حديث الجمعة
27 محرم 1438هـ الموافق 28 أكتوبر 2016م
السيد/ علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً
وسلاماً عليك يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ
به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، نعوذ به من الشيطان الرجيم، نعوذ به من الظلام الذي
يحيط بنا، نتّجه إليه ونتوكّل عليه، لا ملجأ لنا منه إلّا إليه، نحمده ونشكره دائماً،
ونستغفره ونتوب إليه دائماً، في كلّ وقتٍ وفي كلّ حين.
عباد الله: لقد
تعلّمنا من رسائل الله لنا ومن رسالاته التي أنزلها على رسله، كيف نعيش في هذا الحجاب
من الظّلام، كيف نعيش في هذا الكوكب ونحن لا نرى إلّا مظاهر الحياة وقوانين الحياة
التي استطعنا أن ندركها، وهناك كثيرٌ من هذه القوانين لازال غيباً علينا.
كيف يعيش الإنسان وهذا هو
حاله؟ "...هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ..."[الزمر
9]، هل يستوي الذين يعملون والذين لا يعملون؟ هل يستوي الذين
يؤمنون والذين لا يؤمنون؟ "...هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ..."[الأنعام
50]، "...وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ..."[الأنعام
165].
كلّ إنسانٍ له ما يؤمن به،
وله ما يعلمه، وله قدرةٍ على ما يعمله، فالآيات تعلّمنا ذلك، "وَالَّذِينَ
آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ..."[البقرة
82]، وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، "الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..."[آل
عمران 191]. حياتنا، وطريقنا، ومعاملاتنا، تُبنى على
ما نؤمن به، ويلي الإيمان التفكّر والتدبّر، ثم بعد ذلك العمل.
يجب على الإنسان أن يُعمِل
عقله ليحدّد ما يؤمن به. لذلك كان الحديث النبوي [العقل أصل ديني](1)،
وكما نذاكر دائماً، حين نتأمل في سيرة الأنبياء، أنّهم بدأوا بعقولهم، بأن نظروا حولهم
في السّماوات وفي الأرض، ونظروا في أنفسهم وفي قدراتهم، فأدركوا معنى الغيب، أدركوا
أنّ هناك ما لا يستطيعون إدراكه بمعنى الإحاطة وهم في هذا الجلباب، فكان إيمانهم بالغيب
هو الأساس الذي ارتكنوا عليه.
ومن هنا كان الإنسان عليه
أن يمارس هذه الوسيلة، أن يصل إلى هذا الإيمان بالغيب بعقله، وسوف يجعله هذا الإيمان
يتحرّر من أيّ قيودٍ ماديّة، ومن أيّ أصنامٍ وثنيّة، ومن أيّ جمودٍ أرضيّ ـ وهذا مرتبطٌ
ارتباطاً كبيراً بشهادة أنّ لا إله إلّا الله، في مفهومها ومدلولها الأساسيّ، ثم يتأمل
في الآية "...وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ..."[البقرة
285].
نجد أنّ الإيمان بالملائكة
هو إيمانٌ غيبيٌّ أيضاً، وهو يشير إلى القانون الإلهي الذي لا ندركه، ما وراء هذه الأرض.
أمّا الإيمان بكتبه ورسله فهو مرتبطٌ بهذه الأرض، فكتبه هي قانون هذه الأرض والذي جاءت
به رسله، ولكنّه مرتبطٌ بحياة الإنسان على هذه الأرض، وفيه إرشادٌ للإنسان كيف يعيش
حياته على هذه الأرض. ورسله قاموا هذا الإرشاد الإلهيّ، وهذا هو معنى شهادة أنّ محمّداً
رسول الله.
وقيام الرّسل على هذه الأرض
هو في اتّباع منهجهم، وليس في اتّباع أشكالٍ وصور، وهذا مبدأٌ أساسيّ. فحين نجد أنّ
الكثير من تراثنا مبني على اتّباع أشكالٍ وصور، ولازلنا إلى اليوم يظنّ الكثيرون أنّ
الاقتداء برسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ هو اقتداءٌ بأشكالٍ وصورٍ وسننٍ ظاهريّة
شكليّة حرفيّة، حتّى وإن تبيّن أن هناك مشاكل في اتّباعها في حياتنا المعاصرة، ممّا
يؤدّي إلى هذه الصورة العجيبة التي تنفّر الآخرين من دين العقل والفطرة والمنطق والحياة.
إنّ منهج رسول الله ـ صلوات
الله وسلامه عليه ـ أن نُعمِل عقولنا وعلمنا الدنيويّ فيما يخص قيامنا على هذه الأرض.
وهذا واضحٌ في أحداثٍ كثيرة في استشارة النبي ـ عليه السلام ـ لأصحابه في أمور الحرب
وفي أمور السلم، لاستشارته لهم أيضاً في كيف التعامل مع العلم الأرضيّ، فيوجّههم أن
يجربّوا، وأن يبنوا قرارهم على أساس نتيجة التجربة، كما حدث كمثلٍ واضحٍ جليّ في تأبير
النخل.
فالقضيّة هنا هي قضية تجربة،
ومشاهدة لنتائجها، والاستفادة من هذه النتائج فيما يمارسه الإنسان. كلّ الأعمال الأرضيّة
التي لها علاقةٌ بالأمور الحياتيّة هي أمورٌ قابلةٌ للتجربة، ولمشاهدة النتائج وللتّعامل
مع هذه النتائج. فإيمانك بالعلم وما ينتج عنه هو أساسٌ يجب أن تحترمه، هذا إذا كنت
تُعمِل عقلك، وكما قلنا "...هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لَا يَعْلَمُونَ..."، الذين يعقلون والذين لا يعقلون؟
من ليس له عقل فلن تكون هذه
فرضيّةٌ عنده، وإنّما سوف تكون الفرضيّة هي العشوائيّة، هي التمنّي دون فهمٍ ودون وعي.
فهناك إيمانٌ بالغيب وهناك إيمانٌ بالشّهادة، ويتفرّع من ذلك أمورٌ كثيرة.
في كلّ مسألةٍ يمكنك أن تغوص
فيها إلى أن تصل إلى مفرداتها، كما اللغة. إنّ اللغة لها مفرداتٌ، لها كلماتٌ، "وَعَلَّمَ
آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا..."[البقرة 31]،
ومن هذه الكلمات تَبني جملاً، ومن هذه الجمل تَبني موضوعاً. يجب أن نتعلّم مفردات الحياة،
الكلمات أكبر تعبيرٍ عن هذا، إنّ الكلمة لها تصوّرٌ ذهني في عقلك حين تُذكَر، هذا التصوّر
هو الذي يجعلك تفهم جملةً مركّبة من هذه الكلمات.
لذلك، فإنّ علينا أن تكون
عندنا مفرداتٌ لحقائق الحياة، قد تكون هذه المفردات تعبّر عن أمرٍ ملموسٍ ماديّ، وقد
تكون تعبّر عن مفهومٍ عندنا له دلالةٌ معيّنة. سوف تفهم أنت أيّ قضيّة من خلال فهمك
لمفردات هذه القضيّة.
إذاً فليس هناك فهمٌ واحد؛
لأنّ المفاهيم تتعدّد بناءً على فهمك لمفردات الحياة، ولا يستطيع إنسانٌ أن يفرض فهمه
على إنسانٍ آخر، وإنّما يستطيعان معاً أن يتواصلا ليجدا دلالاتٍ واحدة على كلماتٍ واحدة،
يمكن ذلك.
لا نستطيع أن نتفاهم أوّلاً
إلّا إذا كان لنا مفهومٌ واحدٌ للمفردات. واللغة أكبر تعبيرٍ على ذلك، فأنت لا تستطيع
أن تتواصل مع إنسانٍ آخر إلّا إذا كنتما تتكلّمان نفس اللغة. واللغة ليست هي اللغة
التي نتعارف عليها. الذي نتكلّم عنه اليوم ليس مجرّد لغة، إنّما هو كيف تعبّر الكلمات
أو كلّ كلمة عن مفهومٍ نتوافق عليه، إذا لم يكن هناك هذا التوافق فلا يمكن أن نتفاهم
أو أن نتواصل.
لذلك، نجد أنّ التّواصل حين
نستخدم المفردات التي لها شكلٌ في حياتنا الأرضيّة، أسهل بكثير من التّواصل حين نستخدم
مفردات تدلّ على مفاهيمٍ غير ملموسة ماديّاً، وهنا يصير الصّراع الذي لا معنى له، لأنّنا
نبدأ في التكلّم بلغتين مختلفتين، ونظنّ أنّنا نفهم بعضنا بعضا.
إذاً، الإنسان حتّى مع نفسه
في حاجةٍ أن تكون مفردات الحياة واضحةً عنده، حتّى يستطيع بعد ذلك أن يفهم ما هو أعقد
من مجرّد مفردات. أن يفهم قضايا، قضيّة وجوده، قضيّة علاقته بالغيب، قضيّة علاقته بالنّاس،
قضيّة علاقته بنفسه ـ كل هذه القضايا تحتاج منه أن تكون المفردات واضحةً لديه. فالفهم
هنا أساسيّ، والذّكر أساسيّ، والتأمّل أساسيّ، لأن هذا الذّكر والتأمّل هو الذي يؤدّي
إلى وضوح الرؤية عند الإنسان.
التأمّل هو أن تظلّ مستغرقاً
في فكرةٍ ما، في مفردةٍ ما، لأن تصل إلى دلالتها بالنّسبة لك. إذا قلت الله، فماذا
أعني؟ إذا قلت عبد الله، فماذا أعني؟ إذا قلت رسول الله، فماذا أعني؟ إذا قلت الحياة،
ماذا أعني؟ إذا قلت الموت، ماذا أعني؟ إذا قلت الحياة الآخرة، ماذا أعني؟ إذا قلت الأمر
بالمعروف، ماذا أعني؟ وهكذا، إذا قلت النهي عن المنكر، ماذا أعني؟ إنّنا أمام كثيرٍ
من الأمور التي نحتاج أن نتأمّل فيها بعمق.
لذلك، كانت الآية: "الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ..."، يريدون أن يتعلّموا لغة السّماوات والأرض،
يتعلّمون كلمة ماء وهواء وإعصار وزلزال، يتعلّمون معنى نبات وحيوان وإنسان وأرض وزرع،
يَعلَمون ويتعلّمون معنى المعادن وخصائصها وما فيها، يتعلّمون كلّ هذه الأشياء، خلق
السّماوات والأرض. إنّها لغةٌ عليهم أن يتعلّموها، كلّ إنسانٍ يتعلّم بقدره، وهكذا.
فإذا تعلّم الإنسان تكوّنت
عنده نيّة، النيّة هنا هي أنّه حدّد هدفه، كلمة النيّة هي تحديد الهدف، ماذا تريد من
فعلك لهذا الشيء؟ ماهو هدفك من صلاتك؟ ما هو هدفك من زكاتك؟ ما هو هدفك من صيامك؟ ما
هو هدفك من عملك الأرضيّ؟ ما هو هدفك من تعاملك مع إخوانك؟ ما هو هدفك من تقديم خدماتك
للبشريّة؟ ماذا تفعل وماذا تقوم؟ وما هو هدف قيامك في كلّ شيء؟
أن تقوم النيّة، أن يصبح
هناك هدفٌ. فإذا كان عندك هدفٌ فسوف تحقّقه، وتحقيقك لهدفك هو بعملك، وعملك إمّا أن
يكون عملاً تعبّديّاً، أو أن يكون عملاً ماديّاً يؤدّي خدمةً للآخرين. في كلتا الحالتين
عليك أن توضّح هدفك ممّا تفعله.
هكذا يرشدنا الحقّ إلى كيف
نعيش على هذه الأرض، أو هذا ـ إذا أحسنّا القول ـ هو ما نفهمه مما وُجِّهنا إليه، وهذا
الفهم هو خاصٌ بنا، قد يفهم إنسانٌ آخر فهماً آخر، إنّما نتواصى بهذا الفهم، ربّما
يساعد البعض أن يكوّن فهمه الخاص من خلال تأمّله وتدبّره، ومن خلال ذكره قبل ذلك.
عباد الله:
نسأل الله: أن نكون عباداً له صالحين، لوجهه قاصدين، معه متعاملين، عنده محتسبين.
فحمداً لله، وشكراً لله،
وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام
على رسول الله.
عباد الله:
ما أردنا أن نقوله اليوم: أنّ الإنسان في حياته ـ ليعيشها عيشةً راضية ـ عليه أن يُعمِل
عقله ليعرف ما يؤمن به، وبناءً على هذا الإيمان فإنّه سوف يبحث عن معنى الحياة بالنّسبة
له، في كلّ مفرداتها التي يستطيع أن يلمسها بحواسّه الظّاهرة، أو أن يتفهّمها بحواسّه
الباطنة.
حواسّه الظّاهرة سوف تدلّه
على الأشياء الماديّة الملموسة والمحسوسة والمرئيّة والمسموعة بحواسّه الظّاهرة. وبذكره
وتدبّره وتأمّله في خلق السّماوات والأرض، سوف يدلّه ذلك على مفرداتٍ قد لا تكون ملموسةً
ولا محسوسة، تدلّه هذه الحواسّ على الغيب بالنّسبة له، على ما وراء هذه الأرض وإحساسه
بها، على كلّ ما هو غيب.
ما هو إحساسه بهذه المعاني؟
لن تكون محاطةً كما تُحاط الأمور الظّاهرة، وإنّما سوف تكون لها دلالات في داخله، قد
تكون هذه الدلالات مجرّدة، فهو يكون في معنى أنّه تعرّف عليها تجريداً، ولم يتعرّف
عليها تقييداً وإحاطةً. الذكّر والتأمّل والتفكّر والتدبّر يقودون إلى التعرّف على
كلّ المفردات.
فالذّكر والتأمّل والتفكّر
له الجانب الماديّ المحسوس، وهو العلم الأرضيّ، وله أيضاً الجانب الغيبيّ المجرّد،
وهو العلم الباطنيّ، أن يشعر الإنسان بأشياءٍ دون أن تكون موجودةً في عالمه الظّاهر،
وتَعرّفه على ذلك ـ كما قلنا ـ بحواسّه الباطنيّة. فالإنسان عنده حواسٌّ داخليّة، ينمّيها
بالذّكر والتأمّل والتدبّر.
إذا تواجد عند الإنسان قدرٌ من العلم والمعرفة، فإنّه تتكوّن
عنده نيّة، يكون عنده هدف من حياته، هذه النيّة هي التي سوف تصبغ أعماله وتحرّكاته
على هذه الأرض، وهي مهمّةٌ جداً لأنّها هي التي تجعل من
عمله عملاً صالحاً أو عملاً طالحاً.
وما نقصد بالعمل الصّالح
هو ما يجعله أكثر قرباً من الذّكر والتفكّر والتدبّر والتعلّم الأكثر نفعاً له وللآخرين،
والعمل الطّالح هو ما يجعله يبتعد عن الذّكر والتأمّل والتفكّر ويجعله أداة سوءٍ لنفسه
وللآخرين.
نيّته هي التي تحدّد طبيعة
عمله، إمّا أن يُنسب للعمل الصّالح، وإمّا أن يُنسب إلى العمل الطّالح. وبعمل الإنسان
وممارسته سوف يؤدّي ذلك إلى أن يتطوّر إيمانه، وإيمانه سوف يطوّر علمه ومعرفته، وعلمه
ومعرفته سوف يطوّر نيّته، ونيّته سوف تطوّر عمله، في دائرةٍ متّصلة، كلٌّ يؤدّي إلى
الذي يليه.
هذا ما أردنا أن نوضّحه اليوم
من ـ وجهة نظرنا ـ قد يكون صواباً أو خطأً، والصّواب والخطأ هو أمرٌ نسبيّ، هو بالنّسبة
لنا صوابٌ؛ لأنّه قام على مفرداتٍ لدينا، فهو صوابٌ بالنّسبة لنا، ولكنّه قد لا يكون
صواباً بالنّسبة لإنسانٍ آخر عنده مفرداتٌ مختلفة.
لذلك، فنحن نركّز دائماً،
ونحاول دائماً، أن نتفادى كلمة صواب وخطأ؛ لأنّ القضيّة هي أن نشرح لماذا نرى أن هذا
عملاً جيّداً، فنقول صواباً، أو أن هذا عملاً غير جيّد، فنقول خطأً، ولكن ليس بالمعنى
المطلق للكلمة. لذلك نجد الحديث النبويّ: [من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد
فأخطأ فله أجر](2).
فالصّواب هنا والخطأ هو بمعنى
ما نقول، أنّ الإنسان رأى أمراً بالنسبة لمعطياته أنّه هو ما ينفع فنفّذه في الواقع
فنفع، وله كانت نتيجة ظاهرة بمقياسه هو، فأصبح هنا هو قد كسب طاقةً من إعماله لملكاته
في أن يصل إلى ما يقدّمه للنّاس، والنّاس استقبلوا هذا استقبالاً حسناً، توافق معهم
فأدّى إلى أن يعملوا عملاً جيّداً أيضاً يفيد الآخرين، فأصبح بذلك له أجران.
أمّا إذا هو وصل إلى ما يعتقده
هو، حين قدّم العمل قدّمه على ما لديه من علم ومن مفرداتٍ ارتآها واعتقدها، فهذا عملٌ
جيّد، أنّه مارس ما أعطاه الله من قدراتٍ ليصل إلى نتيجةٍ ما. ولكن ربّما هذه النتيجة
لم تكن صالحةً للآخرين، فلم يتقبّلوها تقبُّلاً حسناً، فلم يستفيدوا بها، فهذا ما يُقال
عنه أنّه خطأ، أو أنّه عملٌ غير جيّد، لم يقم ولم يُنتِج هذا العمل أمراً جيّداً بالنّسبة
للآخرين في حياتهم المنظورة.
فلذلك، كلّ عملٍ، وكلّ فكرٍ،
وكلّ اجتهادٍ بالنّسبة للإنسان هو أمرٌ جيّد. وكيف يقدّمه، وهل هو يمكن الاستفادة به
في ظاهر الحياة وباطنها؟ هذا أمرٌ يرجع إلى تقبُّل النّاس له، وهو أمرٌ ليس في يد الإنسان،
لكن هو مأجورٌ بأنّه كسب من ممارسته من النّاحية الحقيّة.
نسأل الله: أن يوفّقنا لما
فيه خيرنا ولما فيه صلاحنا، وأن يجعلنا دائماً من الذين يؤمنون ويتفكّرون ويتدبّرون
ويذكرون، ويجعلون لحياتهم هدفاً، ويعملون عملاً صالحاً، يرجون لقاء الله ويرجون كسباً
في الله.
فحمداً لله، وشكراً لله،
وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى
عليك، تعلم ما بنا وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل
عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا،
وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا،
وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين،
لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارنا الحق حقّاً وارزقنا
اتّباعه، وارنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه
السّاعة ذنباً إلّا غفرته، ولا همّاً إلّا فرّجته، ولا مريضاً إلّا شفيته، ولا فقيراً
إلّا أغنيته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها
.
اللهم اجعلنا لك خالصين،
لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم ارنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وارنا
الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا،
واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا،
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا.
__________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق