عباد الله.. إنّا نحتفل ونتذكَّر ونتذاكر في هذه الأيام بمولد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.. وهذا المولد كان نقطة تحوّل على هذه البشرية وعلى هذه الأرض.. يرمز لمعانٍ كثيرة.. ويبلغنا رسالةً عن معنى الحياة وعن معنى الوجود على هذه الأرض.. وكما نتذاكر في كل مناسبة بأن كل حادثةٍ وكل مناسبةٍ وكل واقعةٍ حدثت ووقعت على هذه الأرض.. هي رسالة من الله لنا.. علينا أن نقرأها.. وأن نتأملها.. وأن نتعلمها.. وأن نحوِّلها الى عمل نقوم فيه وسلوك نسلكه.. في معاملاتنا وفي أحوالنا على أرضنا..
إن هذا المولد قبل كل شيء.. هو إشارة الى مولد معنى الحق وكلمة الحق ورسول الحق ونور الحق.. في الإنسان.. فالإنسان هو أرض.. الإنسان هو مجتمع.. الإنسان هو أمة.. الإنسان عالم كبير.. إن قانون الحياة الذي نتعلمه
إنّا حين نرى الناس اليوم.. في الشرق أو في الغرب.. نجد معظمهم وهم لا يُعطون فرصة لمعنى الحق فيهم أن يتجلى عليهم أو أن يكلمهم أو أن يعلِّمهم أو أن يرشدهم.. فإما أنهم يعتقدون أنهم بظاهر فعلهم وبظن دين فيه يقومون.. بهذا الدين منشغلون.. ولا يتجهون الى داخلهم.. وإما أنهم بعاجل أمرهم ودنياهم منشغلون لا يُعطون فرصةً لمعنى الحق فيهم أن يتجلى عليهم.. ولا إتجاه صحيح.. إذا لم يتجلى الحق في الإنسان عليه.. وإذا لم تظهر فطرة الله عليه.. وتحدِّثه بمعاني الحق كامنة فيه.. لذلك وجَب على الإنسان أن يهيء وجوده لهذا الحق فيه أن يتجلى.. ولهذا الحق فيه أن يظهر.. إن إستطاع الإنسان ذلك.. لحظة هذا الظهور.. هو مولد رسول الحق فيه.. ورسالة الحق فيه.. التي هي بالغةُُ أمرها مهما طال الزمن ومهما طال الوقت لو أنها ظهرت فيه وتجلت عليه فإنها فاتحةُُ هذا الظلام.. ومغيِّرة لهذا الحال إلي أفضل والىأحسن.. بعون الله وقوته.. إن هذه اللحظة هي لحظة فائقة في تاريخ الإنسان وفي حياة الإنسان.. إن قامت فيه بحق.. فإنه سوف يكسب حياته بإذن الله وبإرادة الله وبعون الله وبتوفيق الله.. هذا ما يصبو إليه الإنسان أن يعيش لحظة صدق يدرك فيها هذه الحقيقة.. وتتجلى عليه وتظهر فيه..
عباد الله..
إنّا علينا أن نحاول جاهدين لقيامنا فيما أمر به ديننا وفيما كشف لنا من قوانين.. حتى يولَد فينا معنى الحق وكلمة الحق.. وحتى نكون بذلك أهلا لدعوة الحق.. فبعون الله وبتوفيق الله نكون من الناجين..
إن هذه المعاني توحي لنا بها هذه المناسبة الكريمة.. مولد الرسول الكريم.. الذي كان مولده على هذه الأرض هو ظهور للحق عليها.. وانتشر هذا الحق على هذه الأرض.. من مشرقها الى مغربها.. وبقى عليها.. وسيبقى عليها.. الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لا فقط.. بوجود مادي.. متمثل في كتاب الله وفي سنة رسول الله.. وإنما بوجود روحي أيضا.. فكل كلمة حق قيلت على هذه الأرض لا تفنى ولا تزول إنها موجودة في أثيرها.. يستقبلها الإنسان الصالح.. ويميز بين الخبيث والطيب فيما يسمع.. لأنه إن أعدّ نفسه جيدا لإستمع إليها من مصدرها الذي هو قائم على هذه الأرض.. فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لهذه الأرض فإن ذلك لا يكفي لأن يكسب الإنسان.. إنما يكسب الإنسان بتجلي ما فيه هو من حق على وجوده.. وبتجلى ما هو فيه من معنى الحياة على وجوده.. وبتجلي ما هو موجود فيه من فطرة الله علىوجوده.. فلن يصلح الإنسان إلا بصلاح ما فيه.. وظهور ما فيه من حقيقة على وجوده.. فليس العبرة أن تستمع الى الحق من خارجك.. ولكن العبرة أن تستمع الى الحق من داخلك.. إن سماعك لكلمات الله من داخلك هي التي تغيِّرك من حال الى حال.. ومن قيام الى قيام.. أما سماع كلمات الله من خارجك فإنها تساعدك وتقوّيك.. ولكنها لن تغيرك إلا إذا استوعبتها.. وصدرت من داخلك.. فتغيرك حقا من حال الى حال..
إذا عرفت هذا الطريق طريق داخلك وطريق الحقيقة فيك.. وطريق الفطرة فيك.. فإن هذا هو مولد كلمة الحق فيك ونور الله فيك وسر الله فيك.. الذي هو بإذنه سوف يسري في كل وجودك ويحولك إلي نور والى قيام حقي نوراني قيام حي له بقاء.. وهذا أمل الإنسان على هذه الأرض أن يكون كذلك وأن يتحول الى ذلك..
نسأل الله أن يوفقنا لذلك.. وأن يجعلنا أهلا لذلك..
إن هذا المولد قبل كل شيء.. هو إشارة الى مولد معنى الحق وكلمة الحق ورسول الحق ونور الحق.. في الإنسان.. فالإنسان هو أرض.. الإنسان هو مجتمع.. الإنسان هو أمة.. الإنسان عالم كبير.. إن قانون الحياة الذي نتعلمه
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء 17: 15)إن الرسول هو معنى الحق الذي يتجلى والذي يبلغ والذي يوجه والذي يُرشد ويُعلِّم.. وما الرسالات السماوية التي ظهرت على هذه الأرض إلا لتكشف لهذا العالم وتعلِّمه عن قانون الحياة وعن قانون وجوده الذي هو قائم في إطاره.. وعلى جميع المستويات.. تكون هناك رسالات.. وقد ظهر على هذه الأرض في كل بقعة من بقاعها.. من يعلِّم الناس عن قانون الحياة .. في الشرق وفي الغرب.. في الشمال وفي الجنوب.. وفي كل إنسان أودع الله هذا المعنى فيه أيضا.. بمعنى الفطرة وبمعنى الصبغة..
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً (البقرة 2: 138)أودع في الإنسان سره.. سر الحياة.. سر البقاء.. سر الخلْق..
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (الروم 30: 30)
فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ (الأنعام 6: 14)
خلقتك لنفسي ولتصنع على عيني1هذا السر الأعظم الذي أوجده الله في الإنسان.. هو رسالة الحق الى الإنسان.. هو رسول الحق إلى الإنسان.. فالإنسان فيه سر الله.. فيه كلمة الله.. فيه نور الله.. فيه رسالة الله.. فيه رسول الله.. ولكن الإنسان لا يرى ذلك في وجوده.. لأنه مشغول بخارجه.. مشغول بدنياه.. مشغول بعاجل أمره.. لم يعطِي فرصة لهذا الوجود الحقي فيه ليظهر.. لم يحاول أن يعكس البصر الى داخله.. لذلك جاءت الديانات وجاءت الرسالات وجاء الأولياء وجاء عباد الله الصالحين.. الذين يوجهون الإنسان.. الى أن ينظر الى داخله وأن يعكس البصر الى داخله..
عبدي أطعني أجعلك ربانياً تقول للشيء كن فيكون2
وفي أنفسكم أفلا تبصرون(الذاريات 51: 21)إن رسالات السماء جاءت لتساعد الإنسان أن يسمع ما فيه من حقيقة.. وأن يقرأ ما فيه من حقيقة.. وأن يعكس البصر الى داخله.. وأن يتعلم كيف يستمع الى رسول الله من داخله.. من فطرته.. من حقيقته.. من سر الله فيه.. جاءت رسالة الحق.. لتعلِّم الإنسان ذلك.. لا لأن تفرض عليه أشكالا وألوانا وصورا دون فهم أو وعي.. جاءت لتعلِّمه كيف يقيم صلة بينه وبين ربه.. جاءت لتعلمه كيف يعيش بحقيقته.. وكيف يتعرض لنفحات الله.. جاءت لتعلمه كيف يتعامل فيما هو مخلَّف عليه في الأرض.. جاءت لتعلمه كيف تكون له قِبلة وكيف يكون له هدف.. جاءت لتعلمه أنه خُلق لحقيقة كبرى.. وأن أمامه الطريق ليصل الى هذا الهدف والى هذه الحقيقة.. بأن يعطي فرصة لمعنى الحق فيه أن يكلِّمه.. ولمعنى الحق فيه أن يرشده.. ولمعنى الحق فيه أن يوجهه.. ولا يكون ذلك إلا بأن يهيء وجوده لهذه الصلة بينه وبين ما فيه من حقيقة.. ولا تقوم هذه الصلة وهو منغمس في الدنيا الى أذنيه.. وهو لا يهمه شيء إلا عاجل أمره.. وهو متعجل في دنياه.. لم يعطي فرصة لما فيه من حق أن يتجلى ولما فيه من حق أن يتكلم.. فسيضيع في هذه الدنيا.. فالتوجيه الحقي للإنسان هو أن يعطي فرصة لما فيه من فطرة الله.. ولما فيه من صبغة الله.. أن يظهر على سطح وجوده.. إذا أعطى الإنسان هذه الفرصة لفطرته.. وجَد الحقيقة.. فإذا لم يعطي هذه الفرصة فلا حقيقة له.. ولا نجاة له.. ولا فوز له..
سنريهم ءاياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق (فصلت 41: 53)
إنّا حين نرى الناس اليوم.. في الشرق أو في الغرب.. نجد معظمهم وهم لا يُعطون فرصة لمعنى الحق فيهم أن يتجلى عليهم أو أن يكلمهم أو أن يعلِّمهم أو أن يرشدهم.. فإما أنهم يعتقدون أنهم بظاهر فعلهم وبظن دين فيه يقومون.. بهذا الدين منشغلون.. ولا يتجهون الى داخلهم.. وإما أنهم بعاجل أمرهم ودنياهم منشغلون لا يُعطون فرصةً لمعنى الحق فيهم أن يتجلى عليهم.. ولا إتجاه صحيح.. إذا لم يتجلى الحق في الإنسان عليه.. وإذا لم تظهر فطرة الله عليه.. وتحدِّثه بمعاني الحق كامنة فيه.. لذلك وجَب على الإنسان أن يهيء وجوده لهذا الحق فيه أن يتجلى.. ولهذا الحق فيه أن يظهر.. إن إستطاع الإنسان ذلك.. لحظة هذا الظهور.. هو مولد رسول الحق فيه.. ورسالة الحق فيه.. التي هي بالغةُُ أمرها مهما طال الزمن ومهما طال الوقت لو أنها ظهرت فيه وتجلت عليه فإنها فاتحةُُ هذا الظلام.. ومغيِّرة لهذا الحال إلي أفضل والىأحسن.. بعون الله وقوته.. إن هذه اللحظة هي لحظة فائقة في تاريخ الإنسان وفي حياة الإنسان.. إن قامت فيه بحق.. فإنه سوف يكسب حياته بإذن الله وبإرادة الله وبعون الله وبتوفيق الله.. هذا ما يصبو إليه الإنسان أن يعيش لحظة صدق يدرك فيها هذه الحقيقة.. وتتجلى عليه وتظهر فيه..
عباد الله..
إنّا علينا أن نحاول جاهدين لقيامنا فيما أمر به ديننا وفيما كشف لنا من قوانين.. حتى يولَد فينا معنى الحق وكلمة الحق.. وحتى نكون بذلك أهلا لدعوة الحق.. فبعون الله وبتوفيق الله نكون من الناجين..
إن هذه المعاني توحي لنا بها هذه المناسبة الكريمة.. مولد الرسول الكريم.. الذي كان مولده على هذه الأرض هو ظهور للحق عليها.. وانتشر هذا الحق على هذه الأرض.. من مشرقها الى مغربها.. وبقى عليها.. وسيبقى عليها.. الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. لا فقط.. بوجود مادي.. متمثل في كتاب الله وفي سنة رسول الله.. وإنما بوجود روحي أيضا.. فكل كلمة حق قيلت على هذه الأرض لا تفنى ولا تزول إنها موجودة في أثيرها.. يستقبلها الإنسان الصالح.. ويميز بين الخبيث والطيب فيما يسمع.. لأنه إن أعدّ نفسه جيدا لإستمع إليها من مصدرها الذي هو قائم على هذه الأرض.. فإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لهذه الأرض فإن ذلك لا يكفي لأن يكسب الإنسان.. إنما يكسب الإنسان بتجلي ما فيه هو من حق على وجوده.. وبتجلى ما هو فيه من معنى الحياة على وجوده.. وبتجلي ما هو موجود فيه من فطرة الله علىوجوده.. فلن يصلح الإنسان إلا بصلاح ما فيه.. وظهور ما فيه من حقيقة على وجوده.. فليس العبرة أن تستمع الى الحق من خارجك.. ولكن العبرة أن تستمع الى الحق من داخلك.. إن سماعك لكلمات الله من داخلك هي التي تغيِّرك من حال الى حال.. ومن قيام الى قيام.. أما سماع كلمات الله من خارجك فإنها تساعدك وتقوّيك.. ولكنها لن تغيرك إلا إذا استوعبتها.. وصدرت من داخلك.. فتغيرك حقا من حال الى حال..
إذا عرفت هذا الطريق طريق داخلك وطريق الحقيقة فيك.. وطريق الفطرة فيك.. فإن هذا هو مولد كلمة الحق فيك ونور الله فيك وسر الله فيك.. الذي هو بإذنه سوف يسري في كل وجودك ويحولك إلي نور والى قيام حقي نوراني قيام حي له بقاء.. وهذا أمل الإنسان على هذه الأرض أن يكون كذلك وأن يتحول الى ذلك..
نسأل الله أن يوفقنا لذلك.. وأن يجعلنا أهلا لذلك..
- روى في الخبر عن موسى عليه السلام أن الله انزل في التوراة " يا ابن آدم خلقت الأشياء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا تهلك ما خلقت من أجلي فيما خلقت من أجلك " أخرجه الحكيم الترمذي، كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذى صـ212. وفي القرآن الكريم يخاطب الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام قائلا: "وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني"( طه 20: 39) ويقول أيضا" "واصطنعتك لنفسي"( طه 20: 41)
- أورد الشيخ بن عجيبة في كتابه إيقاظ الهمم في شرح الحكم أنه جاء في بعض الأخبار : يقول الله: عبدي أنا الله الذي أقول للشيء كن فيكون فأطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون.
- ملحوظة: المقصود بالعبد الرباني هو الإنسان الخالص لله تماما، وهذا بتحرره الكامل من سيطرة وحدود المادة، وتوحده وتناغمه مع إرادة الله. كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (آل عمران 3: 79). إنه حينئذ يتحول الإنسان إلى حالة من الرقي بحيث أنه لا يريد إلا ما يريده الله ورسوله، وهذا معنى أنه يقول للشيء كن فيكون، لأنه يصبح أداة طيعة في يد الخالق، وأداة طاهرة يحقق بها إرادته، أي يصبح سببا من أسباب الله في عملية الخلق. فليس المقصود بالطبع أن الإنسان سيكون في مرحلة ما إلها، حاشى لله، أو أنه يخلق كخلق الله، فهذا مغاير لجوهر التوحيد والإيمان بالله الذي ليس كمثله شيء، إنما هو تعبير مجازي عن منتهى التناغم الذي يمكن أن يصل إليه الإنسان مع خالق الكون، حين يكون عبدا لله بحق. (عائشة رافع)