حديث الجمعة
14
ربيع الثاني 1435هـ الموافق 14 فبراير
2014م
السيد/ علي رافع
الحمد
لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
الحمد
لله، الذي جعل لنا بيننا حديثاً متصلاً، نتواصى فيه بالحق والصبر بيننا، نتدبر
أمور حياتنا، ونقرأ رسائل الله لنا في كل ما يحدث حولنا، "سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ..."[فصلت 53].
عباد
الله: إن هذه الحياة
التي نعيشها على هذه الأرض، هي مرحلةٌ من مراحل وجودنا، "يَا
أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ
فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"[الإنفطار
8:6].
الإنسان،
كان قبل هذا العالم، وسيكون بعد هذا العالم، والحياة على هذه الأرض، لها قيمتها،
فمن خلال قيامه عليها، يكسب الإنسان، قوةً تدفعه إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوم. لذلك،
فإن تقدير هذه الحياة، ومعرفة قيمتها، أمرٌ له أهميةٌ كبرى بالنسبة للإنسان.
لذلك،
كان ديننا يحث الإنسان على أن يعمل على هذه الأرض، وأن يُحسِن في عمله. وكل الآيات
حين تتحدث عن الإيمان، يَتبع الإيمانَ العملُ الصالح، "..الَّذِين
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ..."[البقرة
25]، "...مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً..."[البقرة 62].
فالقضية،
كيف يعمل الإنسان عملاً صالحاً على هذه الأرض. القضية، ليست في شكل العمل، لأن
الناس يتصورون أنهم يوم يصلون ويصومون ويحجون بأجسادهم، فإن هذا يكون عملاً صالحاً،
وهذا يمكن أن يكون، ويمكن ألا يكون.
[فكم
من مصلٍ لم يزدد بصلاته إلا بعداً](1)، [وكم من صائمٍ لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش](2)، وكم من حاجٍ لم يأخذ من حجه إلا المشقة. وكم من مصلٍ
إزداد بصلاته إلى الله قرباً، وكم من صائم ازداد بصيامه طُهراً وتزكيةً، وكم حاجٍ
ازداد بحجه قرباً، ومغفرةً، وتغييراً شاملاً من داخله وخارجه ـ فليسوا سواء.
لذلك،
فإننا حين نتحدث عن العمل الصالح، إنما نتحدث عن عمل كل إنسان، فالعمل يُنسب إلى
الإنسان، ويُنسب إلى نيته، ويُنسب إلى مقصده، ويُنسب إلى نتائجه. فكما قال القوم: [رب
معصية أورثت ذلاً وانكسارا، خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزاً واستكبارا](3)، فهنا، قيس العمل بنتائجه.
فقد
أورثت المعصية ذلاً وانكسارا، طلباً وافتقاراً إلى الله، اتجاهاً أكثر إليه، توكلاً
أكثر عليه، طمعاً في رحمته، وطمعاً في مغفرته ـ فازداد الإنسان قرباً، وإحساساً
بالله ومعية الله فيه وله، وذكر الله ذكراً.
أما
الذي نسى الله بظن طاعةٍ، وكانت نتيجة الطاعة استكباراً وعزاً، فظن الإنسان أنه
بهذه الطاعة، يجب أن يحكم الناس جميعاً، وهو أفضل من الناس جميعاً، ويجب على كل
الناس أن يطيعوه لأنه يُقيم الطاعات، لأنه هو الذي يعرف دين الله، وهو الذي يُقيم
دين الله، فهو الأفضل والأحسن والأقوم.
هذا
العمل، الذي في ظاهره طاعة، إنما هي كانت ظن طاعة، لأن نتيجتها كانت تبعده عن
افتقاره، وسؤاله، ورحمته بالناس، وتعاطفه مع الناس. جعلته لا يرى كل ذلك، ولا يرى
إلا نفسه، فكان هذا ليس عملاً صالحاً، فالعمل الصالح له مقاييسٌ كثيرة.
حين
نقرأ الآية، والحق يخاطب نوحاً ــ عليه السلام ــ فيقول له عن ولده: "...إِنَّهُ
عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ..."[هود 46]، إنه يُعبِّر عن حال الإنسان في غفلته، بغض النظر عن
انتسابه، عن سبب تواجده على هذه الأرض، إن غفلته، وإقراره بحال مجتمعه وما عليه من
غفلةٍ، وتمسكه بهذا الحال المظلم، وعدم محاولة الاستماع إلى داعي الحق وهو يخاطبه
ـ ينتج عن هذا عملٌ غير صالح.
لذلك،
فالإنسان وما هو عليه وما يعتقده، سواء في علاقته مع الناس، أو في علاقته مع ربه،
علاقته هي التي تحدد ماهية عمله. فإذا كان رحيماً مع خلق الله، متواضعاً معهم،
يريد أن يكون أداة خيرٍ لهم، فهو قائمٌ في عملٍ صالح. وإذا كان إلى الله مفتقراً،
داعياً، مستقبلاً نفحات الله ورحماته، مستمعاً لآياته، متقبلاً لكلماته، فهو عملٌ
صالح.
لذلك،
نجد دائماً آياتٍ كثيرة تحدثنا عن ذلك، "...مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً...".
تحدثنا عن خلق الإنسان، "..خَلَقْنَا
الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ،
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ..."[التين
6:4]، "وَالْعَصْرِ، إِنَّ
الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر
3:1].
"..الَّذِين
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ..."، حالٌ مطلق لكل إنسان على هذه الأرض، كل إنسانٍ أعمل ما
أعطاه الله من طاقات. ما أعطاه الله من عقلٍ، ومن فطرةٍ، ومن قلبٍ، ومن ضميرٍ،
فأعمل كل ذلك، فكان مؤمناً، لأنه أدرك أن وجوده ليس عبثاً، وأن ما أعطاه الله من
قدرةٍ على التمييز، لم يعطها له هباءاً، وأن خَلقه ليس باطلاً، "...رَبَّنَا
مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..."[آل
عمران 191].
آمن
بوجوده، وآمن برسالته. فإيمانه بوجوده، هو إيمانه بالله، وفَعَّل كل ما آمن به في
عمله ومعاملاته، وأصبح بذلك من "..الَّذِين
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ...". لا
تفريق هنا، بين دينٍ ودين، وبين جنسٍ وجنس، وبين ذكرٍ أو أنثى، إنما الكل سواسية.
إن
كل الرسالات السماوية، ما جاءت إلا لتذكر الإنسان بذلك. وما كانت مناسك كل عبادةٍ
في أي دينٍ، إلا وهي وسيلةٌ لأن يحقق الإنسان ذلك في وجوده. وما كان الإسلام إلا
تعبيراً عن هذه الحقيقة، التي جاءت بها كل الأديان.
فهل
استمعنا إلى ديننا حقاً؟ وهل قرأنا ديننا حقاً؟ أم أننا انشغلنا بظاهر الأعمال،
ونسينا كيف نكون في تعاملٍ مع الله، وكيف نكون عملاً صالحاً؟
نسأل
الله: أن نكون عملاً صالحاً، وأن نكون من "الَّذِينَ
يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..."[الزمر
18].
فحمداً
لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
____________________
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد
الله: ما أردنا أن
نقوله اليوم: هو معرفة معنى العمل الصالح، وكيف نكون عملاً صالحاً، وكيف تكون
أعمالنا أعمالاً صالحة، بهذا تكون حياتنا على هذه الأرض نجاةً لنا، وإحياءاً
لوجودنا في آخرتنا، أن نكون حياةً ممتدةً، مستمعين لله ولرسوله وهو يدعونا لما
يحيينا.
وهذا،
هو المعنى الذي تُذكِّرنا الآيات به، تُذكِّرنا بأن الهدف هو أن نكون أحياءاً عند
ربنا نُرزق، "وَلاَ تَحْسَبَنَّ
الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ"[آل عمران 169].
العمل
الصالح، هو كل عملٍ يقوم به الإنسان، ونيته أن يكون أداة خيرٍ للآخرين، وأن يكون
مؤدياً بكل إمكاناته وطاقاته، لا يتأخر في العطاء، ولا يبخل في العطاء، إنما يقدم
كل ما يستطيع، ويبذل كل ما يستطيع.
بهذا،
يكون العمل عملاً صالحاً، يكون العمل عملاً ناجزاً، يكون العمل عملاً مُحيياً،
يكون العمل نوراً للإنسان في طريقه، وهو يرى الله في كل الناس، متعاملاً معه، كما
يرى الله غيباً، يشعر بنفحاته ورحماته، ويطمع في أن يقيم صلةً مع مصدر الحياة،
فيكون قائماً أمراً وسطاً، بين الشهادة مشهودةٌ في خلق الله، وبين الغيب مؤمناً به
متعالياً عن أي صورةٍ وعن أي شكل.
فيقوم
الإنسان طالباً في دوامٍ لرحمة الله وعطاء الله، من غيبٍ يؤمن به، في شهادةٍ يقيم
فيها. يكون هو رحيماً مع خلق الله، [إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء](4). والحق يعلمنا ذلك، في أن نرى الله في خلقه.
فالحديث
القدسي الذي معناه، وهو يخاطب عبده: [لم يا عبدي لم تزرني، فقال له عبده: وكيف
أزورك؟ قال: مرض عبدي فلان ولم تزره، وإن زرته لوجدتني عنده](5)، وهكذا، يعدد الحديث الأحوال، في أن الإنسان يوم يُعطي، فهو يتعامل مع الله.
والإنسان
بذلك، يقوم أمراً وسطاً بين الشهادة والغيب، يتجه إلى الغيب بالدعاء، وطلب النفحات
والرحمات، ويتجه إلى الشهادة بالعطاء، وببذل كل الجهد لما يستطيع أن يقدمه. هذا
الإنسان، الذي يرى في كل ما يقوم به في دينه، وسيلةً ليكون في هذا الحال. هذا، هو
الإنسان الذي يكسب حياته.
نسأل
الله: أن نكون من الذين يكسبون حياتهم، ويرجون لقاء ربهم، ويتعرضون لنفحاته،
ويبذلون كل ما يستطيعون في هذه الأرض، لأجل خير الإنسان، وخير المجتمع، وخير
العالم.
نسأل
الله: أن نكون كذلك، وأن يوفقنا لذلك.
اللهم
وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم
ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا
منجى منك إلا إليك.
اللهم
فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم
ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم
اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم
لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا
فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم
ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا
أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
____________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق