الأحد، 16 يوليو 2017

هل إذا كنت لا ترى تأثيراً لما تقوم به، هل تُبْطله، هل توقفه؟

حديث الجمعة 
7 رمضان 1438هـ الموافق 2 يونيو 2017م
السيد/ علي رافع

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ونعوذ به من الشيطان الرجيم. نسأله توفيقاً، وهدايةً، ومغفرةً، ورحمةً، نسأله أن نكون أهلاً لكلّ ذلك، وأن نقوم فيما يجعلنا أهلاً لنفحاته ورحماته، وأن تكون عباداتنا مؤثرةً على قلوبنا وأرواحنا ونفوسنا وعقولنا، لتُخرِج كلّ ما فينا من ظلام وتستبدله بنورٍ من نور الله.
ونحن نعيش في عالمٍ نتعامل فيه بأجسادنا، ونريد أن نتدرّب على أن يكون تعاملنا بقلوبنا وأرواحنا، نريد أن نتدرّب على أن نتخلّى عن هذه الأجساد ومتطلباتها ورغباتها وشهواتها، وأن نعيش بما فينا من نور الله وسرّ الله.
وهذا ما نفهمه من منسك الصّوم، "... كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ..."[البقرة 183]؛ لأنّ الصّوم هو تدريبٌ على أن نعيش بأرواحنا وقلوبنا، وهو من قوانين الله التي أظهرها بمناسكه التي أمرنا بها، لنكون متذكّرين ذلك في كلّ لحظةٍ نمتنع فيها عن طعامٍ أو شراب، نتذكّر هذا المعنى في كلّ لحظةٍ من لحظات صومنا. وتذكّر المعنى بصورةٍ مستمرّة يؤثّر في القلب، [إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد، وإنّ جلاءها لذكر الله](1).
والصّوم هو نوعٌ من أنواع الذّكر ككلّ العبادات. والذّكر بمعناه الشّامل هو أن تتذكّر معنى، وتردّد هذا المعنى بأيّ جارحةٍ من جوارحك، وفي كلّ لحظةٍ تمرّ بك وأنت ذاكرٌ بهذا المعنى ـ  بمعنىً ما ـ يؤثّر دلالة هذا المعنى فيك.
وهذا ما نتحدّث به دائماً، من أن نربط بين كلّ منسكٍ نؤدّيه، وبين مقصدٍ حقيّ نريد أن نحقّقه لأنفسنا، وأن نتذكّر هذا المقصد ونحن قائمون في آداء المنسك. فالذّكر ـ كما قلنا ـ هو استمراريّتك في تذكير وجودك بأيّ جارحةٍ من الجوارح.
فإذا كنت تذكر بلسانك، وتستغفر الله بلسانك، وتستحضر معنى الاستغفار وأنت تردّد هذا الاستغفار بأيّ صيغةٍ وبأيّ شكلٍ، فإنّ ذلك يؤثّر فيك وفي داخلك. إذا كنت تذكر بجسدك كلّه وأنت صائمٌ، ويحتاج جسدك لطعامٍ أو شراب، هذا الاحتياج الذي يشعر به الإنسان يوم تربطه بمعنى أن تعيش بروحك وقلبك، فإنّ هذا يجعلك أقرب إلى هذا الحال.
من واقع التّجربة، ربّما يشعر الإنسان بذلك، وربّما لا يشعر بنتيجةٍ واضحة. ولكن نحن نعيش في حجابٍ من ظلام، وعلينا أن نختار ونحن نعيش في هذا العالم بما يجب أن نفعله، وبما يجب أن نقوم فيه. نحن لا نستطيع أن نرى تأثير ذكرنا على حالنا بصورةٍ واضحةٍ جليّة، ربّما يحدث ذلك للبعض في لحظةٍ أو في لمحةٍ، يشعر بتأثير ذكره عليه، وربّما لا يشعر إنسانٌ آخر بذلك.
والسؤال هنا: ماذا تفعل في كلتا الحالتين؟ هل إذا كنت لا ترى تأثيراً لما تقوم به هل تبطله، هل توقفه؟ وإذا كنت ترى أو رأيت تأثيراً في لحظةٍ أو في لمحةٍ ثمّ لم ترَ بعد ذلك، فهل يعني ذلك أنك كنت في حالٍ أفضل ثم تركت هذا الحال؟ إنها أسئلةٌ لها علاقةٌ بسلوك الإنسان في الطّريق.
والإنسان في الطّريق الصّوفي الحقيّ الروحيّ، له آدابه، وله أساليبه، وله تعاليمه. حتّى لا تترك الطّريق وتشرد عن الهدف، فعليك أن تتعلّم كيف تتعامل وأنت في هذا الحجاب، وأهمّ شيءٍ تتعلّمه أن تتّجه إلى داخلك بكلّ سؤالٍ يخطر على بالك، وتسأل قلبك: ماذا أفعل في هذا الحال، أو في ذاك الحال؟ إيمانك بهدفك وبمعنى حياتك، سوف يرشدك ويدلّك على الطّريق القويم.
ونحن هنا لا نريد أن نصف لك ما يجب أن تفعله، ولكنّا نساعدك على أن تجد هذا بنفسك، بقلبك، بعقلك، أن يكون بصرك حديد، أن تُرجِع الأمور إلى داخلك، أن تتّجه إلى قلبك، أن يكون قرارك قراراً قائماً على ما تراه وأنت تنظر إلى أعماقك.
إنّ أيّ تصوّرٍ لحالٍ معيّن سوف تصل إليه من سلوكك، هو تصوّرٌ ناقص؛ لأنّ ـ كما نقول دائماً ـ نحن نعيش في عالمٍ فيه حجاب، وهذا الحجاب رحمةٌ بك، فلتحاول دائماً أن تتعامل مع سرّ الله فيك الذي أودعه في قلبك، أودعه في قلبك لتستفتيه، [إستفت قلبك ولو أفتوك ولو أفتوك ولو أفتوك](2)
إنّا حين نربط الصّلاة، ونربط الصّوم، ونربط الحجّ، ونربط الزّكاة، بمعانٍ روحيّةٍ معنويّةٍ نريد أن نقوم فيها، فإنّ ذلك ينبع مما أُمِرنا به في ديننا بكلّ هذه المناسك، نحن نراها رسائل علينا أن نفهمها، وأن نتأمّلها، وأن نتدبّرها، وأن يكون لنا مفهومٌ فيها، وأن نعلم أنّ محاولتنا لفهمها ولفهم مقاصدها، هو أمرٌ نسبيّ، وليس مطلقاً، فنحن نفهم بما نحن له أهل، ولكن بقدر فهمنا بقدر ما سيكون لهذا المنسك تأثيرٌ علينا.
عباد الله: إنّا نذاكر بهذه المعاني دائماً فـ "..الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين"[الذاريات 55]، والذّكرى يحتاج لها الإنسان، "فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى، ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى، قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"[الأعلى 15:9]، نحن في حاجةٍ دائمةٍ أن نذكر اسم ربّنا.
وإسم ربّنا هو ما تجلّى به علينا من أسبابٍ وقوانين وأحوالٍ، وما أمرنا به من أحوالٍ ومن عباداتٍ ومن صورٍ مختلفة، تحمل رسائل كثيرة ـ علينا أن نتأمّلها وأن نقرأها، فنكون من الذين يذكرون اسم ربّهم، فيكونوا دائماً في صلاة.
عباد الله: نسأل الله: أن يحقّق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو تذكيرٌ بمعنى الصّوم لنا، وارتباط منسك الصّوم بأن يقوم الإنسان بما فيه من معانٍ، بما فيه من قيمٍ، بما فيه من روحٍ، بما فيه من قلبٍ، متخليّاً عن ذاته وشهواته ورغباته.
وأن جسده وهو يشعر بهذا الامتناع، إذا ربط هذا الإحساس بالجوع والعطش بمعنى قيامه بروحه وقلبه، يكون هذا الذّكر سبباً في تقوية ما في الإنسان من معانٍ وقيمٍ روحيّة وحقيّة.
وقد يشعر الإنسان بهذا التّأثير، وقد لا يشعر به واضحاً جليّاً، وعليه أن يعلم أنّ إدراكه ورضاءه بالمعنى الذي يفهمه من قيامه بالمنسك، هو الحافز الرئيسيّ على أن يقوم في هذا الذّكر، وهو يدرك أنّ هذا التّأثير واقعٌ، سواء رآه أم لم يره.
قد يشعر في حياته في لمحةٍ من اللّمحات بتأثير ذكره عليه، فهذا ما وصفه الصّوفيّة بعبادة اللّمحات، أنّك قد تشعر بأمرٍ غيبيّ غير اعتياديّ، يُشعِرك بجمال علاقتك بالله، ولكن هذا لا يستمرّ، وهذه ملاحظةٌ قال بها كلّ رجال الله. كلّ رجال الله قالوا بعبادة اللّمحات، وبقيامك في حجاب.
و[لو كشف عنّي الحجاب ما ازددت يقينا](3)، هذا ما قاله الإمام عليّ؛ لأنّه أدرك أنّ الإنسان في حجابه مجرّد أنّه يفهم أنّه في حجاب، ومجرّد أن يفهم قضيّته في الله، ومجرّد أن يفهم أنّ كلّ ما أُمِر به هو ليكون إنساناً أفضل وأصلح، هذا في حدّ ذاته كشفٌ للإنسان في حجابه، كشفٌ للإنسان فيما يفهمه، كشفٌ للإنسان في حدود وإطار وجوده الماديّ المحجوب.
فرؤية الله في الشّهادة، هي رؤيةٌ لله، هي شهادةٌ لله، فيما يستطيع الإنسان أن يشهده. هذا ما حدث مع موسى ـ عليه السّلام ـ "...رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا..."[الأعراف 143]،  هذا تعبيرٌ دلاليّ عن أنّ الإنسان يرى الله فيما يستطيع أن يشهده.
فأنت تستطيع أن ترى تأثير الفعل عليك فيما تستطيع أن تفهمه وتقبله، من أنّ هذا الفعل يؤثّر عليك إيجاباً. رؤيتك لهذا بفهمك هي رؤيةٌ حقيّة، وكلّ إنسانٍ سوف يرى بما يفهم، وسوف يرى بما ينوي، وسوف يرى بسعته في الرّؤية، "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ..."[البقرة 286].
اللهم وهذا حالنا، وهذا قيامنا، نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم اكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا، يا أرحم الراحمين ارحمنا. 
                                

  
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)    حديث شريف أخرجه الطبراني بنص :"إن للقلوب صدأ كصدأ الحديد وجلاؤها الاستغفار".  

(2)    حديث شريف جاء نصه: "استفت قلبك واستفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك" قالها الرسول ثلاث مرات. أخرجه أحمد و الدرامي.

(3)    مقولة للإمام علي كرم الله وجهه "لو كشف الغطاء عنى ما ازددت يقينا".




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق