الأحد، 26 فبراير 2017

تعلمنا من كل خير أو شر يصيبنا هو الهدف

حديث الجمعة 
27 جمادى الأول 1438هـ الموافق 24 فبراير 2017م
السيد/ علي رافع

حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره وعلى طلبه وعلى مقصود وجهه.
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا حديثاً متّصلاً نتواصى فيه بالحقّ والصّبر بيننا.
عباد الله: إنّ آيات الله تخاطبنا في كلّ ما يخصّنا كأفراد، وفيما يخصّنا كمجتمع. علينا أن نتفهّم هذه الرّسائل بقلوبٍ مفتوحةٍ وعقولٍ منيرة. كلّ ما يخصّ الإنسان كفردٍ من معاملاتٍ مع نفسه، ومن سلوكٍ في حياته، جاءت به آياتٌ لتجعله يتفكّر فيما يجب أن يقوم به، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"[الإنفطار 8:6]، خطابٌ مباشرٌ لكلّ إنسانٍ على هذه الأرض، يبدأ بتحفيزه أن يفكّر فيما يظنّ في الله، "...مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"؟
علينا أن نتفكّر في هذا التّساؤل الذي يكشف عن حال الإنسان، في مواجهته لنفسه ولوجوده كلّه، فيما يظنّ بربّه الكريم. وتجيئ آيةٌ أخرى لترشدنا في تفكيرنا، "فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ"[الفجر  16،15]. إذاً، هذا هو حال الإنسان.
وإذا نظر كلّ إنسانٍ إلى نفسه، لوجد أنّه في هذا الحال بدرجاتٍ متفاوتة، فكلّ إنسانٍ حين يسترجع حياته وما قابله من أحداثٍ، ومن عثراتٍ، ومن كرمٍ، ومن عطاءٍ، إذا استرجع ماذا يقول، حين نسمع بعضنا البعض، نجد أنّ الكلّ حين يتذكّر أمراً جيّداً حدث له فيقول: أنظروا كيف رحمني الله، وكيف أخذ بيدي، وكيف وفّقني. وحين يتذكر حدثاً سيّئاً يقول: لا أعرف لماذا فعل الله بي ذلك، إنّي لم أفعل شيئاً يستحقّ ذلك.
وقد يكون أكثر أدباً فيقول: إنّي لا أعرف لماذا فعل بي ربّي ذلك، وإن كنت أعتقد أنّ هناك ما أستحقّ أن يحدث لي ولا أعرفه. وإذا كان أكثر أدباً فيقول: إنّه قد حدث لي ذلك وأنا أستحقّه، سواء عرفت أو لم أعرف.
إذا كان أقلّ أدباً كثيراً فيقول: لماذا يفعل الله ذلك،؟ لماذا يفعل في عباده ذلك؟ وقد يصل به الحدّ إلى أن يكفر بالله وبعدالته وبحكمه. وهذا هو الحال أيضاً في حال الشّكر، أو في حال الاعتراف بالنّعمة، فيقول ـ كما قلنا ـ: أنّ الله قد أنعم عليّ وحدث لي ذلك، أو أن يقول: أنّ الله أنعم عليّ لأنّي أستحقّ ذلك، وقد يقول: أنّني قطعاً أستحقّ ذلك، فأنا لا يمكن أن يحدث لي شيءٌ لأنّي أعبد الله.
وهذا الذي يقوله الإنسان في هذا الحال أو ذاك، هو درجاتٌ من فهم الإنسان لحياته، ومن فهم الإنسان لقانون الحياة. والآية تحدّثنا عن المغالاة في اتّجاهٍ والمغالاة في اتّجاهٍ آخر، فالمغالاة في الاتّجاه الإيجابي من نظر الإنسان هو أنّه يعتقد أنّه على حقّ؛ لأنّ الله وفّقه.
نجد في تاريخنا ما يعبّر عن هذا الحال، حين وقف أحد الحكّام وقال: طالما أن الله مكّنني من الحكم فأنا الذي على حقّ. قالها معاوية ونسى أنّه "...عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ"[القيامة 14]، وأنّه يعرف ما فعله، وأنّ كلّ ما فعله هو أمرٌ نفسيّ، وحبٌّ دنيويّ للسّلطة والجاه، وهكذا قد يفعل أيّ إنسانٍ، قد يجعله ذلك يغترّ بحاله.
لذلك عبّر الصّوفيّة عن ذلك بقولهم: [ربّ معصيةٍ أورثت ذلّاً وانكساراً، خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزّاً واستكباراً](1)، فأنت وأنت تذكر نعمة الله عليك هي طاعة، ولكن قد يقترن بها إحساسٌ بالكبر وبالعزّة، وبأنّك أفضل من النّاس؛ لأنّ الله فعل لك ذلك. والحالة الأخرى والمغالاة في حال العسرة أيضاً يرجع إلى أنّ الإنسان يغترّ ويتكبّر ويقارن نفسه بالآخرين، فحين تصبه مصيبةٌ يقول لماذا أنا؟ ولماذا أصبت أنا وأنا أفضل من كثيرين؟ فهو أيضاً إحساسٌ بالذّات وبالنّفس.
ولو أنّ الإنسان كان قائماً أمراً وسطاً ما غالى في شكره بأن يقرنه بحاله، وإنّما يكون مفتقراً إلى الله، مستغفراً الله مع حمده، وأن يكون الإنسان كذلك في حال العسرة، حيث يدرك أنّ ما أصابه من مصيبةٍ فإن ذلك عليه أن يتفكّر فيه ليتعلّم منه "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ"[البقرة 156].
وأن يقولوا: "...إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ"، تعني أنّهم يطلبون من الله أن يفقّههم، وأن يعلّمهم برجعوهم إليه وطلبهم مساندته وعفوه، وفي نفس الوقت وهم يستغفرون يحمدون الله أنّ ذلك ربّما ليتعلّموا فيكونوا أفضل، ويخرجوا من العسرة وقد تعلّموا درساً وتحوّلوا من حالٍ إلى حالٍ أفضل.
لذلك فإنّ "...مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"؟ تعني أن يتأمّل الإنسان في كلّ ذلك، وأن يراجع تاريخه وأحواله ليرى أين هو من ذلك، ليعرف الإجابة وليجيب على نفسه بنفسه، وقد سأل نفسه "...مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"؟ إنّه حين يسمع هذه الآية إنّما يجعله ذلك يتساءل أكثر عن ماهيّة حاله، وعن أين هو من ذلك.
وهنا حين نستكمل الآية لنتعلّم منها أيضاً، "الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ"، وهنا يمكننا أن نتأمّل في هذه الكلمات في ضوء التساؤل "...مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"؟ كلّ إنسانٍ وُجِد في حال، صوّره الله في صورة، وأوجد فيه إمكاناتٍ، وطاقاتٍ، وقدرات، هناك أشياءٌ في وجود الإنسان لا يملك أن يغيّرها، في تركيبه الوراثيّ الأساسيّ، في شكله، في بيئته، في أسرته، في الزّمان الذي خُلِق فيه، في البيئة التي تواجد بها، في أبويه، في أخوته، في قدراته.
فإنسانٌ يستطيع أن يحلّل وأن يحلّ مسائل كثيرة، وإنسانٌ قادرٌ على أن يتصوّر وأن يبدع وأن يرسم وأن يؤلّف موسيقى وأن ينتج فنّاً، وإنسانٌ آخر غير قادرٍ على ذلك، هناك أشياءٌ تواجد فيها الإنسان ولا يستطيع أن يغيّرها.
وإن كان النّاس اليوم بجراحاتٍ معيّنة يستطيعون أن يغيّروا في أشكالهم، إنّما لا يستطيعون أن يغيّروا في قدراتهم. وتغييرهم في أشكالهم ـ حتّى ـ هو في حدٍّ معيّن. وهناك الإنسان الذي عنده عيبٌ خلقي، أو أصيب بحادثةٍ ما، فأورثته علّةً لا يستطيع أن يعالجها. وهناك من يعانون من خللٍ في توازنهم العقليّ والنفسيّ، "فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ".
وهناك من عنده حبّ الخير، وهناك من عنده حبّ الشّرّ، "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ..."[الكهف 28]، هناك من يدعو ربّه بالغداة والعشيّ، وهناك من قيل فيهم "...وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا "[الكهف 28]، فٍالمجتمع الذي نعيشه مليءٌ بكلّ هذه الصّور.
وجانبٌ آخر من "...مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ"؟ أن ينظر الإنسان حوله ويقارن بينه وبين الآخرين، لماذا أكون مثل هذا؟ ولماذا هذا الإنسان أعلم مني، أو أقدر مني، أو أقوى مني؟ وأن ينظر إلى آخرين وقد خُلِقوا بهذا العيب الخلقي، أو أصابهم ما يعجزهم، ويقول لماذا فعل الله بهم ذلك؟
وهذا أيضاً حالٌ يقوم فيه الإنسان فيتغالى في أيّ اتجاه، يرفض ما خلقه الله عليه، ويشعر دائماً بأنّه ظُلِم في خلق الله له، وقد يشعر بالعكس أيضاً، كلاهما في هذا الحال. حين ينظر إلى نفسه قد يُعجب بحاله، ويقول أنا أكثر علماً، وأكثر فضلاً، وأكثر قوّةً، "..إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي..."[القصص 78]، كلتا الحالتين فيهما نوعٌ من عدم الاتّزان.
وحين ينظر إلى الآخرين ـ أيضاً ـ قد يأخذ طرفاً متطرّفاً فيقول: هؤلاء يستحقّون ما يحدث لهم، ولا شفقة عليهم، ولا محاولة لمساعدتهم، لقد خُلِقوا كذلك، بظنّ إيمانٍ. وقد يصل إلى الجانب الآخر فيخاطب ربّه ويقول: لماذا فعلت بهم ذلك؟ ـ كما أشرنا ـ فهو أيضاً في حالٍ غير متّزن.
والإتّزان هو محور الحياة، "وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ"[الرحمن 9:7]، أنّ محاولة الإنسان للاتّزان في كلّ حالٍ هو الذي يجعله يسير خطوةً إلى الأمام في طريقه الرّوحيّ والمعنويّ. والاتّزان هو صدقٌ مع الواقع وإدراكٌ له، فيعلم الإنسان أنّ عليه أن يتعامل مع حاضر وجوده.
ويعلم أنّ ما هو الحال عليه هو حالٌ قائم، إن استطاع أن يضيف فيه بالإيجاب فيساعد من هو في حاجةٍ إلى المساعدة، فعل. فهذا أمرٌ حين ينظر الإنسان إلى داخله يجد أنّه محمودٌ في فطرته، وإذا وجد حالاً لا يستطيع أن يقدّم فيه شيئاً، سأل الله العفو والعافية له وللآخرين، وأن يجد أسباباً لمساعدة كلّ محتاجٍ وكلّ عاجزٍ، ليستطيع أن يُكمل حياته على هذه الأرض.
وهو يدرك أنّ هذا واقع، وأنّ هذا الواقع له بعدٌ غيبيّ هو لا يستطيع أن يدركه، وإنّما يعلم أنّ هناك حكمةً وراء كلّ شيء، لا يجعله إيمانه بهذه الحكمة أن يكون متخاذلاً تجاه من يحتاج إليه، ولا تجعله أيضاً رافضاً لهذه الحكمة بأن يقول أو ينسب إليها أنّها أمرٌ ما كان يجب أن يكون كذلك.
بل إنّنا نستطيع أن نرى في أمورٍ كثيرة أنّ الإنسان يوم يتصوّر أنّه يريد أن يغيّر دفع الله النّاس بعضهم ببعض، فيحاول أن يوجد ما سمّاه يوتوبيا أو المدينة الفاضلة، بقوانينه هو، وبفهمه هو، ما أدّت هذه المدينة الفاضلة إلّا إلى فسادٍ من نوعٍ آخر، ورجع النّاس من كلّ هذه التّجارب إلى حكمة الوجود في مجتمعٍ يدفع كلُّ فردٍ فيه بما يرى أنّه الخير، وتدافعهم يخلق اتّزاناً.
ولذلك، فإن السّر في محاولة الإنسان لأن يكسب حياته، هو أن يقيم هذا الاتّزان. ونحن في هذا الحال كميزانٍ له كفّتان، كلّما وضعت ثقلاً في كفّةٍ أثّرت على الأخرى، فتحاول أن توزنها بثقلٍ آخر، فتزداد أيضاً، فتحاول أن تعادل هذا بقوّةٍ في الجانب الآخر، وهكذا.
إنّنا نحاول أن نزن هذا الميزان في حياتنا، وهذه المحاولات قد تجعلنا نقترب من الاتّزان، ولكن لا نعرف على وجه اليقين أنّنا قد وصلنا إلى اتّزانٍ كاملٍ، وسيظلّ الإنسان كذلك في وجوده على هذه الأرض؛ لأنّ الميزان المتّزن تماماً هو أمرٌ مطلقٌ، لا نصل إليه بوجودنا المقيّد.
هكذا نتعلّم من آيةٍ قصيرة أشياءً كثيرة، نتعلّم حياتنا، ونتعلّم وجودنا، ونتعلّم كيف نتعامل مع هذه الحياة ومع هذا الوجود.
نسأل الله: أن يوفّقنا لنكون في اتّزانٍ، أو في قرب اتزانٍ، نوازن فيه بين كلّ ما يحدث لنا من خيرٍ في نظرنا أو شرٍّ في نظرنا، نحاول أن نفهم رسالة الله في كلّ خيرٍ وفي كلّ شرٍّ يصيبنا، ونحن نكون في إدراكٍ لهذه الرّسالة، ونعلم أنّ تعلّمنا من هذه الرّسالة هو الهدف، ليس المطلوب أو لا يطلب الحقّ منّا أن نُعَذَّب في حياتنا أو نُنَعَّم في حياتنا، بقدر ما أن نتعلّم في حياتنا، وأن نكون أكثر استقامةً وأكثر إدراكاً لهذه الحياة.
نسأل الله: أن يوفّقنا لذلك، وأن يجعلنا أهلاً لذلك.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو أنّ الحقّ يخاطبنا كأفرادٍ لنتعلّم كيف نتلقّى رسائله، وأن ننظر إلى أنفسنا ونقارن بين حالنا وبين تفاعلنا مع أحداث الحياة حولنا، وبين ما يُقدّم لنا من حكمةٍ ومن معرفةٍ عن خلقنا، وأن نكون صادقين في تفاعلنا.
فنحن لا نستطيع أن نعرف إرادة الغيب بنا معرفةً كاملة مطلقة، وإنّما نستطيع أن نقرأ ممّا يحدث لنا رسالةً نتعلّم منها، ونرجع في تعلّمنا إلى قدراتنا فيما نستطيع وفيما لا نستطيع، لا نطلق أحكاماً مطلقة، فنحن لسنا أهلاً لذلك، بل علينا أن نُرجِع الأمور إلى داخلنا لنرى في كلّ موقفٍ ما يجب أن نكون عليه وما يجب أن نفعله، سواء كان فعلنا إيجابيّاً بأنّنا نغيّر شيئاً بأيدينا، أو كان فعلنا في ظاهره سلبيّاً، بأنّنا لا نستطيع أن نفعل شيئاً بأيدينا، وإنما نستطيع أن نفعل شيئاً بقلوبنا.
وبين هذا وذاك، هناك التّواصي بالحقّ، والتّواصي بالصّبر، وهذا ما نفهمه من حديث: [من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان](2)، وأضعف الإيمان هنا لا ينقص من قدر الفعل، أو الدّعوة بالقلب؛ لأنّ الحديث منصبٌّ على واقعٍ.
هناك من الأمور ما لا تستطيع أن تغيّرها بيدك أو بقولك، لا تستطيع ذلك إطلاقاً، فإذا كان الحال كذلك فهل هذا يعني أن تتوقّف عن طلب التّغيير لما ترى أنّه الحقّ؟ عليك أن تُكمِل محاولتك بالدّعاء والرّجاء، وبقوّة قلبك وذكرك، وهنا لا يكون أضعف الإيمان.
إنّما يكون أضعف الإيمان حين يكون هناك شيءٌ تستطيع أن تغيّره بيدك فلا تفعل، وأن تصيّره بقولك فلا تفعل، خوفاً أو رهبةً، أو لأيّ سببٍ آخر، وتقول أنّك سوف تدعو. هذا الحال إن قمت فيه بهذا الشّكل فهذا أضعف الإيمان.
إنّما إذا كنت صادقاً في أنّك لا تستطيع أن تغيّر بيدك، حاولت وفشلت، وإنّك لا تستطيع أن تغيّر بقولك، حاولت وفشلت، فهل تستسلم لذلك؟ أم تدعو الله أن يغيّر ما لا تحبّ أن تراه، إلى ما ترى أنت أنّه الخير؟ ومع ذلك تدرك في قرار نفسك أنّ "...وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ..."[البقرة 216]. فهذا المعنى في خلفيّتك موجودٌ، ولكن إن فعلت، أو قلت، أو دعوت، فعليك أن تفعل ما ترى أنت أنّه الخير، وما تحبّ أنت أن يكون، وترى فيه صلاح نفسك وصلاح غيرك.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم ونحن نفوّض أمورنا إليك، ونتوكّل عليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنباً إلّا غفرته، ولا همّاً إلّا فرّجته، ولا مريضاً إلّا شفيته، ولا حاجةً فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.     

____________________

(1)  مقولة لابن عطاء الله السكندري.

(2)    عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق