السبت، 31 مايو 2014

الإسراء هو رحلة الإنسان على هذه الأرض المادية، والمعراج هو رحلة الإنسان في حياته الأخروية




حديث الجمعة
 1 شعبان 1435هـ الموافق 30 مايو 2014م
السيد/ علي رافع

      حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
      الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
      عباد الله: نتذكر في هذه الأيام، ظاهرة الإسراء والمعراج، وما كانت هذه الظاهرة إلا رسالةً للذين يؤمنون بالآخرة، أما الذين لا يؤمنون ببقائهم وبحياتهم الأبدية، فإن الرسالة غير موجهةٍ لهم.
      فالظاهرة، لم تكن ـ بالمعايير المعروفة ـ معجزة تعجز الآخرين، لأن أساسها هو تصديق رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ وأما الذين لا يصدقون رسالته ونبوته، فمن الطبيعي ألا يصدقوا ما يقول. لذلك، فإنها رسالةٌ موجهةٌ للذين يصدقون ويؤمنون برسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ.
      فما هي الرسالة التي تحملها هذه الرحلة أو الظاهرة؟ إنها تحمل رسائل متعددة، أول هذه الرسائل، هي التأهيل لهذا الحال الذي يتغير فيه الإنسان من وجودٍ كثيف إلى وجودٍ لطيف. ويمكننا أن نلحظ الإشارة إلى هذا التأهيل في الآية "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى..."[الإسراء 1].
      فالمسجد الحرام، فيه وبقربه وبالتواجد فيه، يُؤَهَّل الإنسان لأن يتغير من وجودٍ كثيفٍ إلى وجودٍ لطيف، من وجودٍ مظلم إلى وجودٍ منير، من وجودٍ يفنى إلى وجودٍ يبقى، من وجودٍ مقيد إلى وجودٍ منطلق. إنه القرب من مصدر الحياة، إنه القرب من بيت الله، إنه القرب من نور الله. والقرب هنا، هو قربٌ روحيّ ومعنويّ، قبل أن يكون قرباً مادياً وظاهرياً.
      إننا نتعلم ونتذاكر كثيراً، بأن رجاءنا أن نكون أهلاً لنفحات الله ورحماته، ولهداية الله وتوفيقه. فإذا أُهِّل الإنسان لأن ينتقل من مقامٍ إلى مقام، ومن حالٍ إلى حالٍ أفضل، ومن حالٍ أفضل إلى أفضل وأفضل، إلى أقصى حالٍ يمكن أن يحققه بوجوده على هذه الأرض، بتوفيق الله ورحمته. وهذا، معنى "...أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى...".
      فهذا، توفيق الله، وهذه رحمة الله، وهذا عطاء الله، وهذا فعل الله، يوم يُؤَهِّل الإنسان وجوده لهذا الحال، فينطلق من مقامٍ إلى مقام، ومن حالٍ إلى حال، ومن نورٍ إلى نور، حتى يصل إلى المسجد الأقصى الذي يرمز لهذا الحال، الذي يمكنه من الانطلاق وعدم التثاقل إلى الأرض.
      إننا متثاقلون إلى الأرض، بل أن جاذبية الأرض ـ وهي ظاهرةٌ طبيعية ـ تمثل هذا الجذب من الناحية الحقية، ولينطلق الإنسان من هذا التثاقل ومن هذا الجذب الأرضي، فإنه في حاجةٍ إلى طاقةٍ كبيرة. حتى من الناحية المادية، فحين يريد إطلاق صاروخٍ ليخرج من الجاذبية الأرضية، فإنهم يحتاجون إلى طاقةٍ هائلة وإلى سرعةٍ فائقة، يتحرك بها الصاروخ ليخرج من الجاذبية الأرضية.
      وكان المعراج يرمز إلى هذا، إلى أن ينطلق الإنسان في معراجٍ سماويّ، من سماءٍ إلى سماء، ومن مقامٍ علويّ إلى مقامٍ أعلى. وهذه الطاقة المختزنة، المكتسبة من القرب من المسجد الحرام ومن الانطلاق على هذه الارض في رحلة الإسراء، إنما مهدت لانطلاقٍ سماويّ غيبيّ.
      وحدثنا رسول الله ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ عن العروج من سماءٍ إلى سماء. وكان هذا، يرمز في سلوك الإنسان، إلى انطلاقه من هذه الأرض بعد أن يفارقها بروحه، يوم ينطلق بروحه ويترك ما يجعله يتثاقل إليها، يترك جسده الذي هو من طبيعتها، من طبيعة هذه الأرض، وينطلق بروحه في سماء العلا. فالذي لم يكتسب طاقةً كافيةً لأن ينطلق في حياته الروحية، فإنه سيظل متثاقلاً إلى هذه الأرض.
      وهذا، ما نتعلمه في بعض الأحاديث الروحية، من أن الإنسان يوم يخرج من هذه الأرض، إن لم يكن مُعَدَّاً إعداداً كافياً، فإنه يظل متثاقلاً إليها، لا يدرك ما حدث له، لا يفيق من ظاهرة الموت الفيزيقية، ويظل ملازماً لجسده على هذه الأرض.
      وهذا، ما أشار إليه الحديث في معناه، وليس في ظاهر الكلمات، "القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة"(1). فهذا، تعبيرٌ مجازي لمن ينطلق في سماء العلا، فتكون حياته البرزخية بعد هذه الأرض، هي صورةٌ من صور حياته الأبدية، إما أنه قد كسب طاقةً تُمَكِّنه من الانطلاق، أو أنه يظل متثاقلاً بذنوبه وأوزاره، لا يستطيع أن ينطلق في سماء العلا، وهذا، تعبيرٌ عن العذاب الذي يمكن أن يلاقيه.

      وظاهرة الإسراء والمعراج، ما كانت إلا تعبيراً عن حياة الإنسان الأرضية، وعن حياة الإنسان الروحية، وعن الربط بينهما. فالإسراء هو رحلة الإنسان على هذه الأرض المادية، والمعراج هو رحلة الإنسان في حياته الأخروية.
      فهذا الحديث، لمن يؤمن برسول الله، ويؤمن بقانون الحياة، ويؤمن بما وراء هذه الحياة، ويؤمن بامتداد هذه الحياة، فإذا كان مؤمناً بذلك، فإن الرسالة إليه، وإن لم يكن مؤمناً بكل ذلك، فالرسالة غير موجهةٍ له. وهذا، هو الطبيعي في كل الأحوال.
      فحين يقرأ ويتلو إنسانٌ القرآن، فإنه يؤمن به، فحديث القرآن إليه. فحين يتحدث القرآن عن الذين غفلت قلوبهم، أو الذين كفروا، هل هم يسمعون هذا الحديث؟ إنهم لن يسمعوا هذا الحديث لأنهم لن يقرأوا الآيات، وإنما الذين يقرأون الآيات هم الذين يسمعون هذا الحديث، فالحديث أيضاً موجهٌ لهم، لأنهم ممكنٌ أن يرجعوا إلى أسفل سافلين. فالتوجيه حين يُوَجَّه، والحديث حين يُوَجَّه إليهم، فإنه يحذرهم ويعلمهم، ماذا يكون حالهم، إذا تركوا طريق الحق والصلاح والفلاح.
      عباد الله: نسأل الله: أن يجعلنا من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ..."[الزمر 18]، وأن نكون في طريق الصلاح والفلاح، طالبين حياةً أبديةً، طالبين أن نكون أحياءاً عند ربنا نُرزق، وأن نكون من الناجين.
      فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
_________________________
      الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
      عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن رسالة الإسراء والمعراج، هي رسالة حياة. رسالةٌ لحياتنا على هذه الأرض، وكيف نقوم عليها، ورسالةٌ لما سوف نلاقيه في حياتنا الروحية، والاستعداد لها بقيامنا على هذا الكوكب.
      الذين يقرأون هذه الرسالة، هم الذين يؤمنون بها، ويؤمنون بمن بَلَّغها، ويؤمنون بأنهم في حياةٍ ممتدة، وأنهم بفطرتهم وبما أودع الله فيهم من طاقةٍ، يرغبون في معنى الحياة، ويريدون أن يظلوا أحياءاً. أما الذين غفلت قلوبهم عن ذكر الله، فإنهم لا يتذكرون هذا الحال، ولا يرون إلا أجسادهم، ولا يرون إلا أرضهم، ولا يرون إلا عاجلتهم، إنهم لا ينظرون أكثر من خطوة قدمهم على هذه الأرض.
      عباد الله: من أراد أن يكون حياً عند ربه يُرزق، فعليه أن يدعو الله، وأن يتجه إلى الله، وأن يقترب من مصدر الحياة، وأن يُعِدَّ نفسه ليتلقى نفحات الله ونور الله، فيحيا قلبه، ويحيا عقله، فيكون مُؤَهَّلاً لأن ينطلق في سماوات العلا بعد مغادرة هذه الأرض، غير متثاقلٍ إليها، وغير متمسكٍ بها.

      اللهم وهذا حالنا، تعلم ما نحن عليه، وتعلم ما هو مجتمعنا عليه.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
      اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
      اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
      اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
      اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
      اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
      يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.




_______________________________

(1) "القبرُ روضةٌ مِنْ رياضِ الجنةِ أوْ حفرةٌ مِنْ حفرِ النارِ" الراوي: أبو سعيد الخدري، المحدث: محمد بن محمد الغزي - المصدر: إتقان ما يحسن، خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن.

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق