الجمعة، 31 مايو 2013

ديننا يقوم على اتباع منهجٍ : "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ..."

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
"الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ..."[الأعراف 43].
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا حديثا، نتواصى فيه بالحق والصبر بيننا، نتدبر أمور ديننا وحياتنا وأحداث الحياة حولنا. متدبرين في آيات الله، في الآفاق، وفي أنفسنا، وفيما أنزل إلينا من كتابٍ محكم، يعلمنا ويرشدنا، كيف نعيش على هذه الأرض، طبقاً لقوانينها وأسبابها. يعلمنا مبادئ أساسية، إذا عكسنا البصر إلى داخلنا، وجدناها في فطرتنا، وفيما خُلِقنا عليه، وفيما ألهم الله نفوسنا من تقوى.
  هذه المعاني، وهذه المبادئ، تُكبِر من الإنسان وقدرته وتُحمِّله المسئولية: 
"...كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته..."(1).
إن حياتنا على هذه الأرض، محورها الإنسان، وأساسها أن يسمع الإنسان ويرى،
 "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ..."[مريم 38]،
 "أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ"[البلد 10:8].

والعينان هنا، يرمزان إلى قدرة الإنسان، على إحساس ما حوله، على رؤية ما حوله، على سماع ما حوله. والعينان، لا يرمزان فقط للرؤية المادية، وإنما القدرة على رؤية الأحداث بما فيها من معانٍ، وبما فيها من تأثيرات، يرى الخير خيراً والشر شراً، يرى النور نوراً والظلام ظلاماً، لا تَكذِب عيناه.
الذي لا يستطيع أن يرى تداعيات الأحداث وتأثيرها، كما هي، كواقعٍ ملموسٍ، وُصِفَ بـ: أنهم
 "...لَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا..."[الأعراف 179]،
 "...صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ" [البقرة 171].
لأن بداية أن يَتَفَقَّه الإنسان، هو أن يقرأ ما حوله قراءةً صحيحة، يستطيع أن يَتَفَقَّهَها، وأن يُحَللها، وأن يَتَفَهَّمها، وأن يستوعبها، فإذا حدث ذلك، فإنه يستطيع أن يُخرِج ما تَفَقَّه "أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ"
واللسان والشفتان، إنما يرمزان إلى قدرة الإنسان، على أن يُخرِج ما وصل إليه من فقهه، وعلمه، وتقديره، وتحليله، واستيعابه ـ أن يُخرِجه إلى المجتمع، وإلى البيئة المحيطة به.
فاللسان هنا، يرمز ليس فقط، إلى الحديث والتوجيه والإرشاد، وإنما يرمز، إلى كل ما يستطيع أن يؤثر به الإنسان في بيئته، بعمله، وبسعيه، وبتصنيعه ـ في كل عملٍ مفيدٍ، يستطيع أن يقدمه إلى مجتمعه. أما الذين لا يسمعون ولا يرون، فهم أيضاً لا يتكلمون، بُكمٌ، لا يُخرِجون شيئاً، ولا يفعلون شيئاً، ولا يؤثرون في شيءٍ.
لذلك، كان الإنسان، مخلوقاً، عنده القدرة أن يرى ويسمع ويتكلم. ديننا يعلمنا ذلك، ديننا يريدنا أن نتفاعل، مع واقعنا، ومع حاضرنا، ومع حياتنا، أن نُغَيِّر ونتَغَيَّر، بمنهجٍ صحيحٍ سليمٍ مستقيمٍ، مبنيٍّ على أن نرى ونسمع ونتفقه ونتكلم.
ديننا، ليس في ترديدٍ ولا في تقليدٍ ولا في اتباعٍ أعمى، إنما في اتباع منهجٍ قائمٍ على: "أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ..." على التفكر والتدبر في خلق السماوات والأرض، ليصل الإنسان، إلى أن يقوم حقاً في معنى:
"...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 191].
إنا نجد هذا المعنى، يجيئ كنتيجةٍ،
 لـ"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 191]،
إنه لا يجيئ للذين يرددون ويقلدون، لا يتأملون ولا يتدبرون، إنما يجيئ حقاً، للذين يذكرون ويتدبرون ويتفكرون.
والتفكر، ليس في السماوات والأرض، ولكن في خلق السماوات والأرض. يتفكرون في الخلق، يتفكرون في الشهادة، يتفكرون في أسباب الحياة وأسرارها،
"قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ..."[العنكبوت 20]، في الأرض"...فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ..."[العنكبوت 20].
 إن الناس في بعض الأحيان، يفصلون بين العلم والدين، بين الشهادة والغيب، بين العقل والنقل، بين الواقع والمفترض.
فنجد أن بعض المجتمعات، قد تمسكت بالمشهود، بالواقع، بالمعقول، بالأرض، بالمادة، بالإنسان، وأبدعت في ذلك، فكسبت هذه الدنيا، ولكنها خسرت "...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً...".
ونرى الذين ذهبوا إلى غيبيات لا يدركونها، وإلى منقولٍ لا يستوعبونه، وإلى ظن دينٍ لا يعرفونه، فخسروا الدنيا، ولم يكسبوا الآخرة.
فمنتهى الدين، هو أن تكون مع المعقول، ومع المشهود، ومع الواقع والقانون، وأن تدرك أن كل ذلك، هو لتعيش حياةً مستمرة دائمة، تدرك حقاً: "...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..."، ما خلقت وجودنا على هذه الأرض لسنينٍ معدودة، وما أوجدتنا في كل هذه القوانين والأسباب والمسببات ـ لمجرد عمرٍ نقضيه على هذه الأرض، "... مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً...".
فنجد، أن صلاح الدنيا والآخرة، هو في اتباع منهج الذين يعقلون إلى أقصى درجة، وفي نفس الوقت، في إدراك أن "...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..."، وأن هناك غيباً وحياةً أخرى، نسير إليها ونرجع إليها، لا تتناقض قيد أُنملة، مع المعقول والواقع وأسباب الحياة، وقراءتها، وتفقه ما يحدث عليها، وإخراج أحسن ما فينا إلى هذه الحياة. وهذا، هو صحيح الدين ـ كما نفهم ـ وليس في مجرد كلماتٍ تُقال هنا أو هناك، أو في تقليدٍ أعمى، بظن اتباع، دون وعيٍ ودون فهم.
عباد الله: نسأل الله: أن نعود جميعاً إلى أصولنا، وإلى أصول ديننا، وأن نكون حقاً في معنى [الدين القيم الذي ما شاده أحد إلا جذبه](2)، بالعقل، وبالمنطق، وبالأحسن والأقوم والأفضل،
"وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..."[العنكبوت 46]، "...تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ..."[آل عمران 64].
نسأل الله: أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله .
________________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن هناك فارقاً كبيراً، بين ما نجده في كتاب الله لنا، وفي سيرة رسول الله ــ صلوات وسلامه عليه ــ وهو يدعونا، للتفكر والتأمل والتدبر، وإلى أن نسمع ونرى، وأن نتحدث بما هو أحسن وأقوم ـ وبين ما عليه مجتمعنا، أو بعض من هم في مجتمعنا، من الذين لا يقرأون ولا يسمعون ولا يبصرون ويرددون في حديثهم أقوالاً لا يفقهونها، لم يتدبروها ولم يتأملوها، في ظل واقعهم وحياتهم، وآيات الله في الآفاق تحيط بهم.
لا يمكن، أن نفهم حقاً، آيات الله لنا في كتابه، إلا بأن نقرأ أيضاً، آيات الله في خلقه، في الآفاق وفي أنفسنا. قراءتنا لآيات الله في كتابه، ولحديث رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ في سيرته، بدون صلةٍ بواقعنا، وبآيات الله حولنا، يؤدي إلى قراءةٍ منقوصة، ويؤدي إلى أن نُخرِج حديثاً مضطرباً، لا تقبله الفطرة السليمة، ولا يقبله الناس، في أي بقعةٍ من بقاع الأرض.
والدعوة ـ كما يُعلمنا الحق ـ هي
"...بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..."[النحل 125].
 والمجادلة تكون بالتي هي أحسن، وبالكلمة السواء. لا تكون بالمجادلة في أنماطٍ بشرية، أو في معاملاتٍ مادية، تتغير بتغيُّر المكان والزمان، وإنما تكون الدعوة دائماً، بالمقاصد الحقية، سواء كان ذلك في مجتمعاتنا، أو في مجتمعاتِ غيرنا.
الدعوة، هي "...أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا..."، تطبيقاً واقعياً، وليس مجرد كلامٍ يُرَدَّد، ليس برسم صورةٍ لإله يُعبَد، وإنما بأن نُعلِي الله عن أي صورةٍ أو شكل، وأن نفهم أن إيماننا بالله، هو في إعلائه عن أي رسمٍ،
 "...سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ"[الأنعام 100].
وهذا، ما أشار إليه الكتاب بـ
 "الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..."[البقرة 3]،
 أن هناك ما لا نعلمه، فلا نستطيع أن نُطبِّق في حياتنا التي نعلمها، أشياءً لا نعلمها.
وأن كل ما جاء به كتاب الله، فيما هو على أرضنا، إنما هو مقاصد كلية ،تتفق مع الفطرة الإنسانية، ومع كل المبادئ التي نضجت في تاريخ الإنسانية، من احترامٍ للإنسان، ومن تقديرٍ للعقل، ومن عدلٍ في المعاملة. هذه القيم الكلية، التي أشار إليها الكتاب،
"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ"[النحل 90]. هذه، هي القيم الكلية، التي يجب أن نُركِّز عليها في حياتنا الأرضية، وأن ندرك، أن كل ذلك، هو في أننا، به نكسب في الله، "...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً...".
إنا نريد، أن نكون في ظاهر حياتنا، مُتعقِّلين مدركين للواقع، سامعين ومبصرين لآثار أعمالنا، لنصحح أعمالنا، ولنأتي دائماً بما هو أحسن إلى أقصى حد، وأن نكون في هذا الانضباط، أكثر انضباطاً من أي أمةٍ لا تؤمن بالله، ولكن تؤمن بالمادة. ولكننا في نفس الوقت، لا ننسى أن كل ذلك، له أثرٌ إيجابيّ على حياتنا المستقبلية، بفهمنا وإدراكنا لمعنى حياتنا الأرضية، فنكون دائماً في توجُّهٍ بقلوبنا إلى الغيب، ليساعدنا بصلاتنا، وبكل عباداتنا، لا يُنقِص ذلك، من أن نعمل بكل طاقاتنا على هذه الأرض.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون حقاً في معنى الإسلام، وأن نكون حقاً مسلمين، وأن نكون حقاً مؤمنين، وأن نكون حقاً محسنين.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"[آل عمران 8].
_________________________

(1)    جاء بسنن الترمذي: ‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم أنه‏ ‏قال ‏" ‏ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالأمير الذي على الناس راع ومسئول عن رعيته ، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم ، والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه ، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"‏.

(2)    قال صلى الله عليه وسلم " أن الدين يسر ، ولا يشاد الدين أحدُ إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُلجه " .أخرجه البخاري ـ منتخب الصحيحين للنبهاني .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق