- خطبة الجمعة 17 جمادى الآخرة 1432 هـ الموافق 20 مايو 2011
- أعد للنشر بواسطة: عائشة رافع
نريدأن نقبل بعضنا بعضا، وأن نسمع بعضنا بعضا، وأن نتحاور بالحسنى، وأن نعرف أن المقاصد الكلية للدين يمكن الاتفاق عليها، ولكن التطبيق العملي على الأرض، يمكن أن نختلف فيه، وأن ليس هناك صورة في أي تطبيقٍ، هي مقدسةٌ في ذاتها.
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: إنا نعيش اليوم، في حالٍ تتباين فيه الآراء، وتختلف فيه الرؤى، وتتضارب الأقوال، وهو حالٌ يُمَكِّن الإنسان القارئ، من أن يتعلم من هذه الاختلافات، ومن هذا التباين، ومن هذا التضارب. يتعلم، أن الله قد خلق الناس، كلٌّ منهم ينفرد بشيء
"...جَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ..." [الحجرات 13]
وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ..."[المائدة 48].لذلك، فقد تعلمنا في ديننا، أن نعيش هذا الاختلاف، على جميع المستويات، سواء أكان هذا الاختلاف، بين دينٍ ودين ـ نحن نستخدم ديناً هنا، بالمفهوم الشائع ـ لأن الدين في مفهومنا، هو دينٌ واحد، وهو قانونٌ واحد. لذلك، فإن استخدام الدين، بما جرى عليه الناس، هو اعتبار فئةٍ من الناس، تعتقد اعتقاداً معيناً. هذا الاختلاف، يجب أن نتفهمه، حتى لو كنا نرى فيما يعتقد الآخر، أن ليس عنده أساسٌ يرتكن عليه، إلا أن هذا ما يعتقده. وكذلك، في الدين الواحد، هناك اختلافاتٌ كثيرة، قد يعتقد البعض، أن الآخر ليس عنده أساسٌ يرتكن عليه، ولكن هذا ما يعتقده. لا يعني ذلك، ألا يكون هناك حديث، أو ألا تكون هناك دعوة، من أي إنسانٍ للآخرين، ليُقدِّم كلٌّ فكره بحريةٍ كاملة، دون عنفٍ، ودون قهرٍ، ودون إجبارٍ للآخر، على أن ينهج نهجه.
وعلى الناس في مجتمعٍ ما، أن يتفقوا على أمرٍ بينهم، ينظم حياتهم، ويحكم بينهم في أمور دنياهم ومعاشهم، في تعاملاتهم، وفي اختلافاتهم على قضايا دنياهم واحتياجاتهم، قانونٌ يحكمهم جميعاً، لا يفرق بينهم، ولا يفضل أحداً على أحد، ولا يميز بين أحدٍ وأحد.
هذا هو الأفضل، الذي يشعر به كل إنسانٍ، يوم يرجع إلى فطرته، في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب. وهذا، ما جاءت به الديانات السماوية، وما جاءت به الرسالة المحمدية. وما جاءت كل هذه الرسالات، إلا لتكشف عما هو موجودٌ في فطرة الإنسان.
ولكن الإنسان، قد تتراكم على قلبه الظلمات، فلا يستطيع أن يرى. فما جاءت هذه الرسالات، إلا لتساعده، أن يزيح هذه الظلمات عن قلبه، حتى يستطيع أن يعكس البصر إلى داخله، فيجد توافقاً، بين ما يسمعه من خارجه، وبين ما يراه في داخله. جاء الإسلام، ليعلم الإنسان، كيف يسمع خارجه، وكيف يسمع داخله. من الناس، من يستطيع فقط، أن يسمع خارجه، ولكن لا يستطيع أن يسمع داخله. ومن الناس أيضاً، من يستطيع أن يسمع داخله، ولكنه انفصل انفصالاً كلياً عن خارجه. هذا التفاعل، بين الداخل والخارج، هو الذي يغير الإنسان، وهو الذي يجد الحلول، لكل المشاكل التي يعاني منها الإنسان.
عباد الله: إنا نريد، أن نقبل بعضنا بعضا، وأن نسمع بعضنا بعضا، وأن نتحاور بالحسنى، وأن نعرف أن المقاصد الكلية، يمكن الاتفاق عليها، ولكن التطبيق العملي على الأرض، يمكن أن نختلف فيه، وأن ليس هناك صورة في أي تطبيقٍ، هي مقدسةٌ في ذاتها.
فالإنسان، يوم تواجد على هذه الأرض، أصبح في قيامٍ مقيد، كل ما يصدر عنه، هو خطأٌ وهو صواب، وأي تطبيقٍ على الأرض، يحتمل الخطأ والصواب، بمقاييس هذه الأرض. وقد يكون أمرٌ في لحظةٍ ما خطأ، وفي لحظةٍ أخرى صواباً. فالحلول ليست مطلقة، وإنما هي تتناسب مع الواقع، وعلينا أن نتفهم ذلك جيداً، حتى لا نقف جامدين أمام أمرٍ، قد يكون فيه صلاحنا ونرفضه، وفي أمرٍ قد يكون فيه هلاكنا ونقبله. ولا يكون ذلك، إلا بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، وبالاجتماع على الأفضل والأحسن والأقوم. هكذ، يعلمنا ديننا، منهجاً نسلكه، ولا يفرض علينا شكلاً نعبده. منهجنا في ديننا، أن نجتمع على ذكر الله، وأن نتواصى بالحق، وأن نتواصى بالصبر، وأن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، بمفهومٍ حقيّ، وليس بمفهومٍ حرفيّ، يجعل من الأمر بالمعروف تسلطاً، ومن النهي عن المنكر تصلباً.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفقنا لما فيه صلاحنا، ولما فيه صلاح مجتمعنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أننا يجب أن نتعلم، كيف نعيش الاختلاف، وكيف نضع الضوابط في مجتمعنا، لنعيش، لأن تَصوُّر، بأن الناس جميعاً، يمكن يفكروا فكراً واحداً، أو يعتقدوا اعتقاداً واحداً، مهما ظننت أن هذا الاعتقاد هو الأقوى والأكثر رسوخاً، إلا أن هذا لن يحدث بقانون هذه الأرض.
الاختلاف، سنةٌ من سنن الحياة، بين إنسانٍ وإنسان، وبين مجموعةٍ ومجموعة، وبين دينٍ ودين. والاختلاف، لا يعني أن هناك اختلافٌ أصيل، بين كل هؤلاء، وإنما هو اختلاف المفاهيم.
أما الإنسان، الذي يرجع إلى الجذور، وإلى الأصول، فسوف يجد أن هناك معنىً واحدا، وأصلاً واحد، ولكن هذا الإنسان، يدرك تماماً، أن الناس ليسوا كذلك. هذا الإنسان، لن يكلم أحد، لأنه في حديثٍ متصلٍ مع داخله، ومع أصل وجوده، وعلمه لن يُقدِّره الناس، لأنهم يريدون أن يعيشوا على السطح، في اختلافاتٍ شكلية، وفي صورٍ جامدة.
كل ما نستطيع أن نقدمه، هو أن نقول لكل إنسانٍ، أن يتقبل أخاه، وكل إنسانٍ، بالتعلم وبالتوجيه وبالإرشاد، يمكنه أن يدرك، أن لا يمكنه أن يملك الحقيقة المطلقة، وهذه أيضاً، قد يكون فيها اختلاف، لأن البعض سوف يظن، أنه يملك الحقيقة المطلقة.
فنحن أمام مشكلةٍ كبرى، ولا يمكن إلا أن ندعو الناس جميعاً، بما نعتقد أنه الحق، من أن يتواضعوا، وأن يقبلوا بعضهم بعضا، وأن يستمعوا إلى بعضهم، ونقول لهم دائماً، أعطوا لفكرة أنكم لا تملكون الحقيقة المطلقة، جزءاً من تفكيركم، حتى تستطيعوا أن تسمعوا الناس حولكم، لأنكم لو اعتقدتم أنكم تملكون الحقيقة المطلقة، فلن تسمعوا أحد، ولن تقبلوا أحد، سوف يزيدكم هذا ظلماً وظلاماً.
إن الذي يعتقد، أنه يملك الحقيقة المطلقة، لن يجعله ذلك حكيماً، ولا هادياً، ولا أداة خيرٍ، إنما سوف يجعله ذلك متسلطاً، يريد أن يفرض رأيه بالقوة، لأنه يعتقد أنه الحق، الذي يجب أن يُطاع. وهذا، يُخرجه من معنى العبودية لله، ويضعه في مكانٍ، يزداد فيه ظلامه، ويزداد فيه جبروته.
عباد الله: علينا جميعاً، أن ندعو الناس، أن يكونوا أكثر تواضعاً، وأكثر قبولاً للآخر، وأكثر إدراكاً أنهم لا يحملون الحقيقة المطلقة. وإنما كلٌ يؤدي دوره، وأن ليس هناك شيءٌ اسمه: أن هذا ما يريد الله، وأنا أعرفه، وأن هذا توجيه الله، وأنا أعرفه. إنما هذا حديثك، الذي فهمته من كتاب الله، والذي يقبل مفاهيم كثيرة، لأنك لو اعتقدت لحظة، أنك تفهم فهماً مطلقاً لما يريد الله، فهذا في حد ذاته، شركٌ بالله. إن هذا هو معنى، أنك تريد أن تفرض رأيك وفهمك ووجودك، كوجودٍ رابِّ، لكل هؤلاء الناس، كإلهٍ للناس.
عباد الله: إن أي إنسانٍ، يتحدث على هذه الأرض، هو يتحدث عما فهمه، ولا يستطيع أن يَدَّعي، بأي شكلٍ من الأشكال، أن ما يَدَّعيه، هو الحق المطلق.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفقنا لما فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا، ولما فيه نجاتنا.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا. اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ولي أمورنا خيارنا، ولا تولي أمورنا شرارنا.
اللهم فارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا