السبت، 16 نوفمبر 2019

"لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"


حديث الجمعة 
18 ربيع الأول 1441هـ الموافق 15 نوفمبر 2019م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
نحمد الله كثيرًا، ونُصلِّي ونُسلِّم على رسوله تسليما، نذكر نعمته علينا، ونذكر فضله، وكان فضله عظيما.
عباد الله: إنَّ آيات الله حدَّثتنا في ماضٍ، وتُحدِّثنا في حاضرٍ، وستحدِّثنا في مستقبلٍ. آيات الله فيها ذكرٌ وتذكيرٌ في حاضرنا، تُعلِّمنا أنَّ الإنسان على هذه الأرض في كلِّ لحظةٍ عليه أن يُحاسب نفسه، وأن يكون متيقِّظا لكلِّ ما يصدر عنه، ولكلِّ ما يُبلَّغ به.
"اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ"[الأنبياء 1]، يُذَكَّرون دائمًا ولكن لا يتذكَّرون، "مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ"[الأنبياء 2].  "ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ" قد نفهم ذلك، أنَّه ما جاء في عصر النُّبوَّة، وهذا صحيح، ولكن ما معنى هذه الآية لنا، ونحن نقرؤها اليوم، ونستمع إليها اليوم؟
ذكر الله، ماذا يعني ذكر الله؟ ماذا يعني: "ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم"؟ إنَّ الذِّكر هنا، هو العلم الدَّائم المتجدِّد، "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ  ..."[ فصلت 53]،  فذكر الله لا ينتهي، وعلم الله لا ينتهي، وكلمات الله لا تنتهي، "قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا"[الكهف 109].
وحين ينبِّهنا الحقُّ إلى ذلك: "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"[الأنبياء 10]، "ذِكْرُكُمْ" هنا، تحتاج أن نتوقَّف عندها، فحين تقرأ ماذا قال الذين يفسرون هذه الآية، سوف تجد أنَّهم فسَّروا "ذِكْرُكُمْ" بمعانٍ كثيرة، وكلٌّ أوَّلها بصورةٍ مَّا، فبعضهم قال حديثكم، وبعضهم قال شرفكم، وبعضهم قال دينكم.
"فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"، كيف يعقل الإنسان؟ حين نقول أنَّه شيءٌ معقول، هو أن يتوافق هذا الشَّيء مع ما نستحسنه، ومع المبادئ الأساسيَّة التي نتَّفق عليها، والتي تُؤدِّي إلى هذا الشَّيء المعقول، إنَّه الشَّيء الذي يتَّفق مع العلم والمعرفة، مع الإدراك والفهم، مع أسباب الحياة التي عَلِمناها، مع القيم التي عشناها، مع الأفضل والأحسن الذي تَعلَّمناه والذي هو موجودٌ في وجداننا وفي ضمائرنا، ما تستريح له قلوبنا، وما تستريح له عقولنا.
"فِيهِ ذِكْرُكُمْ"، فيه علمكم، فيه ما تعقلون، فيه ما ترتضون، فيه ما يُصلِحكم، فيه ما يُطوِّركم، فيه ما يجمعكم، فيه ما فطرناكم عليه وما أوجدناكم فيه، "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ"[الذاريات 21]، أنظروا إلى داخلكم، ستجدون كتاب الله، "فِيهِ ذِكْرُكُمْ"، فيه حياتكم، فيه نجاتكم.
إنَّا حين نتكلَّم عن كيف نُحسِّن من خطابنا عن ديننا، ومن تعريفنا عن ديننا، لا يكون ذلك بترديد كلام السَّابقين فقط، فهناك كثيرٌ من هذا الكلام وهذا الحديث يعكس واقعًا مختلفًا كان، وعلمًا مرتبطًا بأوانه وزمانه ومكانه، علمًا مرتبطًا بقديمٍ كان، ونحن نعلم ما في التُّراث من أمورٍ كثيرةٍ دُسَّت واختُلِقَت لأسبابٍ سياسيَّة، واجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وعِرقيَّة، ونفسيَّة، وأشياء كثيرة أخرى.
وقد بنى السَّابقون كثيرًا آراءهم على ما عرفوه في وقتهم، وما ظنُّوا فيه أنَّه من مصدرٍ حقِّيّ من حديثٍ لرسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، أو من سيرته، أو من صحابته، وأحسنوا بصحابته الظنَّ، مع أنَّ الكثيرين يعلمون أو يفتون أنَّ كلَّ إنسانٍ أيَّا كانت صلة قُربه، أو صحابته، أو اتِّباعه، ما يقوله هو رأيٌ يُردُّ عليه، وكثيرٌ ممَّا يُردَّد اليوم هو ترديدٌ لآراءٍ، وليس لأنَّ مصدره مُنْزَلٌ أو مُقدَّسٌ.
حتَّى التَّنزيل المُقدَّس، فإنَّه يُقرأ بقراءاتٍ كثيرة وبمفاهيم كثيرة، وهذا ليس شيئًا سيِّئًا، إنَّما هو يفتح المجال لأن نتفهَّم معنى: "كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ"، فيه علمكم، فيه ما تستحسنون وما تحبُّون، وما تجدون فيه أنَّه الأفضل والأقوم والأحسن، فافهموه كذلك، واقرؤوه كذلك، لا تقرؤوه بعيدًا عن ضمائركم، وعن قلوبكم، وعن عقولكم، اقرأوه قريبًا من قلوبكم، ومن عقولكم، ومن ضمائركم، ومن أحاسيسكم.
إذا قرأتم أيَّ آيةٍ قد تظنُّون فيها أنَّها دعوةٌ إلى كراهية، فلا تقرؤوها كذلك، وإنما اقرؤوها بما فيها من حبٍّ، ومعرفةٍ، وإدراكٍ، وتعاطفٍ. حين يقرأ البعض: "وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ..."[البقرة 120]، يقرؤوها قراءة كراهية، والدِّين لا يدعو إلى الكراهية، بل أنَّ آياتٍ كثيرةٍ أخرى في أهل الكتاب تقول: "لَيْسُوا سَوَاءً ..."[أل عمران 113].
بل أنَّ الرَّسول ـ عليه الصَّلاة والسَّلام ـ حين دخل المدينة وكتب أوَّل دستورٍ في التَّاريخ، الذي يُوضِّح الحقوق والواجبات، وكان في المدينة اليهود، عاملهم بأنَّ: [لهم ما لنا وعليهم ما علينا](1)، فالمعاملة هي معاملة إنسانٍ لإنسان، ليست هناك كراهيةٌ لأيِّ كائنٍ كان.
إنَّما هذا واقعٌ، النَّاس كذلك، يتعصَّبون لدينهم، ويتعصَّبون لظنِّهم بأنَّ هذا هو الحقُّ، فيدعون الكلَّ لاتِّباع ملَّتهم، وأنت تدعو النَّاس أيضًا أن يتَّبعوا ملَّتك. الدَّعوة هنا، يجب أن تكون تذكيرًا بالذي هو أحسن والذي هو أفضل، "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ..." [أل عمران 64]. 
هم يدعون ويطلبون ويقولون، فليقولوا، ونحن نقول، وليكن هدفنا أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا".
هل إذا استمعنا إلى مثل هذه الآية، نقتلهم، نحاربهم، أم أنَّنا ندعوهم إلى الكلمة السَّواء، لا بأن يُغيِّروا دينهم، أو ما هم عليه، وإنَّما "إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ"، "أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ"، أي لا يفرض فريقٌ على الفريق الآخر رأية، أو اعتقاده. نقول دائمًا: أنَّ كلَّ ما جاء هو من عند الله، وأنَّنا جميعًا نتَّجه إلى الله، وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ".
لا يدعو ذلك ـ لو فهمناه بحقٍّ ـ إلى كراهيةٍ أو إلى قتالٍ أو إلى كلِّ هذه الأمور التي تؤدِّي بنا في النِّهاية أن نكون قَتَلَة، نقتل من نظنُّ أنَّه كافرٌ بالظنِّ، بالوصف، بالكلمة، ونحن لا نعرف ماذا يعني الكافر بالمعنى المطلق.
إنَّ النَّاس جميعًا يدخلون حروبًا، وهي أمرٌ خاطئٌ، وكلُّ فريقٍ بالنِّسبة للآخر هو كافرٌ، فالذين يتحاربون هم كُفَّار، كلٌّ يُكفِّر الآخر، ليس تكفيرًا بمعنى تكفيرٍ دينيّ فقط، وإنَّما يظنُّ أنَّ الحقَّ معه، وأنَّ هذه الأرض ملكه، وأنَّ عليه أن يقاتل من أجلها، وهكذا هذا يحدث.
فإذا جاءت الآيات التي تتحدَّث عن هذا الجهاد البدنيّ الحربيّ، فهو ليس لسببٍ دينيّ أو عقائديّ، وإنَّما هو دفاعٌ عن أرضٍ، وعن نفسٍ، وعن حريَّةٍ، ليس غير ذلك. "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ..." [البقرة 216]، "وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ..." [البقرة 216].
إذًا، فأيُّ قتالٍ، وأيُّ آياتٍ تتحدَّث عن قتالٍ، فهي تتحدَّث عن واقعٍ بشريٍّ يحدث نتيجة اختلاف وجهات نظرٍ، أو إحساسٍ بملكيَّةٍ أو بمصلحةٍ أو بواقعٍ يُحتِّم ذلك، وليس لأنَّ هذا يعتقد أمرًا غير ما أعتقد فأقتله، لا توجد آيةٌ بمثل هذا المعنى.
فإذا كان البعض وهم يحاولون أن يُحسِّنوا الخطاب الدِّينيّ، أو أن يطلبوا مثلًا ألَّا تُدرَّس مثل هذه الآيات، هذا خطأٌ، إنَّما الصَّحيح هو أن يُوضَّح معناها بالمعنى الذي ليس فيه اعتداءٌ على أيِّ إنسانٍ لسببٍ دينيّ، أو عقائديّ، أو جنسٍ مختلف، أو عرقٍ مختلف، أو أيِّ صورةٍ من الصُّور التي رأيناها في التَّاريخ، التي تحدث فيها حروب إبادة لجنسٍ، أو لعرقٍ، أو لدينٍ ـ فكلُّها حروبٌ لا تقوم على أساسٍ صحيح.
طبيعة البشر، أنَّه قد يحدث مثل هذه الحروب، ولكن الأفضل أن يُسوِّي النَّاس بعضهم ببعض مشاكلهم بالتَّفاهم، والتَّفاوض، والسَّلام، والفهم، والإدراك للحقائق، والتَّحكيم بينهم من أناسٍ عقلاء، وهذا ما جنحت إليه البشريَّة، وتجنح دائمًا، وتحاول بما فيها من ذكرٍ، "فِيهِ ذِكْرُكُمْ"، أن تفعل ذلك.
نحن نضرب هذه الأمثلة، لا نتكلَّم عن موضوعٍ بذاته اليوم، وإنَّما نضرب هذه الأمثلة لنُوضِّح معنى: "كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ"، وأنَّ قراءة الآيات يجب أن تنبع من ذلك.
ولكن للأسف، فإنَّ هذه الرُّؤية رغم وضوحها، ورغم بساطتها، ورغم أنَّها تحلُّ كثيرًا من الإشكالات، إلَّا أنَّنا لا نزال نرى البعض متمسِّكًا برؤيةٍ قديمةٍ حرفيَّة، يُكرِّر كلامًا لا يفهمه، ويقول كلامًا لا يدركه، ويظنُّ بذلك أنَّه يدافع عن الدِّين، وأنَّ الدِّين سوف يُهدَم إذا لم يُنفَّذ ما يراه السَّابقون، وما قاله بعض المُفسِّرين، أو بعض المنظِّرين، أو بعض الذين يتصوَّرون أنَّ الدِّين بشكله الذي فهموه من كتاب الله، وسُنَّة رسول الله، ومن المتابعين الذين فسَّروا في عصورٍ قديمة ـ يجب أن يُنفَّذ كما فهمه السَّابقون، كما فهمه السَّلف، كما فهمه الصَّحابة، كما فهمه التَّابعون، كما فهمه تابعو التَّابعين، إلى لحظةٍ يقفون عندها ولا يتحرَّكون منها، وهذا ما أدَّى بنا إلى ما نحن عليه اليوم، نريد أن نُكرِّر السَّابق دون فهمٍ ودون وعي.   
"مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ"، لا يريدون هذا المُحدَث، يريدون قديمًا، يريدون كلامًا يردِّدونه كما ردَّده السَّابقون، لا يريدون تغييرًا، لا يريدون إصلاحًا، لا يريدون أن يُعمِلوا عقولهم وأن يتدبَّروا أمرهم، وأن ينظروا نظرةً عميقةً إلى دينهم، هذا هو حالنا؛ لأنَّنا لا نريد أن يكون كتابنا هو ذِكرنا.
نسأل الله: أن يرفع الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نُوضِّحه اليوم: هي قضيَّةٌ أساسيَّة في قراءتنا لكتابنا ولقرآننا، وهي أن نقرأه بما أودع الله فينا من نعمته، ومن رحمته، ومن عقلٍ، ومن إحساسٍ، ومن ضميرٍ، ومن محبَّةٍ، ومن تعاطفٍ، ومن سلامٍ، ومن خيرٍ، وحبٍّ للخير لنا وللبشريَّة جمعاء.
لا نقرؤه كتابًا طائفيًّا مُتعصِّبًا، لا نقرؤه كتابًا يدعو إلى أمورٍ ليست موجودةً في ضمائرنا، ولا في عقلنا الجمعيّ، ولا إحساسنا الفطريّ، فهو كتابٌ فيه ذكرنا، فيه علمنا، فيه فطرتنا، فيه ما عَلَّم الله آدم من أسماء، ونحن أبناء آدم، تَعلَّمنا هذه الأسماء في وُجداننا، وفي أرواحنا، وفي نفوسنا، وفي عقولنا، وفي قلوبنا.
قد يغفل البعض منَّا عن هذه الأسماء فيه، لا يُحاسبون أنفسهم، ولا يُميِّزون بين الطَّيِّب والخبيث فيهم، "اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ"، وحسابهم هنا هو أنَّهم أُعطُوا القدرة أن يحاسبوا أنفسهم، "بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"[القيامة 14]، قدرتهم على محاسبة أنفسهم قريبةٌ جدًّا منهم؛ لأنَّها في وجودهم، هم غافلون عن هذا المعنى في وجودهم، هم مُعرِضون عن هذا المعنى في وجودهم، لا يريدون أن يُوقِظوا هذا المعنى في وجدانهم، كلَّما وجدوا في أنفسهم عيبًا تركوه ولم يلتفتوا إليه، وأغمضوا عيونهم عنه، لا يريدون أن يحاسبوا أنفسهم، وكلَّما ذُكِّروا بذكرٍ مُحدثٍ لم يسمعوه وابتعدوا عنه لاعبين.
هكذا تُحدِّثنا الآيات، ولكنَّنا لا نقرؤها، نقرؤها كتاريخٍ قديم، حدث، قِيل. كيف نقرؤه اليوم؟ لا نقرؤه اليوم. كيف نستفيد منه اليوم؟ لا نستفيد منه اليوم.
لذلك، فإنَّا نُذكِّر أنفسنا دائمًا، بأن نقرأ كتابنا وقرآننا بقلوبنا، وعقولنا، وأحاسيسنا، وبمعنى المحبَّة فينا التي أودع الله بنا، وبمعنى الأفضل الذي أوجد الله في ضمائرنا، وبمعنى الخير للنَّاس جميعا، بمعنى الخير الذي فطرنا الله عليه.
هكذا نسأل الله: أن نكون، وأن نتعلَّم، وأن نكون أهلًا لرحمته، وأهلًا دائمًا لعلمه وحكمته، وأن نحاسب أنفسنا دائمًا، وأن نرجع إلى الله دائمًا، وأن نستغفر الله دائمًا، نستغفر الله كثيرًا، ونعوذ برحمته، ونعوذ بمغفرته، نتَّجه إلىه، ونتوكَّل دائمًا عليه.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نلجأ إليك، ونقترَّب إليك، وندعوك في كلِّ دعاء، ونرجوك في كلِّ رجاء، ونطلبك في كلِّ طلب، ونسألك في كلِّ سؤال.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همَّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً فيها رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.

____________________

(1) بنود المعاهدة (الوثيقة) التي عقدها الرسول مع يهود المدينة في العام الأول للهجرة:

1- إن يهود بني عوف أُمَّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم.  2- وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏. 3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏. 4- وإن بينهم النُّصح والنصيحة، والبرَّ دون الإثم‏.  5- وإنه لا يأثم امرؤُ بحليفه‏. 6- وإن النصر للمظلوم‏. 7- وإن اليهود يُنفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏. 8- وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏. 9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مردَّه إلى الله –عز وجل، وإلى محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم‏. 10- وإنه لا تُجَارُ قريشٌ ولا مَنْ نَصَرَهَا‏. 11- وإن بينهم النصر على من دهم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قِبَلَهُمْ‏. 12-  وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‏.

وقد اختلف العلماء والمؤرخون على هذه الوثيقة ومدى صحَّتها؛ فأثبتها البعض ونفاها آخرون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق