السبت، 26 أبريل 2014

عبادة الله تشمل هدفاً ووسيلة




حديث الجمعة
 25 جمادى الثاني 1435هـ الموافق 25 أبريل 2014م
السيد/ علي رافع

الحمد لله، والشكر لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
"...الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ..."[الأعراف 43].
 الحمد لله، الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
عباد الله: يا من ترجون لقاء الله، ويا من تجتمعون على ذكر الله، حديث الحق مُوَجَّهٌ لكم، يرشدكم ويعلمكم كيف تفوزون بكرتكم، وتكسبون حياتكم، وتكونون أحياءاً عند ربكم تُرزقون.
دين الحق يكشف لكم سر وجودكم وسر خلقكم، حتى تستقيموا على الصراط المستقيم، الذي يؤدي بكم إلى حياةٍ أبديةٍ، في عالمٍ أفضل، وفي عالمٍ أجمل، في عالمٍ تكونون فيه إخواناً متحابين، رضيتم عن ربكم، ورضى ربكم عنكم.
قانون الحياة على هذه الأرض، تكشفه آياتٌ كثيرة، أولها الآيات التي تحدد هدفكم من وجودكم على هذه الأرض، "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"[الذاريات 56]، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ"[الإنشقاق 6]، "قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ..."[الإسراء 51].
هذه الآيات وآياتٌ أخرى كثيرة، توضح لنا هدف وجودنا، ولعل أولها هو أن نكون عباداً لله. بل أن عبادة الله، تشمل هدفاً ووسيلة. فأن تكون عبداً لله، هو أن تشعر حقاً وتقوم في حالٍ تشهد فيه أن لا إله إلا الله، فلا تعبد إنساناً، ولا مادةً، ولا أي صورةٍ من الصور، إنما تدرك دائماً، أن الله أكبر عن أي صورةٍ، أو عن أي تصورٍ تتصوره، "...سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ"[المؤمنون 91].
فهذا حالٌ، يستطيع كل إنسانٍ أن يُقوِّم نفسه فيما وصل إليه، وهل هو حقاً  كذلك؟ هل هو حقاً لا يخشى إلا الله، ولا يشهد إلا الله، ولا يسأل إلا الله، ولا يتوكل إلا على الله؟ أم أن فيه ضعفاً يُلجِئه إلى الخلق، دون أن يربط لجوءه بإيمانه بالله، وأنه يتخذ إليه الوسيلة، فيفقد هذه العلاقة بين الوسيلة والهدف؟
أن تكون إنساناً حراً، إنساناً يتعامل مع الله دائماً، هذا هو هدف الإنسان على هذه الأرض. أما عبادة الله كوسيلة، وسيلة تحقق لك هدفك، هو أن تتعامل بما سن الله من قوانين على هذه الأرض، فتبحث عن قوانين الله، "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ..."[العنكبوت 20]، تطلب العلم، "...هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ..."[الزمر 9]، "...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..."[فاطر 28].
تطلب العلم وتُطبِّقه، فتكون عارفاً. فالعلم بلا تطبيقٍ لا يؤدي إلى المعرفة، بل يصبح مجرد علمٍ بشيء، فأنت قد تعرف علماً من العلوم المادية، وتردد ما تعرفه أو ما تعلمه بمعنى أدق، ولكنك لم تُطبِّق ما تعلمته يوماً، لأنك إذا طَبَّقت ما علمت عرفت، لأن في التطبيق تظهر أمورٌ كثيرة، بل تكتشف وتتعلم أموراً أخرى، فما يَصلُح في واقعٍ لا يَصلُح في واقعٍ آخر. وهذا القول، في كل العلوم.
لذلك، فإنا نجد الذين يرددون ما يقولون عنه علوماً دينية، من أن حكم من يفعل كذا هو كذا، أو أن هذا حرام وهذا حلال، فإذا حاولنا أن نُطبِّق هذا الذي يقولون في أرض الواقع، تظهر لنا صورٌ كثيرة للتطبيق، قد تؤدي بنا أن نغير مفهومنا في علمنا، ليكون أكثر صلاحيةً لأن يُطبَّق في الواقع.
وهذه هي العبادة كوسيلة، لأننا نتجه إلى الله من خلال أسبابه التي أظهر لنا، ومن خلال قوانينه التي أحكم على هذه الأرض، قوانينٌ منضبطة لا تختل. فمحاولة الإنسان الدائمة، أن يتعلم وأن يُطبِّق فيعرف، وأن يحاول في استمرارٍ أن يصل إلى ما هو أحسن وأفضل، له ولمجتمعه ـ يكون بذلك في جهادٍ ومجاهدة، ليصل إلى معنى العبودية لله الحقة.
الدين كشف لنا هذا، فعلمنا الهدف والسلوك الذي نحقق به هذا الهدف. منهجٌ حقيّ، أساسه احترام الإنسان وتقديره، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ". ندرك من هذه الآية أن الإنسان يوم يُفعِّل كل ما أعطاه الله من طاقاتٍ وإمكانات، فهو كادحٌ إلى ربه كدحاً فملاقيه.
وأن الإنسان حين يضع هدفه أن يكون عبداً لله، فسيكون عبداً لله، "قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا، أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ...". فإذا كانت عبودية الله في صدره وفي قلبه وفي وجدانه، هدفاً يرجوه، فسيكون كذلك.
هناك ارتباطٌ وثيق في الآيات بين الهدف والوسيلة. إن وسيلتك تحدد هدفك، وإن هدفك يحدد وسيلتك، ارتباطٌ في الاتجاهين. فإذا كان هدفك وجه الله، فوسيلتك سوف تكون قوانين الله. وإذا كانت وسيلتك ما أحكم الله من أسبابٍ وقوانين، فهدفك ومقصودك هو وجه الله. فليس هناك تعارضٌ بين الغاية والوسيلة، ولا تناقض بينهما.
فلا تستقيم غايةٌ كريمةٌ مع وسيلةٍ غير كريمة، ولا يمكن لوسيلةٍ كريمة صادقة أن تُنتِج هدفاً غير كريمٍ وغير حقيّ. هناك ارتباطٌ وثيقٌ بين ما تفعله وبين ما تصل إليه. فالهدف هو نتيجة ما تفعل، والفعل هو ما يساعدك أن تحقق هدفك.
 عباد الله: نسأل الله: أن يجعلنا من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..."[الزمر 18]، وأن نتأمل آيات الحق لنا تأملاً عميقاً، وأن نتعلم كيف نُطبِّق ما نتعلمه في حياتنا، وفي وجودنا، وفي معاملاتنا، حتى نكون عالمين عارفين، وأن يجمعنا الله دائماً على الخير، ويوفقنا للخير.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
__________________________

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن الدين هو منهجٌ، يحدد لنا هدفاً يدعونا إليه، ويكشف لنا عن وسيلةٍ نحققه بها. ويعلمنا أن هذا الهدف، علينا أن نصل إليه بتأملنا وتدبرنا في آيات الله لنا في الآفاق وفي أنفسنا، وأن الوسيلة كذلك، علينا أن نتعلمها من خلال تدبرنا وتأملنا في خلق الله وفي قوانين الحياة.
فالمنهج، يعطينا قوةً لنُفعِّل ما وهبنا الله من نعم، ولنتفاعل مع البيئة المحيطة بنا، لنصل إلى إيمانٍ عميقٍ بهدفٍ نرتئيه، وإلى وسيلةٍ محكمةٍ نلجأ إليها. وكل إنسانٍ له هدفه الذي يؤمن به، وله وسيلته التي يلجأ إليها. قد تتباين الأهداف بين إنسانٍ وإنسان، إلا أن الهدف الكليّ ـ يوم تستقيم الرؤية ـ سوف يكون هدفاً واحداً.
أي إنسانٍ يسلك طريقاً، هدفه فيه أن يكون إنساناً صالحاً لنفسه ولمجتمعه، بأي صورةٍ من الصور، وأي وسيلةٍ من الوسائل التي تتناسب مع هدفه ومع رؤيته لوجوده ـ سوف تلتقي كل هذه الطرق في هدفٍ واحد، وهو شهادة أن لا إله إلا الله.
فلذلك قال القوم [إن لله طرائق بعدد أنفاس الخلائق](1). فكل إنسانٍ له فهمه، وله عقيدته، وله أسلوبه، وله طريقه. ولا يعني هذا، أن الكل سيكون هدفه الكليّ هو الحياة والرقيّ، فهناك من الناس من سوف يختار طريق الفناء والدنو، "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ"[التين 6:4].
ولكن كل إنسانٍ فيما يعتقده، ليس عليه أن يُجبِر الآخر عليه، أو أن يتهم الآخر الذي له طريقٌ قد يختلف معه في بعض التفاصيل، ليس من حق أي إنسانٍ أن يتهم أي إنسانٍ آخر، بأنه إذا لم يتبع طريقه، فهو في أسفل سافلين، فهو لا يعلم ما في داخله، فعلم ذلك عند الله، "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"[غافر 19]، "...هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى"[النجم 32].
كل إنسانٍ، عليه أن يتفكر ويتدبر ويزن الأمور بميزان الحق الذي يراه، وأن يلجأ إلى الله دائماً أن يساعده ألا يحيد عن الصراط المستقيم، وإذا حاد، يسأل الله أن يغفر له وأن يُقوِّمه، ويتوب إليه ويرجع إليه. وهكذا، هو في حياته، حتى يخرج من هذه الحياة، وهو على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. 
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا. 

_______________________________

(1) مقولة للإمام الجنيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق