حديث الجمعة
7 جمادى الآخر 1436هـ الموافق 27 مارس
2015م
السيد/ علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول
الله.
عباد الله: "...مَن
يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا"[الكهف 17]. هذا قانون الحياة الذي أوجده الله يوم خلق الأرض، "...أَعْطَى كُلَّ
شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى"[طه 50]، "وَهَدَيْنَاهُ
النَّجْدَيْنِ"[البلد
10]، "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا،
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"[الشمس 8،7]، فكان خَلْق الإنسان هو خَلْق عالَمٍ قائمٍ بذاته، [وتحسب أنك جرمٌ
صغير، وفيك انطوى العالم الأكبر](1).
فالإنسان عالمٌ فيه الخير وفيه الشر، فيه النور وفيه الظلام، فيه الحق وفيه الباطل، فيه
الرحمن وفيه الشيطان، وفيه قوةٌ تتفاعل مع كل هذه المكونات، وينتج عن هذا التفاعل
فعلٌ صالحٌ أو فعلٌ طالحٌ، فكرٌ خيرٌ أو فكرٌ شريرٌ.
لذلك، كانت آيات الله، تخاطب هذه القوة في الإنسان.
ومدخل هذه القوة، هو عقل الإنسان، الذي يستقبل هذه الآيات فيترجمها إلى حالٍ، وإلى
فهمٍ، وإلى عملٍ، وإلى ذكرٍ ـ وتنعكس هذه الترجمة على ما يصدر عنه من قولٍ أو من
فعلٍ.
لذلك، نجد هذا التباين الكبير، بين أناسٍ ترجموا آيات
الله إلى حبٍ ومحبة، وتكافلٍ ورحمة، وظهروا بهذه الأمور في حياتهم، فكانوا أولياء
الله الصالحين، الذين هم إلى الله مفتقرون، وعلى ذكره مجتمعون، هم الصوفية، هم
الأخيار، هم عباد الله وأولياء الله "...الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا"[الفرقان 63].
وهناك أيضاً، من ترجموا آيات الله إلى عنفٍ، وإلى قتلٍ،
وإلى كُرهٍ، وإلى حربٍ، وإلى ظلامٍ، فساروا في الأرض يقتلون باسم الله وباسم الدين،
وظنوا أنهم الصالحون المصلحون، الذين يقيمون شرع الله وينفذون حكم الله. هؤلاء
قرأوا آيات الله، والآخرون قرأوا أيضاً آيات الله. فهل الذي اختلف هو ما قرأ كلٌّ
منهم، أم أنهم هم المختلفون؟.
فالقضية ـ كما نقول دائماً ـ هي قضية
الإنسان. هذا الإنسان الذي هو عالَمٌ قائمٌ بذاته. هذا الإنسان
الذي يملك هذه الطاقة وهذه القدرة أن يحول ما يتلقاه إلى خيرٍ أو شر، إلى نورٍ أو
ظلام، إلى رحمةٍ أو قهر وظلم، إلى تسامحٍ أو تباغض. هذا الإنسان هو الذي يملك هذه
الطاقة.
لذلك، كان التوجيه الإلهيّ للإنسان، أن يبدأ
بنفسه فيصلحها، "لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ..."[البقرة 286]. وكانت كل العبادات، هي لمساعدة الإنسان على أن يصلح ما فيه من أدوات ومن
طاقات ومن قدرات، حتى يُحَوِّل ما يتلقاه إلى نورٍ وليس ظلاماً، إلى حقٍ وليس
باطلاً.
ونحن جميعاً في هذا الحجاب، ونحن نعيش على
هذه الأرض، لا نعلم إلى أي الفريقين نميل. وهذا، هو حال الإنسان الذي يطلب الحقيقة.
لذلك، نذاكر دائماً، بأن الحقيقة الوحيدة التي يمكن أن نوقن بها، أننا لا نعلم،
وأن علمنا إذا علمنا محدود. وهذا، هو المدخل إلى عبودية الله.
فإذا أدركنا ذلك حقاً، أصبح كل عملنا دعاء
ورجاء، أصبحت كل حياتنا صلاة، في كل لحظةٍ وفي كل حين نتجه إلى الله، ونتوكل على
الله.
فالله، هو العليم الخبير، هو الحيُّ القيوم،
هو الأول والآخر، هو الظاهر والباطن، هو الحق المطلق، هو الغيب الذي يتعالى عن كل
شيء، هو الذي "...لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..."[الشورى 11]، هو الأعلى فليس فوقه شيء، وهو الأدنى فليس دونه شيء، هو معنى مجرد مطلق،
لا يحاط به وهو يحيط بكل شيء.
فإذا قام الإنسان في هذا الحال، يصبح يتلَمَّس
الغيب والحق، ليس عنده أحكامٌ مطلقة، إنما هو يتلَمَّس طريقه، يستخدم ما أعطاه
الله من قدرات ليعيش على هذه الأرض، فهو مطالبٌ وهو يعيش عليها أن يتلَمَّس طريقه،
ولكنه يقبل كل صورةٍ.
فإذا فعل ووجب عليه أن يفعل، فهو يحاول أن
يجد الأسباب، وأن يُعمِل عقله وقلبه. فإذا فعل وإذا قال، فهو لا يُطلِق أحكاماً مُطلَقة،
كما قال من قال: [لقد صار قلبي قابلاً لكل صورةٍ](2)، قابلاً لكل دينٍ، لكل رأيٍ، لكل اتجاهٍ، وأصبح بذلك
دينه هو دين الحب، [أدين بدين الحب أَنَّى توجهت ركائبه، فالحب ديني وإيماني](3).
عباد الله: نسأل الله: أن نكون عباداً له خالصين، إليه مفتقرين،
ولوجهه قاصدين، وعليه متوكلين، وعنده محتسبين، نسأله رحمةً ومغفرةً في كل لحظةٍ
وحين. هذا ما نحن عليه، طامعين في رحمة الله، وفي مغفرة الله دائماً.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً
عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم:
أن الإنسان وهو يعيش في حجابٍ على هذه الأرض، لا يعلم مكانته، ولا أين هو من الخير
والشر، من النور والظلام، من الحق والباطل. إن كان يأمل أن يكون من أهل الخير، فهو
لا يُبَرِّئ نفسه، فقد يكون مُغترًّا بالخير. وإن كان من أهل الشر، فهو لا ييأس من
رحمة الله، وما فيه من خيرٍ أودعه الله فيه، "فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا".
فإن ظن أنه ذاكرٌ لا يَغترّ، وإن ظن أنه غافلٌ
لا ييأس، ويسير في طريقه على هذه الأرض، وهو يدعو الله ويسأل الله أن يثَبِّته على
طريق الخير إن كان يظن أنه كذلك، وأن يُخرِجه من طريق الشر إن كان يظن أنه كذلك.
فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولا هداية إلا برحمة الله. هكذا، يعلمنا ديننا.
فالقضية، ليس ما وصلنا إليه من فهمٍ في
ديننا، أياً كان هذا الفهم. وإنما القضية، أن نظل مفتقرين إلى الله، لا نُنَصِّب
من أنفسنا أرباباً على الناس جميعاً، نريدهم أن يطيعونا وأن يلتزموا بما نقول لهم،
باعتقادنا أننا الوحيدون الذين نعرف حكم الله وكلام الله وإرادة الله.
نحن دائماً، نحاول بقدر استطاعتنا، ولا
يكتمل اجتهادنا إلا بالافتقار إلى الله، وبقبول الحق أَنَّى وجدناه، وبقبولنا أن
نغير ما بأنفسنا إذا وجدنانا في ضلال، لا نتكبر، وإنما دائماً نحاول أن نتلَمَّس
طريقنا في كل ما يُقال لنا.
نرى الله في كل شيء في الكون وما يظهر به
على أرضنا، في الناس وفيما يقولون وفيما يعتقدون، نحاول دائماً أن نسمع وأن نبصر،
لا نكون من الذين لا يسمعون ولا يبصرون، إنما نكون من الذين يقولون "أَسْمِعْ
بِهِمْ وَأَبْصِرْ..."[مريم
38]، حتى نسلك طريق الحياة الذي
أساسه الافتقار إلى الله، ودعاء الله، وطلب الله، وقصد الله، والتوكل على الله.
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتجه إلى
الله أن يجعلنا عباداً له صالحين، على ذكره مجتمعين، ولوجهه قاصدين.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا،
وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل
ظهورنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن
أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار
من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك
متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا
الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا
هما إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
___________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق