الخميس، 21 فبراير 2002

نضحى بالأدنى .. فنكسب الأعلى ..

  • من خطبة الجمعة: 16 مارس ‏2000‏م الموافق 10 ذو الحجة 1420هـ
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا..
نبدأ عيدنا بالتكبير والحمد.. دلالةً على طلب الأعلى والأكبر.. وعلى حمد الله بما أنعم به علينا.. وهدانا إليه.. ووجهنا إليه.. علّمنا ولم نكن نعلم.. وأرشدنا إلى طريق الحق والفلاح..
عيد الأضحى.. عيد التضحية.. عيد الفداء.. عيدُُ مليء بالمعاني والمفاهيم التي توجهنا إلى الطريق القويم والى الصراط المستقيم..
 "صلي لربك وانحر"(الكوثر 108: 2)
فكما نتعلم ونتذاكر دائما في معنى الصلاة وفي معنى الصلة وفي معنى الوصلة.. وأن هذا معنىً أساسي في ديننا وفي فطرتنا.. فالصلاة هي الصلة التي ننهل من خلالها.. من قوة من الله ومن رحمة من الله.. والنحر هو تعبير عن معان كثيرة.. فيه نحر النفس وظلامها.. وفيه معنى القربان..
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ (المائدة 5: 27)
 والقربان هو قرب.. والقرب يكون بإبعاد ما يحول بين الإنسان وربه.. ونفس الإنسان وظلامها يحولان بين الإنسان وربه.. فإذا كانت الصلة هي مصدر القوة والرحمة والرعاية والعناية.. فإنها لتجعل الإنسان قادرا أن ينحر نفسه المظلمة.. فيكون بذلك قد تقرب إلى الله.. وأصبح قريبا من الله.. قريبا من الله في وجوده.. في داخله.. وقريبا من الله في خارجه.. فالقرب من الله ليس قربا مكانيا ولا زمانيا.. ولكنه قرب لأفعال الإنسان ومعاملاته.. في خلجاته وسكناته.. في كل لحظة من لحظات حياته.. وفي كل دقة من دقات قلبه.. فهو يشعر بمعية الله معه..
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (ق 50: 16)
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ (الحديد 57: 4)
فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ (البقرة 2: 115)
 الله في داخله..
ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن1
 الله معه بفطرة الله التي فطره عليها.. وبصبغته التي صبغه بها.. والله معه في كل تعاملاته.. والأحاديث كثيرة.. التي تحث الإنسان على التعامل مع الله..
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ  (الحديد 57: 11)
إن الصدقة تقع في يد الله2
إن التعامل في كل أمر على هذه الأرض هو تعامل مع الله.. وإذا نسى الإنسان ذلك فهو يصبح في عذاب..إذا نظر إلى الناس بكينونتهم المادية والى الأعمال بصفتها الوضعية.. فهو لا يستطيع أن يعيش مع هذه الصورة وهذه الأشكال.. وإنما إذا نظر أنه يتعامل مع الله فكان حاله حالا مختلفا.. يرى حكم الله في كل شيء.. ويرى باب الله مفتوحا في كل تيسير ييسره له.. وفي كل ما ينوي عليه وهو ينوي على الخير والى الخير وعلى الخير..
هكذا يعلمنا ديننا أن نكون في اقتراب من الله في كل أعمالنا.. سواء كان ذلك في داخلنا أو في خارجنا.. لا يكون ذلك إلا بأن ننحر ظلامنا.. على أن نكون قد طلبنا صلة لنقوي ما فينا من حقيقة ومن نور ومن حياة..
هكذا نقرأ قراءة في هذا العيد الكريم.. وفي هذا العيد العظيم.. لو قرأنا كل ما فيه لوجدنا الكثير والكثير.. ولكننا لو تمسكنا بكلمة واحدة، وبمعنى واحد وأدركناه إدراكا جديدا، وقمناه، وعشناه لغير حالنا ولغير قيامنا.. وهذا ما نركز عليه اليوم..
"صلي لربك وانحر"(الكوثر 108: 2)
 نرجو أن نكون كذلك وأن نكون في صلة حقة.. وأن نكون في نحر حقي لظلام أنفسنا.. حتى نقترب من الحق وحتى نقترب من الله وحتى نرى الله في أنفسنا وفي كل تعاملاتنا وحتى نشهد حقا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..
عباد الله..
إن علينا أن نقرأ رسائل الحق لنا.. وهذا ما نحاوله دائما.. وما نتذاكر به بيننا.. رسالة اليوم موجهة لنربط بين صلاتنا ونحرنا.. بين ما نفعله لنحصل على قوة من الله ورحمة من الله بمعنى الصلاة.. وماذا نفعل بهذه القوة التي نحصل عليها.. هذه القوة سوف تساعدنا على أن ننحر ظلامنا.. ومعنى الأدنى فينا.. لنكون عبادا لله ولنكسب هذه الحياة وهذه الكرة..
  1. أورده الأمام العزالى فى أحياء علوم الدين جـ3 صـ14 بلفظ " لم يسعن سمائى ولاأرضى ووسعنى قلب عبدى المؤمن اللين الوادع ". وقال العراقى لم أر له أصلا ـ وأخرجه الامام احمد بن حنبل فى الزهد عن وهب بن منبه قال : إن الله فتخ لحزقيل ختى نظر إلى، العرش، فقال حزقيل : سبحانك ما أعظمك ربى ! .. فقال الله : إن السماوات والأرض ضعفن عن أن يسعنى، ووسعنى قلب عبدى المؤمن. التذكرة فى الأحاديث المشتهرة للزركشى صـ 135 وكشف الخفاء جـ 2 صـ273
  2. ورد في مسند أحمد ابن حنبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه وأخذها بيمينه ورباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل فتصدقوا