الجمعة، 6 سبتمبر 2013

هل يحتاج الدين حقا من يدافع عنه؟

         حمدا لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
عباد الله: إنا نمر بتجربةٍ، لنتعلم منها معنى ديننا، ومعنى حياتنا ووجودنا على هذه الأرض. ما هو هدف الإنسان، الذي من أجله يبذل كل حياته؟ ما هو الدين، الذي يعتقد الإنسان فيه، ويرى أنه ما يجب أن يكون، وما يجب أن يعتقده الآخرون؟ وهل الدين الحق، في حاجةٍ للناس أن يدافعوا عنه؟ أم أن الناس في حاجةٍ إليه، ليعيشوا عيشةً كريمة، ويؤهلهم لحياةٍ أفضل، في الدنيا وفي الآخرة؟ كيف تكون الدعوة إلى الدين؟ ومن الذي يدعو إليها، أو يدعو إلى الدين الحق؟ تساؤلاتٌ، يطرحها واقعنا وحالنا الذي نمر فيه.
لذلك، فإنا نذاكر دائماً، عن مفهوم الدين، لأننا يوم نُعرِّف الدين، سوف يساعدنا ذلك، على الإجابة عن الأسئلة المطروحة. وقد تحدثنا في ذلك كثيراً، ولكن لنُذكِّر أنفسنا بتأملنا ومفهومنا في معنى الدين: 
"إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ..."[آل عمران 19] 
"مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا..."[آل عمران 67].

فالإسلام هنا، لا ينحصر في شكلٍ، عرفه الذين تابعوا الرسول ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وإنما ما جاء به الرسول، هو تعبيرٌ عن الإسلام. وكل ما جاء به الرسل والأنبياء، هو تعبيرٌ عن الإسلام. لذلك، فنحن نقول دائماً، أن الإسلام هو قانون الحياة، هو المنهج الذي يؤدي إلى الحياة:
 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..."[الأنفال 24].
وإذا نظرنا بعمق، لوجدنا أن هذه المعاني التي تدعو إليها كل الأديان، موجودةٌ في الإنسان. فكل إنسان، يستطيع أن يُميِّز بين الخبيث والطيب، بين الشر والخير، بين الظلام والنور. يستطيع أن يُميِّز في المطلق، بمعنى أنك إذا خيرت الإنسان بين العدل والظلم، لاختار العدل.
ولكن، حين ننزل إلى أرض الواقع، فإن الأمر يختلف: 
"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ"[العنكبوت 2]. العبرة، حين تنزل أنت إلى أرض الواقع، وتكون طرفاً في صراعٍ، أو في نقاشٍ، أو في مجادلةٍ، أو في رأيٍ ـ كيف ستستطيع أن تُميِّز بين العدل والظلم، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، وهذه هي الإشكالية الحقيقية.
أننا حين ننظر فيما نمر به من أحداثٍ، إلى أناسٍ كثيرين، كانوا يتكلمون، فتُعجَب بما يقولون. وكانوا يُنَظِّرون، فتُعجَب بما له يُنَظِّرون. وحين وقعت الواقعة، فتكلموا، فوجدت شيئاً آخر، وقولاً آخر. وضعوا أنفسهم في جانبٍ، دون أن ينظروا إلى الجانب الآخر، وجعلوا الدين في جانبهم، وكَفَّروا الآخر.
الدين، الذي يدعو إلى العدل، وإلى السلام، وإلى الرحمة، وإلى البحث عن مصلحة العباد، وعما هو أفضل لهم، في حياتهم، وفي معاشهم ـ تركوا كل ذلك جانباً، بل وضعوا كل هذه الأشياء في الجانب الذي يناصرونه، دون وعيٍ ودون فهم.
حتى إذا كان الأمر كذلك، فرؤية الإنسان لمصلحة العباد، هي رؤيةٌ دنيوية، وسياسة أرضية واقعية، نختلف فيها. ولكن الوسيلة التي نحقق بها ما نرى أنه الصواب، يجب أن تكون وسيلةً لا تؤذي، ولا تقتل، ولا تُدمِّر، ولا تُشرِّد. فهذا، هو الاختبار الأكبر.
هل يستطيع الإنسان، أن يكبح نفسه، من أن تمارس عنفاً، أياً كان الذي يراه، خاصةً وأنه هو الذي يُبادئ به؟ أم أن الأمور تختلط على الإنسان، وتُسوِّل له نفسه ـ بظن دينٍ ـ أن يقتل، وأن يُدمِّر إخواناً له في مجتمعه، وفي وطنه، وفي أرضه، وفي إنسانيته، بظن أنه يدافع عن الدين؟
فهل حقا، الدين يحتاج إلى من يدافع عنه؟ أم أن الدين، هو الدعوة "..بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..."[النحل 125]؟ الدين، هو في الكلمة السواء. الدين، هو في السلوك المستقيم. الدين، هو في التَرفُّع عن السلطة لذاتها، والدنيا لذاتها. الدين، هو البذل لما فيه خير المجتمع. الدين، هو السلام، هو المحبة، هو الألفة، هو مساعدة الآخر، هو العيش الكريم، هو العدل، هو الحق، هو كل الصفات الراسخة في الإنسان بفطرته، بخَلق الله له، بعقله الذي يُميِّز بين الخير والشر، بقلبه الذي أوجده الله فيه وأمره أن يستفتيه، وإن أفتاه الناس في أي أمر.
هل نُدرِّب الناس أن يُعمِلوا قلوبهم وعقولهم؟ أم أننا نريد منهم أن يُلغوا عقولهم وقلوبهم؟ إنا نرى أثر ذلك في مجتمعنا، كيف أدى إلغاء العقل والقلب، إلى أن يصير كثيرٌ من الناس مغيبين عن الحقيقة، يسيرون وراء أقوالٍ جوفاء، لا يعرفون لماذا يفعلون ذلك، إنما يرددون كلماتٍ لا معنى لها، ولا واقع لها، ولا سند لها، ولا قيمة لها. الدين، يُحفِّز كل إنسانٍ، أن يُعمِل عقله، وأن يعمِل قلبه.
عباد الله: إننا في مرحلةٍ، قد نستفيد منها جميعاً، حين نتأمل فيها، لنعرف معنى الدين حقاً، ولنتخلص من أوهامٍ، فرضها أناسٌ علينا وعلى مجتمعنا، بظن دينٍ. وكان الناس أسرى لهذه المفاهيم، لا يستطيعون فكاكاً منها.
ربما نستطيع اليوم، أن نخرج من هذا الأسر، إلى رحابة الدين، إلى معناه الشامل، إلى الكلمة السواء، إلى ما هو أحسن، إلى قيمٍ تساعد الإنسان في حياته، إلى مفهومٍ لعبادات الدين ومناسكه وأحكامه وشرائعه ـ فهماً، يجعل منا أمةً تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.
نسأل الله: أن يجعل مما نمر به، سبباً لنفيق إلى الحق والحقيقة، وسبباً لأن نتعلم حقاً ديننا، ولأن نرجع حقاً إلى ديننا، وإلى أن نتعلم كيف نكون أمةً وسطاً، تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
______________________

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن هذه المرحلة التي يمر بها مجتمعنا، هي مرحلةٌ تعليمية تدريبية، هي اختبارٌ، هي فتنةٌ، "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ".
نرى فيها المفاهيم الوهمية، وهي تتساقط. نرى فيها الجمود في الدين، وهو يتراجع. نرى فيها كيف يتغير الناس، حين يتعرضون لتجربةٍ حقيقية، لعلنا نتعلم من هذه التجربة، معنى الدين الحق، كما جاء في كل الرسالات السماوية، وكما تجلى واضحاً في رسالة محمدٍ ــ عليه الصلاة والسلام.
نفهم، "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ..."، فهماً حقيقياً، نفهم ماهية وجودنا على هذه الأرض: 
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"[الذاريات 56] 
نفهم معنى العبادة الحقة التي تتمثل في: 
"...رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 191] 
نفهم حقاً، أحكام شريعتنا، ومبادئ ديننا، ودلالات المناسك والعبادات والمعاملات في حياتنا، نفهم حقاً، كيف نطبق شريعتنا "..بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ..."، بما هو أفضل وأحسن وأقوم، في كل أمر.
هذه فرصةٌ علينا أن نستفيد منها، وأن نتعلم منها الكثير، لعل مجتمعنا يفيق إلى الحقيقة، ويفهم حقاً ماهية الدين، وتطبيق الدين، وما يجب أن يكون عليه الإنسان في قراءته لدينه، وكيف يعكس كل ما يقرؤه إلى داخله، ليتفاعل معه، لا مجرد أن يردده، أو أن يُقلِّد أمراً دون وعيٍ ودون فهم.
نريد من يفهمون، من يتأملون، من يتدبرون، من يستفتون قلوبهم، ومن يرجعون إلى فطرتهم، ومن يسألون الله أن يهديهم، "الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"[آل عمران 191].
نسأل الله: أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك .
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها، ولا ظلماً إلا رفعته، ولا طاغيةً إلا كسرته.
اللهم فاجعلنا في طريقك سالكين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"[آل عمران 8].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق