السبت، 12 أكتوبر 2019

معالم السُّلوك في طريق الله، وبعض الأدوات التي يجب أن يتحلَّى بها السَّالك


حديث الجمعة 
12 صفر 1441هـ الموافق 11 أكتوبر 2019م
السيد/ علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
عباد الله: إنَّا حين نتدبَّر آيات الله في الآفاق وفي أنفسنا، نجد أنَّ الحقَّ قد كشف لنا عن طريق الحياة، فيما علَّمنا عن قانونه وأسبابه.
علَّمنا عن خَلْق الإنسان، "... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ..."[البقرة 30]، "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ"[التين 4]، "خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ"[الرحمن 4،3].
وهذا أوَّل درسٍ علينا أن نتعلَّمه، وأنَّ كلًّا منّا كإنسانٍ فيه ما يُمَكَّنه من أن يقرأ ما حوله، وأن يؤثِّر فيما حوله، وأنَّ هناك ما يمكن أن يقرأه، "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ..."[فصلت 53].
"... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"[الإسراء 15]، فالتَّبليغ هو أمرٌ دائمٌ في آيات الله في الآفاق وفي أنفسنا، والتَّأثير في أنفسنا وفي مجتمعنا هو قدرةٌ أعطاها الله لنا، "... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ..."[الرعد 11]، و"مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، تعود هنا على الإنسان وعلى مجتمعه، فأنت قادرٌ على أن تستشعر آيات الله من حولك، وقادرٌ أن تُغيِّر ما بنفسك وما فيه مجتمعك.
وكذلك، علَّمتنا آيات الله ماذا نفعل حين نشعر بعجزٍ، أو بضعفٍ، أو بوهنٍ، "... ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ..."[غافر 60]، "... فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ..."[البقرة 186]، وكلُّ العبادات هي دعاءٌ، وهي استعانةٌ، وهي جهادٌ، "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ..."[العنكبوت 69]، وهي محاولةٌ للقرب من مصدر الحقِّ، وهي محاولةٌ للتَّواصل مع الله في النَّاس، بالتَّكافل والتَّعاون معهم.
لذلك، نجد كلَّ عبادةٍ وهي أساسها دعاءٌ، إلَّا أنَّ كلًّا منها يرمز إلى معنى من هذه المعاني التي ذكرناها، والتي هي الوسيلة للسُّلوك في طريق الله.
فالصَّلاة دعاء، وهي طلب صلةٍ بالحقِّ، بغيبه ومشهوده. والصَّوم جهادٌ في سبيل الله، في مجاهدة الإنسان لنفسه المتثاقلة إلى هذه الأرض. والزَّكاة هي تعاملٌ مع الله في النَّاس، في أن يكون الإنسان أداة خيرٍ لمن حوله، وهي تعبيرٌ شاملٌ عن كلِّ المعاملات مع النَّاس جميعًا في كلِّ صورهم. والحَجُّ هو محاولتك للقرب من مصدر الحقِّ على هذه الأرض، فحِجُّك هو محاولتك للبحث في أيِّ أمرٍ تقوم به عمَّا فيه من حقٍّ، وتقترب إليه. هذه أدواتك في سلوكك في طريق الله، أو هذه بعضٌ من الأدوات التي يمكنك أن تستخدمها.
ولكنَّ هناك الكثير من الصِّفات التي يجب أن تحاول أن تتحلَّى بها، من هذه الصِّفات التَّواضع لله، "من تواضع لله رفعه"(1)، "... وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ..."[الإسراء 24]، "وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً"[الإسراء 37]، "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ..."[الإسراء 36]، ولا تُطلِق أحكامًا مطلقة، وإنَّما تعرف قدر نفسك.
وهناك أمورٌ عليك أن تُحدِّث بها نفسك دائمًا، فالنَّفس الأمَّارة بالسُّوء تحاول أن تجعل الدُّنيا كلَّ همِّك، وما فيها كلَّ علمك، تُحدِّث نفسك بأنَّ "... الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ..."[العنكبوت 64]، وأنَّ حياتك مستمرَّةٌ، وآيات الحقِّ تُبشِّرك بذلك، "وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"[آل عمران 169].
وتضيف الإيمان باليوم الآخر إلى الإيمان بالله، "... مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ..."[البقرة 62]، وآيات الله في الكون تُبشِّرك بذلك دائمًا، كما بَشَّرتك في الرِّسالات السَّماويَّة، فالبشرى قائمةٌ دائمًا في الظَّواهر الرُّوحيَّة التي ظهرت حديثًا نسبيًّا، مصداقًا لقوله: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ...".
فظهرت ظاهرة الاتِّصال الرُّوحيّ، وما بَشَّرت به الأرواح المُتَّصلة عن حياة الرُّوح، وما يلاقيه الإنسان بعد انتقاله، كما بَشَّرت وسائل أخرى بذلك في محاولات البعض للرُّجوع بذاكرتهم إلى ما قبل وجودهم الأرضيّ، وما تحدَّث البعض منهم عن ذلك، آياتٌ في الشَّرق، وفي الغرب، لتُبشِّر الإنسان بحياةٍ أفضل بعد انتقاله، فلا يخشى ظاهرة الموت، ويعلم أنَّها حقيقةٌ، وأن الحياة مستمرَّةٌ دائمة في صورٍ مختلفة، "فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"[الإنفطار 8].
كما تعلَّمنا من آيات الله، ومن حديثه المستمرّ فيما يظهر لنا من آياتٍ وظواهر، أنَّ الإنسان بعمله، "فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"[الزلزلة 8،7]، [لا فضل لعربيٍّ على أعجميٍّ إلَّا بالتَّقوى](2)، فالنَّاس جميعًا في الشَّرق والغرب، في الشَّمال والجنوب، الأبيض والأسود والأصفر، كلُّ الأجناس، وكلُّ الأشكال، وكلُّ الملل والنِّحل، كلُّ الأديان، وكلُّ المعتقدات، القضيَّة في النِّهاية هي قضيَّة الإنسان، وجوهر الإنسان، وعمل الإنسان، وإيمان الإنسان بحياته ووجوده.
الله أكبر عن أيِّ صورةٍ وعن أيِّ شكل، "... غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"[آل عمران 97]، وضع قانونه الذي يحكم كلَّ شيء، "... مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ..."[الأنعام 38]، والكتاب هنا، هو القانون الإلهيّ، الكلُّ سواسيةٌ أمام هذا القانون.
من يتعلَّم من آيات الله في القديم، وفي الحاضر، وفي المستقبل، هو الإنسان السَّالك في طريق الله، المجاهد في سبيل الله، هو الشَّهيد الذي هو حيٌّ عند الله.
 إنَّ كلَّ إنسانٍ يحاول ويجاهد أن يلتزم بقوانين الحياة في معاملاته، وفي أفكاره، وفي سلوكه، وفي إعماله لما أعطاه الله من طاقات، وفي تغييره لنفسه ولمجتمعه، ولا ييأس من رحمة الله، ولا من فضل الله ـ يأمل بذلك أن يكون في معنى الشَّهيد، وفي معنى الشَّهادة، يأمل في ذلك، ولا يوقن بذلك، فهو لا يستطيع أن يوقن بشيء، [ها أنا رسول الله بينكم ولا أدري ما يُفعَل بي غدا](3)، يطمع بعد كلِّ ذلك في رحمة الله، وفي فضل الله، وفي كرم الله.
نسأل الله: أن نكون ممَّن يسلكون طريق الله، ويطمعون في رحمة الله، ويسألون الله فضلًا، وكرمًا، ومغفرةً، في كلِّ لحظةٍ وحين.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
______________________
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم، وحديثنا اليوم: هو عن معالم السُّلوك في طريق الله، وعن بعضٍ من الأدوات التي يجب أن يتحلَّى بها السَّالك فيما يقوم به، وفيما يفعله، وفيما يتعامل به مع كلِّ الكائنات.
فنحن نأمل جميعًا أن نكون من السَّالكين في طريق الله، وأن نكون متحلِّين بصفات عباد الله، وأن نكون بعد كلِّ ذلك طامعين في رحمة الله، وأن تكون أفعالنا مطابقةً لمفاهيمنا ولأقوالنا، فإذا وجدنا أنَّنا نفعل غير الذي نتكلَّم به، اتَّجهنا إلى الله أن يعيننا على نفوسنا، وعلى ظلامها، وجاهدنا لنتوافق مع ما نؤمن به وما نقوله.
فالتَّوافق بين ما نفعله وبين ما نفهمه، هو العمل الصَّالح، وهذا من رحمة الله بالإنسان، فـ "لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ..."[البقرة 286].
عباد الله: نسأل الله: أن يحقِّق لنا ذلك، وأن يجعلنا أهلًا لرحمته، وأهلًا لنعمته، وأهلًا لفضله وعلمه وحكمته.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النَّاس حولنا.
اللهم فاكشف الغمَّة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنَّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السَّاعة ذنبًا إلَّا غفرته، ولا همًّا إلَّا فرَّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلَّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرَّاحمين ارحمنا.
___________________

(1)    حديث شريف نصه: "من تواضع لله رفعه الله". الراوي: أبو هريرة، المحدث: الألباني.

(2)    نص الحديث كما أخرجه أحمد بن حنبل: " يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى".

(3)    حديث شريف، نصه (قال صلى الله عليه وسلم: "هذا أنا رسول الله، والله ما أدرى ما يصنع بي")، وفى رواية أخرى "قال صلى الله عليه وسلم: ما أدرى وأنا رسول الله ما يفعل بى ولا بكم". (أخرجه احمد ابن حنبل - مسند احمد بن حنبل).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق