حديث الجمعة
11 رجب 1441هـ الموافق 6 مارس 2020م
11 رجب 1441هـ الموافق 6 مارس 2020م
السيد/
علي رافع
حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله.
"الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا
كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ".
عباد الله: يا من تسألون الله وتتَّجهون إلى الله، حديث
الحقِّ يخاطبكم دائمًا ليُبيِّن لكم قانون الحياة، وليجيب على تساؤلاتكم وعلى ما
فيه تختلفون.
فإذا تساءلتم عن ماهيَّة وجودكم، يجيبكم: "وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ".
وإذا تساءلتم عن كيف تحاورون وتخاطبون من يختلف معكم،
أجابكم: "تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ
نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا
بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ".
وإذا تساءلتم وماذا نفعل إن اختلف معنا الآخرون، واتَّخذوا
أربابًا من دون الله، فيقول لكم: "اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ".
وإذا تساءلتم عن علاقة إرادتكم بإرادة الله، فيقول لكم: "مَّا
أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ"،
"قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ".
وإذا تساءلتم عن الذين يدعونكم إلى طريقٍ ما، ثم اكتشفتم
أن هذا الطَّريق لا يُؤدِّي إلى الحقِّ، وأردتم أن تتبرَّؤوا من ذلك بعلَّة أنَّكم
اتَّبعتم من دعوكم، يخاطبكم ويعلِّمكم: "إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ
اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ".
ويعلِّمكم أنَّ الشَّيطان إذا دعاكم فسوف يتبرَّأ منكم
أيضًا بقوله: "مَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن
دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم".
وإذا تساءلتم هل نستوي مع الذين يعلمون أكثر منَّا، نحن
جاهلون ولا نعلم الكثير، ماذا نفعل؟ فيجيبكم: "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا
إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ".
وإذا تساءلتم لقد أسرفنا في أمر أنفسنا، فماذا نفعل، إنَّنا
لا نستطيع أن نخرج من هذا الظَّلام الذي أوجدنا أنفسنا فيه، ولقد يئسنا من أن نتَّبع
طريق الحقِّ، فيخاطبكم: "يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا".
كلُّ إجابةٍ من هذه الإجابات هي قضيَّةٌ تحتاج إلى تفسيرٍ،
وإلى إيضاحٍ، وإلى فهمٍ، وإلى سلوكٍ في الحياة، ليتوافق عملك مع مفهومك، فتكون
مسلمًا لقانون الحياة، وتكون طائعًا لله.
ونحن حين نتكلَّم عن الله فإنَّنا نقصد دائمًا قانونه
وأسبابه؛ لأنَّ الله كمطلقٍ لا نستطيع أن نحيط به، ولا نستطيع أن نعرف إرادته، ولا
نستطيع أن نعرف حكمه، لا نستطيع أن نرى إلَّا حكمه في وجودنا وفي أرضنا، وفي
القوانين التي سَنَّ لنا المشهودة على أرضنا، هي آلاؤه وهي وجهه، أُمِرنا ألَّا نُفكِّر
في ذات الله ولكن نُفكِّر في آلاء الله(1).
لذلك، فحين نقول أنَّ الله أراد ذلك، فإرادته في الكون
وما يحدث في الكون، هي ما نراه، فنحن نرى ظاهر إرادته فيما أوجد، وفيما خلق، وفيما
سَنَّ، وفيما أحدث، وفيما يُحدِث، في كلِّ ما يجري من أمورٍ على هذه الأرض. وما
يجري على هذه الأرض في كلِّ حالٍ، هو ما نستطيع أن نتعامل معه، وما نستطيع أن نقوم
به نحن من أفعالٍ، هي ما نستطيع أن نقوم به تجاه كلِّ هذه الأمور.
فإرادتنا هي واقع إرادة الله فيما أراد، وإرادة الآخرين
أيضًا هي إرادة الله فيما أراد، ولذلك فحين نسلك، فنحن لا ننظر إلى المطلق، وإنَّما
ننظر إلى واقعنا، وإلى حياتنا، وإلى ما نعتقد أنَّه الخير، وإلى ما نعتقد أنَّه الصَّواب،
وهذا هو الذي يُحرِّكنا، وهو الذي يدفعنا.
"إِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ"، وما خُلِقتم إلَّا
لهذا، "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، فيعبدون
هنا هي ما تفعلون، وما به تقومون، وما تتَّخذون من قراراتٍ في حياتكم، وفي وجودكم،
وفي سلوككم، إنَّها كلَّها عبادةٌ لله.
خَلَقكم لتتفاعلوا مع هذا الكون، فتُغيِّروا وتتغيَّروا،
فتُصلِحوا وتُصلَحوا، تُعلِّموا وتتعلَّموا، تصنعوا، وتزرعوا، وتحصدوا، ولنتائج
أعمالكم تُحصِّلوا، فبها تعيشون، وتكافحون، وتجاهدون، وتتحابُّون وقد تتصارعون،
تجتمعون وتفترقون، تتواصون وقد تختلفون، فإذا اختلفتم فلترجعوا إلى عقولكم، وإلى
ما ترون فيه صالح وجودكم، حتَّى تجتمعوا على أمرٍ بينكم به تُصلِحون مجتمعكم وتُغيِّرونه
إلى الأفضل في حياتكم.
كلُّ النَّاس مثلكم، مهما اختلفت دياناتهم، أو أعراقهم،
أو أجناسهم، أو حضاراتهم، أو ثقافاتهم، هم فيهم معنى الإنسان، وعندهم نفس الكفاءات
والإمكانات في وجودهم، فلا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلَّا بالتَّقوى(2).
مهما اعتقدوا في أمورٍ غيبيَّة، فلا يجب أن نختلف على
أمورٍ غيبيَّة؛ لأنَّ الأمور الغيبيَّة لا يُختَلف عليها، وإنَّما نتَّجه إلى
الكلمة السَّواء، الكلمة السَّواء هي الإصلاح في الأرض، كيف نعيش أفضل، وكيف نُغيِّر
حياتنا إلى الأفضل، أفضل مادِّيًّا وروحيًّا ومعنويًّا، هذا ما نتعلَّمه في آيات الحقِّ
لنا، وهي تُعلِّمنا الكلمة السَّواء.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون أهلًا لعلمه وحكمته، وأهلًا
لفضله، ونعمته، وجوده، وكرمه، ومغفرته.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول
الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نُوضِّحه اليوم: أنَّ كثيرًا من
التَّساؤلات التي نطرحها، إجاباتها موجودةٌ في آيات الله لنا لو قرأناها قراءةً
صحيحة بقلوبٍ طاهرة وبعقولٍ مستقبلة، وأنَّنا في حاجةٍ إلى أن نتفكَّر أكثر في كلِّ
إجابةٍ، وفي كلِّ آيةٍ، فلها أبعادٌ كثيرة، ومتَّصلةٌ بقضايا أخرى. ولكنَّنا في
هذا الحديث ضربنا أمثالًا فقط لبعض هذه التَّساؤلات، ولبعض الآيات التي تجيب عليها
حتَّى نُوضِّح هذه القضيَّة.
واجبٌ علينا أن نتعمَّق أكثر في قراءاتنا حتى تستقرَّ
الإجابات في قلوبنا، وترسخ في أرواحنا وفي عقولنا، فتكون جزءًا من حياتنا، وجزءًا
من سلوكنا، فلا ندور في حلقاتٍ مفرغة من تساؤلاتٍ وتساؤلات، وإنَّما تصبح الإجابات
راسخةً عندنا في وجداننا وفي عقولنا، وتكون بذرةً لأن تنمو معارفنا أكثر، ولتتَّضح
الرُّؤى أكثر لقضيَّة وجودنا على أرضنا.
نسأل الله: أن يساعدنا وأن يعيننا أن نكون أكثر استقبالًا
لحديث الله لنا، ولآياته التي خاطبنا بها، ويخاطبنا بها، وسيخاطبنا بها في دوام.
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتَّجه إليك، ونتوكَّل
عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن أرضنا، وعن بلدنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين،
عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل
باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم ألِّف بين قلوبنا، اللهم احيي قلوبنا.
اللهم طهِّر أرواحنا، اللهم زكِّ نفوسنا.
اللهم اجعلنا في طريقك سالكين، لوجهك قاصدين، معك
متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا،
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
___________________