حديث الجمعة
12 ربيع الأول
1438هـ الموافق 1 ديسمبر 2017م
السيد/ علي رافع
حمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول.
الحمد لله الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود
وجهه.
الحمد لله الذي جعل لنا بيننا حديثاً متّصلاً، نتواصى
فيه بالحقّ والصّبر بيننا.
نتأمّل في آيات الله لنا، ونتفكّر في كلّ ما يدور حولنا،
ونتذاكر بالحقّ على ما نشهده بيننا، مدركين أنّ الحقّ كمعنىً مطلق ليس في وسعنا أن
ندركه، ولكنّنا نتدبّر ونتذاكر فيما نستطيع أن نحيط به، وهذا ما أمِرنا به في آيات
الله لنا، "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ
..."[العنكبوت 20].
والله أرسل ويرسل وسيرسل لنا آياته في الآفاق وفي أنفسنا،
حتّى يتبّين لنا أنّه الحقّ. وكان مولد الذّات المحمّديّة على هذه الأرض، رسالةٌ
من الله لنا يعلّمنا معنى رسول الله، فكان محمّداً ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ هو
رمزٌ لمعنى رسول الله. وهو رسول الله، مولده كان لعبد الله ولآمنة، مولد حقٍّ لهما
وللبشريّة جمعاء. ونحن نتأمّل في معنى العبوديّة لله، وفي معنى النّفس الآمنة،
فبجماعهما يولد رسول الله.
هذا تأمّلٌ، وليس تفسيراً، وليس معلومةً، إنّما هو قراءةٌ
في رسالة مولد رسول الله. هذه القراءة، تعلّمنا كيف يولد الحقّ فينا، كيف يولد النّور
فينا، كيف تولد الرّحمة فينا. فقد وُصِف رسول الله ـ صلوات الله ـ بالنّور، "...
وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ..."[الأنعام 122]، ووُصِف بالرّحمة، [الرّحمة
المهداة](1)، ووُصِف بالنّعمة، [النّعمة
المجزاة](2)، ووُصِف بالحقّ، "وَقُلْ
جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"[الإسراء 81].
والإنسان أمله أن يكون أهلاً لتواجد الحقّ فيه، ولتواجد
الرّحمة فيه، ولتواجد النّور فيه. ليكون كذلك، وليكون أهلاً لذلك، عليه أن يكون
عبداً لله، والعبوديّة لله هي سلوكٌ وقيام، وليست مجرّد وصفٍ كما يتخيّل النّاس،
وكما يتصوّر البعض، على أنّها علاقةٌ بين عبدٍ وسيّده كما يرون في الأرض التي نعيش
عليها.
هذا الوصف هو قائمٌ بطبيعة الحياة، "إِن كُلُّ مَن
فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا"[مريم 93]. هنا، معنى العبد في هذه الآية،
هو أنّ الإنسان لا يملك لنفسه شيئاً في أمورٍ كثيرة في حياته ومماته، في أمورٍ لا
يعرفها ولا يستطيع أن يعرفها، إنّما أُعطِيَ الإنسان قدرةٌ على أن يعرف من أسباب
هذه الحياة الأرضيّة، "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ..."[البقرة 31]، و "... إِنِّي جَاعِلٌ
فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ..."[البقرة 30]، "... وَلَا يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ..."[البقرة 255].
فأصبح الإنسان بخَلْقه قادراً على أن يعرف ما علّمه الله،
بما أوجد من سرّه فيه، وأُمِر أن يبحث في الأرض وأن يسعى في الأرض، وأن يتأمّل،
ويتفكّر، ويتدبّر، ويتعلّم، ويغيّر. فقدرة التّغيير وُجِدت في الإنسان، وقدرة التّعلّم
وجِدت في الإنسان، والإنسان الذي يُفعِّل هذه القدرات فيه يكون في معنى العبوديّة
لله. العبوديّة الحقيقيّة، أنّه يبحث في الأرض، ويحاول أن يتعلّم من تجارب النّاس
والمجتمعات عليها، وهذا تعريفٌ من تعريفات العبوديّة لله، نحبّ دائماً أن نشير
إليه.
القيام في هذا المعنى، مع مجاهدة النّفس وتربيتها لتكون
نفساً زكيّة، نفساً مطمئنة، نفساً راضية، نفساً مرضيّة، نفساً آمنة، أن يضع
الإنسان هدفه أن يكون كذلك، أن يكون عبداً لله حقّاً، وأن يكون نفساً آمنةً حقّاً
ـ يؤهّله ذلك لأن يولد فيه نور، لأن تولد فيه رحمة، لأن تولد فيه طاقة، لأن تقوم
بينه وبين ربّه صلة، أن يكون أهلاً لرسالة الله، ولتلقّي كلمات الله، فيدفعه هذا
النّور فيه إلى الرّقيّ والمعراج المستمرّ، فـ [ما من كمالٍ إلّا وعند الله
أكمل منه](3)، فالرّقيّ لا نهاية له، والكسب
لا نهاية له. هذا ما نتعلّمه وما نتأمّله في مولد رسول الله ـ صلوات الله وسلامه
عليه ـ.
وهذا يُطبّق أيضاً على المجتمع ككلّ، فالمجتمع يمكن أن
تولد فيه هذه الطّاقة، بأن يكون المجتمع كلّه في معنى العبوديّة لله. ومعنى
العبوديّة لله بالنّسبة للمجتمع، هو أن يكون سلوك المجتمع هو سلوك طلبٍ للعلم،
واجتماعٌ على ما هو أفضل وأحسن، وتواصٍ بالحقّ، وتواصٍ بالصّبر، وأمرٌ بالمعروف
ونهيٌ عن المنكر، بالمعنى الحقيقيّ للأمر بالمعروف. فالأمر بالمعروف هو أمرٌ
بالعلم، وأمرٌ بالبحث، وأمرٌ بالأفضل، وليس بصورٍ جامدة، أو بأشكالٍ قديمة متصوَّرة،
إنّما هو في الأمر بمعنى كلّ هذه الأمور التي بُلِّغنا بها في رسالة الحقّ.
وأن تكون قيم المجتمع، هي أن ينشئ أفراداً يطلبون الحقّ،
ويسعون لأن يغيّروا أنفسهم إلى الأفضل والأحسن والأقوم، فيكون المجتمع بذلك، أهلاً
لرحمة الله، ولأن يولد فيه نور الله، وهداية الله، وقوّةٌ من الله، وفضلٌ من الله
ـ يهدي المجتمع كلّه إلى طريق الله.
عباد الله: هكذا نقرأ رسالة الله لنا، في
مولد الذّات المحمّديّة، كمعنىً وقيامٍ لرسول الله. ونجد في آيات الله حين نتأمّلها،
ما يمكن أن نفهم منه ذلك، "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
..."[التوبة 128]، "وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ..."[الحجرات 7]، "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"[آل عمران 104]، "وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ
لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ
وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"[العصر 1 ـ 3].
هناك من يقرأ هذه المعاني قراءاتٍ تاريخيّةٍ فقط، وهناك
من يقرأ هذه الآيات كقوانين حقيّة موجودةٍ على هذه الأرض، كلٌّ يفكّر بطريقةٍ ما،
ولذلك فنحن نقول دائماً: أنّ علينا ألّا نتجمّد في صورةٍ، وأنّ تفكيرنا وتأمّلنا،
هو بالنّسبة لنا صوابٌ ولكنّه يحتمل الخطأ، كما أنّنا نعتقد أنّ تفكير غيرنا خطأٌ
يحتمل الصّواب، ولن نستطيع أن نتكلّم ونحن في هذه الذّات البشريّة إلّا برؤيةٍ
نراها، وإلّا فلن نتكلّم إطلاقاً، وقد أُمِرنا في ديننا أن نذكّر "... إِن
نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ"[الأعلى 9]، والتّذكير هو فيما يعتقد الإنسان أنه الأفضل
والأحسن والأقوم.
ولكنّنا نقول دائماً: أنّ على كلّ إنسانٍ أن يستمع وأن
يفكّر وأن يتدبّر، وألّا يسير وراء أيّ إنسانٍ، وإنّما عليه أن يأخذ كلامه ويُعمِل
فيه عقله، وهذا هو السّلوك الحقيّ، هذا هو سلوك العبد لله، يدعو ربَّه دائماً أن يُصوِّبه،
"وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ
يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ
عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ
عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا"[الكهف 28].
فالاستقامة ـ كما نتفهّمها ـ هي في دعاء الله دائماً،
وفي الاستغفار دائماً، وفي عدم الكبر أو الكبرياء، بل في التّواضع والافتقار.
هكذا نتعلّم ديننا، وهكذا نقرأ آياتنا، وهكذا نتأمّل في
أحداث الحياة في السّابق والحاضر، حتّى نكون أفضل في القادم.
نسأل الله: أن يوفّقنا أن نكون عباداً له خالصين، على
ذكره مجتمعين، ولوجهه قاصدين.
فحمداً لله، وشكراً لله، وصلاةً وسلاماً عليك يا رسول
الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نذكّر به أنفسنا
اليوم: هو التأمّل في مولد الذّات المحمّديّة على هذه الأرض، وفيما يحمله هذا
المولد من معانٍ، وأن نوضّح أنّنا حين نتحدّث في بعض الأحيان، فنقول: معنى رسول
الله، نقصد به معنىً دائم على هذه الأرض، موجوداً في آيات الله التي يرسل لنا في
الآفاق وفي أنفسنا، فهي رسائل من الله لنا.
إذا استقمنا كما أُمِرنا، وكنّا عباداً له صالحين ونفوساً
آمنة، فإنّ فينا مَنْ سوف يقرأ هذه الرّسائل، سيولد فينا نورٌ وعلمٌ وقدرةٌ على أن
نقرأ رسائل الله لنا. وهذا ما نطمع فيه كعبادٍ لله على هذه الأرض، أن نكسب معنى
عبوديّته حقّاً، وأن نستطيع أن نقرأ رسائله لنا حقّاً ـ حتّى نصحّح طريقنا، ونكون
عباداً له صالحين.
والأمر كذلك بالنّسبة لمجتمعنا، فنحن نرجو أن نكون
مجتمعاً يُكبِر معنى العبوديّة لله بمعناها الحقيقيّ، الذي يجمع كلّ صور العبوديّة،
ويجمع صورة العبد الذي يبحث ويسير في الأرض، ويبحث عن الأفضل دائماً، وأن يتعلّم
أسباب الحياة دائماً، أن نكون مجتمعاً متواصياً بالحقّ ومتواصياً بالصّبر، آمراً
بالمعروف وناهياً عن المنكر، كما نُعرِّف دائماً معنى الأمر بالمعروف والنّهي عن
المنكر، وليس كالصّورة التي نشهدها في مجتمعاتنا.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون عباداً له
صالحين، وأن تكون نفسوسنا آمنة ـ لنكون أهلاً لرحمة الله، ولنور الله. وهذا ما
نسأله، وما نطلبه، وما نرجوه.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما
عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك،
ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك دائماً
متعاملين، وعندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقّاً وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل
باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا
أرحم الرّاحمين ارحمنا.
____________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق