الجمعة، 7 يونيو 2013

تأملات في معنى الإسراء و رحلة الإنسان على هذه الأرض

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
"...الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ..."[الأعراف 43].
عباد الله: إنا نحتفل في هذه الأيام، بليلة الإسراء والمعراج. وعلينا، أن نقرأ ما في هذه الليلة من رسائل. وقد كانت هذه الليلة، رسالةً للمؤمنين،
 "فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى،  وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى"[الأعلى 11:9]،
فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى،  وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى"[الأعلى 11:9]،
 "...الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ"[الذاريات 55].
فهي لم تكن معجزةً للكافرين، لأنهم لم يصدقوها، ولن يصدقوها.
 "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ..."[البقرة 2،3].
 وكل ما جاء في ليلة الإسراء والمعراج، من تبليغٍ، أو من أوامر، أو من مشاهداتٍ ـ جاءت كلها بمعانيها وأهدافها، في التنزيل، وفي التبليغ.
لذلك، علينا أن نقرأ هذه الليلة، قراءةً نُركِّز فيها على الحدث نفسه، لا نُركِّز على أمورٍ أخرى، لا نُركِّز على كيفية الإسراء والمعراج، فهذه الكيفية، أمرٌ غيبيّ، إنما نُركِّز على دلالاتها، ماذا يعني الإسراء؟
 "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى..."[الإسراء 1].
الإسراء، هو رحلة الإنسان على هذه الأرض، هو حياة الإنسان على هذه الأرض، يوم يؤمن بأن حياته على هذه الأرض، ليست باطلاً، يوم يؤمن بأن حياته ممتدة، وأنه يجب عليه أن يحافظ على معنى الحياة فيه، وأن يُقدِّر هذه الحياة في كل الكائنات.
هذا، هو القيام في المسجد الحرام، المسجد الذي حُرِّم فيه إزهاق أي روحٍ، والذي يحث الإنسان على ألا يُزهِق روحه، أن يحافظ على ما فيه من حياة. إن البداية، أن تؤمن أنك حيٌّ، وأنك باقٍ.
فإذا كنت كذلك، وهيأت نفسك لذلك، فإن الله يسري بك، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. المسجد الأقصى، الذي يمثل أنك قائمٌ في حالٍ، قد تراكمت فيه الحسنات، والأفعال الخَيِّرة، والمعاني الحية، والمعاملة الصادقة، والإيمان الراسخ، تراكمت فيك المعارف والعلوم، وكل شيءٍ جميل.
فأوجد فيك قوةً، تجعلك غير متثاقلٍ إلى الأرض، لا تكون في معنى:
 "...مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ..."[التوبة 38].
وإنما كنت في معنى، من يلبي النداء، من يرجو لقاء الله، من يحب لقاء الله، "من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه..."(1). لا يكون هذا، إلا بفضل الله، وبتيسير الله، وبهداية الله. إنما عليك في البداية، أن تكون في المسجد الحرام، في الإيمان بمعنى الحياة.
إن هذه رسالة للإنسان، أن يُعِدَّ نفسه إعداداً جيداً، وهو قائمٌ على هذه الأرض، حتى إذا خرج منها، عرج في السماء، وارتقى في السماء، سماءاً فوق سماء، ومجالاً فوق مجال. وهذا، ما نقرؤه في رسالة المعراج، التي هي دلالةٌ ورسالةٌ، لما سيكون عليه الإنسان، بعد انتقاله من هذه الأرض. إذا كان قد كسب حياته، بأقصى حدٍ ممكن، بالحد الذي يجعله يعرج، دون أن يتثاقل إلى الأرض، أو أن تكون له علاقةٌ بهذه الأرض، وقد انطلق منها في سماء العلا.
هذه، هي الرسالة التي نستطيع أن نقرأها، من ظاهرة الإسراء والمعراج، التي جاءت، لتكون خطاباً مستمراً على مر القرون، لكل من يسمعها، ولكل من يشهدها، ولكل من يتأمل في أحداثها وفي دلالاتها.
عباد الله: إن علينا، أن نحاول دائماً، أن نقرأ رسائل الله لنا. وهذا، ما نقوله كثيراً، في كل مناسبةٍ، في كل تبليغٍ، في كل عبادةٍ، في كل معاملةٍ. المحاولة، هي جهادٌ لنا، وهي كسبٌ لنا، وهي تجعلنا أكثر قدرةً، على القيام فيما أُمِرنا به.
وما أُمِرنا به، ما هو إلا كشف الغطاء، عما في نفوسنا،
"...فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ"[ق 22].
وما رسالات السماء، إلا لكشف هذا الغطاء، حتى نرى ما أوجد الله فينا،
 "وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ"[الذاريات 21]، "...أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"[طه 50].
كل فردٍ على هذه الأرض، فيه أسرار الحياة، وفيه أنوار الحياة، وفيه فطرة الحياة، وعليه أن يعكس البصر دائماً إلى داخله، وأن يستفتي قلبه دائماً، وأن يدربه على التمييز بين الطيب والخبيث، بين الحق والباطل، بين النور والظلام.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفقنا لطريقه ولرسالته، وأن يجعلنا أهلاً لنفحاته ورحماته.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
______________________

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو أن نُعَبِّر عن قراءتنا وتدبرنا وتأملنا في الإسراء والمعراج، مُدركين أن هذا الحدث الجلل، هو خطابٌ للمؤمنين، حتى يتعلموا طريقهم، وحتى يُعِدُّوا أنفسهم لرحمات الله ونفحاته، ليسري بهم، ليساعدهم، ليأخذ بيدهم ـ حتى يحققوا رسالتهم على هذه الأرض.
وأن رسالتهم على هذه الأرض، هي أن يتعاملوا فيها مع الله، في كل أحوالهم، وفي كل معاملاتهم، وفي كل عباداتهم، لتتراكم المعارف في عقولهم، والطيبات في قلوبهم، والأعمال الصالحة في جوارحهم، ويتحول كل ذلك، إلى رصيدٍ لأرواحهم، يدفع بهم أن ينطلقوا من جاذبية هذه الأرض، ومن التثاقل إليها، إلى سماوات العلا، من سماءٍ إلى سماء، ومن مجالٍ إلى مجال، ومن عالمٍ إلى عالمٍ أرقى.
وأن علينا، أن نقرأ هذا الحدث، أنه رسالةٌ للمؤمنين، رسالةٌ للذين يؤمنون بالغيب. وأن كل حدثٍ، وكل أمرٍ، وكل عبادةٍ، وكل معاملةٍ ـ فيها رسالةٌ لمن يقرأ، وفيها تذكيرٌ لمن يسمع. فعلينا، أن نقرأ وأن نسمع، حتى نَتَفَقَّه حقاً في ديننا، وأن نكون أفضل في معاملاتنا وفي سلوكنا، سائلين الله، أن يأخذ بيدنا، حتى لا نتثاقل إلى أرضنا، وحتى نلبي دعوة السماء، فنكون قد حققنا حياتنا، وكسبنا كَرَّتنا.
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ"[آل عمران 193].

_______________________

(1)    حديث شريف نصه :" من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه " صحيح البخاري.   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق