- من خطبة الجمعة:29 أكتوبر 1999م 20 رجب 1420هـ
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير(الإسراء 17: 1)"أسرى بعبده".. فالشرط الأول هو أن يكون الإنسان عبدا لله، أعدّ وجوده لرحمة الله ولاصطفاء الله، وأن يكون في المسجد الحرام.. في رحاب المسجد الحرام.. في ظل المسجد الحرام الذي يمثل بيت الله على هذه الأرض.. رحمة الله على هذه الأرض.. قبلة الله على هذه الأرض. من هنا نرى الارتباط الوثيق بين العبودية لله، وبين أن يكون الإنسان مشمولا برحمة الله التي يمثلها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه..
"مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك" (حديث شريف أخرجه الحاكم)
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (آل عمران 3: 31)
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما(النساء 4: 65)كما عبر القوم عن فهمهم بقولهم "فكان غيبا من غيبك وبدلا من سر ربوبيتك حتى صار بذلك مظهرا نستدل به عليك" (من أذكار السيد أبي الحسن الشاذلي). فالإنسان مطالب بأن يعدَّ نفسه لرحمة الله، وهذا هو معنى العبودية لله، وأن يكون في كنف رسول الله ،وهذا معنى أن يكون في المسجد الحرام. بهذا يكتمل إعداده، ويكون بذلك أهلا للإسراء. والإسراء كرمز.. يرمز إلى واقع.. يرمز إلى حقيقة. الإسراء هو أن يأخذ الله بيد الإنسان- الذي هو عبده- من المسجد الحرام ليجعله في المسجد الأقصى.. يجعله في أقصى وجود له على هذه الأرض، وفي أقصى كسب له على هذه الأرض، يخرجه من الظلمات إلى النور..
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم.. (الفتح 48: 10)
الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور(البقرة 2: 257)وهو بانتقاله إنما ينتقل إلى مقام أعلى، ولكن لا ينسى أبدا أن المسجد الحرام هو قبلته، وهو اتجاهه الذي يتجه إليه، فإذا قام وصلى وهو في أقصى وجود له فهو يتجه إلى المسجد الحرام. إنه يعلم أنه هو قبلته، وأنه هو الذي - بقربه إليه - رفعه الله إلى ما رفعه إليه، ولا ينسى أن هذا المسجد الحرام سيظل دائما وأبدا هو ملاذه، وهو وجهته، وهو قبلته، وهو الرحمة التي يستظل بها والرعاية التي يلجأ إليها. يعلم ذلك ويقوم في ذلك دائما حتى وإن كان في أعلى عليين، فهو يعلم أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.. هو قائده دائما وهو إمامه دائما..
قائد ركب عوالمك اليك (من أذكار السيد أبى الحسن الشاذلى)هكذا نتعلم من ظاهرة الإسراء فنعد أنفسنا لنكون عبادا لله ونذكُر دائما معنى رسول الله لنا.. لنكون في المسجد الحرام.. ولنكون في رعاية رسول الله صلوات الله وسلامه عليه..
عباد الله..
إن علينا أن نتعلم من كل ظاهرة نحتفل بها.. ونتذاكرها ونتذكّرها، حتى نحاول أن نقوم في دلالاتها، وفي معانيها، فنكون بذلك من الذين يقرءون، والذين يتعلمون، والذين يغيرون ما بأنفسهم، والذين يدركون أن القضية هي أن يعملوا بما علموا، وأن يتجهوا دائما بالدعاء، وأن يطلبوا قوة، ويطلبوا رحمة، ويطلبوا مغفرة، ويطلبوا توبة، ويرجعوا إلى الله دائما، لا يتكبرون ولا يعاندون، وإنما يتواضعون، وللقول يسمعون، وللتوجيه ينفذون، والله يذكرون، وفي آلاء الله يتفكرون ويبحثون وينقبون ويجتهدون، ليكونوا عبادا لله صالحين، وليكونوا أهلا للقرب من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وليكونوا بذلك أهلا لأن يأخذ الله بيدهم وبأيديهم، ليخرجهم من الظلمات إلى النور ..ليُسري بهم إلى أقصى قيم لهم على أرضهم .. ويكسبوا حياتهم ..
ليست هناك تعليقات:
لا يسمح بالتعليقات الجديدة.