الاثنين، 22 يناير 2007

البشرية فى حاجة إلى رؤية جديدة وعميقة فى معنى الدين فى حياة الإنسان

  • 30 ذو  الحجة 1427هـ الموافق 19 يناير 2007
 خطبة الجمعة للسيد علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ..
الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: يكثر الحديث في أيامنا هذه عن معنى الدين، وعن مرجعية الدين، وعن علاقة الدين بالدولة وبالمجتمع وبالإنسان. الدين من ناحية أنه قانون الحياة، وأنه الذي ينظم ارتقاء الإنسان لما هو أعلى، أو تدني الإنسان لما هو أدنى حين يترك ما يحييه وما يقويه .. من خلال هذا التعريف نجد أن الدين مرتبطٌ بكل شيءٍ في حياتنا، في كل معاملاتنا، في كل أحوالنا، في كل أمرٍ من أمورنا، ولكن مشكلة الإنسان أنه حين يعتقد أن مفهومه هو الدين ـ بشكلٍ ما وبصورةٍ ما وبتطبيقٍ ما ـ فإنه يرفض أي تطبيقٍ آخر وأي مفهومٍ آخر، ومن هنا لجأ البعض إلى أن يخرجوا كلمة الدين من حياتهم المدنية والمادية، حتى لا يستأثر أو تستأثر مجموعةٌ بتفكيرها وتقول: أن هذا هو الدين، ومن هنا يشعر الإنسان أن هذه أو أن هذا الاتجاه الذي يفصل بين الدين وبين حياة الإنسان المدنية والمادية والأرضية هو أمرٌ غير حقيقي.

 فهناك إشكالية في أرضنا ـ ليس فقط في مجتمعنا ولكن في كل المجتمعات ـ حيث أن كلمة الدين قد التصقت بممارساتٍ ما، غير مقبولة بل ومرفوضة من كل إنسان ذي عقل سليم. فباسم الدين سيطر رجال الكهنوت في الغرب على مجتمعاتهم، وباسم الدين ارتُكبت كثيرٌ من المجازر، وقامت حروبٌ كثيرة قتل فيها الكثيرون باسم حكم الدين وحاكمية الدين، وهذا ما أدى إلى هذا الاتجاه المعاكس الذي يصل في أقصاه إلى رفض الدين كليةً جملةً وموضوعاً، نحن في حاجةٍ إلى فكر ٍجديد وإلى رؤيةٍ مستقبلية لهذه البشرية ولهذه المجتمعات، نظرةٌ جديدة وعميقة إلى معنى الدين في حياتنا، وإلى معنى الدين في وجودنا، وإلى معنى الدين في ممارساتنا. الدين ينبع من الصدق ومن اجتماع الصادقين، من الأمة التي تجتمع على هدفٍ نبيل وهو تكريم الإنسان على هذه الأرض، وإعداده حتى يكون في معنى تحقيق رسالته عليها. إنها السياسة والمنهج الذي يُعِد الإنسان لآخرته، وليس إعداد الإنسان لآخرته هو في عباداتٍ بعيدةٍ عن مجتمعه، أو في مناسك شكليةٍ مُحددة، أو في صورةٍ من المعاملات مطلوبة، إنما هي في حياته ككل ..
إن منتهى الإعداد للآخرة هو منتهى الإعداد للدنيا:
" خير الناس أنفعهم للناس"
هذا شقٌ أساسي، إذا اكتمل معه اعتقاد الإنسان في أن تعامله مع الله و في أنه يهب كل ذلك لحياته المستقبلية:
" لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا " [الإنسان9]
فإذا كان هناك عطاءٌ له فهو يرى أن الله هو المعطي، وإذا كان هو يقدم فإنه يرى أن الله هو الذي يقدم، ويفهم نظرية الخلافة على ذاته:
" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" [البقرة 30]
مطلوبٌ منه أن يكون محسناً لأقصى درجة في كل ما يفعله، وأن يكون قادراً على العطاء في كل المحن والظروف، وأن يكون سائلاً الله أن يعوضه خيراً عما يفعله في الدنيا وفي الآخرة، لذلك فإن ممارسة الإنسان الصادق لخير أمته هو جوهر الدين، وأن ما يصل إليه المجتمعون على خير الأمة هو جوهر الدين، وأن النصوص التي بين أيدينا إن فهمناها بعمق سوف نجد أنها تعبر عن ذلك، فمعانيها هي المقصودة، وليست أشكالها وليست صورها، والمجتمع المسلم حقاً هو الذي يجد الآليات التي يطبق بها هذه المعاني.
ولا يستطيع مجتمعٌ أن ينهض بذلك وهو يعتمد على مقولة أن للدين علماءه .. فعلماء الدين الذين يفسرون النصوص في إطارٍ محدودٍ مقيدٍ بالصور التقليدية، والذين هم متأثرون بخلفياتٍ تاريخية وبنظراتٍ سلفية، هؤلاء غير قادرين على أن ينظروا نظرةً كلية شاملة، إلا القليلين منهم الذين استطاعوا أن يخرجوا من هذا الجمود، ونظروا نظرةً متعمقة في نصوص دينهم، نحن في حاجةٍ إلى مثل هؤلاء، وبهذا لن يكون الدين أبداً سبباً في تعارض مصلحةٍ للأمة، وإنما سيكون نبعاً ونهلاً يأخذ منه العلماء ما يفيد الأمة، دون أن يكون لمفهومهم صبغةً مقدسة، إنما هو مفهومٌ فهموه، ويمكن أن يفهم آخرون فهماً آخر .. لذلك فحين ندرك هذا المعنى سوف ندرك أن كل إنسانٍ يعمل من خير أمته يجب أن تكون له مرجعية دينية، وليس مجموعةٌ واحدة، إن كل إنسانٍ قال أو لم يقول – إذا كان يعمل من خير مجتمعه – فالدين هو الصلاح والفلاح، الدين ليس نظرةً واحدة، وليس رؤيةً واحدة، وليس تطبيقًا واحداً، إنما هو تطبيقات متعددة ورؤى مختلفة ..
 فحين نقول مثلاً أن العدالة هي أساسٌ من أسس الحكم، فهذا لا يختلف عليه اثنان، وإنما تطبيقاته لها صورٌ مختلفة في النواحي الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، فلا يستطيع إنسان أن يقول أنا أحتكر نظرة الإسلام بتطبيق العدالة، بل أن كل نظرةٍ وكل فعلٍ يحقق العدالة هو تطبيقٌ إسلامي، بمفهوم أن الإسلام هو قانون الحياة، هو ما يحب الإنسان، هو ما يفضل الإنسان، هو جوهر الإنسان، وليس بالمفهوم الضيق لشكلٍ معين في الدين وتطبيقه، إننا نريد أن نتحرر من هذه النظرة الضيقة إلى ديننا، وفي نفس الوقت لا نريد هذه النظرة التي تُخرج كلمة الدين من حياتنا، نريد حالاً يجمع بين مفهوم الدين ببعده الحقيقي، وبين التطبيق السليم الذي يحقق خير البشر، هذا التطبيق يمكن أن يتغير ويمكن أن يتبدل طبقاً لأحوالٍ مختلفةٍ ومتعددة ، إنما الهدف في النهاية هو إصلاح الإنسان لربه ، هو إعداد الإنسان لآخرته، الذي يتزامل معه ـ تزاملاً وارتباطاً وثيقاً ـ إصلاح الإنسان لأرضه ولدنياه.
عباد الله: لعل ما يحدث حولنا الآن يكون سبباً لمولد فهمٍ جديد، تُصلَح به حال الأمة لتكون أفضل، ولتكون أحسن، ولتكون أقوم ..
عباد الله: نسأل الله أن يجعل منا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة لنا ولمن حولنا، وأن يجمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه .. 
فحمداً لله، و شكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن الدين وهو منهج الحياة - منهجٌ لأن يحيا الإنسان - هو مرتبطٌ ارتباطٌ وثيق بكل حياة الإنسان، بكل معاملاته، بكل أحواله، مرتبطٌ بسياسة المجتمع وتوجيهه إلى الطريق القويم، مرتبطٌ بكل القوانين التي تحكم حياته، ولكن ليست بالصورة التي تُقَدَّم اليوم في بعض الأحيان، من تصورٍ مُسَبَّقٍ لما يجب أن تكون عليه هذه القوانين، وهذه السياسات التي تتسق مع الدين .. فالدين هو معنىً أعمق وأشمل وأقوم من أي شكلٍ محددٍ يصوغه الإنسان أو يفهمه الإنسان، إنه معاني الخير والصلاح والفلاح والأفضل والأحسن والأقوم، كل المعاني الجميلة التي يجتمع الناس عليها جميعاً ولا يختلفون حولها. التطبيق يختلف، ولا يوجد شيء (يعطي الحق المطلق لأحد أن يقول) أن هذا التطبيق هو الدين، وأن التطبيق الآخر ليس من الدين في شيء، فإذا كانت هناك حاجة لهذا التطبيق بصدق، فهو من الدين، بل أننا لا يجب أن يشغل بالنا هذا التعبير اللفظي، إنما علينا أن نبحث عن الأقوم والأحسن والأفضل والأصلح للمجتمع.
وقد قال بعض الفقهاء في سابق: (أخبروني أين مصلحة الناس، وأنا أقول لكم كيف يكون هذا من الدين)، فإذا كان الأمر كذلك فلا يجب أن ننشغل بهذه الحرفية الشديدة، وإنما يجب أن يكون هدفنا هو إصلاح المجتمع، وإكبار كل قيم الجمال والخير والصلاح والفلاح، ولا يمنعنا ذلك كأفراد أن نلجأ إلى نصوص ديننا، كلٌ ينهل مما فيه من معانٍ حية، يأخذها إلى داخله ويتعرض لنفحاتها ولرحماتها لتتفاعل مع ما فيه من صلاحٍ وفلاح، فتخرج أفكار تصلح وتغير وتبدل، لا لمـجرد النقل أو التقليد الأعمى، وإنما بالتفاعل الحقيقي مع الجوهر السليم في الإنسان، وهذا هو الذكر، ومطلوب من كل فرد أن يكون ذاكراً .. فالذكر يغير الإنسان، ويجعله يخرج بأفكارٍ نافعةٍ فالحةٍ صالحة، فهذه الأفكار هي نتاج ذكره، ونتاج ما يرى في المجتمع حوله، يتفاعل فيه كل ذلك فيُخرج ما يفيد، هذا هو الفقيه الحقيقي، هذا هو العالم الحقيقي .. ليس العالم هو من يردد أقوال الآخرين، إنما هو من يستوعب جميع الأفكار في داخله ويستوعب احتياجات الناس حوله، ويكون قادراً أن يتفاعل مع كل ذلك ليخرج ما يفيد الآخرين.
عباد الله: نسأل الله أن يوفقنا جميعاً، أن يوفق كل قادرٍ في هذه الأمة أن يقدم أحسن ما عنده، وأن تتغير نظرتنا إلى معنى العلم وإلى معنى الدين، إلى معنىً كريم بدلاً من هذه المعاني التي تلوكها ألسنتنا دون وعيٍ ودون فهم، وأن نفهم جيداً ونقدر معنى العالِم، وأن نجعل مجتمعنا مجتمعاً حراً تتداخل فيه كل الأطياف وكل الاتجاهات، فمن خلال هذا التداخل تولد المعاني الجيدة، ويولد العلماء الصالحون ..
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا ، نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم ألف بين قلوبنا           اللهم أحيي قلوبنا.
اللهم ألف بين أرواحنا        اللهم طهر أرواحنا.
اللهم زكي نفوسنا             اللهم أثلج صدورنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، وأعف عنا.
" رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ " [آل عمران 193

ليست هناك تعليقات: