حديث الجمعة
21 ذو الحجة 1437هـ الموافق 23 سبتمبر 2016م
السيد/ علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله،
وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره،
ونعوذ به من شرور أنفسنا، نعوذ به من الشيطان الرجيم، داعينه أن يقوّي عزائمنا،
وأن يجعلنا من الذاكرين المستغفرين، الذين يرجعون إلى الله دوماً، الذين يتعلمون
من أخطائهم، ومن ذنوبهم، ويرجعون إلى الحقّ، ويتعلمون أفضل ما يمكن أن يساعدهم
ليكونوا عباداً لله.
كما نذاكر أنفسنا دائماً،
أنّنا نجتمع على ذكر الله، وأنّ هدفنا هو تجمّع قلوب تتحاب في الله، وتجتمع على
ذكر الله. فالذّكر أساسه أن نتذكّر، أن نتذكّر عهد الله، "وَإِذْ أَخَذَ
رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى
أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"[الأعراف
172]،
نتذكّر هذا العهد، نرجع إلى أعماق وجودنا لنجد هذا
العهد مكتوباً في قلوبنا.
إنّك حين تنسى أمراً،
وتكون قد كتبته في مكانٍ ما، في كتابٍ ما، فإنّك تبحث عمّا كتبته لتتذكّر ما عاهدت
عليه. والإنسان كتابٌ مكتوبٌ فيه ما عاهد الله عليه، وهذا هو معنى الفطرة في
الإنسان، فطرة الله التي فطر عليها الإنسان، أوجد فيه كلّ مقوّماته، كلّ كلماته، "وَعَلَّمَ
آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا..."[البقرة 31].
فإنّا حين نذكر، فإنّنا
نحاول بذكرنا أن نجد هذا الكنز المخبّأ فينا، هذا الكتاب الذي سُطِر فيه ما ينفعنا
وما يصلحنا. "...اذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ..."[الكهف
24]، ومعنى إذا نسيت هو أنّك تدرك أنّ هناك شيئاً موجوداً،
ولكنّك لا تتذكّر مكانه، أنّ هناك اسماً تعرفه، ولكن لا تستطيع أن تتذكّره.
فمن الذي تلجأ إليه ليذكّرك
بهذا الاسم، بهذا المعنى، بهذا الحال الذي تعلم وجوده ولكن لا تعرف اسمه، ولا تشعر
به، ولا تجده موجوداً في ذاكرتك وفي حالك وفي قيامك. من الذي تلجأ إليه؟ "...اذْكُر
رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ...". إننا نبحث في حياتنا عن معنىً نعرف بالقطع
أنه موجودٌ في أعماقنا بما فطرنا الله عليه، ولكنّنا لا نتذكّر هذا المعنى، فنلجأ
إلى الله، فنذكر الله، فنستغفر الله، فنصلّي ونسلّم على رسول الله.
لذلك، حين نتأمّل فيما
نردّده من وردٍ*، نجد أنّه يحمل هذه المعاني الثلاث. إستغفار الله
ذكرٌ؛ لأنّ الاستغفار هو تعبيرٌ عن إحساس الإنسان بأنّه قد اكتشف خطأً وذنباً في
وجوده، وتعلّم منه، الاستغفار هو تعبيرٌ عن أنّك قد تعلّمت من ذنبك، وقد يكون
التعلُّم هو أن تدرك أنّه ذنب، لأن إدراكك لمعنى الذنب هو في حدّ ذاته رجوعٌ عنه.
لذلك، نقول دائماً إنّك
يوم تكتشف أنّ هذا ذنب، فهذا أمرٌ عظيم؛ لأنّ هناك كثيرٌ من الأمور لا تعرف أنّها
ذنوب، وتعيش بها، وتؤثّر
عليك سلباً وأنت لا تدري، فإن دريت، إن عرفت، فهذا أمرٌ عظيم، والاستغفار هو تعبيرٌ
عن ذلك.
لذلك، قال الصوفيّة: [وجودك
ذنبٌ لا يقاس به ذنب](1). وجودك ذنبٌ؛
لأنّك حين تدرك معنى الاستغفار فإنّك تريد وأنت تتّجه إلى الله بطاقة الاستغفار،
وأنّك تعبّر عن أن هذا الوجود ككل طالما يشعر بحاله وقيامه، ويشعر بإرادته مع
إرادة الله، وبوجوده مع وجود الله، وبقدرته مع قدرة الله ـ فهذا ذنبٌ تستغفر الله
عنه. إنّك تريد أن ترى وجودك وجوداً لله، وقيامك قياماً لله، وعملك عملاً لله، ليس
بتكلّفٍ، ولكن بإحساسٍ قائمٍ، بيقينٍ موجود.
وكلّما رأيت أنّ هذا
اليقين غير موجود، استغفرت الله أكثر، ورجعت إلى الله أكثر؛ لأنّ رؤيتك لوجودك
منفصلاً عن إرادة الله ـ وهذا واقعٌ نقوم فيه جميعاً ـ هو أكبر ذنب. ولا يزيل هذا
الذنب أن تقول أن وجودي هو وجود الله، فتفعل ما تشاء، وتقول لو أن الله أراد غير
ذلك ما فعلته.
هذا ليس ما نريد، وهذا
ليس ما نقصد. إنّما نقصد فهماً في أنّ كلّ كائنٍ على هذه الأرض لا يخرج عن إرادة
الله، "إِن كُلُّ مَن
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا"[مريم 93]، هذا قانونٌ قائمٌ، فهماً وإدراكاً، ولكن
ما نتحدّث عنه، هو حالٌ تقوم فيه. فكلّنا نرى أنّ لنا وجوداً، ونرى لنا إرادةً،
فوجب علينا أن نستغفر الله دائماً.
وقد علّمنا رسول الله
ذلك حين أخبرنا "إنّه
ليغان على قلبي حتى أستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أأغيان أغيارٍ يا رسول الله؟
بل هي أغيان أنوار"(2)؛
لأنّه يعلّمنا أن الاستغفار هو معنىً دائم، وليس مجرد استغفارٍ عن فعلٍ أتيته أو عملٍ
قمت به، وإنّما هو عن وجودك ككل. أنّك تريد أن ترجع إلى ما فيك الذي نسيته، فتذكر
ربّك في استغفارك.
فحين تجد أنّك تستغفرعن
هذا المعنى الذي أدركته، ولكن أنت في حاجةٍ إلى أن يتحول هذا الاستغفار إلى قيام،
ولا تجد هذا القيام قد قام، فلمن تتّجه، لمن تلجأ، تلجأ لرسول الله، تصلّي وتسلّم
على رسول الله، "إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[الأحزاب 56]، [اللهم
صلِّ على سيدنا محمدٍ عبدك ونبيك ورسولك بقدر عظمة ذاتك في كلّ وقتٍ وحين]،
كما نتأمل دائماً في معنى الصلاة، وأنها دعاء، وأنها طلبٌ، بأن نكون في صلةٍ برسول
الله.
ومعنى رسول الله بالنسبة
لنا، هو معنى رحمة الله، هو معنى مغفرة الله، هو معنى بيت الله، هو معنى وجود الله
الذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد، هو تجلِّي الله في هذا الكون، هو المعنى القائم
على هذه الأرض الذي نتّجه إليه، الذي نولّي وجوهنا شطره، هو قبلتنا، هو بيت الحياة،
هو نور الحياة ـ هذا ما نتّجه إليه، هذا ما نطلب صلةً به، هذا ما ندعو الله ونحن
نعلم "إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ...".
نطلب مزيداً من القوة من هذا القيام القائم الذي
هو مددنا، والذي هو وسيلة قوتنا، وهو الذي يسري نور الله إلينا منه، "وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..."[الأنعام 122]. هذا
الحديث موجّهٌ إلى معنى رسول الله، معنىً دائم على هذه الأرض. نحن نتكلم عن قوة
وجودٍ غيبيّ ـ وليس عن ذاتٍ بشريّة ـ ولكن نعلم أنّها موجودة، وأنّها قائمة.
ومهما فهمنا، ومهما
أدركنا، ومهما تعلّمنا، فسنظلّ دائماً نجهل، وسنظلّ دائماً نقول الله أعلم. وسنظلّ
دائماً نقول ونشهد أن [لا إله إلّا الله]، نشهد أن لا إله إلّا الله، فنسبّح
بهذا المعنى، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله، لا إله إلّا الله.
حين نذكر بهذا التشهّد
وبهذه الشهادة، فإنّنا نعبّر عن إكبارنا لله عن أيّ صورةٍ، أو أيّ شكل، وعن أن
رحمته أكبر من أيّ رحمة، وأن نعمته أكبر من أيّ نعمة، وأن فضله أكبر من أيّ فضل،
وأن نوره أكبر من أيّ نور، أنّه تعالى عن أي صفةٍ، وعن أيّ شكل.
نسأله بكلّ أسمائه، بما
فيها من تعالٍ، وبما فيها من إكبارٍ، وبما فيها من غيبٍ، نسأله دائماً أن نكون
أهلاً لرحماته، ونفحاته، ومغفرته، و قوّته، وأن نكون موصولين به من خلال ما أوجد
لنا من وسائل لنتّصل به، من صلتنا برسول الله، ومن صلتنا بتجلّيه على الأرض الذي هو
معنى من معاني رسول الله.
فرسول الله غيبٌ والله
غيبٌ، وبالنسبة لنا غيبٌ يجمع الله ورسوله، لا نستطيع أن نحدّهما، إنّهما معنىً
واحد، إنهما غيبٌ واحد، إنهما قانونٌ واحد. ما نعرفه هو ما تجلّى به لنا من خلال
رسائله في رسله وفي أنبيائه، الذين عبّروا بتواجدهم الأرضيّ عن هذا المعنى في
رسالةٍ موقوتةٍ على هذه الأرض، أما رسالتهم الدائمة فهي رسالةٌ قائمة قبل أيّ
تواجدٍ لهم على هذه الأرض، وبعد تواجدهم على هذه الأرض.
نسأل الله: أن يجعلنا من
الذاكرين، الذين بذكرهم يتذكّرون، والذين بذكرهم إلى ربّهم يرجعون، وبنوره يشهدون
في كل حالٍ من أحوال حياتهم، وفي كل معاملاتهم.
فحمداً لله، وشكراً لله،
وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصلاة
والسلام على رسول الله.
عباد الله:
ما أردنا أن نقوله اليوم: أنّنا وإن علمنا أن الله قد أوجد فينا رسالته، وأوجد
فينا ما يصلحنا، إلا أنّنا ندرك ونحن نرى أنفسنا، وقد انشغلنا بهذه الحياة الدنيا،
وانشغلنا بذواتنا، ممّا جعلنا ننسى عهد الله الذي عاهدناه، وليس لنا طريق أن
نتذكره إلا بذكر الله، "...اذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ...".
وذكر الله له صورٌ كثيرة،
كلّ العبادات هي ذكرٌ لله، كل دعاءٍ صادقٍ من قلبك هو ذكرٌ لله، كل تسبيحٍ هو ذكرٌ
لله. وهناك معانٍ أساسيّة بذكرنا لها تقودنا أن نذكر الله أكثر، بكلّ صورةٍ وبكلّ
شكل، وهذه المعاني الأساسيّة هي استغفار الله، والصّلاة والسّلام على رسول الله،
وشهادة أنّ لا إله إلّا الله، وشهادة أنّ محمداً رسول الله.
هذا الذكر، هذا التسبيح،
إنّما هو تعبيرٌعن أننا ندرك، أو لنا فهمٌ في هذه المعاني، لنا فهمٌ في الاستغفار،
لنا فهمٌ في الصلاة والسلام على رسول الله، لنا
فهمٌ في شهادة أنّ لا إله إلّا الله وأنّ محمداً رسول الله.
بهذا الفهم نريد أن نتذكّر
ما أوجد الله فينا من معانٍ وقد نسيناها، قد يتطوّر فهمنا في هذا الذّكر وفي هذا
التسبيح، وبتطوّره نقترب من هذه المعاني التي قد نكون قد نسيناها. كلّما تطوّر
فهمنا في ذكرنا كلّما اقتربنا أكثر من المعنى الحقيقي الذي نريد أن نصل إليه.
عباد الله:
لعلّنا نكون قد فهمنا هذه الرسالة، وأن نذكر ربّنا إذا نسينا، وأن نذكر ونذكر
ونذكر حتى نتذكّر ما يصلح حالنا، وما يؤدّي بنا إلى نجاتنا.
فحمداً لله، وشكراً لله،
وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى
عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك،
ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا
إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا،
وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور
أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين،
لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً
وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في
هذه الساعة ذنباً إلّا غفرته، ولا همّاً إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا
قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا،
واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا،
يا أرحم الراحمين ارحمنا.
___________________________
* نَصّ الورد:
-
"أستغفر الله" 100 مرة.
-
"اللهم صلِّ على سيدنا محمد عبدك وننبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه
وسلم تسليماً بقدر عظمة ذاتك في كل وقتٍ
وحين" 100 مرة.
-
"لا إله إلا الله" 100 مرة.
(1) مقولة للإمام علي ـ كرم الله وجهه ـ .
(2) الحديث الشريف كما أخرجه مسلم هو :" إنه ليغان على
قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ". الجزء الثاني هو ما قيل عن رؤية
للإمام أبي حسن الشاذلي حيث رأى الرسول صلى الله عليه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق