السبت، 14 أبريل 2018

إنّ الذي قال ربّنا الله ثم استقام بحقّ، سوف يكون في معنى الذي يخشى الله



حديث الجمعة 
27 رجب 1439هـ الموافق 13 إبريل 2018م
السيد/ علي رافع

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ"[فصلت 30]، هذه الآية، تكشف لنا عن السّلوك في طريق الحياة وفي طريق النّجاة، بما تحمله من معانٍ تتخطّى أيّ شكلٍ أو صورة، إنّما توضّح الأساس الذي يسلك عليه الإنسان.
"الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ"، ماذا تعني هذه الكلمات؟ هل هي مجرّد نطقٍ باللسان؟ أم هي حالٌ يقوم فيه الإنسان؟ أم هي قولٌ يحوّل الإنسان من حالٍ إلى حال؟ أم هي شرحٌ لشهادة أنّ لا إله إلّا الله؟ أم هي فهمٌ للإيمان بالغيب؟ إنّها كلّ ذلك، إنّها تعبيرٌ عن معانٍ ومفاهيم متعدّدة، كلّها تلتقي في معنىً واحد، "الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ".
"ثُمَّ اسْتَقَامُوا"، فما هي الاستقامة؟ هل الاستقامة هي مجرّد القيام بالشّعائر؟ هل الاستقامة هي في التّعامل مع النّاس بالعدل والقسطاس؟ هل هي السّير في الأرض بحثاً عن العلم والمعرفة؟ هل هي التّجمع على ذكر الله؟ هل هي التّواصي بالحقّ والتّواصي بالصّبر؟ هل هي الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر؟ إنّها كلّ ذلك.
وكانت هذه الآية: "الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"، هي تفسيرٌ لشهادة أنّ لا إله إلّا الله، وتفسيرٌ لشهادة أنّ محمّداً رسول الله. ما هي نتيجة هذا القول وهذه الاستقامة؟ هل يكون نتيجة هذا القول وهذه الاستقامة، هو كبرٌ وتكبّر؟ أو خوفٌ وخشوعٌ وافتقارٌ إلى الله؟
إنّا ـ كما نذاكر دائماً ـ أنّ الحال الذي يخشى منه الذي يسير في طريق الله، هو أن يكون متكبّراً، أن يكون مغترّاً، أن يعتقد أنّه وصل إلى الكمال. ولذلك، فإنّ الذي قال ربّنا الله ثم استقام بحقّ، سوف يكون في معنى الذي يخشى الله، "...إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء..."[فاطر 28]، سيكون في معنى: [أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه](1).
لذلك، نجد الآية: "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا"، إنّهم في خوفٍ وفي حزن، فيكونون بذلك أهلاً لأن "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ"، وتقول لهم: "أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا"، فلا يزيدهم ذلك إلّا أن يكونوا أكثر خشيةً، وأكثر دعاءً، وأكثر طلباً، [إنّه ليُغان على قلبي حتّى أستغفر الله في اليوم سبعين مرة، أأغيان أغيارٍ يا رسول الله؟ بل هي أغيان أنوار](2).
فإذا نظرنا إلى واقعة الإسراء والمعراج في هذا الإطار، فإنّ الإسراء والمعراج كانا في إطار معنى: "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا"، وأمّا ما نفهمه من نتيجة هذه الواقعة، أنّ الرّسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لم تزده هذه الآية من ربّه، إلّا افتقاراً إلى الله، [أنا أقربكم من الله وأخوفكم منه].
والإسراء ـ كما نتأمّل دائماً ـ هو تعبيرٌ عن حال الإنسان الذي قال ربنا الله ثم استقام، وهو في لباسه البشريّ، "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ..."[الإسراء 1]، وإذا كان الليل هو تعبيرٌ عن وقتٍ، فهو تعبيرٌ عن حجاب، هو تعبيرٌ عن وجودٍ بشريّ في قيام محدود.
وما المسجد الحرام، إلّا تعبيرٌ عن قيام الإنسان في وجودٍ حقيّ، نتيجةً لشهادته أنّ لا إله إلّا الله  وأنّ محمّدا ًرسول الله، بقوله ربنا الله واستقامته، "... وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ..."[الشورى 15]، فيكون بذلك أهلاً لأن تتنزّل عليه الملائكة، ولأن يُسرَى به من هذا الحال إلى حالٍ أعلى وأكبر وأقصى، وأن يُرِيَه الله من آياته الكبرى، "وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ".
فهل ينتهي الأمر عند ذلك؟ أم أنّ القيام على هذه الأرض مستمرّ، وتصبح العلاقة قويّةً بين الأرض والسّماء، "نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ..."[فصلت 31]، تعبيرٌ عن حال الإنسان، الذي يظلّ متمسّكا بقول ربنا الله وبالاستقامة، مفتقراً غير مستغنٍ، متواضعاً غير متكبّرٍ، يكون بذلك أهلاً لرحمة الله ولرعاية الله، وأن يكون وليُّه الله في الدنيا وفي الآخرة، وهذا من فضل الله، ومن مغفرة الله، ومن رحمة الله، "نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ"[فصلت 32].
        فـ"نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ"، لها دلالةٌ قويّةٌ في هذا الإطار. الدّلالة الأولى، هي استمرار الاستغفار، واستمرار قبول الاستغفار ـ بمعنى الغفور. فالإنسان الذي قال بحقّ ربّنا الله، والذي استقام بحقّ كما أُمِر، فإنّه سيكون في استغفارٍ دائم. إستغفارٌ حقّيّ لا يتوقّف، وإدراكٌ حقّيّ، "... وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ"[هود 47] ـ معنى الرّحيم.
وهكذا، نجد أنّ آيات القرآن تتكامل في معانيها، وتعبّر عن معنىً واحدٍ بصورٍ متعدّدة، وتقود الإنسان إلى المعنى الذي يحاول أن يكون عليه في حياته الأرضيّة، وفي إدراكه لعلاقته بالغيب.
عباد الله: هكذا، نحاول دائماً أن نتأمّل في آيات القرآن لنا، وأن نربطها بمعانٍ جاءت في آياتٍ أخرى، وفيما تعرّضنا له من فيوضات رسل الله وأحاديثهم وسُننهم، التي بُلّغنا إيّاها، والتي نتأمّل فيها كلّ يومٍ، بما أعطانا الله من قدرةٍ على التّأمّل والتّفكّر والتّدبّر، لا نكرّر ولا نردّد، وإنّما نُعمِل ما أعطانا الله من حياةٍ لنكون أحياءً، لا لنكون أمواتاً، لنكون متفكّرين، متدبّرين، ذاكرين، مستغفرين، حامدين، شاكرين.
نسأل الله: أن يوفّقنا دائماً، أن نتأمّل في آياته، وأن نتعلّم منها ما يجعلنا أفضل حالاً، وأفضل قياماً.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو أن نربط بين الآيات التي تحدّثنا عن "الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"، وأن "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا"، وبين سيرة رسول الله، وما حدث من واقعة الإسراء والمعراج، كتعبيرٍ واقعيّ عن "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا"، وأنّ هذا يسبقه أن يكون الإنسان في حالٍ من إدارك علاقته بالله، فيقول ربّنا الله بحقّ، وأن يستقيم كما أُمِر بحقٍّ.
وأنّ الاستقامة وقول ربّنا الله قبلها، ليس مجرّد شكلٍ، وليس مجرّد كلامٍ أو قولٍ باللسان، إنّما له أبعادٌ كثيرة في الاعتقاد وفي السّلوك، في الفهم وفي العمل، في التأمّل وفي الذّكر. إنّها ليست مجرّد كلماتٍ، وليست مجرّد أشكال.
وهذا ما نذاكر به دائماً، حتّى لا يتحوّل الدين عندنا إلى كلماتٍ نردّدها، وإلى أشكالٍ نقوم فيها، وإنّما يكون هدفنا أن نتدبّر في الكلمات التي نقولها، وأن نقوم في الأشكال التي نؤدّيها، وأن نحاول دائماً، لنعلم أكثر، ولنقوم أفضل.
نريد بذلك أن نكون أهلاً لأن تتنزّل علينا الملائكة "أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا"، نكون أهلاً لرحمة الله، ولعطاء الله، ولبشرى من الله، بأن نكون أحياءً عند ربّنا نُرزق، ولا يزيدنا ذلك، إلّا أن نستغفر الله أكثر، وإلّا أن نطمع في رحمة الله أكبر.
هكذا تكون حياتنا، وهكذا يكون سلوكنا، هكذا يكون قولنا، وهكذا تكون استقامتنا.
عباد الله: نسأل الله: أن يحقّق لنا ذلك، وأن يجعلنا من "الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ..."[الزمر 18]، وأن نكون إلى الله دائماً مفتقرين، وفي رحمته طامعين، وله مستغفرين، هذا ما نطمع فيه وما نرجوه. نسأله الخير كلّ الخير، والحقّ كلّ الحقّ، والنّور كلّ النّور، لنا، وللنّاس أجمعين.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنباً إلّا غفرته، ولا همّاً إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنّا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.      
___________________________ 

(1) "إني أتقاكم لله وأخشاكم له" حديث شريف أخرجه مسلم في صحيحه كما ورد في موطأ مالك ومسند أحمد  بصيغ مختلفة.

(2) الحديث الشريف كما أخرجه مسلم هو :" إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ". الجزء الثاني هو ما قيل عن رؤية للإمام أبي حسن الشاذلي حيث رأى الرسول صلى الله عليه وسلم.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق