حديث الجمعة
21
ربيع الثاني 1435هـ الموافق 21 فبراير
2014م
السيد/ علي رافع
حمداً
لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
"...الْحَمْدُ
لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا
اللّهُ..."[الأعراف 43].
الحمد
لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
عباد
الله: إن علاقة
الإنسان بربه، هي جوهر فهم الإنسان، لدينه، ووجوده، وحياته على هذه الأرض. هذه
العلاقة، التي علمنا إياها رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ بما علمه ربه، وبما أطلعه على
قانون هذه الحياة. هذا السر، هو العبودية لله، "إِن
كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا"[مريم
93]، "وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"[الذاريات
56].
والعبودية
لله، ليست مجرد كلام، أو نطقٍ باللسان، وإنما هي سلوكٌ وقيام، وإنما هي إيمانٌ
وعمل، إنها علاقةٌ قائمةٌ، على تقدير ما أودع الله في الإنسان، من إرادةٍ ومن قدرةٍ
تُمَكِّنه من معرفة أسرار حياته المشهودة له، وأولها نعمة العقل، الذي تميز به
الإنسان عن باقي الكائنات، قدرة الإدراك، وقدرة التغيير.
الكائنات
الأخرى، ليست لها قدرة على أن تستوعب ما حولها، وأن تغيره، [ما ظهر الله في شيء
مثل ظهوره في الإنسان](1). علاقة الإنسان بربه، قائمةٌ على فهم ما يحيط به، وما
جاءه من آيات. فالإنسان مكلفٌ بما يفهم من آيات الله، وبما يصل إليه من فهمٍ في
آيات الله حوله، وفي أسرار الحياة حوله، وفي قانون الله الحاكم لهذا الوجود.
لذلك،
نجد توجيه الحق للإنسان، أن يُفَعِّل هذه الطاقات، "قُلْ
سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ..."[العنكبوت
20]،
"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا
وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ..."[آل عمران 191]، "سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ..."[فصلت 54].
وفي
هذا، دلالة على أن الإنسان يملك رؤية، لأني كيف سوف أُرِي من لا يَرى، وإنما
أعطيته القدرة على أن يرى آياتي، وأن يستمع إليها، "أَسْمِعْ
بِهِمْ وَأَبْصِرْ..."[مريم 38]، وأصبحت
طاعة الإنسان لربه، قائمةً من خلال رؤية الإنسان وفهمه لآيات الله له.
وهذا
أمرٌ أساسي، لأن الذين يتصورون أن أوامر الله مطلقة، هم يتصورون شيئاً لا وجود له،
لأن ما يرونه، وما يفهمونه، وما يعتقدون أنه أمر الله المطلق، إنما هو في واقع
الأمر رؤيةٌ لهم، وفهمٌ لهم، أصبغوا عليه هذه القداسة المطلقة.
ولنا
في تاريخنا، وفيما ذهب إليه كثيرٌ من الفقهاء، أن هناك فهماً متعدداً لكثيرٍ من
القضايا الخاصة بمعاش الإنسان، وتعامله على هذه
الأرض. وما كان هذا التعدد، إلا رسالةً للإنسان، أن يأخذ ما يستريح له قلبه،
[إستفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك وإن أفتوك](2).
فكان
الإنسان، هو الذي يحدد طريقه وأسلوب حياته، بما يستريح له من الآراء المختلفة،
وربما يستريح هو لرأيٍ ارتآه بفهمه ورؤيته، بعد بحثٍ، وتأملٍ، وتفكرٍ، وتدبر. وهذا،
يُقَوِّي ما نذهب إليه، من أن طريق الطاعة، يكون من خلال الإنسان وما يرى، وليس
لأمرٍ مطلقٍ نتصوره.
فهذه
العلاقة بين العبد وربه، تمر من خلال قلب الإنسان، ومن خلال عقل الإنسان، ومن خلال
فهم الإنسان. لذلك، فهي علاقةٌ مميزةٌ، لا يمكن تشبيهها بأي علاقةٍ بين إنسانٍ
وإنسان. إن كثيراً من المفاهيم الشائعة، تصور علاقة الإنسان بربه، كعلاقة المرؤوس
برئيسه، أو العبد بسيده، وهذا تشبيهٌ باطلٌ، لا يمكن أن يستقيم، لأن علاقة الإنسان
بربه، ليس كمثلها شيء، وتعالت هذه العلاقة عن أي صورةٍ، أو أي شكل.
حتى
وإن كان الإنسان يستريح لفهمٍ ما، فإنه يقوم فيه، لأنه هو المتاح له على هذه الأرض،
لا يستطيع أن يُلزم به إنساناً آخر، وبذلك، تكون علاقة كل إنسان بربه، هي علاقةٌ
مميزة، لها خصوصيتها، ولها تفردها.
كما
أن لكل إنسانٍ في صفاته، ما يجعله فريداً مختلفاً عن الآخرين. فكل إنسانٍ له بصمته،
وله صفاته التي تميزه عن أي إنسانٍ آخر، ومن ثم تكون العلاقة بينه وبين ربه أيضاً،
علاقةً مميزة خاصةً به، لا يستطيع أحدٌ أن يعرفها، أو أن يفرضها على أي إنسانٍ آخر.
لا يستطيع إنسانٌ، أن يفرض علاقته بالله على أي إنسانٍ آخر.
ومن
هنا، تكون حرية الإنسان ومسئولية الإنسان، "...كلكم راع وكلكم مسئول عن
رعيته..."(3)،
"...لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى..."[الأنعام 165]، "وَأَن
لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى"[النجم
40،39]، "فَمَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
شَرًّا يَرَهُ"[الزلزلة 8،7].
لو
أننا أدركنا مفهوم علاقتنا بالله، في هذا الإطار الذي يجعل الإنسان حراً متفرداً،
يجعل الإنسان مُقدِّراً لما أعطاه الله، عاملاً بما أعطاه الله، لذلك سوف يكون
الإنسان أكثر تواضعاً، وأكثر افتقاراً لله، وأكثر تعاوناً مع خلق الله، وأكثر
تقديراً لإخوانه في الحياة، فسوف يحترم علاقتهم، وسوف يتواصى معهم بالحق وبالصبر،
دون أن يفرض رؤيته الخاصة بعلاقته مع الله على الآخر، ولا يفرض الآخر علاقته بالله
عليه.
فإن
تواصوا، فإنهم يتواصون بما يرون أنه حق المجتمع، وخير المجتمع، وخير الناس على
أرضهم، يقدرون كل إنسانٍ على هذه الأرض، بل يقدرون كل كائنٍ على هذه الأرض،
ويعملون بما يرون أنه يصلح حال كل كائنٍ حي يقوم في هذا الكون.
هذا،
ما نقرأه في آيات الله لنا، لا نقول أنه الحق المطلق، وإنما هي رؤيةٌ مختلفةٌ عما
عليه الكثيرون. نعتقد أن بهذه الرؤية التي ــ في واقع الأمر ــ لا تفرض صورةً على
أي إنسان، وإنما هي كل ما تقوله: ألا يفرض أي إنسانٍ صورةً على الآخر، وأن تعاونهم
يجب أن يكون فيما هو صالح مجتمعهم، وأن الدين هو في قلب كل إنسان، في علاقته بربه.
وأن
هذه الرؤية، لها ما يعضدها في آيات الله، وفي سيرة رسول الله ــ صلوات الله وسلامه
عليه ــ في قراءتنا لها، نتواصى بها مع إخواننا، من يستجب لها يُكبِر حريته، لأنها
لا تفرض شيئاً، وإنما تقول للإنسان: أنت مسئولٌ، وعليك أن تفكر، وأن تُعمِل طاقاتك
ولا تهدرها.
وهذا،
ما قاله الدين لنا، يوم أمرنا أن نفكر، وأن نتفكر، وأن نعمل عملاً صالحاً، وأن
نذكر، وأن نستعين بالله. وحين أمرنا بذلك، ترك لنا أن نختار طريقنا الذي نذكر به،
فأرسل لنا رسائل سماويةً عديدة، لتعلمنا أنواع الذكر، وإن أخذت صوراً متعددة.
والذكر،
ما هو إلا وسيلة تساعدنا أن نستقيم في طريقنا، تجعلنا لا نخرج عن الطريق القويم،
وعن الصراط المستقيم الذي فيه نحترم ما أعطانا الله، وما أعطى غيرنا، فكلٌّ له
عطاؤه. يكون تركيزنا في ذكرنا، أن نأخذ قوةً تساعدنا على أن نسلك طريق الصلاح
والفلاح، وطريق الحق والحياة.
عباد
الله: نسأل الله: أن
نكون كذلك، وأن يوفقنا الله لذلك.
فحمداً
لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
____________________
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد
الله: ما أردنا أن
نقوله اليوم: أن علينا أن نتفَهَّم علاقتنا بالله، من خلال ما كشف لنا عنه رسول
الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وما جاء في آيات الله لنا، من معنى العبودية
لله، وفي تفسير معنى هذه العبودية، "وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ".
فسعي
الإنسان على هذه الأرض، وفهمه لأسرارها، وتقديره لما أعطاه الله من قدرةٍ على كشف
هذه الأسرار، وكل ما يُمَكِّن الإنسان من ذلك من طلب القوة والعون بالذكر والدعاء
ـ هذا، الذي يجعل الإنسان في معنى العبودية لله، مدركاً لهذا المعنى، ومقيماً له،
مدركاً لهذه الحقيقة التي عبر الحق عنها، "إِن
كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا".
الذي
يريد ويقصد وجه الله، يريد أن يكون في طريق الرحمن، وأن يكون آتٍ الرحمن، عليه أن
يدرك أن الطريق الوحيد لذلك هو أن يقوم في معنى العبودية لله، والعبودية لله تتجلى
في قوانين الحياة، فأنت من خلال هذه القوانين تستطيع أن تغير، أن تغير نفسك، وأن
تغير ما حولك.
أما
أي طريقٍ آخر، قائمٌ على الكبر والتكبر، فهو لن يؤدي إلى نجاتك، وإلى صلاحك، وإلى
حياتك ـ بل سوف يؤدي إلى هلاكك، وضياعك، وموتك. هذا، ما نفهمه من آيات الله لنا،
نسأله قوةً، ونسأله رحمةً، ونسأله مدداً، لنقوم حقاً في معنى العبودية له.
اللهم
وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم
ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا
منجى منك إلا إليك.
اللهم
فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم
ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم
اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم
لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا
فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم
ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا
أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
____________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق