَا هو فينا، وتعبيرٌ عن سرِّ خِلْقتنا وعن سرِّ وجودنا.
وعلَّمتنا أن نتفاعل مع هذه الآيات بما أوجد الله فينا، علَّمتنا أن نُعِدَّ أنفسنا لآيات الحقِّ وأنَّ "لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ"، وعلَّمتنا "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"، فلا نتصوَّر أنَّنا فهمنا كلَّ ما جاءت به الآيات، وأنَّنا نتحدَّث باسم الله، علينا أن نكون في خشيةٍ من هذا.
ولذلك، نُذكِّر دائمًا أنَّه لا يستطيع إنسانٌ ـ أيًّا كان ـ أن يقول أنَّ هذا هو حكم الله، أو أنَّ هذه هي شريعة الله، بناءً على قراءته هو لآية أو لآيات، وأنَّ الذين فسَّروا، "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ"، "فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"، "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ"، هم في واقع الأمر فسَّروا حكم الله في أمورٍ محدَّدة وفي أشكالٍ سابقة التَّجهيز، جهَّزوها وأوجدوها، قد تكون ظاهر الكلمات.
ولكن هل حكم الله هو ظاهر الكلمات في تنفيذ الحدود والعقوبات؟ أم أنَّ كلام الله هو في تعريف الإنسان بالأفعال التي تبعده عن طريق الحياة؟ فاعتداؤه على الآخرين بأيِّ صورةٍ يبعده عن طريق الحياة، وأن يشهد زورًا يبعده عن قانون الحياة، وأن يعتدي ويقتل ويسفك الدِّماء يبعده عن قانون الحياة، وأنَّ أيَّ فعلٍ من هذه الأفعال إذا حدث دون أن يكون له أساسٌ حقيٌّ متين لا يكون إلَّا بعدًا عن طريق الحياة، والدَّعوة إلى أن نحاول أن نجعل حياتنا خاليةً من هذه الأمور، هو ما يجب أن نقوم به كمجتمع.
لذلك، نذاكر دائمًا، أنَّ المسئوليَّة هي مسئولية الأحياء الذين يعيشون في مجتمعٍ ما، الأحياء والعقلاء والعلماء، عليهم أن يُفكِّروا في كيفيَّة وصولهم إلى مجتمعٍ يخلو مما يبعدهم عن ذكر الله، أو يكونوا في اتِّجاههم لذلك؛ لأنَّه من رؤيتنا لتاريخنا وتاريخ المجتمعات حولنا، نعلم أنَّ الحقيقة والمثاليَّة في كمالها، نحن نحاول الوصول لها، ولكن بوجودنا البشريّ لا نستطيع أن نصلها كاملةً؛ لأنَّ كمالها هو أمرٌ لا نهائيّ، [فما من كمالٍ إلَّا وعند الله أكمل منه].
هكذا ندرك تناوُلَنا لما جاءت به الرِّسالات السَّماويَّة، ولكن المجتمعات البشريَّة في أغلبها ـ إلَّا من رحم الله ـ تناولوا ما جاءت به الرِّسالات السَّماويَّة بحرفيَّةٍ شديدة، دون أن يدركوا أنَّ الرِّسالة أعمق من صورةٍ شكليَّة، وأنَّ حصرها في صورةٍ شكليَّة لا يتَّفق مع ما في الإنسان من فطرةٍ حقيَّة.
فالإنسان يعلم بفطرته أنَّ لكلِّ مجتمعٍ ما يُصلِحه، وأنَّ المجتمع يتطوَّر في دوام، وأنَّ ما كنَّا نفعله في سابق لا نفعله في حاضر، وأنَّ ما سنفعله في مستقبلٍ غير الذي نفعله في حاضر، وأنَّ الأهداف هي مقاصد كليَّة، وأنَّ القضيَّة ليست في أشكالٍ مُحدَّدة، وإنَّما في أدواتٍ تُحقِّق الأهداف.
لذلك، فالرُّؤية الضَّيقة للدِّين على أنَّه أشكالٌ حرفيَّة، يُنفِّر المجتمعات منه ويجعلها تبتعد عن طريقٍ فيه خيرٌ كثير لو أنَّ الذين يقدمون الرِّسالات السَّماويَّة يقدِّمونها كمقاصد كليَّة، تنفع البشريَّة وتغيُّرها من حالٍ إلى حال.
وأنَّه مهما حدث في تاريخ الرِّسالات من تدخُّلاتٍ إنسانيَّة، أو من تدليسٍ ودسٍّ على المصادر الحقيَّة، فإنَّ الإنسان بطبيعته الربَّانية يستطيع أن يُميِّز بين الخبيث والطَّيِّب، وأنَّ علينا أن نتعامل مع كلِّ شيءٍ على أنَّه قابلٌ لأن يُنقَد ولأن يُعاد التَّفكير فيه دائمًا بالمنطق الذي نقبله كمجتمعٍ، وكعقلاء، وكعلماء، وكأسوياء، في مجتمعنا وفي بيئتنا، وأن ننظر دائمًا إلى المقاصد الكليَّة.
والآيات تُعلِّمنا ذلك؛ لأنَّ هناك علمًا ربَّانيَّا بأنَّ الإنسان سوف يحيد عن هذا المنوال، فيُوضِّحه له ـ كما نقول دائمًا ـ في الآية: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ"، فإذا كانت الأمور مُجهَّزةً كما يعتقد البعض، وأنَّ كلَّ شيءٍ مُوضَّحٌ وواضحٌ وقابلٌ للتَّنفيذ، فماذا يفعل هؤلاء الذين أُمِروا بأن يجتمعوا ويدعوا إلى الخير ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر؟ هل يردِّدون كلماتٍ سابقة وأفعالٍ سابقة؟ أم لأن يُفكِّروا فيما يُصلِحهم اليوم، ويجدون ما هو أفضل لهم اليوم؟
هكذا نَعلم، ونُعَلِّم، ونتعلَّم أنَّ العلم الدَّائم، والتَّفكُّر الدَّائم، والنَّقد الدَّائم لكلِّ ما لدينا لنكون أفضل ولنكون أحسن، هو طريقنا إلى أن نكون دائمًا في طريق الحقِّ، وفي طريق الحياة.
الإنسان كان كذلك في قديم بقدراته، وعلينا أن نكون كذلك في حاضرنا، وعلينا أن نكون كذلك في قادمنا، فلا نفترض أنَّ ما نعلمه اليوم هو الحقُّ المطلق، إنَّما سيجيء من بعدنا من يفحصون ما قلنا، وربَّما يقدمون علمًا جديدًا وفهما جديدًا، وهكذا حال الحياة، من حالٍ إلى حال، ومن قيامٍ إلى قيام.
نسأل الله: أن يوفِّقنا أن نكون أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة لنا، ولبلدنا، ولأرضنا.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نُوضِّحه اليوم: أنَّ الإنسان بدأ طريقه على هذه الأرض مُتسائلًا، مُتفكِّرا، محاولًا أن يجيب على أسئلةٍ كثيرة خاصَّةً بوجوده، وخاصَّةً ببيئته، وخاصَّةً بخالقه، وسيظلُّ الإنسان كذلك في كلِّ عصرٍ، وفي كلِّ مجتمعٍ، وفي كلِّ حالٍ.
الذين يتصوَّرون أنَّنا اليوم لسنا في حاجةٍ لأن نُفعِّل ما فينا من رغبةٍ في المعرفة؛ لأنَّ المعرفة قد جاءت وانتهت، فهذا تصوُّرٌ خاطئ؛ لأنَّنا سنظلُّ في معنى الإنسان الذي يُفكِّر، ويتساءل، ويحاول، ويجتهد، ويخطئ ويصيب، في أمورٍ كثيرة.
فالتَّصوُّر الذي يطرحه البعض في أنَّ بَعدَ الرِّسالة المُحمَّديَّة فإنَّ كلَّ شيءٍ واضحٌ ومعروفٌ ومحكومٌ بظنِّ مقولة: "وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"، فلا نريد شيئًا بَعدَ ذلك، وكلُّ شيءٍ هو جاهزٌ للتَّطبيق وللتَّفعيل، هذا التَّفكير يصطدم مع الواقع، ويصطدم مع الحياة، ويصطدم مع العلم، ويصطدم مع الرُّؤى المختلفة لنفس النُّصوص.
وكلُّ نصٍّ، وكلُّ تفكيرٍ، وكلُّ مذهبٍ جاء ليُفسِّر الدِّين بكتابه، وبسُنَّته، وبسيرة رسوله، وبما قاله السَّابقون، يختلف في أمورٍ عن المذهب الآخر. فأيُّ مذهبٍ سوف تُطبِّقون؟ وأيُّ فهمٍ سوف تُعمِّمون؟
إنَّا في حاجةٍ دائمةٍ للتَّفكُّر والتَّأمُّل والتَّدبُّر؛ لأنَّنا في نهاية الأمر نحتاج إلى قانونٍ يُنظِّم حياتنا، ويُنظِّم علاقاتنا ببعضنا. وكلُّ إنسانٍ، حتَّى على مستواه الفرديّ، يحتاج أن يتأمَّل ويتفكَّر في كيفيَّة علاقته بربِّه، وفيما يُؤدِّيه من تدريباتٍ روحيَّة في معانيها، وفي مقاصدها.
وكلُّ إنسانٍ في علاقاته الشَّخصيَّة مع نفسه، ومع أهله، ومع مجتمعه، ما هي الأمور التي يجب أن يستقيم فيها بضميره وبحسِّه وبعقله؟ لا بمُجرَّد أن يقول له إنسانٌ آخر إفعل كذا ولا تفعل كذا، إنَّما ينبع ذلك من داخله، ماذا يجب أن تكون عليه أعماله، ونيَّاته، ونظرته، ورؤيته، ومشاعره تجاه العالم وتجاه النَّاس جميعًا؟
وكلُّ إنسانٍ مخاطبٌ في دين الحقِّ أن يجتهد، وأن يحاول أن يفهم ويتعلَّم. التَّوجيه لكلِّ إنسانٍ أن يسير في الأرض ويتعلَّم، أن يذكر ويتفكَّر، أن يقرأ ويسمع ويرى آيات الله في الآفاق وفي نفسه، ما يخصُّه هو شأنه، وما يراه هي رؤيته، لا يُلزِم بها النَّاس، إنَّما النَّاس ملزمون بما يجتمعون عليه ويُقرِّرونه، وبما يتَّفقون عليه، وبما يرونه الخير والأفضل والأحسن.
وهذا ما نطلق عليه في عالمنا المعاصر: (دولة القانون) الذي نتَّفق عليه، وأنَّ الذي يحكم بين النَّاس يجب أن يحكم بهذا القانون، لا يحكم بهواه، ولا يحكم برؤيته، إنَّما يحكم بتفعيل موادِّ هذا القانون، حتَّى وإن كان هو يعتقد غير ذلك، فهذا لنفسه، بينه وبين نفسه فيما يخصُّه وليس فيما يخصُّ الآخرين.
سيظلُّ الإنسان دائمًا متسائلًا، وسيظلُّ المجتمع دائمًا في حاجةٍ أن يجلس عقلاؤه وعلماؤه ليتشاوروا، ويتباحثوا، ويبحثوا عمَّا هو أفضل لهم، وما هو أقوم لهم. كانوا كذلك بصورةٍ ما قبل الرِّسالات السَّماويَّة، وسوف يكونون كذلك بعد الرِّسالات السَّماويَّة، وبعد هذا العصر، في كلِّ عصرٍ قادم.
وما جاءت به الرِّسالات السَّماويَّة، هي وسيلةٌ لمساعدة الإنسان أن يُفكِّر ويتأمَّل ويتدبَّر، وليست إملاءاتٍ فوقيَّة، إنَّما هي مساعداتٌ ربَّانيَّة عليه أن يفهمها ويتأمَّلها ويتدبَّرها، فهي قد نزلت من عالم الحقيقة إلى عالم الإنسان بلغته، فصارت بذلك مِثْلَه يتفاعل معها وتتفاعل معه، لها تفسيراتٌ كثيرة وتأويلاتٌ كثيرة، فعليه أن يتفاعل معها بقدر إدراكه، وأيُّ تفاعلٍ يصل إليه وهو لا يطلب إلَّا الحقّ،ِ ولا يرجو إلَّا الخير له وللنَّاس أجمعين ـ فهو تفاعلٌ صحيح.
فالصِّحَّة هنا ليست إجابةً واحدة، إنَّها إجاباتٌ متعدِّدة، وهذا ما نريد أن نتقبَّله، أنَّه ربَّما للقضيَّة الواحدة إجاباتٌ كثيرة، وكلُّها صحيحة، وكلُّها خاطئة في نفس الوقت، فأنت إذا أخذت إجابةً وطبَّقتها في غير موضعها أصبحت إجابةً خاطئة، وإنَّما هي صحيحةٌ؛ لأنَّها تُطبَّق في محيطها الذي تُصلِح به النَّاس.
ومن هنا فالرُّؤية الأحاديَّة أنَّه ليس هناك إلَّا رأيٌ واحد، وإلَّا قولٌ واحد، وإلَّا حكمٌ واحد فيما أتى به الله، هو أمرٌ يخرج عن واقع الأمور وطبيعتها، وواقع الحياة وما يحدث فيها.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفِّقنا لما فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
اللهم وأنت تعلم ما نحن عليه، وما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوكَّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنَّا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق