الجمعة، 2 أغسطس 2013

أساس العبادة، هو النية الخالصة

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله، والحمد دائماً لله، والشكر لله، والشكر دائماً لله، والصلاة والسلام دائماً على رسول الله.
نستعين بالله ونستنصره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن شرور الأشرار حولنا. نسأله رحمةً وقوةً، قوةً، تعيننا على عمل كل ما هو صالحٌ لمجتمعنا، ولبلدنا، ولأرضنا، قوة سلامٍ وتآلفٍ، قوة إدراكٍ لواقعنا، لما فيه خيرنا، ولما فيه صلاحنا، قوةً تنير الطريق أمامنا، نميز بها بين الخبيث والطيب، بين الخير والشر، بين الحق والباطل، قوةً تجعلنا نقرأ ما جاءنا من بينات، ولا نكون
 "...كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ..."[آل عمران 105].

عباد الله: إن الإنسان يغفل عن بيناتٍ كثيرة، بظلامه، وبكبره، وبظنونه. وما الصوم في هذا الشهر الكريم، إلا رمزٌ لمقاومة هذه الشرور، ولجهاد النفس الأمارة بالسوء، وللتعرض لنفحات الله ورحماته. ولا يكون هذا، إلا بخلاص النية، والدعاء الصادق للتوجيه والإرشاد.
فها نحن، نرى الكثيرين يصلون ويدعون، يقومون الليل ويصومون، وما تزيدهم صلاتهم وصومهم إلا استكباراً، وإلا عنفاً، وإلا تصميماً على أمرٍ ليس هو الحق كله، وما يحدث أكبر بكثير، في ضرره وفي آثاره السلبية السيئة، عما يتصورون أنه يجب أن يكون.
إننا، حين نتكلم عن العبادات، وما تنتجه من آثارٍ في الإنسان، [من لم تنهه صلاته فلا صلاة له](1)، ومن لم ينهه صومه عن قول السوء وعن فعل السوء، فلا صوم له، [كم من صائمٍ لم يأخذ من صيامه إلا الجوع والعطش](2)، وكم من مصلٍ، وصلاته تلعنه، [كم من مصل لم يزدد بصلاته من الله إلا بعداً](3).
وها نحن نتعلم في حياتنا المعاصرة، مما نراه من أحداث، وما كنا نسمعه في تاريخنا، من الذين يصومون الدهر ويقومون الليل، ثم بعد ذلك، يقتلون ويُخَرِّبون ويُفسِدون بظن دينٍ، وبظن إيمانٍ ـ فهل نهتهم صلاتهم؟ أو نهاهم صومهم؟
فالقضية في الإنسان، في نية الإنسان، في نيته وهو يتوجه إلى الله ـ عليه، أن يُفرِّغ وجوده كله، ليتلقى ما فيه صلاحه وخيره،
"فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ"[الشرح 7،8].
لو أن كل إنسانٍ، كان صادقاً مع نفسه، وأدرك أن ما يرجوه، أمرٌ مُختَلفٌ فيه، لا يجب أن يصر عليه، وإذا كان يرى أنه الخير كل الخير ـ من وجهة نظره ـ ولكن يُقدِّر أن هناك من له وجهة نظرٍ أخرى، فعليه ألا يصر بعمله، وإنما إذا أراد أن يصر بدعائه، فليصر، بل أنه مطلوبٌ منه أن يصر بالدعاء والرجاء، لا لأنه يقرر ما هو الخير وما هو الشر، ولكن لأنه يفعل ما يرى هو أنه الخير.
وهناك فارقٌ كبير، بين أنك ترى أمراً فيه الخير، وبين الخير المطلق، الذي لا تستطيع أن تحدده. الخير النسبي بالنسبة لك، هو ما تحاول أن تحققه بدعائك وبعملك، دون تعدٍ على الآخرين، في كل أمرٍ من أمور حياتك.
وهذا، هو السلوك القويم، الذي يدعونا الحق إليه،
"...تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ..."[آل عمران 64]،
 ومعنى "...أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ...": هي أن نُكبِر الله ـ أن نضعه في جانبٍ، لأنه تعالى عما نصف، وأكبر مما نعلم.
والآية تفسر نفسها، "...لاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ..."، لأن الذين يتصدرون المشاهد، ويتصدرون للحديث باسم الله، يضعون أنفسهم أرباباً، على الناس أن يتبعوهم. وكل إنسانٍ، إذا لم يفكر هو بنفسه وبعقله، فيما يجب أن يفعله، فهو يتخذ رباً من دون الله، يوم يتبع إنساناً آخر، دون أن يفكر هو، ودون أن يعي هو ما يفعله.
عباد الله: تدبروا ما يحدث حولكم، واتجهوا إلى الله بالدعاء، فيما ترونه خيراً لهذا البلد، ولهذا المجتمع. أكثروا من دعائكم، ومن اتجاهكم لربكم، سائلينه أن يرفع هذه الغمة، وأن يرفع هذه الفتنة، وأن يرفع هذا الهم والكرب، إتجهوا إلى الله بقلوبكم، ليُحِقَّ الحق بلكماته، وليُزهِق الباطل بقدرته.
إنا، ونحن في هذا الشهر الكريم، وفي نهايته من زمننا،
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ..."[البقرة 185]،
 شهر ليلة القدر، وما تُمَثِّله من معانٍ،
"لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ"[القدر 3،4].
هي ليلةٌ تحمل معانٍ كثيرة، ليست مجرد ليلة، ولكنها حال يقوم فيه الإنسان، يوم يُوصَل حقاً بالله، ويوم يكون قد صام رمضان حقاً وصدقاً، إتجه إلى الله، عاش بروحه ومعناه، لم يتثاقل إلى الأرض بذاته وجسده، وشهواته، وظلماته.
يوم يُحقق هذه المعاني حقاً، يكون أهلاً لليلة القدر،
"تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ"، "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ"[فصلت 30].
بسر هذا المعنى، الذي منحه الله للإنسان، وبكل ما وهبنا الله من نعمٍ ومن قدرةٍ، أن نتجه جميعاً في هذه الأيام والليالي، لرفع هذه الغمة، لنكون أداة خيرٍ وسلامٍ ورحمة لنا، ولبلدنا، ولأرضنا.
نسأل الله: أن يحقق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
________________________
 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: أن علينا أن نتعلم مما يحدث حولنا، نتعلم أن نُكبِر الله عن أي صورةٍ وشكل، وعن أي هدفٍ ماديّ، وأن نعلم أن صلاتنا ودعاءنا وصومنا وكل عباداتنا، إن لم نتوجه بها وفيها لله بقلوبٍ خالصة، خالصة من كل شائبة، من كل هدفٍ دنيويّ، من كل أمرٍ ماديّ ـ فإن عباداتنا، قد لا تؤتي الأثر المطلوب فينا، لأن أساس العبادة، هو النية الخالصة.
قد ترى، أن في أمرٍ هو خيرٌ للمجتمع، لا مانع أن تتوجه بالدعاء. ولكن إذا قمت في صلاةٍ، وفي صومٍ، فاجعل صلاتك لله، لله أكبر عن أي شكلٍ وعن أي صورة. عبادتك، تكون خالصة لله، فإذا دعوت، بأنك ترى الخير في أمرٍ ما، فليكن، ولكن لا تتبع ذلك بالاعتداء على الآخر. هذه آدابٌ، في العبادة، والدعاء، والعمل.
ولكن البعض يتصور، أن العبادة، هي في الشكل فقط، وأنك بقيامك في هذا الشكل، تكون قد قمت في العبادة. العبادة، إن لم تكن وراءها وقبلها نيةٌ خالصة لله، فلا معنى لها، ولا أثر لها. ونحن، نعلم هذا في ديننا، أن كل عبادة تسبقها نية، وهذه قيمة النية، ليست مجرد كلماتٍ تقولها، فتكون قد نويت، ولكن النية، هي فهمك فيما تقوم به، وإدراكك لما أُمِرت به، واتجاهك بكلك لله.
عباد الله: نسأل الله: أن تكون عبادتنا خالصة لله، وأن يكون دعاؤنا للخير كل الخير، بالسلام وبالرحمة، وبالعلم والمعرفة، وبالتآلف والتوافق، حتى نصل إلى ما هو أفضل وأحسن وأقوم.  
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه الناس حولنا.
اللهم ونحن نتجه إليك، ونتوكل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.
اللهم فاكشف الغمة عنا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا.
اللهم اصلح أحوالنا حكاماً ومحكومين، رواداً ومرودين.
اللهم لا تجعل لنا في هذه الساعة ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلا قضيتها.
اللهم ألف بين قلوبنا        ،اللهم احيي قلوبنا.
اللهم طهر أرواحنا،        اللهم زكي نفوسنا.
اللهم اثلج صدورنا.                
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
"رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ"[آل عمران 193].
=========================






_______________________

(1) ، (3) أخرجه الطبراني الجامع الصغير للسيوطي بنص:"من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً ".

(2) حديث شريف نصه: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش،  و رب قائم حظه من قيامه السهر". الراوي: عبد الله بن عمر المحدث: الألباني.

 

                                         

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق