الاثنين، 3 يونيو 2013

(7) ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة


نحن لا نقفز على الواقع،وندرك أنه مليء بالصراع، ومع ذلك نعمل كي نعيد تشكيله من خلال رؤية جديدة. نؤمن أنها رؤية متفاعلة مع القلب البشري في كل مكان، وأنها مخزونة في اللاوعي الإنساني، ولذا فنحن نستدعيها كي تنتفض لتتحرر من طبقات الزيف التي فرقت إنسانيتنا بإسم الدين.

من يسيرون في طريق الحق لا يزعمون أبدا أنهم يملكون الحقيقة.
كان التأكيد على أن هناك دينا واحدا هو المحور الرئيسي الذي دارت فيه المدونات السابقة، وهو ما أطلق عليه القرآن "الإسلام". وأضفنا أن القرآن قد تحدث عن هذا الدين أنه "صراط مستقيم"، "نور مبين"، "حق"، وخرجنا من تأملنا هذا إلى أن الدين ليس فكرا جامدا أو رؤية واحدة، ولكنه منهج ينطلق من الإيمان بالحق، ويتوجه إليه، وأن الناس تختلف عندما يريد فريق أن يبغي على فريق ويعلو عليه. وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ (البقرة:213)
إذن على مستوى معالجة القضية نظريا وبشكل عام، أدركنا أن هناك دينا واحد، وأكدنا أن كل من يتبع هذا الدين الحنيف بمنهجيته هو مسلم، حتي لوكان قد ولد في بيئة ثقافية تطلق عليه مسميات أخرى.
أما على مستوى الواقع الآن فإن تنوع المعتقدات، واختلاف الديانات أمرا لا يمكن تجاهله، كما أن هذا التنوع لا يرجع فقط إلى المسميات، ولكن يعكس أيضا اختلاقات جوهرية في الرؤية. وكل يريد أن يفرض رؤيته على الآخرين. فهل نحن ممن يريد أن يتجاهل الواقع ويقفز عليه، أم هل نحن ممن يريد أن يفرض رؤيته ويتجاهل الاختلافات الحادة؟ وللإجابة على هذه الأسئلة، علينا أن نعيد تذكير أنفسنا بالهدف من هذه المدونات:
هدفنا أن نبرز رؤية إسلامية للدين، مع الوعي الكامل أن هناك رؤى أخرى مختلفة تماما.
هدفنا أن نوضح أنه من الممكن أن نوجد أرضا مشتركة بيننا وبين كل المنتمين إلى الرسالات الروحية والدينية.
هدفنا أن يكون العالم أسرة واحدة تلتقي على الخير الأعم لكل البشر.
إنطلاقا من هذه الأهداف، نبني جسور الحوار من خلال أركان رئيسية:
• الاعتراف بالتعدد، وتأكيد أن التعدد لا يتضمن التشتت والصراع، لأن التعدد يؤكد واقعا لا بد أن نحترمه،، ذلك أن هناك زوايا مختلفة ننظر بها إلى الحقيقة الواحدة، كما أنه لا يمكن توحيد التعبير عن الرؤية أو الرؤي، لأن هذا التعبير إبداع إنساني خالص لا يمكن تقييده، طالما أن هناك إنسان يفكر ويشعر ويتفاعل مع الحياة وأصلها. إذا قرأنا ما يقوله لاوتسي تونج عن الطاو، لوجدنا أنه يكاد يتحدث بالحرف الواحد عن "الله" الذي ليس كمثله شيء، والذي هو فوق كل شيء. وإذا قرأنا في برديات القدماء عن "الواحد" الذي هو فوق الأسماء والمسميات، ولم يلد ولم يولد، لخيل إلينا أننا نقرأ سورة الإخلاص. فلندرك إذن أن كل حضارة أو ثقافة لها خصوصية في تعبيرها عن الحقيقة الواحدة. وعلينا أن نحترم تلك الخصوصية، ولا نحاول أن نطمسها، أو نغيرها، ولكن علينا ألا نجعل اختلاف التعبير مبررا للنزاع والصراع.
• نستطيع أن نستمع إلى بعضنا البعض فوق التعدد ونعيش التجربة الإنسانية المشتركة.
• الدين الواحد دين عالمي لأن لغة الإنسان الداخلية لغة القلب والروح والفطرة، منسوجة في تكويننا البشري، قادرة أن تجعلنا نتفاهم بها. نستطيع أن نرى إسلامنا وراء البوذية، وهم يستطيعون أن يروا تعاليمهم وراء الإسلام.
• أمام هذا التنوع مع الوحدة لا نملك إلا أن نسبح بعظمة الله وجلاله أن خلق لنا لغة القلب والروح التي يمكن أن تتواصل على الرغم من تنوع اللغات الحضارية واللغة المنطوقة.
• أهل الكتاب مفهوم أوسع كثيرا مما تدارجنا على فهمه. ذلك أن القرآن أيضا في أكثر من موضع يشير إلى رسل لم يذكروا في الكتاب الكريم. ويضرب لنا مثلا بأصحاب القرية الذين جاء لها المرسلون في سورة يس دون ذكر لأسمائهم، وفي هذا دلالة على أن رسالة الله ليست حكرا على هذا المكان أو ذاك، وإنما هي رسالة دائمة قائمة موجودة. ويقول القرآن صراحة أن هناك رسلا قد قصصها على رسوله ورسلا لم يقصصها.
تقودنا هذه الرؤية إلى التغاضي عن الاختلاف الشكلي، والاتجاه إلى المضمون لكل رسالة على حدة، متجهين إلى هدف واحد أن نعيش في سلام ومحبة مجتمعين على كلمة سواء.
منهجية الإختلاف ومنهجية الحوار:
عندما يظن البعض أنه يملك الحقيقة المطلقة فإنه يغلق الحوار تماما، ويريد فقط أن يسمع نفسه. إذن نريد أن نؤكد هنا أن "الإيمان أن هناك دين واحد"، لا يبرر أنني أملك الحق الواحد. ولهذا كان "الصراط المستقيم" وصفا يشير إلى خلوص النية في الاتجاه إلى الحق. لا يهمنا ما نصل إليه من أفكار، ولكن الأهم أن يراجع الإنسان نفسه ويدرك أن منشوده أن يصحح ويكمل وينقي رؤيته، وهذا معنى أن يأتي الإنسان إلى الله بقلب سليم. ولهذا فإن الذين يختلفون في العلم أو الرسالة التي أرسلها الله لهم دون أن يأتوا الله بقلب سليم، يكونون في شقاق بعيد. فهو لا يريدون أن يقتربوا بعضهم من بعض. وفي هذا يقول القرآن لرسوله شارحا منهج الحوار:
ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل: 125)
هذا هو الإرشاد الذي يوجهنا لنكون في استقامة . في هذه الآية هناك تذكرة أن الله أعلم بمن ضل عن سبيله، وأنه أعلم بالمهتدين. وهذه العبارة تتكرر في أكثر من موقع في القرآن الكريم. وفي هذا حث على إيقاظ الوعي أن البحث عن "الأحسن" هدف مستمر للأطراف المتحاورين، وأن الحكم لله وحده.
ندرك تماما أن البحث عن الحق طريق، وأن وصف هذا الطريق أنه حق، لا يشير أو يعني أن من يسيرون على هذا الطريق يزعمون أنهم يملكون الحقيقة. سيظل الإنسان دائما يبحث، مدركا أن هناك غيبا لا يراه.
"ذلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ" (البقرة: 2)
الإيمان بالغيب إيمان بأن هناك ما لا أعرفه، وما يتعالي عن قدراتي، ولذا يملأ القلب الخشوع والتقوى، وليس الخيلاء بالنفس والإدعاء بإمتلاك كل شيء. والطاعة التي يطلبها الرسل منا، هي اتباع للمنهج، وليس إذعان بدون تفكير.
الرسل تجيء لتبين للناس الذي اختلفوا فيه، والذين آمنوا هم الذين يهتدون إلى الحق. إذن الرسالات لا تجيء للذين كفروا، فهؤلاء يصمون الآذان. وينبغي أن ندرك أن الكفر ليس هو إنكار وجود الخالق، بل هو الجحود الداخلي في القلب. "وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُون". إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖفَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ. (يس: 10-11)
وهنا يطرح سؤال: هل يتصارع البشر لأنهم يختلفون حول مفهومهم عن الدين، أم أن الصراع والشقاق يكون لأسباب أخرى، قد يكون الدين أحدها؟
نسمع من يقول أن الصراع ينشأ لأن البعض يريد استخدام الدين لصالحه. وهناك من يقول أن الفهم الخاطيء للدين يؤدي إلى صراع.
أري أن الأمرين مرتبطان. قد يتمسك البعض بحرفية الدين، ويزعم أنه على معرفة بكل شيء، ويريد أن يفرض "دينه" على الآخرين مقتنعا أنه يقوم بعمل دعوي. وهذا الاتجاه إن دل على شيء فهو يدل على رغبة دفينة أو غير ظاهرة في الاستعلاء، أو التميز. وهي رغبة تجيء من النفس الدنيا التي تريد أن تثبت وجودها من خلال إثبات أن الآخرين على خطأ. أو هي قصر في النظر ناتج مما درج عليه الناس من طريقة في التفكير، حيث تم تنشئتهم على التطابق بين الحق وبين من يتحدثون بإسم الحق أوبإسم الله أو بإسم الدين. ولا يمكن إقامة حوار مع هؤلاء، لأنهم لن يستمعون.
ومن ناحية أخرى فهناك من لم يأخذ من الدين إلا من أجل أن تكون له القوة في الجانب الدنيوي، أي أنه فهم أن الدين قد جاء من أجل أن يسود المتدينون ويحكمون، وينشرون فكرهم بالسلطان والقوة.
هؤلاء وهؤلاء وقعوا في بئر عميق يقلب الحق باطلا والباطل حقا. لا تقف القضية إذن عند "رأي" صواب وآخر خطأ، ولكنها تتجاوزإبداء الرأي إلى اتخاذ موقف يتسم بالظلم والقهر والبغي.
مرة أخرى: ما موقفنا من هؤلاء؟
هل سنتبادل معهم الاتهام، فنوصمهم أيضا بالضلال لأنهم يتهمون الناس بالضلال؟
لا شك أننا سنختلف معهم في هذا الموقف. ولكن لن أفرق بيني وبينهم، فهناك جزء مني قد يميل إلى هذا الاتجاه، ولذا سأستغفر الله لي ولهم، وأدعو الله لي ولهم بالهداية. أكون مثل من قال فيهم القرآن "عِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما" (الفرقان: 63).
هل يمكن بعد كل هذا أن نجتمع على كلمة سواء؟
إذا اتخذنا رسول الله أسوة حسنة، لحاولنا أن نبين تلك الوحدة بين كل الرسالات، ولكان جهادنا أن نطهر قلوبنا من البغي والعدوان.
يقول الرسول" مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ ابْتَنَى بُيُوتًا ، فَأَحْسَنَهَا وَأَجْمَلَهَا وَأَكْمَلَهَا ، إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ وَيُعْجِبُهُمُ الْبُنْيَانُ ، فَيَقُولُونَ : أَلا وُضِعَتْ هَاهُنَا لَبِنَةٌ فَتَمَّ بِنَاؤُهُ ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَأَنَا اللَّبِنَةُ"
دين الفطرة .. دين الإسلام .. الصراط المستقيم .. أو سمه ما شئت.. هذه الرسالة جاءت لتنزع فتيل كل الخلافات التي قامت نتيجة الجهالة أو الشقاق أو غلبة النفس الدنيا التي تظهر في الكبر أو الطمع أو الشهوة في السيطرة على الآخرين. جاءت لتجمع الناس على البر والتقوى. وسوف نرى ذلك في حياة الأنبياء، حيث جاء كل نبي ليعلي قيمة أخلاقية، تسير بالإنسان نحو السلام والتسليم.. أي نحو إقامة الإسلام.
ونحن في اتخاذنا رسول الله سيدنا محمد أسوة لنا، لا نختال به ونتكبر على من يتبعون رسلهم، ولا ينبغي لنا أيضا أن نتبرأ من "الإسلام" لأن هناك حفنة من المسلمين يسيئون إلى رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إننا ولدنا مسلمين، وعلينا أن نختار لنا لإسلام دينا مرة أخرى، بهذا الفهم الذي يجعل معنى الاقتداء برسول الله، أن نجتمع مع العالم أجمع على "كلمة سواء"، ونجادلهم بالتي هي أحسن، ونستمع إلى القول فنتبع أحسنه. من يدري قد نتعلم أكثر عن إسلامنا، إذا استمعنا إلى قوم آخرين.
لنتذكر أن "الموعظة الحسنة" تشتمل على ما هو أحسن.. فليكن طريقنا في الحوار أن نستمع لا أن نغالب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق