حديث الجمعة
22 جمادى الأول 1436هـ الموافق 13 مارس 2015م
السيد/ علي رافع
حمداً لله،
وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام
دائماً على رسول الله.
عباد الله: يا من ترجون لقاء الله،
ويا من تجتمعون على ذكر الله، حديث الحق مُوَجَّهٌ إليكم، يعلمكم ويرشدكم إلى طريق
الصلاح والفلاح. آيات الله تخاطبكم، توضح لكم قضية الإنسان على هذه الأرض، تكشف
لكم ما فيكم من صفات، من خيرٍ ومن شر، وتُوَجِّهكم إلى كيف تتعاملون مع هذه الصفات.
"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ
جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا، إِلَّا الْمُصَلِّينَ"[المعارج 22:19]، فإذا نظرنا إلى أنفسنا ووجدناها في هذا الوصف، أدركنا
أن علاجنا أن نكون من "الْمُصَلِّينَ".
"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ"[التين 6:4]، فإذا نظرنا إلى نفوسنا ووجدنانا "...فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"،
بما أودع الله فينا من قدرةٍ على التأمل والتدبر، ومن قدرةٍ على العمل ـ على
العمل الصالح ـ أدركنا أن هذا من نعمة الله علينا. وأننا يجب أن ندرك أن هذا الذي
نحن فيه لن يبقى إلى الأبد، وأن هذه الأمانة التي نحملها هي أمانةٌ مؤقتة، وأننا
إذا فرطنا في أمر أنفسنا فسنكون من الذين ارتدوا إلى "...أَسْفَلَ سَافِلِينَ"،
ولا خلاص لنا من ذلك، إلا أن نكون من "..الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...".
وحين نقرأ أيضاً، "إِنَّ الْإِنسَانَ
لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ
لَشَدِيدٌ"[العاديات
8:6]، ونظرنا إلى
أنفسنا ووجدنانا في هذا الحال غير راضين، بدنيانا منشغلين، علينا أن نتعلم أن هذا
الحال الذي نحن فيه، لن يبقى إلى الأبد، وإنما هي مرحلةٌ وتزول.
"أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا
فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ"[العاديات 11:9]، ينظر الإنسان إلى حياته على هذه الأرض، وأن هذا التواجد على هذه الأرض له نهاية، فلا يتمسك
الإنسان بما عليها.
لذلك نقول دائماً: أن في كثيرٍ من الآيات
يوضح الحق لنا ما نحن عليه من حال، وكيف نتعامل مع هذا الحال. وهذه، هي النظرة
التي قامت في كثيرٍ من عباد الله الصالحين، أنهم قرأوا الآيات على أنها رسالةٌ
موجهةٌ إليهم، لم يقرأوها على أنها وصفٌ لأناسٍ سابقين أو لأناسٍ غيرهم، إنما
قرأوها على أنها خطابٌ لهم.
وهذا ما نقوله دائماً، أن خطاب الحق مُوَجَّهٌ
لعباد الله الصالحين، حتى في الآيات التي تتحدث عن ظلم الإنسان وظلامه. فالمُظلِمون
لن يقرأوا القرآن، وإذا قرأوه بألسنتهم فلن يمس قلوبهم. فالحديث عن المُظلِمين وعن
الكافرين، هو حديثٌ مُوَجَّهٌ للمؤمنين، للقارئين، للمطهرين قلوبهم، لتمس المعاني
هذه القلوب.
فالمؤمنون حين يقرأون عن الكافرين فإنهم
يعكسون البصر إلى داخلهم، ليروا ما فيهم من كفر، فهم ليسوا خالصين من ظلامٍ ومن
إظلامٍ. [كل ابن أنثى مسه الشيطان، إلا ابن مريم](1)، ورسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ يقول: [كان
لي شيطانٌ ولكن الله أعانني عليه فأسلم، فهو لا يأمرني إلا بخير](2).
"فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا "[الشمس 8]، فكلٌ منا
فيه جزءٌ من فجور، وإن قل أو كثر، علينا ألا ننسى ذلك، وأن نتعلم كيف نتعامل مع
هذا الحال المظلم فينا. التعامل، لا يكون إلا بالدعاء، وإلا بالرجاء، وإلا بالصلاة،
"إِلَّا الْمُصَلِّينَ". والصلاة
دعاء، والصلاة رجاء، والصلاة طلب، والصلاة تَعرُّضٌ لنفحات الله.
عباد الله: نريد أن نقرأ كتاب الله
حقاً، وأن نتعلم من كل آيةٍ. فالقضية قضية الإنسان، استقامة الإنسان. القضية، ليست
مُلكاً عضوضا، وليست شكلاً يقوم فيه المجتمع. الحديث مُوَجَّهٌ للإنسان، كل إنسانٍ
على هذه الأرض.
لذلك، فإن الإنسان في أي مكانٍ على هذه
الأرض، في شرقها أو غربها، في شمالها أو جنوبها، قضيته الأولى، هي قضية وجوده. قضية
المجتمع، تأتي بعد ذلك، يوم يتواجد أناسٌ لهم نفس المشرب، ونفس الاتجاه، ويريدون
أن ينظموا حياتهم.
فإذا تواجد إنسانٌ في بلدٍ، وفي مجتمعٍ
مختلفٍ تماماً عما يعتقده الإنسان، فماذا يفعل الإنسان؟ سوف يقرأ رسائل الله له،
ويحاول أن يقوم فيها بفهمه، وعمله، ومعاملته.
والمتصوفة حين اعتزلوا الناس؛ فلأنهم وجدوا
أنفسهم غرباء، إنهم في مجتمعٍ لا يمت إلى ما يعتقدونه بصلة، فقرأوا كتاب الله،
وقاموا فيه بأنفسهم، وعاشوا حياتهم على هذه الأرض غرباء. "عش في الدنيا
كأنك غريب، استظل بظل شجرةٍ ثم مضى"(3)، "إبدأ بنفسك، ثم بمن تعول"(4)، "...عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ..."[المائدة 105]، هكذا تكون
حياتنا.
هذه بداية كل إنسان. فإذا يسر الله له أن يكون أداة خيرٍ
للآخرين، فليُذَكِّر بما تَعَلَّم، فقد ينفع إنساناً آخراً، "فَذَكِّرْ إِن
نَّفَعَتِ الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى"[الأعلى 11:9]. وها نحن نتذاكر بيننا، ونتواصى بالحق والصبر، لعلنا نكون أداة خيرٍ
لأنفسنا، ولمجتمعنا، ولبلدنا.
نسأل الله: أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا
كذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً
عليك يا رسول الله.
_____________________________
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم:
أن حديث الحق مُوَجَّهٌ للإنسان، مُوَجَّهٌ للإنسان الذي يؤمن بالحياة، يؤمن بالله
واليوم الآخر. وهذا التَوَجُّه بأن يكون الإنسان قارئاً لكتاب الله، ومدركاً أن كل
آيةٍ فيه مُوَجَّهةٌ إليه، سوف تجعله يدرك معنى حياته، ويدرك كيف يتعامل مع كل حالٍ
يكون فيه.
فإذا كان "...هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ
الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا"، فعليه أن يلجأ
إلى الصلاة، "إِلَّا الْمُصَلِّينَ". وإذا
كان لربه كنوداً، فعليه أن يتذكر حياته على هذه الأرض وقِصَرَها، يتذكر أن حياته
الحقيقية تبدأ بعد مغادرته لهذه الأرض.
وأن هذا لا يعني أن يفرط في حياته الأرضية،
وإنما حياته الأرضية لها قيمةٌ كبيرة في إصلاحه لوجوده، وفي تزكية نفسه، وفي تطهير
قلبه، وفي إنارة عقله، إنها تصقله لحياةٍ قادمة، فعليه أن يستفيد منها كل
الاستفادة، بكل ما يسر الله له عليها.
وليتعلم الإنسان من سيرة أولياء الله
الصالحين، الذين عاشوا غرباء على هذه الأرض، لأنهم لم يجدوا في مجتمعهم مكاناً
يعيشون فيه، فعاشوا في قلوبهم، إتجهوا إلى داخلهم، وذَّكَّروا بما عَلِموا، فقد
تنفع الذكرى البعض. هكذا عاشوا على هذه الأرض، يرجون لقاء ربهم.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون من
عباده الصالحين، وأن نكون من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ..."[الزمر
18].
اللهم
وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم
ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا
منجى منك إلا إليك.
اللهم
اكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم
ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم
اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم
أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم
لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا
فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم
ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَبَّنَا
لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً
إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"[آل عمران 8].
___________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق