حديث الجمعة
22 شعبان 1435هـ الموافق
20 يونيو 2014م
السيد/ علي رافع
نحمد الله كثيراً، ونسبحه بكرةً وأصيلا، نتجه
إليه، ونتوكل عليه، لا ملجأ لنا منه إلا إليه، نطمع أن نكون فيمن هدى الله، وأن نكون
أهلاً لرحماته ونفحاته، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا توفيق إلا بالله.
عباد الله: جاءت الرسالات السماوية، لتعلم الإنسان هدفه في الحياة، وتعلمه أيضاً المنهج
الذي يسير عليه. جاءت بما يؤكد قيمة الإنسان وما أنعم الله به عليه. جاءت لتقول للإنسان:
إنك خليفة الله على الأرض، قد حمَّلك الأمانة، وأعطاك قدرةً، وإرادةً، وفكراً، وعقلاً،
وقلباً، وذاتاً تفكر وتذكر وتعمل.
أعطاك كل هذه النعم، لتتلقى كلماته ولتتلقى آياته،
فتكون كلماته وآياته بذوراً تُلقَى في أرض ذاتك، تُروى بذكرك ودعائك، وتُفهَم بعقلك
وتأملك. جاءت رسالات السماء، لتعلم الإنسان ما فيه من أسرار، وأرسلت له الآيات، لتساعده
على فهم ما فيه من أسرارٍ وقدراتٍ وإمكانات.
ما جاءت الرسالات بشكلٍ جامدٍ، أو بصورةٍ جامدة،
أو بنظامٍ جامدٍ، نقول عنه أن هذا هو ما أرسل الله. إنما جاءت بآياتٍ تحمل نوراً، حتى
إذا تلقاها الإنسان، فُتِحت له أبواب الحقيقة وأبواب الخير وأبواب السماء، "سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ..."[فصلت 53].
إن كل من تصور في سابقٍ، أن هناك شكلاً واحداً ومفهوماً واحداً لما جاءت به
السماء، وجد أناساً غيره، فهموا فهماً آخر وقالوا نفس قوله، أن هذا ما جاءت به السماء.
وتعدد الأمر، فلم يقتصر على فريقين. وإنما تعدد في فرقٍ كثيرة، فيمن يقولون أنهم ينتسبون
إلى دينٍ واحد. وتعدد الذين يقولون بأن دينهم هو الحق، فتعددت الأديان أيضاً، كلٌّ
يؤيد دينه.
وهذا، ما دعا أحد الشعراء المفكرين أن يقول:
[هذا بناقوسٍ يدق، وهذا بمئذنةٍ يصيح، يا ليت شعري ما الصحيح](1). وظل الناس يتساءلون: ما هو الدين الصحيح؟ وما هو المذهب الصحيح؟ وهو سؤالٌ
خاطئٌ في المقام الأول، فلا يوجد مثل هذا الشيء ولا يوجد مثل هذا الدين. إنما هناك
مفهومٌ لإنسانٍ، في دينٍ، أو في مذهبٍ، أو في عقيدةٍ، أو في رسالةٍ، أو في آيةٍ، أو
في حديثٍ.
ومن يتصور أن هناك حقٌ مطلق، وأن هناك دينٌ صحيحٌ
مطلق على هذه الأرض بمفهوم إنسانٍ بشري، فهذا يتعارض مع معنى الإنسان بوجوده على هذه
الأرض. فكل إنسانٍ يخطئ ويصيب، وخطؤه
ليس مطلقاً، وصوابه ليس مطلقاً.
"...جَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..."[الحجرات 13]، "...وَلَوْ شَاء
اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً..."[المائدة 48]، "...وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ..."[هود 119،118]*.
فإذا أردنا أن نكون أكثر توافقاً مع واقعنا، فيجب أن يلتزم كل إنسانٍ
بحدوده، ولا يطلق الأحكام المطلقة، ويعلم أن كل إنسانٍ له ما يفهمه وما يعتقده، ولا
يستطيع إنسانٌ آخر أن يُقلّل من قدره أو من عقيدته، وفي نفس الوقت قد يختلف معه، ولكن
الاختلاف الذي لا يُفسد للود قضية ــ كما يقولون.
"... إِنَّ اللَّهَ
بَالِغُ أَمْرِهِ..."[الطلاق 3]، وقانون الله ساري، إعتقدت فيه أو
لم تعتقد، "إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا
آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا"[مريم 93]. القضية، هي أن تتوافق مع مفرداتك بعقلك، وقلبك، وذاتك، وأن تتأمل آيات الله
وتُرجِعها إلى قلبك وإلى عقلك. في كل ما يخصك، فهو قضيتك وهو معتقدك. وما يخص الناس
والمجتمع، فهو قضيتهم، وهو أمرهم الذي يجب أن يجدوا ما يتوافقون عليه.
آيات الله مُلهِمة، آيات الله مُنيرة، يوم يستقبلها
الإنسان بصدق، ويجعلها تتفاعل مع وجدانه، مع قلبه، مع عقله، مع واقعه. هكذا، يكون المنهج
كما نتعلمه، وكما نقرؤه، قد نُخطئ في قراءته، وقد يجد آخرٌ منهجاً آخر.
ولكن في النهاية، نحتكم إلى واقعٍ لا نستطيع منه فرارا، وهو أننا على هذه الأرض
نختلف، وسنظل نختلف، ويجب أن نعيش ونحن نختلف ـ ومع واقعٍ آخر، أن لا يستطيع
إنسانٌ أن يحكم على إنسان، فكل إنسانٍ له رؤيته وله معتقده، وأن لا يستطيع أحدٌ أن يقول أن هذا هو
الحق المطلق، لأنه إنسان ولأنه مقيد.
فهذا واقعٌ لا نستطيع أن نهرب منه، أو أن نقول
أنه ليس موجوداً، لأننا نعيشه كل يوم، ونمارسه كل يوم، إنه حياتنا وواقعنا، ما نراه
في مجتمعنا، وفي مجتمعاتٍ غيرنا، وما نراه حتى في أقرب العلاقات التي يرتبط بها الإنسان،
كلٌّ له نظره، وكلٌّ له رؤيته.
عباد الله: نسأل الله، أن نكون أهلاً
لرحمته، وأهلاً لنفحته، وأن نكون في طريق الحق سالكين، وأن نكون أهلاً لرحمة الله،
ولكرم الله، ولجود الله.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك
يا رسول الله.
______________________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم:
هو أن الرسالات السماوية كلها، قد جاءت لتقول للإنسان أنه يحمل أمانة الحياة، وأن عليه
أن يتفكر في آيات الله حوله، وفي آيات الله التي جاءت بها رسله. يتأمل في هذه الآيات،
ويُرجِعها إلى قلبه وإلى عقله، ويجعلها تتفاعل مع واقعه، مِصداقاً لقوله "سَنُرِيهِمْ
آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ
الْحَقُّ...".
فسنريهم هنا، تعني ـ حين نتأمل فيها ـ عطاء الله
الذي أعطاه للإنسان ليتفكر ويتأمل ويرى. بهذا العطاء سيرى، وبهذا العطاء سيفهم، وبهذا
العطاء سيعمل، وبهذا العطاء يتبين له الحق الذي يعتقده، فلا يحيد عما يعتقد من الحق.
وهذا، يتناسب مع واقعنا ومع واقع حياتنا.
فكل إنسانٍ يتلقى الآيات، وكل إنسانٍ قد يفهمها
بصورةٍ مختلفةٍ عن الآخر، ولا نُرجِع ذلك أن نقول أن الإنسان أو بعض الناس جاهلون،
وقد اختلف العلماء والفقهاء، كلٌّ له حجته، وكلٌّ له مرجعه. وهذه آيةٌ من الله، ليعلمنا أننا وإن كنا أو
إن كان بعضنا لا يستطيع أن يغوص في معاني الآيات والأحاديث ليفهمها، فإن من فعلوا ذلك،
خرجوا بمفاهيم كثيرة.
فإذا عُرِضَت عليك كل هذه المفاهيم، وكان واجباً
عليك أن تأخذ قراراً يختص بما عُرِض عليك، فالقرار قرارك، أنت الذي تختار، أنت مسئولٌ،
"... فكلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته"(2). وهذا، يبين مسئولية الإنسان،
وأنه لا مفر من أن يتخذ قراره، وأن يختار طريقه.
"وَإِنَّ
الدِّينَ لَوَاقِعٌ"[الذاريات 6]، وما جاءت الأديان، إلا لتبين لنا الواقع ولتكشف لنا الواقع، الذي نطلق عليه
أحياناً، أسباب الحياة وقوانين الحياة. وعلينا، أن نتعامل مع هذه القوانين، وأن نعيش
معها، ونتعايش بعضنا مع بعض في ظلها، نختلف ونتفق، كلٌّ في طريقه.
فإذا كان أمرٌ يخصنا جميعاً، فلنتفق عليه جميعاً.
نتفق على ما يشعر كلٌّ منا بأنه الحد الأدنى الذي يقبله ـ في رأيه ـ ولا يتعصب لرأيٍ
مقابل الآراء الأخرى، إنما يقبل من الآخرين، ويقبلون منه، يتواصون بالحق، ويتواصون
بالصبر.
عباد الله: نسأل الله: أن يوفقنا لما
فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا، وأن يجعل منا أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة، لنا ولمن حولنا.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا،
وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك،
لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من
حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين،
عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا
الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا
حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا،
يا أرحم الراحمين ارحمنا.
_______________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق