الاثنين، 27 مايو 2013

(4) الإسلام دين الإنسان: الصراط المستقيم

إذا كانت الرسالات السماوية في قديم جاءت لتصحح ما أسيء فهمه من الرسالات السابقة عليها فإن الرسالة المحمدية وضعت المنهج الذي يستطيع به البشر أن يصححوا مفاهيمهم في إستمرار وفي دوام (السيد علي رافع (
جاءت الرسالة المحمدية حاملة رسالة الإسلام القديمة، مؤكدة لمنهج الأنبياء لا إعوجاج فيه، وصف القرآن هذا المنهج أنه (الصراط المستقيم). فإذا اتجه البشر طالبين الحق بصدق وإخلاص سيلتقوا على .. صراط مستقيم .. طريق التسليم والسلام والأمان.
كل من يمشى في هذا الطريق يعرف من أين يبدأ وإلى أين المنتهى، فلا يضل ولا يطغى.. يسير على بينة من أمره. هذا وصف "الإسلام" في الكتاب المنزل على الرسول الكريم إنه صراط مستقيم. لهذا ندعو ربنا في فاتحة الكتاب:
 "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".
 في كل ركعة نصليها ندعوه.. في كل أزمة نرجو حلها .. ندعوه.. في كل بلاء نريد رفعه .. ندعوه.. في كل مرضى نطلب منه الشفاء .. ندعوه "اهدنا الصراط المستقيم"
من لا يسير على هدى الصراط المستقيم يضل، والضلال أن يأخذ الإنسان طريق الهوي والطغيان. ويصبح من المغضوب عليهم. الأمر هنا كما نقرأه لا يتعلق بقوم أو مله أو دين، وإنما يتعلق بمنهج، من لا يسير على بينة من أمره فهو ضال. الضال هو الإنسان الذي لا يعرف طريقه ولا غايته، أو يخطيء الطريق الذي يوصله إلى هذه الغاية. كلنا هذا الإنسان إذا لم يتغمدنا الله برحمته، ويجعلنا نطلب الهداية
"اهدنا الصراط المستقيم"، "صراط الذين أنعمت عليهم".
وفي مقام آخر يقول
 " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ" (الأنعام: 153)،
 هكذا يجيب الله دعاءنا. من رحمة الله بالإنسان أن يجعله يطلب، ومن رحمته به أن يستجيب لطلبه. من رحمته أن جعل الدعاء له تنزيل من لدنه في فاتحة كتابه، ومن رحمته أن يجيء أمره "فاتبعوه" . ومن رحمته أنه يحذرنا
 " وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ" (الأنعام: 153(
سنجد أن في سورة الأنعام الآية المذكورة (153) اسم الإشارة "هذا" قد يكون المقصود منه الإشارة إلى ما سبق من آيات والتي تبدأ بقوله تعالى :
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًاۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَ‌ٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151(
ولَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَ‌ٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152(
نجد أن النهج على الصراط المستقيم يبدأ عندما "لانشرك بربنا شيئا" وتتوالى بعد ذلك الأخلاقيات التي تنبع أساسا من "عدم الشرك". أي أن من أدرك وخبر أنه لا يوجد قوة تملك له من الأمر شيئا، وأن الأمر بيد الله وحده، فإنه يستطيع أن يطبق تلك الأخلاقيات النبيلة. لأن كل فاحشة يقوم بها الإنسان، تنتج من أنه يضع آلهة له، يظن أنهم ينفعونه. ليس "الوثن المادي" هو الإله الوحيد، ولكن "الوثن الفكري" أكثر خطورة وأشد فتكا بالإنسان. عندما يقتل الأب أبناءه، عندما يقتل الإنسان أخاه ليطغي، فإن ما يحركه نحو هذه الفواحش أنه يعبد مالا أو جاها، أو يعبد نفسه ويريد أن يظلم بها.
" وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ" سبيل الله يبدأ بألا نشرك به شيئا، وعندما ننسى هذا فإننا نضل ونطغى، عندما تكون وجهتنا وقبلتنا إلى الله (الحق النور) نكون على "صراط مستقيم". هذا هو طريق الإسلام، وعندما نضل نكون من المغضوب عليهم.
المغضوب عليه هو من أغلق قلبه فلم يستقبل محبة الله ورحمته وعونه. ليس علينا أن نجسد معنى غضب الله من خلال قدراتنا الإنسانية، تعالى الله، سبحانه.
 "ما ظلمناهم ولكن أنفسهم يظلمون" (البقرة: 57).
إن القرآن ليؤكد أن الدعوة إلى "الصراط المستقيم" دعوة الأنبياء جميعا.
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * َنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم (الصافات: 114 إلى 118)
سيدنا إبراهيم عليه السلام:
 شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (سورة النحل: 121)
المسيح عليه السلام :
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (لزخرف:64)

إدراكنا أن الإسلام مرتبط "الصراط المستقيم يؤكد لنا أن الإسلام "منهج"، وإذا أردنا أن نأخذ القضية إلى بعد آخر، وتساءلنا عن خصائص هذا المنهج، لتكشف لنا هذا في الآيات التي تقول "إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم". إذن العلاقة التي بين الإنسان وبين ربه والتي تتمحور في أنه "عبد" لله هي الصراط المستقيم. علينا أن نتعلم كيف نكون في "عبودية" لله. وهذا أمر يطول شرحه، وسيجيء تباعا. ولكن فلندرك إذن الآن أن هذه العلاقة منهجية، وليست مجرد فكرة عابرة تمر على خاطر الإنسان ليعرفها. وهذه العلاقة اكتشاف أيضا لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام قال
" لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ " (الأنعام:77)
ولندرك أن هذه الانتباه قد حدث قبل أن يصل إلى مركزية أو وحدانية الأصل لكل الوجود، ليكون في تسليم كامل له، فيقول:
 إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (الأنعام:79)
ويجيء الخطاب القرآني للرسول عليه الصلاة والسلام فيقول
" قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (آل عمران: 95)
الأمر في هذه الآية موجه إلى الرسول (صلعم) ليتحدث إلى المسلمين موضحا لهم أنهم يتبعون طريق إبراهيم عليه السلام. نؤكد أن الإسلام الذي جاء به الرسول هو "دين إبراهيم" الحنيف أي الصافي غير المغلوط.
 " مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين" (آل عمران:67)
هذا تأكيد أن الإسلام لم يكن دينا جديدا، ولكنه دين الأنبياء جميعا، وهنا نفي أن يكون إبراهيم يهوديا أو نصرانيا، هو نفي للتشتت والفرقة، وليس إنكارا لدعوة موسى وعيسى عليهما السلام.
ما يلفت النظر في كل هذه الآيات أن الإسلام ضد الشرك. ما هو الشرك؟
ستقولون أن تتخذا إلها مع الله. هذا تعبير بسيط مفهوم، ولكن له دلالات سلوكيه، علينا أن نلاحظها، لنجد أن الشرك هو انحراف عن "الصراط المستقيم".
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" (النساء: 125)
 ومن أسلم وجهه لله وهو مسلم، توجيه آخر في الاتجاه نحو الصراط المستقيم.
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (الشورى:52)
الرسالة كلها وصفت أنها "نور" لأنها واضحة بينة صريحة.
الإسلام جاء مع كل الأنبياء وأظهره الرسول (صلعم)، وسيستمر إلى أبد الآبدين. والإسلام الذي نتحدث عنه هنا هو "الصراط المستقيم" الذي انحرف عنه المسلمون اليوم عندما انقسموا شيعا يتصارعون، وعندما أصروا على وضع الحواجز بينهم وبين البشر، متهمين كل من لا يتبع رؤيتهم وعقيدتهم بالكفر. وسنرى تباعا فحوى هذا المنهج، فنحن بدأنا بأن "العبودية" علاقة ومنهج، وسنجد في الآيات التالية إضافات جديدة :
"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (سورة الأعراف: 157)
إذا نظرنا إلى هذه الآيات سنجد أنها عادة ما تفسر بأن هناك آيات في التوراة والإنجيل تتحدث عن مجيء الرسول، وتبشر به. ولكن إذا أخذنا الرؤية إلى مستوى آخر. نجد أن تلك الآية تتحدث عن قانون مستمر، وهو أن دعوة رسول الله موجودة بالفعل عندهم في التوراة والإنجيل، وأنها تؤكد ما جاء لهم من علم. وأنهم هم الذين قيدوا أنفسهم بالأغلال.
وقياسا على هذا سنجد أن ما يحدث الآن بالنسبة للمسلمين هو ما حدث بالنسبة لأصحاب الرسالات الأخرى، حيث يتم تحريف الرسالة، بينما الأصول الإرشادية مرجعية رئيسية لمن يجيء ليصحح هذه الرسالة. ونحن اليوم في حاجة إلى هذا التصحيح الذي يتناسب مع الأصول التي نجدها متكوبة عندنا، ولكن حجب معناها عنا. وهذا يشير إلى أن الرسالة مستمرة بمن يحملها وينقيها من الشوائب.
الرسول الأمي (سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام) امتداد لرسالة موسى وعيسى عليهم الاسلام. وتعاليم هذا الدين (الإسلام) موجودة عندهم في كتبهم، وصفاته أنه يأمرهم بالخير والحق على ما هو معروف، وينهاهم عن ما تنكره الفطرة النقية الصافية. جاء ليطهر نفوسهم وأجسادهم من الخبائث.. جاء ليحرر أرواحهم، ويضعهم على "الصراط المستقيم". وقد فعل سيدنا عيسى عليه السلام نفس الشيء مع اليهود، الذي أسرفوا في الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر، فقال لهم ما معناه "ليس ما يدخل الجسد هو ما يلوثه، ولكن ما يخرج من قلبك على لسانك من سوء"، واستنكر منهم أن يكونوا مترددين عن تلبية طلب مريض يوم السبت، تحت زعم أنه يوم الله والراحة.
إن المقارنة بين ما كان يحدث من اليهود، ومايحدث اليوم من المسلمين المتشديين مذهل، فهم يهتمون بالشكليات ويتجاهلون الهدف والمقصد من التعاليم.
الخلاصة: أن الإسلام بمعناه الواسع الموجود قبل سيدنا محمد وأظهره سيدنا محمد سيظل مستمرا، تم التعبير عنه أنه الصراط المستقيم. وقد أكد القرآن هذا الدين الواحد بتعبيرات مختلفة مرة على لسان لأنبياء ومرة بالإشارة إليه بشكل عام، وأخرى بوصفه بالحق والنور. وهذا مايجعلنا ندرك "الإسلام" في مفهومه العام وأنه مرتبط بمضمون الرسالة التي جاءت للإنسان وارتبط بها، والتي ستجدد نفسها دائما.
تذكر: أن الصراط المستقيم أن تكون عبدا لله
أن الصراط المستقيم أن تكون في تسليم لقانون الحياة. كيف؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق