حديث الجمعة
24
رجب 1435هـ الموافق 23 مايو 2014م
السيد/ علي رافع
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه،
وعلى مقصود وجهه.
عباد الله: تدبروا آيات الله لكم،
لتتعلموا دينكم ولتكونوا أكثر عمقاً في فهم رسائل الله لكم، وتعلموا أن فهمكم هو الذي يحدد طريقة سلوككم، وأنَّ
لا يستطيع إنسانٌ ـ أياً كان ـ أن يَدَّعي أن فهمه لآيات الله هو ما يريد الله
بالإطلاق.
فما نحن مطالبون به، هو ما نفهمه من آيات
الله، وما نعتقد أنه الصواب بالنسبة لنا، وأن الله أكبر، وأن الله قد تعالى عما يصفون وعما يرسمون وعما يُجسِّدون، وهذا المعنى، هو
معنىً من المعاني التي تحملها شهادة أن لا إله إلا الله، وأيضاً معنى من معاني
عبادة الله، ومعنى من معاني الإيمان بالله، وهذا أمرٌ أساسيّ في حياة الإنسان على
هذه الأرض.
لذلك، نجد آياتٍ كثيرة تشير إلى "...مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ..."[البقرة 62]، و"...الَّذِينَ آمَنُواْ..."[البقرة 76]، و"الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ..."[آل عمران 191]، "وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"[الأعلى 15]، كل هذه الآيات، هي آياتٌ
شارحة لمعنى لا إله إلا الله.
لذلك، فإن كل ما يفعله الإنسان من عباداتٍ،
ومن أعمالٍ، ومن ذكرٍ ـ هو ليفهم أكثر معنى لا إله إلا الله، ليفهم أكثر رسالته
على هذه الأرض، وكيف يكون حقاً في معنى العبودية لله، كيف يذكر الله، كيف يؤمن
بالله، كيف يذكر اسم الله، كيف يهيئ وجوده لنفحات الله، هذا الشق الغيبي في الإيمان مطلوبٌ،
ليستطيع الإنسان أن يعيش الشق المشهود له.
لذلك، كانت شهادة أن محمداً
رسول الله، تشير إلى الشق المشهود لنا في هذه الحياة، وكان ظهور الرسل والأنبياء،
يمثل الشهادة بالنسبة للناس على هذه الأرض. وتبقى هذه الشهادة على هذه الأرض بما
تركه الرسل والأنبياء، من مسلكٍ، ومن توجيهٍ، ومن شرحٍ، وأيضاً من قوةٍ روحية لم
تغادر هذه الأرض حتى بعد أن غادروها إلى الرفيق الأعلى. فأثرهم باقٍ روحياً ومعنوياً، "...وَجَعَلْنَا
لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..."[الأنعام
122]، [تركت فيكم الثقلين، كتاب الله
وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لا تضلون أبدا، فإنهما لا يفترقان أبدا](1).
وما كان كتاب الله وعترة رسول الله ـ بجانب
الحفظ المادي والشكلي ـ هناك أيضاً جانبٌ روحيّ قائمٌ، ولذلك، أشار رسول الله ــ صلى
الله عليه وسلم ــ إلى [مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف
عنها هلك](2). وما كان أهل بيت رسول الله، إلا كل صالحٍ قائمٍ على هذه الأرض، وما يتركه
هذا الصالح القائم، من أثرٍ روحيّ ومعنويّ، وتأثيرٍ معنويٍّ وروحيٍّ أيضاً، على من
هم قائمون على الأرض.
وقد أشار رسول الله ــ صلوات الله عليه
وسلامه ــ إلى ذلك، يوم علمنا وعَرَّفنا [من رآني فقد رآني حقاً](3)، وكما أشار أيضاً [أنا حيٌّ
في قبري](4)، [من حج ولم يزرني فقد جفاني](5)، حتى وإن قال البعض بضعف مثل هذه
الأحاديث، إلا إن معناها يشير إلى معنىً أكبر، فليس المقصود بالقبر هنا هو مكانٌ
على هذه الأرض، وليس الرؤيا هنا المقصود بها أن تراها في نومك، أو في يقظتك، أياً
كان، وإنما المقصود هو إشارةٌ إلى أن الجانب الروحيّ لكل داعٍ للحقيقة، له أثره الدائم على هذه الأرض.
ولذلك، حين وضع الله أول بيتٍ للناس، "إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا..."[آل عمران 96]، كان إشارةً إلى ذلك، فالبيت هنا هو إشارةٌ لهذا القانون الذي يعني أن الأثر
دائم، وتصبح كل معاملاتك على هذه الأرض، هي محاولةٌ لأن تكون مقتدياً برسول الله
في تعاملاتك، وفي أذكارك، وفي كل أحوالك، وأن تقيم صلةً مع هذا المصدر الروحيّ
الذي لا ينضب، والذي هو الطريق الوحيد، لأن تأخذ مدداً وقوةً ونوراً منه.
لذلك، قال الصوفية: [فكان غيبا من غيبك،
وبدلاً من سر ربوبيتك، حتى صار بذلك مظهراً نستدل به عليك، فكيف لا يكون كذلك، وقد
أخبرتنا بذلك في محكم كتابك بقولك: إن الذين يبايعونك، إنما يبايعون الله](6).
لذلك، كانت الشهادة هي الطريق إلى الغيب، وأن صلتك بالغيب هي في استقامتك
في صلتك مع الشهادة. هذا، ما نتعلمه في ديننا، ونتعلم أن كل ما أُمِرنا به،
هو لمساعدتنا أن نكون في هذا الحال.
ولكن البعض، لم ينظروا إلى هذا الجوهر وإلى
هذا الهدف، ونظروا إلى ما أُمِرنا به لذاته، فدققوا في شكل العبادات وصورها، وهذا
لا مانع في أن يقوموا به، ولكن يجب أن يرتبط ذلك بالمقصد والهدف. وأنك إذا فصلت
الفعل والمنسك والعبادة عن مقصودها، ورأيتها كياناً منفصلاً لا علاقة له بمقصدٍ أو
هدفٍ، فإنك تفقد معناها ودلالاتها، وأثرها في وجودك وفي وجدانك وفي قلبك وعقلك.
ونشير كثيراً إلى قول رسول الله ــ صلوات
الله وسلامه عليه ــ: [من لم تنهه صلاته فلا صلاة له](7)، و [كم من صائمٍ لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش](8)، بل أننا نرى ذلك في سلوك البعض، بل في سلوكنا أنفسنا في بعض الأحيان. ونحن نجتمع على ذكر الله، إلا أننا
في بعض الأحيان في معاملتنا نفقد الصلة الحقية، ونجعل من الجمع الذاتي شكلاً نقومه،
ولكن لا يؤتي أثراً فينا، ولا يغير في معاملتنا وفي سلوكنا.
فعلينا، أن نتعظ من أنفسنا، كما نتعظ مما
نراه حولنا من كثيرين، وقد تمسكوا بشكل المنسك وحرفيته، إلا أنا نرى منهم ـ في
ظاهر أعمالهم ـ ما يدل على أنهم لم يتأثروا بفعلهم، وبعباداتهم، وبذكرهم.
فنتعلم،أن القضية هي في ربط الشكل بالمقصد
والجوهر، وأن نُذكِّر أنفسنا دائماً بذلك، حتى لا نظن أننا نؤدي أداءاً حسناً،
ونحن في واقع الأمر لا نفعل شيئاً، "...أَعْمَالُهُمْ
كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ
يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ..."[النور 39].
عباد الله: نُذكِّر أنفسنا قبل أن نُذكِّر الآخرين، بأن ديننا هو جوهر، أن ديننا هو صلةٌ برسول الله، وهذه الصلة
تصلنا بالغيب، فنكون موصولين بمصدر الحياة المطلق، وبمصدر الحياة والنور
على هذه الأرض، فنكون أهلاً لرحمات الله ونفحاته، ونكون أهلاً للحياة، ونكون أهلاً
أن نكون فيمن قيل فيهم "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ"[آل عمران 169]، نكون ممن استجابوا لله ولرسوله وهو يدعوهم لما يحييهم.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً
عليك يا رسول الله.
_______________________
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو أن ديننا، يرشدنا إلى طريق الحياة، وطريق الحياة هي أن نكون في وصلة مع
مصدر الحياة والنور على هذه الأرض. ومصدر الحياة والنور على هذه الأرض، هو ما ترك
الرسل والأنبياء من طاقةٍ روحيةٍ موجودةٍ باقيةٍ على هذه الأرض، يرمز لها
بيت الله الموضوع، والذي وُجِّهنا أن نستقبله في صلواتنا.
وأن هذه
الصلة، توصلنا بمصدر الحياة الغيبي، الذي هو أصل الوجود، وأصل الحياة، وأصل النور،
"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا"[الأحزاب 56].
فكانت صلاتنا
على النبيّ، هي دعاءٌ لأن نكون به موصولين، وكانت صلاة الله على النبيّ، هي إشارةٌ
لنا أن الوصلة به من خلال وصلتنا برسوله، برسوله كمعنى، علينا أن نتجه إليه
بأرواحنا، وقلوبنا، وعقولنا، وكلنا، نتجه إلى هذا النور القائم على هذه الأرض
كمعنى، وليس مجرد كلماتٍ فقط، تركها بصورةٍ من صور ظهوره على هذه الأرض، في الذات
المحمدية، أو في كل الرسل والأنبياء.
فكل الرسل
والأنبياء، ما كانوا إلا من مصدرٍ واحد، "آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن
رُّسُلِهِ..."[البقرة 285]، وكل رسل الله، يمثلون نوراً
أرسله الله إلى هذه الأرض، وجعله باقياً عليها. وحين يتجه الإنسان
بقلبه إلى هذا المعنى فإنه يوصل به، وإذا وُصِل به كان موصولاً بالغيب، وبنور الله
المطلق.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك،
ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن
أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور
الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين،
معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه،
وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة
ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَّبَّنَا
إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ
فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا
وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ"[آل عمران 193].
_______________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق