الجمعة، 27 سبتمبر 2019

رؤيتنا تنبع من مقدار صفائنا ورقينا وعلمنا


حديث الجمعة 
28 محرم 1441هـ الموافق 27 سبتمير 2019م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا، حديثًا متَّصلًا نتواصى فيه بالحقِّ والصَّبر بيننا.
"... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ..."[الأعراف 43].
هدانا الله إلى فهمٍ في الحياة وقانونها، هدانا إلى "... كَلَمَةٍ سَوَاء ..."[آل عمران 64] نتواصى بها، هدانا إلى عملٍ صالحٍ نقوم به، هدانا إلى طريقٍ نسلكه، وإلى بابٍ نطرقه، وإلى قبلةٍ نتوجَّه إليها، وإلى وجهٍ نقصده، هدانا إلى أن نفهم ديننا فهمًا يُقرِّبنا إلى الحقِّ في وجودنا، وإلى الحقِّ حولنا.
نذكر نعمة الله علينا دائمًا فيما هدانا إليه، ونطلبه أن يوفِّقنا دائمًا إلى ما هو أقوم وأحسن، مدركين أنَّ [طريق الله لا نهاية له](1)، وأنَّ [ما من كمالٍ إلَّا وعند الله أكمل منه](2).
حين ننظر حولنا، وحين ننظر إلى تاريخنا، ونجد النَّاس وقد فهموا رسالات الله لهم بصورةٍ مختلفةٍ عمَّا فهمناها، نشعر أكثر بنعمة الله علينا، وفي نفس الوقت نشعر أكثر بخشية الله. فنحن نرى الدِّين في جماله، وفي صفائه، وفي تناغمه مع قوانين الحياة، ومع كلِّ المعاني الجميلة من محبَّةٍ، وتسامحٍ، وصفاءٍ، من إخلاصٍ في كلِّ شيء، في العمل، وفي المعاملة، وفي التَّعامل، وفي العبادة، وفي الدُّعاء، وفي التَّجمُّع، في كلِّ مناحي الحياة، نرى الدِّين في رحمة الله، وفي كرم الله، وفي نعمة الله.
وفي نفس الوقت، نرى النَّاس الذين لم يروا في الدِّين إلَّا كلماتٍ جوفاء ردَّدوها، وإلَّا معاني شكليَّةٍ عبدوها، وإلَّا أصنامًا خلقوها.
كيف حدث ذلك، ولماذا رأوا ذلك، ولماذا رأينا نحن غير ذلك؟
حين نتأمَّل في أحوال النَّاس في الماضي والحاضر، نتعلَّم دائمًا أنَّ الإنسان لا يرى إلَّا بأهليَّته، وإلّا بمشيئته، وإلّا بفطرته، وإلَّا بقدرته وسعته، "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ..."[البقرة 286]، وسعة الإنسان تتغيَّر، لذلك فسيظلُّ الأمر كذلك؛ لأنَّه سيظلُّ النَّاس كذلك، فالنَّاس درجاتٌ ومراتب، وكلٌّ يرى بما هو له أهل.
لذلك، فإنَّ علينا ألَّا نتعجَّب ممَّا نرى، وأن نحاول أن نكون أكثر صدقًا مع أنفسنا، ومع عقولنا، ومع قلوبنا؛ لأنَّ رؤيتنا تنبع من مقدار صفائنا، ومن مقدار رقيِّنا، ومن مقدار علمنا، فعلينا أن نتَّجه أكثر إلى داخلنا، أن نذكر أكثر، وأن نتأمَّل أكثر، وأن نتدبَّر أكثر، وأن نجاهد أنفسنا أكثر، متَّجهين إلى الله بالدُّعاء والرّجاء في أن يجعلنا أهلًا لرحمته، وأهلًا لنعمته، وأهلًا لعلمه وحكمته.
عباد الله: نسأل الله: أن يُحقِّق لنا ذلك، وأن يجعلنا دائمًا أهلًا لرحماته، وأن يجعلنا من الذين يقصدون وجهه، والذين يتوكَّلون عليه، والذين يجتمعون على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
نسأل الله: أن يجمعنا دائمًا على الخير، وأن يوفِّقنا إلى الخير.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
________________________
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نُوضِّحه اليوم: هو الفارق في الرُّؤى بين أناسٍ وأناس ـ رؤاهم لدينهم وما يحمله من رسائل لهم ـ وأنَّ هذه الرُّؤى تختلف بحسب كلِّ إنسانٍ وسعته، وعلمه، وقدرته، وصفائه، ونقائه.
فهناك من لا يرى إلَّا القشور، وهناك من ينظر إلى الجوهر، رؤيته تتعدَّى الظَّاهر، وآخرٌ لا يستطيع أن يرى إلَّا الظَّاهر، وأنَّ هذا ما حدث ويحدث في متابعي كلِّ الدِّيانات، وكلِّ الرِّسالات، وكلِّ الطُّرق. فهناك من لا يأخذ من الأمر إلَّا ظاهره، وإلَّا شكله، وإلّا رسمه، وهناك من تتعدَّى رؤيته هذه الصُّور والأشكال، إلى العمق الذي تهدف إليه هذه الصُّور والأشكال.
وفي كلِّ مجالٍ، أو في كلِّ فريقٍ درجات، فالجمود درجات، والتَّغيُّر والتَّفكُّر والتَّدبُّر درجات، وهذا حال البشر من قديم، وسيظلُّ حال البشر كذلك، وسيظلُّ كلٌّ يدعو إلى ما يراه، ولن يتوقَّف ذلك، فهذه هي الحياة. وعلى كلِّ إنسانٍ أن يدرك هذا المعنى، فيظلَّ مدافعًا عن رسالته، وعن مفهومه، وعن رؤيته، وهو يعلم تمامًا أنَّ هناك آخرٌ يدفع في الطَّريق العكسيّ.
ولكنَّ هكذا هي الحياة، ما بين اتِّجاهٍ واتجاه، تتكاثر وتتوالد أفكارٌ جديدة ومعانٍ كثيرة لا نهاية لها، وعلى الإنسان أن يستغفر الله دائمًا، وأن يخشى الله دائمًا أن يظن أو أن يعتقد أن ما يراه هو الحقُّ المطلق، فكلُّ ما يراه هو حقٌّ نسبيٌّ لما هو موجودٌ فيه من قدرةٍ وعلم، يتغيَّر مع الوقت، [فما من كمالٍ إلَّا وعند الله أكمل منه].
هكذا نتعلَّم دائمًا فيما نقوله، وفيما نراه، وفيما نفعله.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم ونحن نتَّجه إليك، ونتوكَّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلَّا إليك.
اللهم فاكشف الغمَّة عنَّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
______________________

(1)  مقولة صوفية: [إنَّ طريق الإنسان إلى الله له نهاية، وإنَّ طريق الإنسان في الله لا نهاية له].

(2)    مقولة للإمام الجنيد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق