- المؤلف: هالة دياب
كانت حياتي قبل دخول الطريق صراعا مع نفسي ومع من يحيطون بي. كنت أشعر دائما بعدم الراحة النفسية، وأعاني فترات طويلة من الاكتئاب. كان هناك شئ ما داخلي لا أعرفه مما جعلني أعتقد إنني مريضة نفسية. كان كل أملي أن أجد طبيبا نفسيا بمواصفات خاصة جدا. كنت أبحث عن طبيب يصحبني ليل نهار، ويستطيع أن يعلم ما بداخلي دون أن أتكلم، فأين لي بمثل هذا الطبيب! لم أكن أعرف لماذا كنت أشعر دائما، رغم أنني أم، بأنني طفلة يجتاحها الحنين إلى صدر أمها يضمها ويحتويها. عرفت الآن فقط أنه لم يكن حنينا للأم التي في دنيانا إنما كان حنينا لضمة ربي لي ضمة أبدية. وعرفت أيضا لماذا كانت تنتابني حالات الاكتئاب والضيق، ولماذا كان الصراع مع نفسي ومن حولي.
برغم يقيني بأن الإسلام دين حق وجمال تهدي تعاليمه إلى كل ما هو جميل، وبرغم التزامي الشديد بتعاليمه ومحاولتي الدائمة للقيام فيها على أكمل وجه، فإن مفاهيمي وسلوكي طبقا لما أفهمه لم يكن يساعدني على التخلص من متاعبي النفسية، بل بالعكس فإنه كان يدخلني في دائرة من المتناقضات لا أعرف لها مخرجا. كان فهمي مثلا أن الآخرة شئ والدنيا شئ آخر، لا أعرف كيف يلتقيان، إذا أديت الصلاة يوما وشعرت بها اعتقدت إنني إنسانة جيدة، فإذا ما عدت للحياة اليومية ومتطلباتها وشهواتها أشعر إنني بعيدة تماما عن الدين، وأشعر بالنفاق داخلي، ولا أعلم إلى أي جانب أنتمي، أقول في نفسي: كيف أصلي ثانية وقد فعلت كذا وكذا!
كنت أسيرة فهم بأن الدين مجموعة من المفاهيم والصور المحددة للسلوك، فهناك مفهوم محدد مثلا من جانب البعض أن الدين يقول إن المرأة مكانها البيت، مما جعلني أترك عملي كطبيبة وأنا أحبه، وأقرر ألا أعمل ثانية التزاما بما كنت أظنه رأي الدين. كنت أدعو كل النساء حولي بكل حماس ليفعلن نفس الشيء، وفي نفس الوقت كان داخلي يقتنع تماما أن هناك من الوظائف لا تصلح لها إلا المرأة، وأشعر أن طاقتي العلمية التي أستطيع أن أنفع بها الآخرين معطلة دون سبب واقعي أقتنع به فعلا. لم أكن أعرف كيف أجد ما يزيل هذا التناقض بين ما أشعره وأعقله وبين ما يقوله، أو أظن أن الدين يقوله!
زال التناقض من نفسي حين علمني الطريق أن الصواب في أي أمر ليس صورة واحدة جامدة تطبق في كل الظروف وإنما "منهج" في التفكير والتقدير أساسه طلب الاستقامة والتفاعل مع الواقع والبحث عن الأفضل في هذا الواقع واتباعه، وأن الإنسان عليه أن يخوض التجربة ويتعلم منها ليكتسب دائما معان ومفاهيم جديدة، والمطلوب دائما أن يجاهد الإنسان ليرى الحق ويتفاعل معه. وبعد أن كنت أفرض على نفسي البقاء بالبيت وترك العمل لمجرد أن هذا هو الصواب الأوحد ومهما شعرت أن طاقتي معطلة، قررت العودة إلى العمل بفهم وإحساس جديد، وبدأت أشعر أن علاقتي بزوجي تتحسن بعد أن كانت متناقضات حياتي من قبل تنعكس على علاقتنا وتجعلني أسئ معاملته.
حين فهمت كيف أحاول أن أجعل كل شئ يمر بي في الحياة وسيلة لتعليمي معنى جديدا، بدأت تختلف رؤيتي لما يمر بي من أحداث، أفرح لما يفرح وأتألم لما يؤلم لكن أتذكر دوما وأدرك أن الهدف ليس أن نفرح أو نحزن، فقد وجدت هدفا محوريا لحياتي وأي هدف! هدفي الحياة .. هدفي رسول الله.. ولأن الهدف هو كل شئ فالسبيل إليه ليس سهلا يحتاج إلى جهاد شاق، يهون بعون الله ورسوله.
لمست هذا العون لي بقوة في حدث جلل مر بي وهو انتقال أخي الذي يصغرني بعامين في حادث.لقد كان مجرد التفكير في أن يصيب أي فرد في أسرتنا المتحابة أي مكروه أمرا شاقا لا نحتمله، فإذا بي حين سمعت الخبر أشعرت أن حجرا ضخما وقع على رأسي، ثم أتماسك سريعا، وأرفض الإحساس الذي كان عندي من قبل عن الموت، أبكي قليلا ثم يطمئن قلبي وقد شعرت أن أخي بوجهه البشوش المبتسم ليس هذا الجسد الذي توارى في التراب، إنما هو روح ترقى وارتفع وأخذه الله إلى جواره. شعرت أن القوة الروحية التي استمددتها من صلاتي وتسبيحي كانت رحمة ربي بي التي ساعدتني على تحمل الحدث الجلل، فأردت أن أتعامل مع أولادي بلمحة من الرحمة التي أحاطني بها ربي، وأحاول أن أنقل لهم الخبر بالتدريج وبالاطمئنان حتى لا أزرع في قلوبهم مفهومنا القديم عن الموت وهو المفهوم الذي يرتبط بكثير من الهلع والرعب.
تعلمت أن الإنسان معرض دائما لفترات من موجات الظلام وموجات النور، وأن الشيء الأساسي في كل وقت وحين هو أن يذكر نفسه دوما بالارتباط بأصله الروحي. تعلمت أو فهمت وتذوقت أن رسول الله (صلعم) "معنى" قبل أن يكون إنسانا مثلنا، معنى يتسع لكل زمان ومكان، معنى يضم كل إنسان. إنه معنى داخلنا علينا أن نجاهد لنحييه، حتى نراه وفيه نفنى، وبه نعيش، تصالحت نفسى مع نفسى حين علمنى الطريق أن الدنيا هي مفتاح الآخرة، وأن الدين كله يعاش من خلال أي عمل ولو بسيط لو كان الهدف منه وجه الله، وحتى يحقق الإنسان ذلك فأمامه طريق طويل من الجهاد، جهاد يخوضه بالحب وبالفهم، جهاد يرتبط فيه روحيا وقلبيا مع معنى أعلى فيقوي داخله ويحميه من أن يأكله الظلام. فهمت أنني طالما أنا موجودة على الأرض فأنا معرضة للخطأ ولكن هذا الخطأ ليس ليحزنني ولكن ليعلمني.
برغم يقيني بأن الإسلام دين حق وجمال تهدي تعاليمه إلى كل ما هو جميل، وبرغم التزامي الشديد بتعاليمه ومحاولتي الدائمة للقيام فيها على أكمل وجه، فإن مفاهيمي وسلوكي طبقا لما أفهمه لم يكن يساعدني على التخلص من متاعبي النفسية، بل بالعكس فإنه كان يدخلني في دائرة من المتناقضات لا أعرف لها مخرجا. كان فهمي مثلا أن الآخرة شئ والدنيا شئ آخر، لا أعرف كيف يلتقيان، إذا أديت الصلاة يوما وشعرت بها اعتقدت إنني إنسانة جيدة، فإذا ما عدت للحياة اليومية ومتطلباتها وشهواتها أشعر إنني بعيدة تماما عن الدين، وأشعر بالنفاق داخلي، ولا أعلم إلى أي جانب أنتمي، أقول في نفسي: كيف أصلي ثانية وقد فعلت كذا وكذا!
كنت أسيرة فهم بأن الدين مجموعة من المفاهيم والصور المحددة للسلوك، فهناك مفهوم محدد مثلا من جانب البعض أن الدين يقول إن المرأة مكانها البيت، مما جعلني أترك عملي كطبيبة وأنا أحبه، وأقرر ألا أعمل ثانية التزاما بما كنت أظنه رأي الدين. كنت أدعو كل النساء حولي بكل حماس ليفعلن نفس الشيء، وفي نفس الوقت كان داخلي يقتنع تماما أن هناك من الوظائف لا تصلح لها إلا المرأة، وأشعر أن طاقتي العلمية التي أستطيع أن أنفع بها الآخرين معطلة دون سبب واقعي أقتنع به فعلا. لم أكن أعرف كيف أجد ما يزيل هذا التناقض بين ما أشعره وأعقله وبين ما يقوله، أو أظن أن الدين يقوله!
زال التناقض من نفسي حين علمني الطريق أن الصواب في أي أمر ليس صورة واحدة جامدة تطبق في كل الظروف وإنما "منهج" في التفكير والتقدير أساسه طلب الاستقامة والتفاعل مع الواقع والبحث عن الأفضل في هذا الواقع واتباعه، وأن الإنسان عليه أن يخوض التجربة ويتعلم منها ليكتسب دائما معان ومفاهيم جديدة، والمطلوب دائما أن يجاهد الإنسان ليرى الحق ويتفاعل معه. وبعد أن كنت أفرض على نفسي البقاء بالبيت وترك العمل لمجرد أن هذا هو الصواب الأوحد ومهما شعرت أن طاقتي معطلة، قررت العودة إلى العمل بفهم وإحساس جديد، وبدأت أشعر أن علاقتي بزوجي تتحسن بعد أن كانت متناقضات حياتي من قبل تنعكس على علاقتنا وتجعلني أسئ معاملته.
حين فهمت كيف أحاول أن أجعل كل شئ يمر بي في الحياة وسيلة لتعليمي معنى جديدا، بدأت تختلف رؤيتي لما يمر بي من أحداث، أفرح لما يفرح وأتألم لما يؤلم لكن أتذكر دوما وأدرك أن الهدف ليس أن نفرح أو نحزن، فقد وجدت هدفا محوريا لحياتي وأي هدف! هدفي الحياة .. هدفي رسول الله.. ولأن الهدف هو كل شئ فالسبيل إليه ليس سهلا يحتاج إلى جهاد شاق، يهون بعون الله ورسوله.
لمست هذا العون لي بقوة في حدث جلل مر بي وهو انتقال أخي الذي يصغرني بعامين في حادث.لقد كان مجرد التفكير في أن يصيب أي فرد في أسرتنا المتحابة أي مكروه أمرا شاقا لا نحتمله، فإذا بي حين سمعت الخبر أشعرت أن حجرا ضخما وقع على رأسي، ثم أتماسك سريعا، وأرفض الإحساس الذي كان عندي من قبل عن الموت، أبكي قليلا ثم يطمئن قلبي وقد شعرت أن أخي بوجهه البشوش المبتسم ليس هذا الجسد الذي توارى في التراب، إنما هو روح ترقى وارتفع وأخذه الله إلى جواره. شعرت أن القوة الروحية التي استمددتها من صلاتي وتسبيحي كانت رحمة ربي بي التي ساعدتني على تحمل الحدث الجلل، فأردت أن أتعامل مع أولادي بلمحة من الرحمة التي أحاطني بها ربي، وأحاول أن أنقل لهم الخبر بالتدريج وبالاطمئنان حتى لا أزرع في قلوبهم مفهومنا القديم عن الموت وهو المفهوم الذي يرتبط بكثير من الهلع والرعب.
تعلمت أن الإنسان معرض دائما لفترات من موجات الظلام وموجات النور، وأن الشيء الأساسي في كل وقت وحين هو أن يذكر نفسه دوما بالارتباط بأصله الروحي. تعلمت أو فهمت وتذوقت أن رسول الله (صلعم) "معنى" قبل أن يكون إنسانا مثلنا، معنى يتسع لكل زمان ومكان، معنى يضم كل إنسان. إنه معنى داخلنا علينا أن نجاهد لنحييه، حتى نراه وفيه نفنى، وبه نعيش، تصالحت نفسى مع نفسى حين علمنى الطريق أن الدنيا هي مفتاح الآخرة، وأن الدين كله يعاش من خلال أي عمل ولو بسيط لو كان الهدف منه وجه الله، وحتى يحقق الإنسان ذلك فأمامه طريق طويل من الجهاد، جهاد يخوضه بالحب وبالفهم، جهاد يرتبط فيه روحيا وقلبيا مع معنى أعلى فيقوي داخله ويحميه من أن يأكله الظلام. فهمت أنني طالما أنا موجودة على الأرض فأنا معرضة للخطأ ولكن هذا الخطأ ليس ليحزنني ولكن ليعلمني.