الأحد، 29 يوليو 2018

الدّعوة إلى الله كما تحمل معنى الغيب الغير مدرك، فإنّها تحمل أيضًا التّعامل مع الشّهادة المدركة.


حديث الجمعة 
2 رمضان 1439هــ الموافق 18 مايو 2018م
السيد/علي رافع

حمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
الحمد لله، الذي جمعنا على ذكره، وعلى طلبه، وعلى مقصود وجهه.
الحمد لله، الذي جعل لنا بيننا حديثًا متّصلًا، نتواصى فيه بالحقّ والصّبر بيننا، نتدبّر آيات الله لنا، ونحاول أن نكون صادقين في تأمّلنا، مدركين أنّ "... وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ"[يوسف 76]، وأنّ المقصود في النّهاية، ليس أن نصل إلى حقيقةٍ مطلقة، وإنّما أن نحاول، وأن نجتهد، وأن نجاهد، وأن نعمل، وأن نذكر، وأن نتأمّل ونتدبّر.
إدراكنا، أنّنا مهما علمنا، فعلمنا محدود، وأنّنا مهما عرفنا، فمعرفتنا قابلةٌ للخطأ والصّواب، بل في الواقع، فليس هناك خطأٌ أو صواب، إنّما هناك محاولةٌ لأن يقوم الإنسان فيما يرى هو، أنّه الأفضل والأحسن والأقوم، "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ..."[العنكبوت 46]، ، و "... تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ..."[آل عمران 64].
      فالدّعوة هنا، إلى المحاولة للبحث عمّا هو أفضل في حياتنا، وتلك هي معرفة الله، وهي الدّعوة إلى الله، "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"[فصلت 33]. الدّعوة إلى الله، لها وجهان، وجهٌ غيبيّ، ووجهٌ مشهود.
الوجه الغيبيّ، هو أن تعرف أنّك لا تستطيع أن تعرف الله، فهو غيبٌ، ولا نحيط بشيءٍ من علمه إلّا بما شاء، ويوم نحيط بشيءٍ من علمه، يصبح هذا الشّيء هو المشهود، هو ما نستطيع أن نراه بوجودنا المادّيّ.
فالدّعوة إلى الله، كما تحمل معنى الغيب الغير مدرك، فإنّها تحمل أيضًا التّعامل مع الشّهادة المدركة، وهذا هو الأمر الوسط، وهذه هي الصّلاة الوسطى، وهذه هي الدّعوة إلى الحضرتين بالحضرتين، حضرة الغيب، وحضرة الشّهادة.
لذلك، نجد في الآيات اللّاحقة لـ "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، توجيهٌ إلى ما يجب أن يقوم فيه الإنسان على هذه الأرض، توجيهٌ يستطيع كلّ إنسانٍ أن يلمسه، "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ"[فصلت 34]، كلّ إنسانٍ يستطيع أن يميّز بين الحسنة والسّيئة بعقله، وبقلبه، وبإدراكه لعلاقاته مع من يحيطون به.
وهنا، نحن نتحدّث عن الشّهادة، في الشّهادة، أنت تعلم الحسنة والسّيئة بالنّسبة لك، وبالنّسبة لإدراكك، لا نقول بالمطلق، فأنت لا تستطيع أن تعلم المطلق. الحسنة والسّيئة هنا، هما بالنّسبة للإنسان، ولما يرى الإنسان أنّه الأحسن أو الأسوأ.
"ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[فصلت 34]، إفعل ما ترى أنّه الأحسن، وما ترى أنه الأقوم. وهنا، مثلٌ ضمنيّ في علاقتك بالآخرين، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"[فصلت 34]، فالأحسن هنا، الذي تراه بحقّ، هو أن تضع نفسك في موضعٍ لا تنحاز فيه لنفسك، ولا تنحاز فيه لمصلحتك، وإنّما تنحاز فيه إلى مصلحة الآخر، وإلى رؤيته، وإذا كنت تستطيع أن تساعده في ذلك.
لا تجابه العنف بالعنف، وإنّما تجابهه بفهم علاقتك بالآخرين، وهذا هو معنى التّسامح، ومعنى التّراحم. لا تجعل الغضب يستولي عليك، وإنّما أنظر إلى الأحسن في هذا الموقف، تفهّم الرّؤية الأخرى والنّظرة الأخرى، فقد يُعميك الغضب والنّفس الأمّارة بالسّوء، عن أن ترى حقّ الآخر لديك.
فالأحسن، أن تحاول ألّا تقع في أن تظلم إنسانًا، أو أن تؤذي إنسانًا، هذا هو الأحسن والأفضل والأقوم، وليس الأحسن أن تأخذ من إنسانٍ ما ليس من حقّك، ولا تبرّر لنفسك ذلك، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"[فصلت 34].
نيّتك، أنّك تريد أن تصل إلى ما يرضيك ويرضيه، دون ظلمٍ، ودون غبنٍ، ودون استخدامٍ لقوّةٍ، وإنّما أن يكون هناك تراضٍ بينك وبينه، إنّ هذه النيّة منك، ترسل رسالة تسامحٍ إلى الآخر، وتجعله يتفاهم ويتعامل معك بحقّ.
إنّ الآيات، توضّح لنا ما في النّفس البشريّة من أسرار، مقدرتك على فعل ذلك، أن تتوازن بين إيمانك بالغيب وإيمانك بالشّهادة. والبحث عن الأحسن دائمًا فيما أنت قائمٌ فيه، يحتاج منك إلى مثابرةٍ، وإلى مجاهدةٍ، وإلى صبرٍ جميل، "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا"، يُلقَّى هذا الحال، هذا القيام، "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ"[فصلت 35].
وهنا، حين نتأمّل في معنى ذي حظٍ عظيم، سوف نجد هنا، هذا التّعبير يشير إلى أهليّة الإنسان لرحمة الله، فرحمة الله وتوفيقه، هي الحظّ العظيم. لذلك قال القوم: [العناية صدف]، أن يكون الإنسان أهلًا لرحمة الله، هو أمرٌ لا يستطيع الإنسان أن يحدّده بمعايير، وإنّما يستطيع أن يحاول أن يكون أهلًا لذلك.
أمّا أن يتلقّى هذا المعنى العظيم، فهذه رحمة الله وعنايته ومشيئته، لا يستطيع الإنسان أن يحدّدها، لا يستطيع أن يقول أنّني فعلت كلّ شيءٍ، فواجبٌ على الله أن يرحمني، لا يستطيع أن يقول ذلك؛ لأنّ هذا يتعارض مع الشقّ الأول، وهو أنّنا لا نستطيع أن نعرف مشيئة الله، ولا أن نعرف تقدير الله، ولا أن نعرف حكمة الله.
فالإنسان، عليه أن يحاول أن يكون أهلًا لرحمة الله، ويأمل في ذلك، ويدعو بذلك، ولكن لا يستطيع أن يقرّر ذلك، أو أن يحدّد ذلك، أو أن يضع شكلًا لذلك.
عباد الله: نسأل الله: أن نكون من الذين يدعون إلى الله، وأن يكون هذا هو أحسن قولنا، وأن نعمل صالِحًا، وأن نسير في طريق الحقّ والحياة، وأن نتفهّم آيات الله.
عباد الله: نسأل الله: أن يحقّق لنا ذلك، وأن يجعلنا كذلك.
فحمدًا لله، وشكرًا لله، وصلاةً وسلامًا عليك يا رسول الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله.
عباد الله: ما أردنا أن نقوله اليوم: هو تأمّلٌ في معنى الدّعوة إلى الله، في معنى الآية: "وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، وأن نكون من الذين يدعون إلى الله، بقدر مفهومنا، وبقدر إدراكنا.
نحاول دائمًا، أن نميّز بين ما نراه من أحسنٍ وسيّئ، وأن نرجع إلى قلوبنا وعقولنا، لتقدير ذلك فيما يحيط بنا، وأن تكون اختياراتنا، أن ندفع بالتي هي أحسن. وأن نذكر الله كثيرًا بقلوبنا، حتّى نستطيع أن نميّز. وأن نتأمّل بعقولنا كثيرًا في كلّ أمرٍ، حتّى نستطيع أن نفرّق. وأن نرجع إلى ضمائرنا كثيرًا، حتّى يتبين لنا الحسن من السّيئ.
وإذا اخترنا، اخترنا الحسن مهما كانت تداعياته، ورفضنا السّيئ مهما كان ظنّنا في مكاسبٍ قد نحصل عليها منه. إنّها محاسبة النّفس ومراقبتها، إنّه السّلوك في طريق الله، إنّه كسب الحياة. فإذا أردنا أن نكسب الحياة، فعلينا أن نحاول أن نكون كذلك، لنكسب حياتنا بأن نكون أهلًا لرحمة الله.
وكسبنا، هو أملٌ ورجاء لا نقدّره نحن، وإنّما يقدّره الله، و "... اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ..."[الأنعام 124]، وحيث يضع رحمته، كلّ ما نستطيع أن نفعله في حياتنا، أن نحاول بقدر علمنا، وأن نذكر بقلوبنا، وأن نعمل بأجسادنا كلّ ما نرى فيه الخير، ونرى فيه الصّلاح والفلاح.
اللهم وهذا حالنا لا يخفى عليك، تعلم ما بنا، وتعلم ما عليه النّاس حولنا.
اللهم ونحن نتّجه إليك، ونتوكّل عليك، ونوكل ظهورنا إليك، ونسلم وجوهنا إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلّا إليك.
اللهم فاكشف الغمّة عنّا، وعن بلدنا، وعن أرضنا.
اللهم ادفع عنّا شرور أنفسنا، وشرور الأشرار من حولنا.
اللهم اجعلنا لك خالصين، لوجهك قاصدين، معك متعاملين، عندك محتسبين.
اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.
اللهم لا تجعل لنا في هذه السّاعة ذنبًا إلّا غفرته، ولا همًّا إلّا فرّجته، ولا حاجةً لنا فيها رضاك إلّا قضيتها.
اللهم ارحمنا، واغفر لنا، واعف عنا.
يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا، يا أرحم الرّاحمين ارحمنا.













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق