الجمعة، 17 نوفمبر 2017

مصدر فطرة الحياة الموجودة في كلّ إنسان، هو مصدر كلّ الرّسالات السّماوية

حديث الجمعة 
23 ذي الحجة 1438هـ الموافق 15 سبتمبر 2017م
السيد/ علي رافع

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا، حديثاً متّصلاً نتواصى فيه بالحقّ والصّبر بيننا، نتدبّر آيات الله لنا، ونتأمّل في أحداث الحياة حولنا، مدركين أنّ [الحكمة ضالّة المؤمن](1)، وأنّ على كلّ إنسانٍ أن يبدأ بنفسه، أن يبدأ بقدراته، أن يبدأ بما أنعم الله به عليه، من قدرةٍ على التأمّل والتفكّر والتدبّر، على قدرةٍ للذّكر، وقدرةٍ للعمل.
قبل أن يقرأ الإنسان آيات الله، وقبل أن يستمع لتنزيل السّماء، عليه أن يُعدّ نفسه لذلك، يُعدّ وجوده لذلك، يمارس فطرته، يُفعِّل ما أعطاه الله من قدرات؛ لأنّ الإنسان يستوعب من حديث الحقّ له، بقدر ما أعدّ نفسه، بل أنّ آيات الحقّ تعلّمنا ذلك وتؤكّد عليه، "لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ"[الواقعة 79].
والمطهّرون هنا، لا تعني طهارة الجسد فقط، وإنّما تعني طهارة القلب، وطهارة العقل، وطهارة النّفس، وطهارة العمل، وطهارة الذّكر. والطّهارة هي النّقاء، هي الصّفاء، عقلٌ بلا شوائب، وقلبٌ بلا أحقاد، ونفسٌ بلا ظلمات.
لذلك، فالإنسان إذا بدأ حياته بتفعيل ما أعطاه الله من قدرات، ففكّر بعقله في كلّ ما هو محيطٌ به، دون أن يقول أنّ الدّين قال، أو أنّ الآية قالت، أو أنّ رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أمر وقال ـ يبدأ بعقله، يعتبر نفسه مولوداً على الفطرة، وهو كذلك فعلاً.
ومعنى أنّه مولودٌ على الفطرة، أنّ به ما يُمكّنه من أن يدرك أسرار الحياة بفطرته وعلى قَدْرِه، فيتأمّل فيما يحيط به، وينظر إلى الأحداث حوله، وينظر إلى ما تسبّبه الأسباب، وكيف تسير الأمور على هذه الأرض في كلّ ظاهرةٍ من حوله، سوف يجد أنّ هناك أسباباً، وهذه الأسباب تؤدّي باستخدامها إلى نتائج، وأنّه إذا مرض فإنّه يأخذ دواء، وإذا شعر بوهنٍ احتاج إلى طعامٍ وإلى شراب، وأنّه إذا أراد أن يتعلّم حرفةً احتاج إلى تعليم، وأنّ كلّ شيءٍ في ظاهر الحياة له سببٌ، وأنّنا لنعرف الأسباب والمُسبّبات، فإنّ علينا أن نتعلّم، وعلينا أن نبحث، وعلينا أن نُعلِّم بعضنا بعضا.
ويتعلّم أيضاً، أنّه في بعض الأحيان لا يجد سبباً، ولا يجد طريقةً تُخرِجه ممّا هو فيه، ويعلم أنّه بذلك عليه أن يقبل ما لا يستطيع أن يغيّره وأن يتعايش معه. والحكمة القديمة ـ فالإنسان يقول ويسأل، يسأل أيّ مصدرٍ أو أيّ غيبٍ، أو يسأل من يعتقد أنّه أعلم منه، يسأله أن يعلّمه ما يستطيع أن يغيّره فيغيّره، وأن يعلّمه ما لا يستطيع أن يغيّره فيقبله.
هذا أمرٌ واقعٌ يصل إليه الإنسان، فإذا قام الإنسان في هذا، ثم استمع بعد ذلك إلى آيات الحقّ، لوجد أن آيات الحقّ تقول له ذلك، "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ..."[العنكبوت 20]، تعلّمه أن يتعلّم أسباب الحياة وأسباب الخَلْق.
ويجد أيضاً أنّ هناك من يقول له: "... فَإِنِّي قَرِيب ٌأُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ..."[البقرة 186]، "... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ..."[غافر 60]، فيتعلّم أنّه وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً في أمره، فإنّ هناك الدّعاء، أنّ هناك من يلجأ إليه، بغضّ النّظر أنّ هذا اللجوء سوف يغيّر ما لا يستطيع هو أن يغيّره، أو أن يساعده على أن يتقبّل ما هو قائم، فيفهم آيات الحقّ؛ لأنّه قد مارسها من قبل بفطرته، ووجد أنّ الحقّ يقرّ له بما وصل إليه، وبما علِمه، وبما عرفه، فيطمئنّ.
ويجعله ذلك يشعر بأنّ ما وصل إليه، هو ما يجب أن يقومه، وعلم أيضاً، أنّ ليس معنى ذلك، أنّ ما وصل إليه وما فهمه من الحقّ، أنّه أمرٌ مطلق، وأنّه أمرٌ يمكن أن يتغيّر، فيبدأ دورةً جديدة في محاولةٍ لفهم واقعه أكثر، وفهمه لواقعه أكثر يؤدّي به إلى أن يفهم آيات الله أكثر.
وذلك نراه في أمورٍ حدثت في تاريخنا، حتّى في أمورٍ فقهيّة. فحين نرى أنّ أيّ مجتمعٍ ـ بالفطرة ـ يرفض أن يعتدي فيه إنسانٌ على إنسانٍ، أو أن يسرق إنسانٌ إنساناً، وأنّ هذا أمرٌ مُجَرّم يجب أن يوقف، ويجب أن يكون له رادع، حتّى يرتدع من توسوس له نفسه المظلمة بأن يفعل ذلك، فيخشى أن يُعاقَب.
ثم تجيئ الآيات ـ إنّا نتكلّم بنفس المنطق ـ تجيئ الآيات فتعبّر عن ذلك بعقوبةٍ مغلّظة في معنى السّرقة، "وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ..."[المائدة 38]، ثم يرجع المجتمع إلى واقعه، هنا لم توضّح الآية تعريفاً واضحاً لمن هو السّارق والسّارقة، إنّما هو ما يتعارف عليه المجتمع، ولكن تحدث واقعة في الواقع، أن يأخذ إنسانٌ يحتاج إلى طعامٍ، من إنسانٍ آخر، كسرة خبزٍ ليقيم بها أوَدَه، فهنا نجد الواقع يحتّم على المجتمع أن يُعرِّف معنى السّارق هنا، هل يعتبر هذا الإنسان سارقاً، فيطبّق عليه العقوبة؟ أم أنّه لا يعتبره كذلك؟ فهنا الواقع يؤدّي بالمجتمع أن يفهم الآية فهماً آخر، وهكذا.
لذلك، فإنّ ما نراه في الواقع، أنّ قانون الفطرة وقانون المجتمع يجعلان الواقع يؤثّر في مفهومنا لتطبيق النّص. بعض الغُلاة يجدون أنّ هذا خروجٌ عن الشّريعة وتطبيقها، والبعض الآخر يرى أنّ هذه هي الشّريعة وتطبيقها، أنّك تتفاعل مع الواقع وما ترى أنه يؤدّي إلى صلاحٍ في الواقع، لا ترفض النّص، ولكن تفهمه وتدركه وتتأمّله.
نحن لا نقول برأيٍ هنا في اتجاهٍ معيّن، فهذا ليس مجالنا، وإنّما نضرب مثلاً حدث ويحدث، من أنّه حين تتأمّل في الواقع وما ترى أنّه الأفضل والأقوم؛ فإنّ ذلك يؤثّر على قراءتك للنّص وللآية، وأنّ هذا أمرٌ حدث ويحدث، وأنّ هذا واجبٌ وواقعٌ علينا أن نقبله، وأن نتأمّله ونتدبّره. وكلّ القضايا الإيمانيّة، وكلّ القضايا التعبّديّة، تنبع بنفس الطّريق ومن نفس الطّريق، والأمثلة كثيرة.
حين تنظر إلى حياتك على هذه الأرض، كيف كنت وكيف أصبحت، هل أنت هذا الطّفل الذي كان يحبو، وأنت اليوم كهلٌ على وشك أن تخرج من هذه الأرض؟ إنّك تغيّرت من حالٍ إلى حال، ومن فهمٍ إلى فهم، ومن قيامٍ إلى قيام.
وهل هذه الطّاقة التي أنت تحملها بين جنباتك، يوم تخرج من هذه الأرض، سوف تتلاشى كاملةً مع تلاشي هذا الجسد؟ أم أنّك تعلم من واقع الحياة، أنّ كلّ جمادٍ وكلّ مادّةٍ وإن تغيّرت من صورةٍ إلى صورة، فإنّها لا تفنى، وإنما تتحوّل من حالٍ إلى حال؟
وترى أمامك الكون الفسيح، فيما تراه وفيما لا تستطيع أن تراه، يؤدّي بك ذلك إلى أن تكوّن عقيدة في أنّك تسير في طريقٍ لا نهاية له، وأنّ هذه الأرض ليست هي النّهاية، وأنّك على هذه الأرض لم تُخلَق من عدم، وإنّما كانت لك من قبل بداية، وبدايتك بلا بدء، ونهايتك بلا نهاية.
ولتسأل نفسك وأنت ترى أيضاً على هذه الأرض ـ كما قلنا ـ أنّ لكلّ عملٍ نتيجة، وأنّك في حياتك خبرت ذلك، فحين أتقنت نجحت، وحين فرّطت فشلت، وحين قرّرت وصمّمت وصلت، وحين تراخيت وتكاسلت وقفت ـ فتريد أن تتعلّم، ما هو الذي يساعدك في حياتك الأخرويّة؟
فتجد أنّ هناك أموراً بالفطرة تجعلك تفعلها، وهي أنّك تتعامل بالحسنى مع النّاس، وتخدم النّاس، وتساعد النّاس، وتجد في هذا ما يجعلك تطمئنّ أنّ هذه الأفعال الخيّرة تُحسِّن وجودك، بل أنّك تجد أنّها تُحسِّن وجودك على هذه الأرض، فما تفعل من خيرٍ تجده أمامك، وإذا أسأت إلى إنسانٍ تجد هذه الإساءة ترجع إليك وتعود عليك، فتعلم أنّ حسن الخُلُق هو ما يساعدك أن تكون في حياةٍ ممتدةٍ، في حالةٍ أفضل من لو أنّك أسأت في معاملاتك مع الآخرين.
وتجد أنّك يوم تفكّر فيما تفعله وفيما تنفقه، أنّك كلّما أنفقت فيما يُحسِّنك من النّاحية المعرفيّة، وفي رعايتك لمن تعول، وفي مساعدة الآخرين ـ تشعر بأنّ هذا يساعدك معنويّاً، وأنّك يوم تنفق في لا شيء يعود بالخير عليك أو على الآخرين، فإنّك تشعر بالظّلام في وجودك. فهذا تدركه من واقعك.
وهناك أشياءٌ تقف عندها، فتقول: ماذا أفعل لو أنّي وجدت نفسي مظلمة، أنا لا أستطيع أن أغيّرها؟ فتجد لا إجابة عندك، إلّا أنّه لابدّ أن يكون هناك شيءٌ تحاوله، فتحاول بقدر ما تستطيع، ولكنّك تشعر بضعفك، هذا واقعٌ، كلّ إنسانٍ مرّ فيه.
فإذا كنت في هذه الحيرة، وإذا كنت في هذا الحال، ثم قرأت آيات الله لك، فوجدت: "... مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ..."[البقرة 62]، فكرة اليوم الآخر، "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"[آل عمران 169]، عملوا عملاً صالحاً فكانوا أحياءً.
حين تقرأ هذه الآيات وآياتٍ كثيرة في هذا المجال، سوف تجد أنّه يتوافق مع ما وصلت إليه بفكرك وعقلك، "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"[الزلزلة 8،7]، التّأثير الإيجابي والتأثير السلبي تجده واضحاً في الآيتين، "وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ"[النجم 39، 40]، "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ..."[التوبة 105]، آياتٌ تجد أنّها تتوافق مع ما وصلت إليه.
ثم تجد أيضاً، معنى أنّك إذا كنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً في تغيير نفسك ـ كما قلنا أيضاً ـ في أنّ أمامك أشياء لا تستطيع أن تغيّرها، فإنّ الحقّ يقول لك: "... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ..."، ويعلّمك أموراً تساعدك في طريقة الدّعاء، "ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"[البقرة 2، 3]، فهنا، ما كانت الصّلاة إلّا الدّعاء، والصّلاة هي كلمةٌ تعني الدّعاء أيضاً.
فحين يعلّمك رسول الله كيف تصلّي، كيف تدعو، وكيف تدعو في كلّ وقتٍ من أوقات يومك، فيعلّمك الصّلاة المنسكيّة التي تعبّر عن الدّعاء في كلّ وقتٍ وحين، وأنّك إذا شعرت بضعفك فاتّجه إلى الله بالصّلاة، إتّجه إلى الله بالدّعاء، أذكر اسم ربّك، "وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ"[الأعلى 15].
فهنا، سوف نجد أنّك يوم تقرأ الآيات، وقد جرّبت على هذه الأرض، وتأمّلت وتذكّرت ومارست، فإنّ الآيات تأتي لك مؤكّدةً على ما وصلت إليه. أمّا إذا قرأت الآيات وأنت لا تجربة لك، ولا ممارسة لك، ولا تفكير لك ـ سوف تنظر لها على أنّها أمورٌ منزّلة بلا معنى عندك، وأنّها أوامر يجب أن تُطاع بلا فهم، ويجب أن تُمارَس بلا إدراك، وتعتقد أنّ هذا هو الدّين، أن تنفّذه بلا فهم، وأن تنفّذه بلا إدراك.
فيصبح الدّين بالنّسبة لك، شيئاً لا معنى له إلّا أنّك خائف، خائفٌ من ألّا تنفّذه بظن عذابٍ مجسّدٍ لديك في صورٍ، وأنت لا تدري معنى العذاب، ولا معنى الثّواب، ولا معنى هذه الصّور، ولا معنى أيّ شيء ـ إنّما أنت آلةٌ تتحرّك بظن أشياءٍ قد لا تكون موجودةً بالصّورة التي تتخيّلها وتتجسّدها، بل أنّها بالقطع غير موجودة بهذه الصّورة التي تجسّدها، لا لشيءٍ إلّا أنّ الحقّ قال لنا.
وهو يخبرنا عن ذاته العَليّة ـ [كلّ ما جال ببالك فهو على خلاف ذلك](2) كما قال المتفقّهون ـ: "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ ..."[الإسراء 43]، وتعالى الله عن أيّ صورة، "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"[ألإخلاص 1ـ 4]، فأنت لا تستطيع أن تصف له صورةً ولا شكلاً، ولا أن تصف لعذابه صورةً أو شكلاً، ولا تصف لثوابه صورةً أو شكلاً. لذلك، حين أدرك القوم ذلك، قالوا: [إنّي أعبدك لوجهك الكريم، لا رغبةً في جنّةٍ ولا خوفاً من نار](3).
إنّهم أدركوا أنّ هذه الصّور هي معانٍ تريد أن تُوصّل للإنسان، أن يحبّ وأن يدرك أنّ وجوده واستقامته في وجوده له نتيجةٌ إيجابيّة، وأنّ تفريطه في أمر نفسه له نتيجةٌ سلبيّة. فلذلك، علينا أن نشغل أنفسنا بأن نتّجه إلى الله، وأن نقصد وجه الله، وألّا نرى أيّ صورةٍ أمامنا، ولا أيّ شكلٍ أمامنا، وإنّما نُكبِر الله عن أيّ صورةٍ أو شكل، وندرك أنّ الله أكبر دائماً.
نسأل الله: أن يوفّقنا لما فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أنّ علينا أن نُفعِّل ما أعطانا الله من طاقات، لنحدّد طريقنا على هذه الأرض، بما أعطانا من هذه القدرات، وأنّنا بذلك سوف نصل إلى أمورٍ تساعدنا في قراءة رسائل الله لنا؛ لأنّنا سوف نجد في آيات الله، ما يؤكّد ما نصل إليه بفطرتنا. وإذا لم نجد ذلك، فإنّ هذا يعني أنّنا لم نقم بواجبنا في تفعيل هذه القدرات.
ففطرة الحياة الموجودة في كلّ إنسان، مصدرها هو مصدر كلّ الرّسائل والرّسالات السّماوية، وعلينا أن نتعلّم ذلك، وأن نتعلّم أنّ الخطأ ممكن أن يكون من مفهومنا، أو من تفسيرنا للآيات التي نقرؤها. فعلينا أن نجاهد لنبحث عمّا يجعل ما نصل إليه بفطرتنا يتوافق مع ما جاء لنا في الرّسالات السّماويّة، وهذا مطلوبٌ من كل إنسان.
فإذا وجد أموراً لا يستطيع أن يوفّقها، فليسأل من هو أعلم، "... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"[النحل 43]، وإذا لم يجد من يسأل من أهل الذّكر، فليتّجه إلى الله بالدّعاء أن يعلّمه وأن يدرِّكه، وأن يكشف له، لماذا هذا التّباين بين ما يراه بفطرته وبين ما يفهمه من آياته. لا يخشى ذلك، ولا يخجل من ذلك، وإنّما يسأل الله دائماً، "... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ..."، "... وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"[ق 16] ، "... وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ..."[الحديد 4]، "... فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ..."[البقرة 115].
فاتّجهوا إلى الله دائماً بالدّعاء، ولا تستكثروا أمراً في دعائكم، فالله قادرٌ على كلّ شيء، سريع الاستجابة، وسريع التّغيير، حتّى وإن لم تشعر بهذه السّرعة، فعليك أن تواصل الدّعاء، وأن تواصل الرّجاء، فليس أمامك إلّا ذلك، "... إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ..."[يوسف 87]، فعلينا أن ندعو الله دائماً، حتّى وإن شعرنا بأنّنا في غفلةٍ، أو بأنّنا في عدم توافقٍ مع ما يردّده النّاس حولنا من أنّه أمر الله وحكم الله.
علينا ألّا نخجل من أنّنا لا نفهم، ومن أنّنا لا نعرف، فإذا خجلنا من ذلك، فلن نتعلّم. علينا أن نسأل، وعلينا أن نتّجه إلى الله بالدّعاء.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنباً إلّا غفرته، ولا همّاً إلّا فرّجته، ولا مريضاً إلّا شفيته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.             
______________ 

(1)  "الكلمةُ الحِكْمَةُ ضالَّةُ المؤمنِ، فحيثُ وجدها فهو أَحَقُّ بها". الراوي: أبو هريرة. المحدث: الترمذي. المصدر: سنن الترمذي. الصفحة أو الرقم:  2687  خلاصة حكم المحدث: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه [فيه] إبراهيم بن الفضل المدني يضعف في الحديث من قبل حفظه.

(2)  ــ "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك"، قال هذه العبارة الإمام أحمد بن حنبل وذو النون المصري وهما كانا متعاصرين، روى ذلك عن أحمد الإمام الفقيه أبو الفضل التميمي، وعن ذي النون الحافظ الخطيب البغدادي.

ــ وقال الإمام الشافعي: "المجسّم كافِـرٌّ". رواه الحافظ السيوطيُّ في كتابه الأشباهُ والنظائِرُ صحيفة 488.

ــ ومما نسب للشافعي قوله: "من انتهض لمعرفة مدبره فانتهى إلى موجود ينتهي إليه فكره فهو مشبه ومن انتهى إلى العدم الصرف فهو معطل ومن انتهى إلى موجود واعترف بعجزه عن إدراكه فهو موحد" رواه البيهقي وغيره.

(3)  من أبيات لرابعة العدوية:

جُلُّهُمْ يَعْبُدُون مِنْ خَوْفِ نَارٍ                    وَيَرَوْنَ النَّجَاةَ حَظَّاً جَزِيلا

أو بأنْ يَسْكَنُوا الجِنَانَ فَيَضْحُوا                 رِياضَاً وَيَشْرَبُوا سَلْسَبِيلا

لَيْسَ لِي بالْجِنَانِ وَالنَّارِ حَظٌ                     أَنَا لا أبتَغِي بحُبِّي بَديلا


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق